هذا اليوم هو آخر جمعة من شهر رمضان، الذي يتميّز بجملة من الخصائص، عليها:
أ- سيد أيّام الأسبوع
إنّ يوم الجمعة هو اليوم الأفضل من بين أيام الأسبوع، فعن الإمام الصادق (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعة الأخيرة من شهر الله
هذا اليوم هو آخر جمعة من شهر رمضان، الذي يتميّز بجملة من الخصائص، عليها:
أ- سيد أيّام الأسبوع
إنّ يوم الجمعة هو اليوم الأفضل من بين أيام الأسبوع، فعن الإمام الصادق (ع): “إنّ الله
اختار من كلّ شيء شيئاً، فاختار من الأيّام يوم الجمعة” .
وعن الإمام الباقر (ع): “ما طلعت شمس بيوم أفضل من يوم الجمعة” .
وعن رسول الله (ص): “إن يوم الجمعة سيّد الأيّام، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه
السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات، وتكشف فيه الكربات، وتُقضى فيه
الحوائج العظام، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار، ما دعا به من أحد من الناس،
وعرف حقّه وحرمته إلا كان حقّاً لله عز وجل أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار، فإن مات
في يومه أو ليلته مات شهيداً، وبعث آمناً، وما استخفّ بحرمته وضيّع حقّه إلاّ كان حقّاً على
الله عز وجل أن يصليه نار جهنّم إلاّ أن يتوب” .
وقد ورد عن النبي (ص) وأهل البيت (ع) أن يوليه المؤمن بعناية خاصّة في عدّة عناوين منها:
1- العبادة
عن الإمام الصادق (ع): “من وافق منكم يوم الجمعة، فلا يشتغلن بشيء غير العبادة، فإنّ
فيه يُغفر للعباد، وتنزل عليهم الرحمة” .
وهذا العنوان عام يشمل عدّة عناوين تأتي.
2- الدعاء
عن الإمام علي (ع): “أكثروا المسألة في يوم الجمعة والدعاء؛ فإنّ فيه ساعات يستجاب فيها
الدعاء والمسألة…” .
وورد عن السيدة الزهراء (ع) تأكيد على الدعاء حينما يتدلى نصف عين الشمس للغروب”.
3- الذكر
عن الإمام الصادق (ع): ” إنّ لله كرائم في عباده خصَّهم بها في كلّ ليلة جمعة ويوم جمعة،
فأكثروا فيها من التهليل والتسبيح والثناء على الله، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله” .
وعن النبي (ص): ” من صلى عليّ يوم الجمعة مائة صلاة قضى الله له ستين حاجة ثلاثون
للدنيا وثلاثون للآخرة” .
وعن الإمام الباقر (ع): ” ما من شيء يعبد الله به يوم الجمعة أحبّ من الصلاة على محمّد
وآل محمّد” .
4- الغسل
عن الإمام الباقر (ع): “لا تدع الغسل يوم الجمعة؛ فإنّه سُنّة” .
5- السبق إلى المسجد
عن الإمام الباقر (ع): “إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقرّبون معهم قراطيس من فضّة،
وأقلام من ذهب، فيجلسون على أبواب المسجد، على كراسي من نور، فيكتبون الناس على
منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام، فإذا خرج طَووا صحفهم، ولا يهبطون في شيء من
الأيّام إلاّ يوم الجمعة” .
6- التعلّم
“أفّ على مسلم لم ينفق من أسبوعه يوم الجمعة في تعلّم دينه، ولم يتفرّغ فيه لذلك” .
7- التصدُّق
عن الإمام الباقر (ع): “إذا أردت أن تتصدّق بشيء قبل الجمعة، فأخّره إلى يوم الجمعة” .
وعنه (ع): “الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام” .
8- التنظيف والتطيّب
عن الإمام الصادق (ع): “… الجمعة للتنظيف والتطيّب” .
وسُئل (ع): “ما ثواب من أخذ من شاربه، وقلّ أظفاره في كلّ جمعة؟ فقال (ع): لا يزال
مطهّراً إلى الجمعة الأخرى” .
9- التوسعة على العيال
عن الرسول الأكرم (ص): ” أطرفوا أهاليكم كلّ جمعة بشيء من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا
بالجمعة” .
10- زيارة القبور
سئل الإمام الباقر (ع) عن زيارة القبور فأجاب (ع): “إذا كان يوم الجمعة فزرهم، فإنّه من
كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس” .
ب- أفضل جمعات السنة
إضافة إلى فضل يوم الجمعة بنفسه، فإنّ فضله يزيد في كونه يوماً من أيّام شهر رمضان الذي
ورد فيها عن رسول الله (ص) “أيامه أفضل الأيام” .
ج- جمعة وداع شهر الله
إنّ هذا اليوم هو آخر يوم جمعة من شهر رمضان، وهو يستوقفنا أمام سؤال حساس هو:
هل نجحنا في مدرسة شهر رمضان؟ ولو بالحدّ الأدنى الذي ورد فيه عن الإمام علي (ع): “إنّ
أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك الموت في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا
عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون” .
أخوتي أخواتي
في هذا اليوم ما زالت أبواب السماء مفتّحة للتوبة والدعاء.
كم من الأشقياء تحوّلوا في آخر ساعاتهم إلى سعداء، فها هو الحرّ بن يزيد الرياحيّ تحوّل قبل
ساعات من رحيله عن الدنيا من إنسان كاد أن يكون على رأس قائمة الملعونين إلى شهيد من
العشاق الذين لا يسبقهم أحد قبلهم، ولا يلحق بهم أحد بعدهم.
كم من الأشقياء تأثروا بالنداء الإلهيّ بعد طيش طويل مضى كالفضيل بن عيّاض الذي ورد
أنّه كان قاطعاً للطرق، يخافه الناس، وذات يوم فيما كان سالكاً طريق الحرام، إذ به يسمع
قارئاً لكتاب الله يتلو قوله تعالى: ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ” ، فلما
سمعها قال: بلى يا رب، قد آن. فرجع، فأواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم:
نرتحل وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلاً على الطريق، يقطع علينا قال: ففكَّرت، قلت:
أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين يخافونني ههنا، وما أرى الله ساقني إليهم إلا
لأرتدع. اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام” .
فلندعو الله تعالى بما علمنا إياه أهل بيت نبيّه “اللهم وهذه أيام شهر رمضان قد انقضت
ولياليه قد تصرّمت، وقد صرت يا إلهي منه إلى ما أنت أعلم به مني ، وأحصى لعدده من
الخلق أجمعين ، فأسألك بما سألك به ملائكتك المقربون ، وأنبياؤك المرسلون ، وعبادك
الصالحون ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تفك رقبتي من النار ، وتدخلني الجنة
برحمتك ، وأن تتفضل على بعفوك وكرمك ، وتتقبل تقربي ، وتستجيب دعائي وتمن علي
بالأمن يوم الخوف من كل هول أعددته ليوم القيمة ، إلهي وأعوذ بوجهك الكريم ، بجلالك
العظيم ، أنت تنقضي أيام شهر رمضان ولياليه ولك قبلي تبعة أو ذنب تؤاخذني به أو
خطيئة تريد أن تقتصها مني لم تغفرها لي . سيدي سيدي سيدي أسألك يا لا إله إلا أنت إذ
لا إله إلا أنت إن كنت رضيت عني في هذا الشهر فازدد عني رضا ، وإن لم تكن رضيت عني
فمن الان فارض عني يا أرحم الراحمين ، يا الله يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن
له كفوا أحد” .
د- جمعة القدس
إنّ الجمعة الأخيرة من شهر رمضان هو اليوم الذي اختاره الإمام الخميني (قده) ليذكّر الأمّة
بالاتجاه الصحيح لبوصلتها السياسية.
فقد شخّص الإمام (قده) منذ بداية مسيرته الجهاديّة خصمين:
1- خضم تكتيكي هو شاه إيران وملكها.
2- خصم وجودي هو إسرائيل.
ففي عام 1963 أراد الإمام أن يخطب خطبة قم الشهيرة، صعد الإمام المنبر، وقال: “لقد
أخبروني اليوم بأنّ بعض الخطباء قد استدعوهم إلى مديرية الأمن، وقالوا لهم: عليكم أن لا
تتدخلوا في ثلاثة أشياء، وهي أن تتركوا الشاه وشأنه، وإسرائيل وشأنها، وثالثاً أن لا تقولوا بأنّ
الدين في خطر، وعدا ذلك يمكنهم أن تقولوا ما تشاؤون”.
عجباً، أنّنا إذا تركنا هذه الأمور الهامة الثلاثة، فماذا يبقى لنا أن نتحدَّث به؟
إنّ كلَّ ما عندنا من مصائب ومعاناة هي من هذه الأمور الثلاثة”.
لقد اعتبر الإمام الخميني (قده) أنّ الكيان الصهيوني هو جرثومة وغدّة سرطانية، إن بقيت
داخل الجسم الإسلامي في جغرافيته، فإنّ الجسم سيبقى في دائرة الخطر والانتهاء، والحلّ هو
استئصالها من الوجود.
ومن هنا اعتبر القدس صراط الحق، والشاخص لتحديد المسار السياسي الصحيح، بمعنى أنّ
من انحرف عن صراط القدس فقد ضلّ وساء سبيلاً، من هنا عظّم الإمام الخميني (قده) يوم
القدس، فقال:
يوم القدس يوم الإسلام.
يوم القدس يوم إحياء الإسلام.
بل اعتبر أنّ قضية القدس لا ترتبط فقط بالمسلمين، بل بكلّ المستضعفين في العالم، فقال يوم
القدس يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين.
وما أحوجنا اليوم في ظلّ المركب العربي الذي يتحرّك هذه الأيام دون قبطان وسط أمواج
عاتية، لا تُعرف جهة مساره، بل إنّ الكثير قد فقد البوصلة الصحيحة للمسار الصحيح وهي
القدس وقضية فلسطين.
إننّا في أواخر أيام شهر رمضان كما نحن بحاجة إلى الالتفات إلى الذات لتثبيتها على صراط
الاستقامة، فنحن بحاجة إلى عمل جاد لتثبيت الأمّة على صراط الحقّ لتعبر فيه بسلام، ألا وهو القدس .
المصدر:موقع سراج القائم (عج)