مقالاتمناسبات

خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في ذكرى 15 شعبان 1441هـ

بسم ‌الله ‌الرّحمن ‌الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين.
مبارك لكم جميعًا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء عيد النصف من شعبان، ولشعب إيران كله، ولجميع المسلمين وجميع الأحرار في العالم. أنا العبد، وللأسف لا أوفق حاليًّا للقائكم عن قرب، وما باليد حيلة سوى مخاطبتكم عن بعد، ولكن هذا الأمر هو تجربة أيضًا. سوف أستعرض اليوم عدّة عبارات حول حضرة بقية الله (أرواحنا فداه)، وبعض العبارات مع شعبنا العزيز حول هذه القضية الحالية في البلد. في البداية نتقدّم بالسلام إلى حضرة بقية الله (أرواحنا فداه):
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ اللهِ في أرْضِهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ميثاقَ اللهِ الَّذي أخَذَهُ وَوَكَّدَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَعْدَ اللهِ الَّذي ضَمِنَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنْصُوبُ وَالْعِلْمُ الْمَصْبُوبُ وَالْغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الْواسِعَةُ، وَعْدًا غَيْرَ مَكْذوُب(1). وتتمة زيارة آل ياسين الشريفة مفعمة بالعشق حقًّا: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقوُمُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْعُدُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ حينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ..(2)
وإلى آخر الزيارة.

البشريّة اليوم بأمسّ الحاجة إلى مخلّص..
لعلّه أمر قلّما حدث في أي مرحلة من تاريخ البشرية، بأن يشعر آحاد الناس والمجتمع البشري في جميع أنحاء العالم، بالحاجة إلى مخلّص بهذا القدر الذي يشعرون به اليوم، -سواء من النخب الذين يشعرون بشكل واعٍ بهذه الحاجة، أو الكثير من الناس الذين يشعرون بالحاجة، ولكن في “لا وعيهم”- يشعرون بالحاجة إلى منجٍّ، بالحاجة إلى مهديّ، بالحاجة إلى يد قدرة إلهية، بالحاجة إلى إمامة معصومة، بالحاجة إلى العصمة، وبالحاجة إلى الهداية الإلهية. قلّما يجد الإنسان مرحلة في التاريخ حيث كل هذا الشعور بالحاجة إلى هذه الحقيقة السامية.

اليوم وبعد أن جرّبت البشرية مختلف المدارس الفكرية والمناهج والمسارات المتنوعة- من الشيوعية إلى الديموقراطية الغربية، وإلى الليبرالية الديموقراطية الرائجة في العالم، ومع كل ادعاءاتها هذه- لا تشعر بالراحة. ومع كل هذا التقدم العلمي المدهش الذي غيّر واقع الحياة بشكل كامل في العالم، ما زال البشر لا يشعرون بالسعادة. فالبشرية تعاني من الفقر، تعاني من المرض، تعاني من الفحشاء والمعاصي، تعاني من غياب العدالة، تعاني من عدم المساواة، تعاني من فروقات طبقية واسعة جدًّا. البشر يعانون من استغلال القوى الكبرى للعلم، فالقوى العالمية تستغل العلم والاكتشافات الطبيعية، الطاقات المستخرجة من الطبيعة بأسوأ ما يكون، البشرية تواجه هذه الأمور التي جعلت الناس في جميع الدنيا يشعرون بالتعب؛ يشعرون بالحاجة إلى يدٍ منجّية.

المهمّة العظمى للإمام (عج)؛ إقامة القسط والعدل
مليارات البشر في العالم مبتلون؛ البعض قد يتمتع بالراحة، ولكن هؤلاء أنفسهم لا ينعمون بالسكينة وراحة البال، البشرية تعاني من القلق، والاضطراب، ولم يتمكن كل هذا التطور والتحولات المتنوعة أن يمنح السعادة للبشر. بالطبع فإن العقل البشري هو نعمة كبرى، والتجربة نعمة كبرى، وهذه من نعم الله، ويمكنها أن تحلّ الكثير من مشاكل الحياة، ولكن بعض العقد لا تحل بهذه الوسائل. قضية العدالة على سبيل المثال، العدالة لا يمكن حلها بواسطة العلم المتطوّر والتكنولوجيا المتقدمة، عقدتها ليست قابلة للحل. فالظلم في العالم اليوم يتغذى من العلم، أي إن العلوم المتطوّرة هي في خدمة الظلم، وفي خدمة شن الحروب، وفي الاستيلاء على بلدان الآخرين، في خدمة التسلّط على الشعوب، لذلك فإن العلم لن يستطيع حل هذه العقد، وهي بحاجة إلى قوة معنوية، قوة إلهية، إلى اليد القوية لإمام معصوم، فهو الذي يستطيع إنجاز هذه الأعمال؛ ولذلك فإن المهمّة العظيمة لحضرة بقية الله (أرواحنا فداه) هي أن «يملأ الله به الأرض قسطًا وعدلًا»(3)، فالمهمة الكبرى لذلك الإنسان العظيم هي القسط والعدل. ولقد أشير إلى هذا المعنى في الكثير من الروايات والأدعية والزيارات؛ إقامة القسط والعدل، وهذا هو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه سوى بيد القدرة الإلهية التي تخرج من تحت عباءة حضرة بقية الله، وهذا العدل المنتظر تحقّقه، ليس محصورًا في نطاق خاص، بل هو عدل في كل شؤون الحياة؛ عدالة في القدرة، وعدالة في الثروة، وعدالة في الصحة والسلامة، وعدالة في الكرامة الإنسانية، وفي الموقع الاجتماعي، والعدالة في المعنويات والتكامل في الرشد، عدالة في جميع أبعاد الحياة؛ هذه الأهداف المنتظر تحقّقها بواسطة حضرة بقية الله في عالم الوجود (أرواحنا فداه) وهذا ما سيحصل باللطف الإلهي إن شاء الله.

كل الناس -سواء كانوا من النخب ويمكنهم تحليل الأحداث، أو من عموم الجماهير على مستوى العالم، في البلدان المختلفة، والتي قد تنهمك بهموم الحياة فتغفل عن الحقائق- تشعر بهذه الحاجة، غاية الأمر أن البعض بشكل واعٍ والبعض بشكل لا واعٍ، وبالتأكيد فإن هذا الوعد قد أعطي في جميع الأديان؛ في الأديان كلها هناك وعدٌ بالفرج وبحركة إلهية عظيمة في آخر التاريخ -وطبعًا هذه ليست نهاية التاريخ بالتأكيد؛ فالحياة الحقيقية للبشر سوف تبدأ من زمن حضرة وليّ العصر، ولكن المقصود في نهاية هذه الحياة التي نعيشها على هذا النحو- كل الأديان قطعت وعدًا بعاقبة حسنة كهذه.

انتظار الفرج فرجٌ بحدّ ذاته
فهذه حاجة إذًا، ولكن لكي يتم توجيه هذه الحاجة وتصبح مفيدة نافعة، فقد طلب منا في الإسلام أن يكون لدينا “انتظار”. الانتظار أعلى من الحاجة ومن الشعور بالحاجة. قالوا لنا انتظروا، الانتظار يعني الأمل، الانتظار يعني الاعتقاد بوجود مستقبل يقيني، ليس مجرد وجود حاجة، فالانتظار بنّاء، ولذك فإن “انتظار الفرج” يحظى بمكانة مهمة في رواياتنا وفي معارفنا، وسوف أعرض لاحقًا توضيحًا حول انتظار الفرج. ينقل ابن بابويه – علي بن بابويه – في التوقيع الشريف لحضرة ولي العصر (أرواحنا فداه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج»(4)، أي الأمل. وفي رواية عن موسى بن جعفر (عليه السلام): «أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج»(5). المعرفة تعني التوحيد ومعرفة الحقائق الإلهية، ومن بعدها يأتي انتظار الفرج. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من رَوح الله»(6)، أي انتظروا الفرج ولا تيأسوا من الرَّوح والرحمة والفرج الإلهي. ففي انتظار الفرج يوجد أمل وحركة وإقدام، وطبعًا عندما قيل انتظار الفرج فهو أمرٌ مسلّم بأن انتظار الفرج يعني انتظار فرج حضرة وليّ العصر؛ هذا مصداق لانتظار الفرج، حين يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج» فالمقصود منه جميع المشكلات التي تحدث للإنسان في حياته، هناك مشكلات متعددة تحصل للإنسان، وعلى الإنسان أن لا يصاب باليأس عند مواجهتها، يجب أن يتحلّى بانتظار الفرج، وأن يعرف بأن الفرج سوف يأتي. إن انتظار الفرج بحد ذاته هو نوع من الفرج، وهذه رواية عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «أوَلست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج»(7)، فانتظار الفرج نفسه هو فرج للإنسان، ينجيه من حالة اليأس ومن حالة العجز والإحباط التي تجبره على القيام بأفعال عجيبة وغربية. حسنًا، وهذا يدل على أن النبي والأئمة عندما قالوا هذا، فمعناه أن الأمة المحمدية لا تصاب أبدًا باليأس وفقدان الأمل عند أي حادثة من حوادث الحياة، وهي تعيش دائمًا وفي كل الأوضاع حالة “انتظار الفرج”.

انتظار الفرج يعني الاستعداد والجهوزية!
وبالتأكيد فإن الانتظار لا يعني الجلوس ووضع الكف على الكف والتحديق لرؤية ماذا سيحدث! انتظار الفرج يعني الجهوزية، يعني الإقدام والمبادرة، بمعنى أن يشعر الإنسان بأن هناك أهدافًا وعاقبة يمكنه الحصول عليها، ويجب عليه السعي للوصول إليها. فنحن الذين لدينا “انتظار الفرج”، وانتظار فرج حضرة بقية الله (أرواحنا فداه)، يجب علينا أن نبذل الجهد في هذا الطريق، أن نسعى في طريق بناء مجتمع مهدوي، أن نقوم ببناء أنفسنا. وكذلك أن نغيّر ونبني بيئتنا المحيطة بنا، بكل ما نملك من قوة وقدرة، ونقرّب تلك البيئة إلى المجتمع المهدوي، فالمجتمع المهدوي هو مجتمع العدل، هو مجتمع المعنوية، مجتمع المعرفة، مجتمع الأخوّة، مجتمع العلم، ومجتمع العزّة.

هناك نقطة في موضوع انتظار الفرج، وهي أن انتظار الفرج هو غير نفاد الصبر وتحديد مدة ووقت معين، حيث يحدّد الإنسان زمانًا وتاريخًا فلانيًّا، على سبيل المثال بأنه يجب أن تنتهي هذه الحادثة، أو أن تنتهي هذه المحنة، أو أن يظهر الإمام، فينفد صبر الإنسان، ويضرب بقدمه الأرض إصرارًا واستعجالًا! هذا ليس انتظار الفرج، انتظار الفرج يعني إعداد النفس واستعدادها؛ إن نفاد الصبر والاستعجال هما من الأمور الممنوعة. هناك رواية تقول: «إن الله لا يعجل لعجلة العباد»(8)؛ إذا كنت تستعجل وتتسرع، فهذا لا يعني أن الله يجب أن يتخذ القرار تبعًا لك ويستعجل بناءً على عجلتك! كلا، فكل أمر له موعد معيّن، له وقت محدّد، له حكمة، ويتم إنجازه بناءً على تلك الحكمة.

وهناك نقطة أخرى ذكرناها أيضًا وهي أن المراد من انتظار الفرج، هو الفرج النهائي بظهور الإمام، وهو أيضًا الفرج بعد الشدة؛ أي الفرج بعد الحوادث الصعبة والشاملة، مثل هذه الحوادث الموجودة اليوم في العالم، التي تدفع بالكثير من الناس نحو اليأس، والتي تدفع بالكثير منهم نحو الانتحار، ولكن عندما يوجد “انتظار الفرج”، يعلم الإنسان بأن هذه الحادثة سوف تنتهي بلا شك.

انتظار الفرج يمنح الطمأنينة والراحة ويستنزل الرحمة
حسنًا، هناك نقطة أخرى أيضًا وهي أن هذه الراحة النفسية الناشئة من انتظار الفرج، وهذه الطمأنينة النفسية لدى الإنسان بحيث لا يبقى في نفسه وقلبه اضطراب وتوتر، هذه حالة يمكن زيادتها ومضاعفتها بواسطة الدعاء، بواسطة الاستغاثة، بواسطة المناجاة مع الرب؛ {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(9). وهذه الأدعية الواردة – ونحن الآن في شهر شعبان الشريف وبعدها في شهر رمضان- أدعية كثيرة وفيرة، المناجاة المتنوعة والتحدث إلى الله بدون واسطة، إنها بالغة الأهمية؛ أو الابتهال والتوسل بأئمة الهدى (عليهم السلام) الذين هم الأقرب إلى الله تعالى في كل عالم الوجود، كلها تعطي الإنسان فرصة الراحة والطمأنينة. إن ذكر الله تعالى يهب الإنسان الانشراح والبهجة ويستنزل الرحمة الإلهية، وباليقين فإن الملايين من الأكف المرفوعة بالدعاء سيكون لها آثارٌ وبركات كبيرة.

ليلة الأمس، وُفّقَ الملايين من الناس ليعرّفوا قلوبهم إلى الله، يتصلوا به، ويرفعوا أيديهم بالدعاء ويتكلموا مع الله(10)؛ لا شك بأن الآثار الطيبة لهذا الإحياء ستظهر عليهم وعلى كل المجتمع أيضًا، وستحل البركات العديدة. هذه هي بعض العبارات والنقاط التي أردنا عرضها بالنسبة لمسألة الظهور والفرج وقيام حضرة بقية الله؛ بالطبع هناك كلام طويل في هذا المجال، ولكنني أكتفي بهذا المقدار.

وأما فيما يتعلق بهذه المسألة الحالية في البلد وهي “الكورونا”؛ حسنًا، هذا ابتلاء عام، هذا اختبار، اختبار للعالم؛ هو امتحان للحكومات وللشعوب أيضًا، فالحكومات تُمتحن في هذه الحادثة، والشعوب أيضًا تُمتحن في هذه المسألة. إنه اختبار عجيب. بالتأكيد، تم الحديث بكثرة وطرحت المواضيع بشكل كافٍ حول الإحصاءات والإجراءات الجيدة التي اتخذت، والتوصيات التي يوصي بها المسؤولون. وللإنصاف فإن هيئة الإذاعة والتلفاز، عملت بشكل جيد جدًّا في هذه المجالات؛ ليس لديّ ما أضيف حول هذه الأمور، ولكنني أريد الحديث حول بعض النقاط الأخرى.

في امتحان الكورونا؛ تألّقٌ وفخرٌ وطني!
إحدى النقاط هي أن الشعب الإيراني قد تألّق عاليًا في هذا الامتحان، تألّق وشعّ في امتحان الكورونا؛ في هذا المرض العام، في هذا الوباء الحديث “المُدرن” كما يجب تسميته في الواقع. أولًا ذروة هذا الفخر الوطني ترجع إلى القطاع الصحي في البلد، وأنا قلتها عدة مرات، والآن أيضًا يجب أن أكرر بأن ذروة هذا الفخر ترجع إلى عظمة عملهم وقيمة تضحيتهم؛ هؤلاء الأطباء، والممرضين، والمختصين بالعلوم المخبرية، والأشعة، وعمال الرعاية الصحية، والخدمات، وقسم الأبحاث، والمديريات في وزارة الصحة وتوابعها، المديريات العاملة في هذا المجال، هؤلاء الذين وضعوا حياتهم وسلامتهم في خدمة الناس، وهذا أمر في غاية الأهمية والعظمة. قد تحمّلوا ألم البعد عن أسرهم وأهاليهم، حتى في “النوروز” وعطلة العيد، الكثير منهم لم يذهبوا إلى بيوتهم وعائلاتهم، وعانوا من قلة النوم، والضغط العصبي الناشئ من التعامل مع المرضى ذوي الأوضاع الوخيمة، لقد خاطروا بأرواحهم فداءً لسلامة الناس، وسطّروا ذكرى جميلة عن الجهاز الطبي والقطاع الصحي في ذهن هذا الشعب. إنها لذكرى طيبة، من مجتمع الأطباء والممرضين وقطاع الاستشفاء في البلد، وستبقى ذكرى عطرة وخالدة عنهم.

إلى جانب هؤلاء، كان المتطوعون، من الأشخاص الذين لم يكونوا من ضمن الجهاز الصحي، ولكنهم أتوا إلى الساحة بشكل تطوّعي. طلاب الحوزة الجهاديّون، طلاب الجامعات الجهاديّون، آلاف عناصر التعبئة المكافحين في القطاعات المختلفة، والآلاف من آحاد الناس الذين قدّموا الخدمات القيّمة التي هي في الواقع أعلى من التوصيف، والتي تجعل الإنسان سعيدًا من جهة، وممتنًّا وشاكرًا لهم من جهة أخرى.

وإلى جانب كل هؤلاء كانت القوى المسلحة، للإنصاف فإن القوى المسلحة استخدمت كل قدراتها في العمل والتصنيع وقدّمت إبداعاتها وابتكاراتها؛ حتى على صعيد العلم ومسائل الاكتشافات والصناعات وإنتاج الوسائل والأدوات الصحية والعلاجية -من المستشفيات ومراكز العلاج والنقاهة إلى سائر الوسائل التي كانت في حوزة القوى المسلحة- فقدّموا أفضل أقسامهم في خدمة هذا العمل، ووضعوا قدراتهم البنّاءة والمبتكرة في ساحة العلم والعمل. ثم تمّ اكتشاف قدرات جديدة، وُجدت قدرات جديدة، وتعرفنا إلى قدرات كثيرة كانت داخل القوى المسلحة وخارجها ولم نكن نعلم بها، أولئك الشباب الذين كانوا يأتون إلى محطات التلفاز ويشرحون الأعمال التي قاموا بها، والأدوات التي صنعوها، في الغالب لم نكن نعرفهم، وهذه القدرات المكتشفة هي جديدة.

وللناس.. مشاركاتٌ جميلة ومشاهدَ مذهلة!
والناس؛ للإنصاف فإن مشاركات الناس كانت مشاركات جميلة جدًّا وخلقت مشاهد شيقة ومذهلة، في كل أنحاء البلاد. أريد أن أخص بالذكر بعض النماذج، وهذا لا يعني بأن هذه الموارد خاصة ولا شبيه لها، كلا، فهذه النماذج وردت إليّ من خلال التقارير وأنا أذكرها: في “سبزوار” مثلًا، بدأ مشروع “أضحية لكل حارة”، حيث يجتمع أهل الحارة ويضحّون بنعجة مثلًا، ويوزّعون اللحم على المحتاجين في ذلك الحي والمنطقة، وهذا الأمر الذي يفعلونه ضروري جدًّا ومثير للاهتمام بأنهم “يطعمون الطعام” للمحتاجين. أو في” يزد”، قامت والدة أحد الشهداء بالتعاون مع مجموعة من النساء بتحويل بيوتهن إلى مراكز خياطة، وفي هذه المراكز ينتجن الكمامات ويوزعنها على الناس مجانًا. أو في “نهاوند” هناك مجموعة من النساء اللواتي كن في أيام الدفاع المقدس يخبزن الخبز ويرسلنه إلى الجبهة، الآن أيضًا عُدنَ إلى نشاطهن ويعملن على مساعدة الناس لمواجهة هذا المرض. في “خوزستان”، شكّل طلاب العلوم الدينية مقرّات لهم، وأيضًا يقومون بتعقيم منازل الناس. في “شيراز”، يقوم الوجهاء والشخصيات المحلية بالتحدث إلى أصحاب الأملاك – أصحاب البيوت والمحلات – ويطلبون منهم عدم أخذ الأجرة أو التخفيض منها، أو إعطاء المهل من أجل مساعدة أصحاب المصالح. في “تبريز”، نزل رئيس الحوزة العلمية شخصيًّا إلى الساحة ويقوم بعمل ميداني. في إحدى المدن لم يقم أحد المرشحين الحزب اللهيّين الذي لم ينجح بالانتخابات بإقفال مقرّه، بل احتفظ به وقام بتنظيم النشطاء في مجال الحركة الجهادية ومحاربة الكورونا. طبعًا هذا عدد محدود من التقارير التي كانت لدي بشكل مستعجل، ولكن يوجد المئات من الموارد الشبيهة لها، بل الآلاف من الموارد الشبيهة الموجودة بأشكال متنوعة في أنحاء البلاد، والتي أشرت إلى بعض منها خلال تصريحاتي السابقة(11). من المهم أن نلتفت إلى أن هذه علامات دالة على عمق الثقافة الإسلامية، وعلى رسوخ الثقافة الإسلامية في قلوب أبناء شعبنا. وبخلاف ما أراد البعض ترويجه وادّعاءه خاصة في العقدين الأخيرين للأسف، حيث سعى البعض إلى احتقار الثقافة الإيرانية – أن يحتقروا الثقافة الإسلامية الإيرانية – لكي يلفتوا نظر الناس إلى الثقافة الغربية ونمط العيش الغربي، بخلاف ما أرادوه، ولحسن الحظ فإن هذا الشعور بالفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية وسلسلة القيم الإسلامية قوي جدًّا وراسخ لدى الناس.

.. وظهرت في الغرب نتائج فلسفة النزعة الفرديّة الماديّة
في المقابل، أظهرت الثقافة والحضارة الغربية “بضاعتها” ومنتجاتها؛ ما حدث في البلدان الغربية، في أوروبا وأمريكا- حسنًا، لقد بث تلفازنا وإعلامنا بعضًا مما يحدث، ولكن هناك الكثير من المعلومات الأمنية مما لا يعرض في الإعلام ويصل إلينا ونعلمه – فقد أظهر الغرب نتاج تربيته؛ تقوم دولة باعتراض الكمامات أو القفازات المتعلقة بدولة أخرى وهي في طريقها إليها، فتصادرها وتنهبها، وهذا ما حدث في بعض الدول الأوروبية وفي أمريكا. أو أن يقوم الناس كل يوم وفي مدة قصيرة، خلال ساعة أو ساعتين بإفراغ المحلات، أن يحرصوا على شراء الكثير من أجل ملء برادات وثلاجات بيوتهم، وتصبح المحلات فارغة، حيث أظهروا الرفوف الفارغة للعالم في وسائل الإعلام، والتلفاز عندنا نقلها أيضًا، أو الأشخاص الذين تقاتلوا من أجل عدد من محارم الحمام، أو الأشخاص الذين اصطفوا من أجل شراء الأسلحة، لأنهم يشعرون بالخطر في هذه الأيام، ولذلك يجب أن يكون لديهم أسلحة، أو أن يضعوا الأولويات للمرضى، فلا يعالجوا المريض المسن، فيقولوا إن المريض المسن الذي لم يعد يعمل ويعاني مشاكل أساسية، لا ينبغي أن نتعب لأجله في ظل هذه المحدوديات ونعالجه! هذه الأشياء حصلت هناك، البعض انتحر خوفًا من الكورونا، انتحر خوفًا من الموت، هذه التصرفات أظهرتها بعض الشعوب الغربية. وطبعًا هذه نتيجة طبيعية ومنطقية للفلسفة الحاكمة على الحضارة الغربية: فلسفة النزعة الفردية، فلسفة النزعة المادية، الفلسفات التي بأغلبها لا إله تؤمن به؛ حتى لو كان هناك اعتقاد بالله أيضًا فتلك العقيدة غير توحيدية، وليست صحيحة وعميقة ولا تنتج معرفة. وهذه مسألة أيضًا.

وهنا أشير أيضًا إلى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ الغربيين قال في هذه الأيام الماضية إن الغرب المتوحش قد عاد للحياة! هذا كلامهم هم. نحن عندما نقول إنه يوجد في الغرب روح همجية متوحشة، وهي لا تتعارض مع ظاهر الغرب المزيّن والمتعطّر والواضع لربطة العنق! البعض يتعجب وينكر ذلك؛ ولكنهم الآن هم يقولون هذا بأنفسهم، يقولون إن هذا رمزٌ لإحياء الغرب المتوحش.

البعد الآخر لهذه المسألة هو السلوك العام لشعبنا العزيز المتمثل في العمل بالتوجيهات، فالإنسان يرى حقيقة أن الناس يطبقون عمليًّا ما تصدره الهيئة الوطنية لمحاربة الكورونا بشكل حازم وقاطع.

نعم، في بعض الأحيان قد تصدر الهيئة بعض التعليمات بشكل فيه تردد، والناس لا يستنتجون بأن عليهم القيام بذلك الشيء، ولكن عندما يكون الأمر حاسمًا ويشعر الناس بأن عليهم القيام به، فإنهم ينفذون تعاميم المسؤولين، وأحد نماذج هذا الأمر كان يوم الثالث عشر من شهر فروردين لهذا العام، لا أحد كان يتصور بأن الناس سوف تلغي “يوم الثالث عشر من فروردين” (يوم الطبيعة) ولكنها عطّلته، لم يخرج أحد في يوم الخروج للطبيعة! هذا دليل على أن الناس قد تقبّلوا الانتظام العام في مواجهة هذه المسألة (الكورونا) بالمعنى الحقيقي للكلمة، وطبعًا هذا يجب أن يستمر، يجب أن يكون هناك انتظام عام، ويجب الأخذ والعمل بجدية فيما يخص قرارات الهيئة الوطنية [لمحاربة كورونا] وهي المسؤول الأول في هذا المجال.

مرّ على البشريةّ أحداث لا تقلّ حجمًا عن كورونا..
والبعد الآخر في هذه القضية هو أن الكورونا بالتأكيد هو مشكلة كبيرة للبشرية، هو بلاء كبير وخطير أصاب البشرية، ولكن هذه المشكلة تعدّ أمرًا بسيطًا بالمقارنة مع العديد من المشكلات، فنحن قد شاهدنا العديد من المشكلات في العالم وفي بلدنا، وكانت هناك مشكلات لا تقل حجمًا عن هذه المشكلة، بل كانت أكبر منها. ومن جملتها، تحديدًا في مثل هذه الأيام التي دخل الكورونا إلى منطقتنا، قبل 32 سنة، في مثل هذه الأيام، رمت طائرات صدّام المواد الكيميائية على أجزاء من شعبنا وشعبه، وقتل الآلاف بواسطة غاز الخردل وما شابه. هذا الحادث قد وقع، فيما كانت جميع القوى العالمية في ذلك اليوم تدعم صدّام وتقدّم له العون. بعض هذه الدول المتحضرة والراقية -بادّعائهم- أعطته بعض هذه المواد الكيميائية، وضعوا الأسلحة الكيميائية تحت تصرفه، وحتى اليوم لم تتم محاسبة أحد منهم، ولم يستجوب أحدهم ويسأل لماذا ارتكب تلك الجرائم. وذلك المجرم -صدّام- فعل ذلك بشعبنا، وفعل ذلك بشعبه أيضًا في حلبجة، لأنه شعر بأنه من الممكن أن يقوم الناس في حلبجة بالتعاون مع المجاهدين في الجمهورية الإسلامية، فقام بقتل الناس بالشوارع والأزقة، طبعًا هذه الأمور موجودة وقد حصلت في الحروب الكبيرة في العالم، فقد قتل الملايين من الناس في الحربين العالميتين. والآن في قضية الكورونا يقال مثلًا إنه قد أصيب في العالم لحد الآن مليون ومئات الآلاف(12)[اعاد سماحة القائد تصحيح ما قصده في نهاية الكلمة ومرفق بالهامش أدناه].

يجب أن لا نغفل عن مؤامرة الاستكبار!
في الحرب العالمية الأولى والثانية التي حصلت بفارق زمني يقارب العشرين سنة، في هاتين الحربين قتل الملايين، لا أذكر بدقة ولكنني أعلم أن عدد الذين قتلوا لا يقل عن العشرة ملايين (التقديرات تشير إلى 100 مليون قتيل في الحربين). وفي حرب فيتنام أيضًا حيث هجمت أمريكا على فيتنام، وفي مختلف الحروب، وفي الحرب الأخيرة على العراق قتل العديد، استشهدوا على يد أمريكا، وقد حصل الكثير من أمثال ذلك. فعندما نتحدث عن هذه القضية (الكورونا) ينبغي لنا أن لا نغفل عن سائر الأحداث المهمة التي حصلت في العالم. ويجب أن نعرف بأن الملايين من البشر حاليًّا يتعذبون تحت ضغط الظلم واستبداد الأعداء المتجبرين، الناس في اليمن والناس في فلسطين وفي الكثير من نقاط العالم يتعرضون للقمع والتعذيب. فلذلك يجب أن لا تجعلنا مسألة الكورونا نغفل عن مؤامرات الأعداء، أن لا نغفل عن مؤامرة الاستكبار، لأن عِداء الاستكبار موجّه ضد أصل نظام الجمهورية الإسلامية. أن يعتقد البعض بأن علينا مهادنتهم حتى لا يعادونا هذا ليس صحيحًا، أصل المسألة هو نظام الجمهورية الإسلامية، الأصل هو السيادة الشعبية الإسلامية، وهذا ليس مقبولًا في نظرهم، ليس قابلًا للفهم ولا التحمل، هذه أيضًا نقطة.

“وارزقني مواساة من قتّرت عليه من رزقك..”
نحن نقول إن المسؤولين في الهيئة الوطنية (لمواجهة الكورونا) يعملون، وبمنتهى الجدية وتصلنا التقارير تباعًا، ونطّلع على المجريات. تم طرح الأفكار لدعم بعض الطبقات الضعيفة، وأنا أوصي وأؤكد على أن يتم تنفيذ هذه الحلول المقدّمة من قبل المسؤولين لدعم بعض الطبقات الضعيفة بأسرع ما يكون وبأكثر ما يكون وبأفضل ما يكون إن شاء الله، ولكن إلى جانب ذلك، هناك مسؤولية على عاتق الناس أيضًا. بالحقيقة يوجد هناك بعض الناس، وفي ظل هذه الأوضاع، يقضون حياتهم بصعوبة ولا يستطيعون إدارة حياتهم بشكل طبيعي كالمعتاد، يجب على الأشخاص المقتدرين أن يبدأوا بنشاط شامل في هذا المجال. نحن نقرأ في الصلوات الشريفة «شَجَرَةُ النُّبُوَّة»: «وَارْزُقْني مُواساةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِكَ بِما وَسَّعْتَ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ… وَاَحْيَيْتَني تَحْتَ ظِلِّكَ» (13)، أي إن هذا من الأعمال الضرورية التي ينبغي القيام بها. وبالنسبة لحلول شهر رمضان، فشهر رمضان هو شهر الإنفاق، هو شهر الإيثار، شهر مساعدة المحتاجين. ما أجمل أن يتم في البلد مناورة واسعة وحملة كبرى للمواساة والتعاطف والمساعدة الإيمانية للمحتاجين والفقراء، وإذا حصل ذلك فإنه سيترك ذكرى جميلة في الأذهان عن هذه السنة. ولكي نثبت حبنا لإمام الزمان ينبغي أن نوجد مشاهد ومظاهر مهدوية من مجتمعنا. حيث قلنا إن المجتمع المهدوي هو مجتمع القسط والعدل، ومجتمع العزّة، ومجتمع العلم ومجتمع المواساة. يجب علينا أن نحقق ذلك في حياتنا، وبحسب استطاعتنا، هذا سيقربنا منه.

فلتُقم هذه الأجواء المعنويّة في البيوت بين أفراد الأسرة
النقطة الأخيرة التي أذكرها، أنه في ظل غياب الجلسات العامة لشهر رمضان -وهذه الجلسات العامة كانت جلسات الدعاء وجلسات الخطاب، وجلسات التوسل، وكانت مغنمًا كبيرًا، وعلى ما يبدو، هذه السنة نحن محرومون منها- في ظل غياب هذه الجلسات يجب أن لا نغفل عن جلسات العبادة والتضرع والخشوع الفردية. نحن نستطيع أن نخلق هذا المعنى وهذا التوجه وهذا الخشوع والخضوع في غرفتنا وفي خلوتنا وفي أسرتنا وبين أفراد أسرتنا وأبنائنا، وطبعًا هناك بعض الأمور التي تبث في التلفاز أيضًا ويمكن الاستفادة منها، ويجب القيام بهذا العمل.

وكذلك أعرض توصية للمسؤولين – للمسؤولين وكذلك للشباب الناشطين في مجال العلم والتقنيات – بأن لا ينسوا أمرين: الأول مسألة “النقلة النوعية(14) في الإنتاج”، التي هي أمر ضروري لبلدنا، ويجب علينا أن نتابع مسألة الإنتاج بأي ثمن كان، وأن نصل إلى النقلة في الإنتاج بكل ما للكلمة من معنى. والمسألة الأخرى هي مسألة التصنيع والعمل المخبري وإنتاج المستلزمات العديدة التي يعمل عليها الشباب في أقسام المختبرات، ويتابعونها إن شاء الله.

أدعو الله أن يمنّ بالسعادة على شعب إيران، وأن يسرّ الروح الطاهرة للإمام العظيم، وأن يحشر الأرواح الطيبة للشهداء الأعزاء مع النبي الأكرم، وأن يحقّق كل الآمال الكبيرة للشعب الإيراني إن شاء الله، وأن يقرّب فرج ولي العصر (أرواحنا فداه) إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


1- بحار الأنوار، ج53، ص 176
2- بحار الأنوار، ج53، ص 171
3-بحار الأنوار، ج36، ص316
4- بحار الأنوار، ج50، ص 318
5- تحف العقول، ص403
6- تحف العقول، ص 106
7- غيبة الطوسي، ص459
8- الكافي، ج2، ص245
9- سورة الرّعد، شطر من الآية 28
10- إشارة سماحته إلى الإعلان العام للدعاء الجماعي في وقت موحّد في النّصف من شعبان
11- كلمته في ذكرى المبعث النبوي الشريف (22/3/2020)
12- كان قد تمّ استخدام تعبير “قتلى” في الكلمة المباشرة حيث صحّح قائد الثورة الإسلامية تعبيره كما يلي: ” ما قلته بأنّ مليون شخص قُتلوا، كان خطأ، بل أصيب أكثر من مليون شخص [بفايروس كورونا] وعدد الذين فارقت روحهم الحياة أقل بكثير على مستوى العالم. أصيب مليون شخص حتّى الآن وبالطّبع رحل عدد عن هذه الدنيا وعددهم أقلّ من هذا. لقد قلت عن طريق الخطأ أنّ مليون شخص توفّوا أو قتلوا.” لذلك تمّ استبدال المصطلح في نصّ الكلمة.
13- مصباح المتهجّد، ج2، ص829
14- أو الطفرة في الإنتاج..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى