إسئلنا

الإعجاز في إخلاف آيات القرآن…

نص الشبهة: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

السؤال: عندما ترد الكلمات التالية في القرآن الكريم:

  1. يصنعون:﴿ … إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ .
  2. يعملون:﴿ … لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ، ﴿ … وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
  3. يفعلون:﴿ … لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ . هل المعنى واحد؟! أم أن تلك الكلمات لها دلالات أخرى؟ بمعنى آخر، لو بدلنا كلمة: «يَعْمَلُونَ» في آية:﴿ … وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .. بكلمة «يَفْعَلُونَ»، أو قل بكلمة «يَصْنَعُونَ»، هل تحافظ الآية على مدلولها أم لا؟ وما الفرق بين الصنع، والعمل، والفعل، في القرآن الكريم؟

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
الجواب على السؤال الأول:
يفعلون ـ يعملون ـ يصنعون:
بالنسبة للسؤال عن الفرق بين الكلمات التالية، الواردة في الآيات القرآنية: يصنعون، يعملون، يفعلون.. نقول:
قد ذكرت بعض كتب اللغة أن:
الفعل: لفظ عام، يقال لِما كان بإجادة وبدونها، ولِما كان بعلم أو غير علم، وقصد أو غير قصد، ولِما كان من الإنسان والحيوان والجماد..
العمل: لا يقال إلا لما كان من الحيوان، وبقصد وعلم.
أما الصنع: فإنه من الإنسان دون سائر الحيوانات، ولا يقال إلا لما كان بإجادة، ولهذا يقال للحاذق المجيد، والحاذقة المجيدة: صَنَعَ كبطل، وصَنَاع كسلام..
والصنع يكون بلا فكر، لشرف فاعله، والفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله، والعمل لا يكون إلا بفكر لتوسط فاعله، فالصنع أخص المعاني الثلاثة، والفعل أعمها، والعمل أوسطها..
فكل صنع عمل، وليس كل عمل صنعاً، وكل عمل فعل، وليس كل فعل عملاً 1.
كما أن الصنع يطلق على الفعل الذي قصد به التوصل إلى أثره كالنجار يصنع الكراسي، قال تعالى:﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا … ﴾ 2 
وقال أبو هلال العسكري ما مفاده:
إن الفعل هو إيجاد الشيء بعد أن كان مقدوراً، سواء أكان عن سبب أم لا. ومن الأفعال ما يقع في علاج، وتعب، واحتيال..
أما العمل فهو إيجاد الأثر في الشيء، يقال: فلان يعمل الطين خزفاً، قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ 3، أي ما تؤثرون فيه بنحتكم إياه، أو صوغكم له..
ولا يقال للفعل الواحد عمل، وأصل العمل في اللغة الدؤوب وسميت الراحلة في اللغة، يَعْمُلَة، لأنها تدأب في السير.. والعمل لا يقتضي العلم بما يعمل له. فيسمى الذي يعمل عملاً لا يعرف فائدته عامل.
وبعدما تقدم نقول:
إن الظاهر هو أن هذه الخصوصيات قد لوحظت في الآيات، فاختلفت التعابير فيما بينها، بحسب كل معنى يراد بيانه..
1 ـ فإن أريد الإشارة إلى أنهم إنما يأتون المنكر من موقع القدرة عليه، والاختيار له، وأنهم يأتونه بسبب وبدون سبب، وأنهم قد ألفوه حتى أصبح من الأمور العادية التي يمارسونها من دون تكلف، بل تصدر عنهم بعفوية، ومن دون قصد والتفات في بعض الأحيان.. الأمر الذي يشير إلى مدى انسجامهم مع المنكر، واستهتارهم بالمعروف، وإلى مدى بعدهم عن الله تعالى، وعن مواقع رضاه..
إنه إن أريد الإشارة إلى ذلك، فإنه يختار للتعبير عن ذلك لفظ يفعلون..
2 ـ إنه قد يكون المطلوب هو الإشارة إلى أن عدوانهم ليس بسبب غضب طغا على عقولهم، فعطلها، ولا لأجل منفعة شخصية دعتهم إليها شهوتهم، ونفوسهم الأمارة، فلما واجهوا من عارضهم في ذلك، بادروا لإزالة معارضته بالعدوان عليه، لتسهيل نيل مآربهم، والحصول على شهواتهم، فإن كان المطلوب هو الإشارة إلى ذلك، فإن كلمة «يعملون» تكون هي الأنسب، حيث تشير إلى أنهم قاصدون لنتائج أعمالهم، وآثار عدوانهم، تماماً كما يقصد العامل أن يجعل الطين خزفاً، فهو قاصد بعمله أن يتوصل إلى خزفيته، كما أن العامل في الذهب يريد أن يوجد صفة أو حالة بعينها ويجسدها فيه، وهي صيرورته عقداً، أو خاتماً، أو ما إلى ذلك.
ثم هي تشير إلى أن الوصول إلى ذلك الأثر قد كان نتيجة دأب وإصرار عملي وجهد، فكلمة «يعملون» هي التي توحي بهذه المعاني، ولا تقوم مقامها كلمتا يفعلون ولا يصنعون..
3 ـ وأما حين يراد الإشارة إلى أن لهم مزيد عناية وقصد إلى إيجاد المنكر بكل مواصفاته، وجامعاً لكل ميزاته..
وإلى أنهم يجيدونه أيما إجادة، ويتقنونه مزيد إتقان..
وإلى أنهم يرون: أن هذا يجعل لهم امتيازاً وشرفاً على غيرهم..
ثم الإشارة أيضاً إلى أنهم يقصدون من هذه الإجادة الوصول إلى آثاره والحصول عليها.. وإلى أنه لا محل لتوهم الغفلة في حقهم، بل الأمور واضحة لهم، من حيث الدافع، المرتبط بالأثر والنتيجة..
ففي هذا الحال يكون التعبير بـ «يصنعون» هو الأكثر ملاءمة لهذه المقاصد، والأكثر وضوحاً في الدلالة عليها، والإشارة إليها.. ولا تقوم كلمتا «يفعلون ويعملون» مقامه 4.

  • 1. راجع: فروق اللغات ص155 و156 للسيد نور الدين الجزائري بتصرف يسير.
  • 2. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 37، الصفحة: 225.
  • 3. القران الكريم: سورة الصافات (37)، الآية: 96، الصفحة: 449.
  • 4. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (389).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى