اُشتق معنى التقوى من الوقاية وهو أن ينحى الإنسان مناحٍ من شأنها أن تجنّبه من الانزلاق في المعصية والرذيلة فيكون قد أخذ الوقاية من العقاب والمؤاخذة من الله تعالى، وهو المخرج الحقيقي والوحيد للوصل إلى رضا الخالق وإنّ تقوى الله جل جلاله هي حقيقة وترجمة لإيمان الإنسان بربه سبحانه وتعالى، فهو القائل في محكم كتابه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ{ فهي الإيمان الحقيقي حين يتجسد على الأرض ممارسة وعملاً، ولا يكون بمجرد ادِّعاء وتظاهر به أمام أعين البشر لأن مثل هذا الادّعاء لا يُسمن ولا يغنى من جوع وهو بمثابة نفخ الهواء في شبك في محاولة غبية لملء هذا الشبك وهو يعلم مقدمًا أن عمله هذا غير منتج لكنه نسى او تناسى أن ما يجنيه سرابًا لا أكثر، ومن هنا تبرز أهمية التقوى الحقيقية التي أوصى بها القرآن الكريم وفي آيات متعددة وجاء بعدها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) مؤكدًا على هذا المعنى، فروح النبي وتوجهاته لابدّ أن تتفق مع مبادئ القرآن الكريم وقيمه، وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام ) التقوى بقوله: (التَّقْوَى رَئِيسُ الْأَخْلَاق) وجاء في الحديث تفسير لطيف لمعنى تقوى الله جل وعلا وأهميتها، إذ سئل الإمام الصادق(عليه السلام ) عن تفسير التقوى فأجاب (أَنْ لَا يَفْقِدَكَ اللَّهُ حَيْثُ أَمَرَكَ وَلَا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاك) وللتقوى خصال ومميزات متعددة تمنحها لصاحبها منها:
1- تقوى الله تعالى خير لباس:
فقد وردت عدد من الآيات تشير بالضرورة إلى هذا المعنى نذكر منها الآية الكريمة التي تقول:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون} .
وعن الإمام الباقر(عليه السلام ) في تفسير هذه الآية: (فَأَمَّا اللِّبَاسُ فَالثِّيَابُ الَّتِي يَلْبَسُونَ، وَأَمَّا الرِّيَاشُ فَالْمَتَاعُ وَالْمَالُ، وَأَمَّا لِبَاسُ التَّقْوَى فَالْعَفَافُ -لِأَنَّ الْعَفِيفَ لَا تَبْدُو لَهُ عَوْرَةٌ- وَإِنْ كَانَ عَارِياً مِنَ الثِّيَابِ، وَالْفَاجِرَ بَادِي الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ كَاسِياً مِنَ الثِّيَابِ، يَقُولُ وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ يَقُولُ الْعَفَافُ خَيْر).
والتعفف ينبغي أن يكون في كل الاتجاهات أي بمعنى ان يكون حاميا للإنسان من كل الامور السلبية التي تطيح بعقل الإنسان فتؤدي به إلى مهاوي الرذيلة لا سمح الله فالعفاف هو الحاجز الذي يمنع الإنسان العاقل والواعي الذي يحكمه دينه وضميره قبل أي شيء ويقف بوجهه ليوقفه من الانقياد وراء الرغبات الجامحة والشهوات الحيوانية التي تعصف بالإنسان بين حين وآخر ولأجل هذا كانت التقوى هي الساتر الذي يغطي عورات الإنسان من كلِّ الصفات السيئة التي لولا وجودها لأصبح الإنسان كالحيوان المفترس سائرا وراء غرائزه وشهواته التي لا تزيده إلّا خسارا.
2- التقوى أمنع الحصون
وقد جاء هذا الوصف الدقيق للتقوى في عدد من الروايات والأحاديث الواردة في هذا المعنى، لأن العامل بالتقوى حقاً وصدقاً المراقب لسلوكياته يكون قد أعد حصناً حصينا داخل نفسه صاداً لهجمات الشياطين القوية والمؤذية، فعن الإمام علي (عليه السلام ): (التَّقْوَى حِصْنٌ حَصِينٌ لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْه).
وعنه(عليه السلام ): (التَّقْوَى حِرْزٌ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا).
ويعلل سبب ذلك في حديث آخر عنه (عليه السلام ): (إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ والرِّيَّ بِالظَّمَإِ واسْتَقْرَبُوا الْأَجَل فَبَادَرُوا الْعَمَلَ وكَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا الْأَجَل…) .
وللتقوى آثار ايجابية على المتقين على الصعيدين الدنيوي والاُخروي منها الفَرَج: قال سبحانه تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}.
وعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): (ولَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ والْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا فَرَجاً ومَخْرَجاً).
وعن الإمام علي (عليه السلام ): (مَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا واحْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا)
فعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): “يا أيها الناس اتخذوا التقوى تجارة، يأتكم الرزق بلا بضاعة ولا تجارة”، ثم قرأ الآية: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
وكذلك يدرأ الله البلايا عن الإنسان المتقي فعن الإمام الصادق (عليه السلام ): وَمَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ بِتَقْوَاهُ عَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ أَقْبَلَ اللَّهُ قِبَلَهُ وَعَصَمَهُ لَمْ يُبَالِ لَوْ سَقَطَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ-وَإِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَشَمِلَتْهُمْ بَلِيَّةٌ كَانَ فِي حِرْزِ اللَّهِ بِالتَّقْوَى مِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ أَ لَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُول{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}.
وفي الختام لابدّ من الاشارة إلى نقطة جوهرية وهي أن الصفة العامة لأهل التقوى هي الالتزام بالتكاليف والاحكام السماويّة والتقيد بجميع تفاصيلها سواء صغيرة أم كبيرة ومن ذلك تتجلى فيهم كل المعاني الإنسانية والأخلاقية السامية كالصدق، والأمانة، والزهد، والتعلق بأهل البيت(عليهم السلام)، وولاية أحباء الله سبحانه؛ إذ لابدّ لكل إنسان ينهل من منهل أهل البيت(عليهم السلام) وأن يترك الضغائن والأحقاد وأن يسارع إلى عمل الخير لصالح الأمة والمجتمع ولمثل ذلك فليتنافس المتنافسون.
كرار محسن