التعليممقالات

الوحدة حول مائدة الكتاب والسنة …

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة على محمّد وآله الطاهرين، والسلام على أصحابه البررة الميامين.
وبعد: تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا، وسيطر الأعداء علينا، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46).
وينبغي لنا اليوم وفي كلّ يوم أن نرجع إلى الكتاب والسنّة في ما اختلفنا فيه ونوحّد كلمتنا حولهما، كما قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(النساء/59).
وفي هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب والسنّة ونستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.
راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال، ويبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان:
بيروت     
ص.ب 124/24
العسكـري   

تعريف الصحابي لدى المدرستين
1 ـ تعريف الصحابي في مدرسة الخلفاء
قال ابن حجر في مقدمة الاصابة، الفصل الأوّل في تعريف الصحابي:
الصحابيّ من لقي النبي (ص) مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى(1).
وذكر في “ضابط يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير” قال:
إنّهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلاّ الصحابة.
وانّه لم يبق بمكّة ولا الطائف أحد في سنة عشر إلاّ أسلم وشهد مع النبي حجّة الوداع.
وانّه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبي (ص) إلاّ دخل في الإسلام.
وما مات النبي (ص) وأحد منهم يُظهِر الكفر(2).
وإذا راجع باحث أجزاء كتابنا “خمسون ومائة صحابي مختلق” يرى مدى تسامحهم في ذلك ومبلغ ضرره على الحديث.
2 ـ تعريف الصحابي بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
الصاحب وجمعه: صحب، وأصحاب، وصحاب، وصحابة(3). والصاحب: المعاشر(4) والملازم(5)، ولا يقال إلاّ لمن كثرت ملازمته(6)، وانّ المصاحبة تقتضي طول لبثه(7).
وبما أنّ الصحبة تكون بين اثنين، يتّضح لنا أنّه لابدّ أن يضاف لفظ “الصاحب” وجمعه “الصحب و …” إلى اسم ما في الكلام، وكذلك ورد في القرآن في قوله تعالى: (يَا صَاحِبَي السِّجْنِ) و (أَصْحَابُ مُوسَى)، وكان يقال في عصر الرسول(صلى الله عليه وآله): “صاحب رسول الله” و “أصحاب رسول الله” مضافاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما كان يقال: “أصحاب بيعة الشجرة” و “أصحاب الصفَّة” مضافاً إلى غيره، ولم يكن لفظ الصاحب والأصحاب يوم ذاك أسماءاً لأصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولكن المسلمين من أصحاب مدرسة الخلافة تدرجوا بعد ذلك على تسمية أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصحابي والأصحاب، وعلى هذا فإنّ التسمية من نوع تسمية المسلمين ومصطلح المتشرّعة.
كان هذا رأي المدرستين في تعريف الصحابي.
3 ـ ضابطتهم لمعرفة الصحابي ومناقشتها
بالإضافة إلى ما ذكرنا عرّف مترجمو الصحابة بمدرسة الخلفاء ضابطة لمعرفة الصحابي كما نقلها ابن حجر في
الاصابة وقال:
وممّا جاء عن الأئمة من الأقوال المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابياً وإن لم يرد التنصيص على ذلك، ما أورده ابن أبي شيبة في مصنّفه من طريق لا بأس به: أنهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلاّ الصحابة(8).
والرواية التي جاءت من طريق لا بأس به بهذا الصدد، هي التي رواها الطبري وابن عساكر بسندهما عن سيف عن أبي عثمان عن خالد وعبادة قال فيها:
وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا من يحتمل ذلك(9).
وفي رواية أُخرى عند الطبري عن سيف قال:
إنّ الخليفة عمر كان لا يعدل أن يؤمّر الصحابة إذا وجد من يجزي عنه في حربه، فإن لم يجد ففي التابعين باحسان، ولا يطمع مَن انبعث في الرواة في الرئاسة …(10).
4 ـ مناقشة ضابطة معرفة الصحابي
إنّ مصدر الروايتين هو سيف المتّهم بالوضع والزندقة(11).
وسيف يروي الضابطة عن أبي عثمان، وأبو عثمان الذي يروي عن خالد وعبادة في روايات سيف، تخيّله سيف، يزيد بن أسيد الغساني، وهذا الاسم من مختلقات سيف من الرواة(12).
ومهما تكن حال الرواة الذين رووا هذه الروايات وكائناً من كان، فإنّ الواقع التاريخي يناقض ما ذكروا.
فقد روى صاحب الأغاني وقال:
أسلم امرؤ القيس على يد عمر وولاّه قبل أن يصلّي لله ركعة واحدة(13).
وتفصيل الخبر في رواية بعدها عن عوف بن خارجة المرّي قال:
والله إنّي لعند عمر بن الخطاب (رض) في خلافته إذ أقبل رجل أفحج أجلح أمعر(14) يتخطّى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر فحيّاه بتحية الخلافة.
فقال له عمر: فمن أنت؟
قال: أنا امرؤ نصراني، أنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي، فعرفه عمر، فقال له: فما تريد؟
قال: الإسلام.
فعرضه عليه عمر، فقبله ثمّ دعا له برمح فعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة(15)، فأدبر الشيخ واللواء يهتزّ على رأسه … ، الحديث(16).
ويخالفه ـ أيضاً ـ ما في قصة تأمير علقمة بن علاثة الكلبي بعد ارتداده، وقصته كما في الأغاني والإصابة(17)بترجمته ما يلي:
أسلم علقمة على عهد رسول الله وأدرك صحبته ثمّ ارتدّ على عهد أبي بكر، فبعث أبو بكر إليه خالد ففرّ منه.
قالوا: ثمّ رجع فأسلم.
وفي الاصابة:
شرب الخمر على عهد عمر فحدّه فارتدّ ولحق بالروم فأكرمه ملك الروم، قال له: أنت ابن عمّ عامر بن الطفيل، فغضب وقال: لا أراني أُعرف إلاّ بعامر(18)، فرجع وأسلم.
وفي الأغاني والإصابة واللفظ للأول:
لمّا قدم علقمة بن علاثة المدينة وكان قد ارتدّ عن الاسلام، وكان لخالد بن الوليد صديقاً، فلقيه عمر بن الخطاب (رض) في المسجد في جوف الليل، وكان عمر (رض) يشبّه بخالد، فسلّم عليه وظنّ أنّه خالد.
فقال له: عزلك؟
قال: كان ذلك.
قال: والله ما هو إلاّ نفاسة عليك وحسداً لك.
فقال له عمر: فما عندك معونة على ذلك؟
قال: معاذ الله، إنّ لعمر علينا سمعاً وطاعةً وما نخرج إلى خلافه.
فلمّا أصبح عمر (رض) أذن للناس فدخل خالد وعلقمة.
فجلس علقمة إلى جنب خالد، فالتفت عمر إلى علقمة، فقال له:
أيه يا علقمة أنت القائل لخالد ما قلت؟
فالتفت علقمة إلى خالد، فقال:
يا أبا سليمان أفعلتها؟
قال: ويحك! والله ما لقيتك قبل ما ترى، وإنّي أراك لقيت الرجل.
قال: أراه والله.
ثمّ التفت إلى عمر (رض) فقال:
يا أمير المؤمنين! ما سمعت إلاّ خيراً.
قال: أجل، فهل لك أن أُولّيك حوران(19).
قال: نعم.
فولاّه إيّاها فمات بها، فقال الحطيئة يرثيه … الحديث.
وزاد في الإصابة:
فقال عمر: لأن يكون من ورائي على مثل رأيك أحبّ إليّ من كذا وكذا.
* * *
كان ما نقلناه هو الواقع التاريخي، غير أنّ علماء مدرسة الخلفاء استندوا إلى ما رووا واكتشفوا ممّا رووا ضابطة لمعرفة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأدخلوا في عداد الصحابة مختلقات سيف بن عمر المتّهم بالزندقة ممّا درسناه في كتابنا “خمسون ومائة صحابي مختلق”.
بعد دراسة رأي المدرستين في تعريف الصحابي، ندرس في ما يلي أمر عدالة الصحابة لدى المدرستين.
عدالة الصحابة لدى المدرستين

1 ـ رأي مدرسة الخلفاء في عدالة الصحابة
ترى مدرسة الخلفاء أنّ الصحابة كلّهم عدول وترجع إلى جميعهم في أخذ معالم دينها.
قال إمام أهل الجرح والتعديل الحافظ أبو حاتم الرازي(20) في تقدمة كتابه:
فأمّا أصحاب رسول الله (ص) فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عزّ وجلّ لصحبة نبيّه (ص) ونصرته، وإقامة دينه، وإظهار حقّه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه (ص) ما بلّغهم عن الله عزّ وجلّ، وما سنَّ وشرع، وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدين وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله (ص) ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرّفهم الله عزّ وجلّ بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيّاهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والفخر واللمز وسمّاهم عدول الأُمّة، فقال عزّ ذكره في محكم كتابه: (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، ففسّر النبي (ص) عن الله عزّ ذكره قوله (وَسَطاً)قال: “عدلا”. فكانوا عدول الأُمّة، وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة.
وندب الله عزّ وجلّ إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم، فقال: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نولّهُ مَا تَوَلَّى) الآية(21).
ووجدنا النبي (ص) قد حضّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها، منها أن دعا لهم فقال: “نضّر الله إمرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره”، وقال (ص) في خطبته: “فليبلغ الشاهد منكم الغائب”، وقال: “بلّغوا عنّي ولو آية وحدّثوا عنّي ولا حرج”.
ثمّ تفرّقت الصحابة (رض) في النواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثَّ كلّ واحد منهم في ناحيته والبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله (ص)، وأفتوا في ما سألوا عنه ممّا حضرهم من جواب رسول الله (ص) عن نظائرها من المسائل، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمه لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن الحلال والحرام، حتى قبضهم الله عزّ وجلّ رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين.
وقال ابن عبد البرّ في مقدمة كتابه الاستيعاب(22): ثبتت عدالة جميعهم.
ثمّ أخذ بايراد آيات وأحاديث وردت في حقّ المؤمنين منهم نظير ما أوردناه من الرازي.
وقال ابن الأثير في مقدّمة اُسد الغابة(23):
… إنّ السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين إنّما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأوّلهم والمقدّم عليهم أصحاب رسول الله (ص)، فاذا جهلهم الانسان كان بغيرهم أشدّ جهلا وأعظم إنكاراً، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم …
والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك، إلاّ في الجرح والتعديل، فانّهم كلّهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح … .
وقال الحافظ ابن حجر في الفصل الثالث، في بيان حال الصحابة من العدالة من مقدمة الاصابة(24):
اتّفق أهل السنة على أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة … .
وروى عن أبي زرعة أنّه قال:
إذا رأيت الرجل يتنقّص أحداً من أصحاب رسول الله (ص) فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ الرسول حقّ، والقرآن حقّ، وما جاء به حقّ، وإنّما أدّى ذلك الينا كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة(25).
كان هذا رأي مدرسة الخلفاء في عدالة الصحابة، وفي ما يلي رأي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك:

2 ـ رأي مدرسة أهل البيت في عدالة الصحابة
ترى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تبعاً للقرآن الكريم: أنّ في الصحابة مؤمنين أثنى عليهم الله في القرآن الكريم وقال في بيعة الشجرة مثلا: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح/18).
فقد خصّ الله الثناء بالمؤمنين ممّن حضروا بيعة الشجرة، ولم يشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبد الله بن أُبي وأوس بن خولى(26).
وكذلك تبعاً للقرآن ترى فيهم منافقين ذمّهم الله في آيات كثيرة، مثل قوله تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم )(التوبة/101).
وفيهم من أخبر الله عنهم بالإفك، أي من رموا فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإفك(27) ـ نعوذ بالله من هذا القول ـ .
وفيهم من أخبر الله عنهم بقوله: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً) (الجمعة/11)، وكان ذلك عندما كان رسول الله قائماً في مسجده يخطب خطبة الجمعة.
وفيهم من قصد اغتيال رسول الله في عقبة هرشى عند رجوعه من غزوة تبوك(28) أو من حجّة الوداع(29).
وإنّ التشرّف بصحبة النبي (صلى الله عليه وآله) ليس أكثر امتيازاً من التشرّف بالزواج بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فإنّ مصاحبتهنّ له كانت من أعلى درجات الصحبة، وقد قال الله تعالى في شأنهنّ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَل صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرهَا مَرَّتَيْنِ وأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ …)(الأحزاب/30-32).
وقال في اثنتين منهما: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِير) إلى قوله تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَنْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فَرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةَ … وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ …) (التحريم من أول السورة إلى آخرها).
ومنهم من أخبر عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) في قوله عن يوم القيامة:
“وانّه يُجاء برجال من أُمّتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا ربّ أصيحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم)، فيُقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم”(30).
وفي رواية:
“ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك”(31).
وفي صحيح مسلم:
“ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتى إذا رأيتهم رفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولنّ: أي ربّ أصيحابي، فليقالنّ لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك”(33).

3 ـ ضابطة لمعرفة المؤمن والمنافق
لمّا كان في الصحابة منافقون لا يعلمهم إلاّ الله، وقد أخبر نبيّه بأنّ علياً لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق، كما رواه: الإمام عليّ (عليه السلام)(34)، وأمّ المؤمنين أمّ سلمة(35)، وعبد الله بن عباس(36)، وأبو ذر الغفاري(37)، وأنس بن مالك(38)، وعمران بن حصين(39)، وكان ذلك شائعاً ومشهوراً في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال أبو ذر: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلّف عن الصلوات والبغض لعليّ بن أبي طالب(40).
وقال أبو سعيد الخدري: إنّا كنّا لنعرف المنافقين ـ نحن معاشر الأنصار ـ ببغضهم عليّ بن أبي طالب(41).
وقال عبد الله بن عباس: إنّا كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم عليّ بن أبي طالب(42).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب(43).
لهذا كلّه ولقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّ الإمام عليّ:
“اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه”(1).
فهم يحتاطون في أخذ معالم دينهم من صحابي عادى عليّاً ولم يواله، حذراً من أن يكون الصحابي من المنافقين الذين لا يعلمهم إلاّ الله.
****************
1- الاصابة 1 : 10.
2- نفس المصدر : 16.
3و4) راجع لسان العرب، مادة “صحب”.
5و6و7) مفردات الراغب، مادة “صحب”.
8- الاصابة 1 : 13.
9- الطبري 1 : 2151 ط. أوربا.
10- الطبري 1 : 2457-2458.
11- راجع ترجمة سيف في أول الجزء الأول من كتاب عبد الله بن سبأ.
12- راجع مخطوطة “رواة مختلقون” وكتاب عبد الله بن سبأ 1 : 117 ط. بيروت 1403 هـ .
13- الأغاني 14 : 158 ط. ساسي.
14- الأفحج: من تدانت صدور قدميه وتباعد عقباه، والأجلح: الذي انحسر شعره عن جانبي رأسه، والأمعر: القليل الشعر.
15- قضاعة: قبائل كبيرة، منهم قبائل حيدان وبهراء وبلى وجهينة، ترجمتهم في جمهرة أنساب ابن حزم : 440-460، وكانت ديارهم في الشحر ثمّ في نجران ثمّ في الشام، فكان لهم ملك ما بين الشام والحجاز إلى العراق، راجع مادة قضاعة، معجم قبائل العرب 3 : 957.
16- الأغاني 14 : 157 ط. ساسي; وأوجزه ابن حزم في جمهرة أنساب العرب : 284.
17- ترجمته في الاصابة 2 : 496-498; والأغاني 15 : 56 ط. ساسي; وقصة تنافر علقمة وعامر في الأغاني 15 : 50-55; وفي جمهرة ابن حزم : 284.
18- وقعت منافرة بين علقمة وعامر ذكرها الاخباريون، قال في الأغاني 15 : 50 ط. ساسي: إنّ علقمة كان قاعداً ذات يوم يبول، فبصر به عامر، فقال: لم أر كاليوم عورة رجل أقبح …
فقال علقمة: أما والله ما وثبت على جاراتها ولا تنازل كناتها، يعرض بعامر …
فقال عامر: والله لأنا أكرم منك حسباً وأثبت منك نسباً …
فقال علقمة: لأنا خير منك ليلا ونهاراً.
فقال عامر: لأنا أحبّ إلى نسائك … إلى آخر القصة في الأغاني.
وترجمة علقمة في الإصابة، ولذلك أنف علقمة من أن يُكرم لأنّه ابن عم عامر ويشتهر ذلك عنه.
19- حوران: كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة ومزارع. معجم البلدان 2 : 358.
20- هو أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 هـ وكتابه هذا “تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل” ط. حيدرآباد 1371 هـ ، نقلنا ما أوردناه من ص7-9 منه.
21- ترى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) انّ المقصود من كلّ ذلك المؤمنون منهم، كما نصّت الآية عليه، وسيأتي مزيد بيانه إن شاء الله تعالى.
22- الاستيعاب في أسماء الأصحاب للحافظ المحدّث أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي 363-463 هـ ، وقد نقلنا من نسخة هامش الاصابة : 2.
23- اُسد الغابة في معرفة الصحابة لأبي الحسن عزّ الدين عليّ بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير (ت : 630 هـ ) 1 : 3.
24- الاصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن عليّ بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر (773-852 هـ ) ، وقد رجعنا إلى ط. المكتبة التجارية 1358 هـ بمصر 1 : 17-22.
25- الاصابة 1 : 18.
وأبو زرعة هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد، قال ابن حجر في تقريب التهذيب 2 : 536 الترجمة 1479 : امام حافظ ثقة مشهور من الطبقة الحادية عشرة من الرواة، مات سنة أربع وستين ومائتين، وروى عنه من أصحاب الصحاح مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.
أقول: لست أدري ماذا يقول الإمام أبو زرعة في حقّ المنافقين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
26- راجع خبر بيعة الشجرة (الرضوان) في مغازي الواقدي وخطط المقريزي.
27- إشارة إلى قصة الإفك التي نزلت في شأنها الآيات (11-17) من سورة النور في براءة عائشة عمّا رميت به كما روتها هي، أو في براءة مارية عمّا رميت به على قول غيرها كما في ج2 من أحاديث أمّ المؤمنين عائشة.
28- مسند أحمد 5 : 390 و 453; وراجع صحيح مسلم 8 : 122-123 باب صفات المنافقين; ومجمع الزوائد 1 : 110 و 6 : 195; ومغازي الواقدي 3 : 1042; وامتاع الأسماع للمقريزي : 477; وفي تفسير “هموا بما لم ينالوا به” الآية 74 من سورة التوبة بتفسير الدرّ المنثور للسيوطي 3 : 258-259.
29- ورد في أحاديث الشيعة انّ ذلك كان عند مرجعه من حجّة الوداع وبمناسبة واقعة غدير خم بأرض الجحفة، راجع البحار 28 : 97 ط. المكتبة الإسلامية بطهران 1392 هـ .
30- البخاري، تفسير سورة المائدة، باب أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك، وتفسير سورة الأنبياء; والترمذي، أبواب صفة القيامة، باب ما جاء في شأن الحشر وتفسير سورة طه.
31- البخاري، كتاب الدعوات، باب في الحوض; وابن ماجة، كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر، ح5830; وراجع مسند أحمد 1 : 453 و 3 : 28 و 5 : 48.
32- صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبيّنا، ح40.
34- الإمام عليّ ابن عمّ الرسول أبي طالب بن عبد المطلب: ولد في جوف الكعبة كما رواه الحاكم في المستدرك 3: 483; والمالكي في الفصول المهمة; والمغازلي الشافعي في المناقب; والشبلنجي في نور الأبصار: 69; وكانت ولادته في 13 رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وبايعه المهاجرون والأنصار سنة 35، وضربه ابن ملجم المرادي ليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان سنة 40 للهجرة في محراب مسجد الكوفة، واستشهد في يوم 21 منه; روى عنه أصحاب الصحاح 536 حديثاً، راجع ترجمته في الاستيعاب واُسد الغابة والاصابة و ص276 من جوامع السيرة; وروايته في المنافقين في صحيح مسلم 1: 61 باب الدليل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الايمان وبغضهم من علامات النفاق; وصحيح الترمذي 13: 177 باب مناقب علي; وسنن ابن ماجة، الباب الحادي عشر من مقدّمته; وسنن النسائي 2: 271 باب علامة المؤمن وباب علامة المنافق من كتاب الايمان وشرائعه; وخصائص النسائي: 38; ومسند أحمد 1: 84 و 95 و 128; وتاريخ بغداد 2: 255 و 8: 417 و 16: 426; وحلية الأولياء لأبي نعيم 4: 185 وقال حديث صحيح متّفق عليه; وتاريخ الإسلام للذهبي 2: 198; وتاريخ ابن كثير 7: 354; وبترجمته في كل من الاستيعاب 2: 461; واُسد الغابة 4: 292; وكنز العمال 15: 105; والرياض النضرة 2: 284.
35- أمّ سلمة هند إبنة أبي أمية بن المغيرة القرشي المخزومي: كانت قبل رسول الله عند أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، أسلما قديماً وهاجرا إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة، ولمّا جرح أبو سلمة بأُحد وتوفي سنة ثلاث من الهجرة تزوّجها رسول الله وكانت مصبية، وتوفيت بعد قتل الحسين سنة ستين.
روى عنها أصحاب الصحاح 378 حديثاً; راجع ترجمتها وترجمة زوجها باُسد الغابة وجوامع السيرة: 276; وتقريب التهذيب 2: 617.
وحديثها في شأن المنافقين في صحيح الترمذي 13: 168; ومسند أحمد 6: 292; والاستيعاب 2: 460 بطرق متعددة; وتاريخ ابن كثير 7: 354; وكنز العمال 6: 158 ط. الاُولى.
36- عبد الله ابن عمّ النبي عباس بن عبد المطلب: ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي سنة ثمان وستين بالطائف، وروى عنه أصحاب الصحاح 1660 حديثاً، ترجمته باُسد الغابة والاصابة وجوامع السيرة: 276.
37- أبو ذر جندب أو بريد بن جنادة أو عبد الله أو السكن أو غير ذلك: تقدم اسلامه وتأخرت هجرته، فشهد ما بعد بدر من غزوات رسول الله، توفي منفياً بالربذة سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، روى عنه أصحاب الصحاح 281 حديثاً، ترجمته في التقريب 2: 420; وجوامع السيرة: 277; والجزء الثاني من عبد الله بن سبأ.
38- أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي: روى هو أنّه خدم النبي عشر سنين، كان يخلق ذراعيه بخلوق للمعة بياض كانت به، وكان ذلك من دعاء الإمام علي عليه لكتمانه الشهادة بحديث الغدير أن يضربه الله بيضاء لا تواريها العمامة، أشار إليه في الاعلاق النفيسة: 122; وتفصيله بشرح نهج البلاغة 4: 388 وتوفي في البصرة بعد التسعين، روى عنه أصحاب الصحاح 2286 حديثاً، ترجمته باُسد الغابة والتقريب وجوامع السيرة: 276، وروايته في شأن المنافقين بكنز العمال 7: 140 ط. الاُولى.
39- أبو نجيد عمران بن حصين الخزاعي الكعبي: أسلم عام خيبر وصحب الرسول وقضى بالكوفة، وتوفي بالبصرة سنة 52; روى عنه أصحاب الصحاح 180 حديثاً، وروايته بشأن المنافقين بكنز العمال 7: 140 ط. الاُولى; ترجمته في التقريب 2: 72; وجوامع السيرة: 277.
40- مستدرك الصحيحين 3: 129; وكنز العمال 15: 91.
41- أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الخدري: شهد الخندق وما بعدها، مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل: سنة أربع وسبعين، وروى عنه أصحاب الصحاح 1170 حديثاً، ترجمته باُسد الغابة 2: 289; والتقريب 1: 289; وجوامع السيرة: 276; وحديثه في شأن المنافقين في صحيح الترمذي 13: 167; وحلية أبي نعيم 6: 284.
42- في تاريخ بغداد 3: 153 قال: كانوا عند ابن مسعود، فتلى ابن عباس (يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) قال عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال: إنّا كنّا نعرف… الحديث.
43- جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري السلمي: صحابي ابن صحابي، شهد بيعة العقبة مع أبيه وشهد 17 غزوة مع النبي وصفين مع الإمام عليّ، ومات بالمدينة بعد السبعين، وروى عنه أصحاب الصحاح 1540 حديثاً، ترجمته باُسد الغابة 1: 256-257; والتقريب 1: 122; وجوامع السيرة: 276; وروايته في شأن المنافقين في الاستيعاب 2: 464; والرياض النضرة 2: 284; وفي تاريخ الذهبي 2: 198 ولفظه: ما كنّا نعرف منافقي هذه الاُمّة; وفي مجمع الزوائد 9: 133 ولفظه: ما كنّا نعرف منافقينا معشر الأنصار….
44- صحيح الترمذي 13: 165 باب مناقب علي; وسنن ابن ماجة، باب فضل علي، ح116; وخصائص النسائي: 4 و 30; ومسند أحمد 1: 84 و 88 و 118 و 119 و 152 و 330، و 4: 281 و 368 و 370 و 372، و 5: 307 و 347 و 350 و 358 و 361 و 366 و 419 و 568; ومستدرك الصحيحين 2: 129 و 3: 9; والرياض النضرة 2: 222-225; وتاريخ بغداد 7: 377; و 8: 290 و 12: 343 ومصادر أُخرى كثيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى