إسئلنا

لباس الإحرام…

من جملة ما يفترق به الحج عن باقي العبادات الأخرى، تحديد عامل اللباس، والتقيد بلباس موحد ومحدد لا يتغير ولا يتبدل في شكله ولونه، والحج هو العبادة الوحيدة في الإسلام التي تنفرد بهذا النوع من اللباس المدهش في بساطته.

ولا يمكن على الإطلاق اعتبار اللباس في الحج، مجرد مظهر شكلي لا قيمة له ولا تأثير، فاللباس وكل لباس له تأثير على الإنسان من الناحية السيكولوجية، فكيف باللباس إذا كان على صورة كفن، ويذكر الإنسان بالكفن، فإن تأثيره سيكون مختلفاً وحتمياً بالتأكيد.
وبهذا اللباس تتوحد نظرة الحجاج لأنفسهم، وتتجرد من كل تلك الحالات التي يتفاضل الناس بها في سابق الأيام، ويتسابقون ويتنازعون عليها، من قبيل الثروة والقوة والسلطة والجاه والجمال وغيرها.
فليس هناك تفاضل بهذا اللباس بين غني وفقير، وبين رئيس ومرؤوس، وبين أبيض وأسود، وبين عربي وأعجمي، فكلهم سواسية، وأكرمهم عند الله أتقاهم.
وبهذا اللباس أيضاً، تتغير نظرة الإنسان إلى ذاته، وتتحول من عالم الأرض إلى عالم السماء، ومن عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، ومن عالم الإنسان إلى عالم الله عالم الملكوت الأعلى، وتتجرد نظرة الإنسان إلى ذاته من تلك النزعات التي تثير الشقاق والنزاع والبغضاء بين الناس، كنزعات الحسد والحقد والغرور والكبرياء والاستعلاء والتعصب، وكافة أشكال العنصرية.
الأمر الذي يعني أن هذا اللباس، له قيمة بالغة الأهمية من الناحيتين الفعلية والرمزية، إذ لا يمكن النظر إلى الحج من أي جهة من الجهات، وفي أي بعد من الأبعاد، من دون الالتفات إلى طبيعة هذا اللباس ونوعيته.
وعن حكمة الإحرام بهذا اللباس، روي عن الإمام علي بن موسى الرضا –عليه السلام- أنه قال (وإنما أمروا بالإحرام ليخشعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه، ولئلا يلهوا ويشتغلوا بشيء من أمور الدنيا وزينتها ولذاتها، ويكونوا جادين فيما هم فيه قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكليتهم، مع ما فيه من التعظيم لله عز وجل ولبيته، والتذلل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله عز وجل، ووفادتهم إليه راجين ثوابه، راهبين من عقابه، ماضين نحوه، مقبلين إليه بالذل والاستكانة والخضوع).
ومن هذه الجهة، فإن الإسلام بصورة عامة، وعند أداء العبادات بأنواعها كافة، يميل إلى البساطة في اللباس، وبشكل يعكس طبيعته البسيطة، الخالية من التعقيد، والبعيدة عن التفاخر، والمتعالية عن المظاهر، بخلاف الديانات الأخرى التي تبالغ في المظاهر الشكلية، وتسرف في زخرفة الملابس الدينية.
وعن تأثيرات اللباس وما يشكله من انطباعات، نقل عن المؤرخ البريطاني ارنولد تومبي عند ما رأى لباس زعيم ومحرر الهند المهاتما غاندي، قوله: إذا كان هذا هو لباس زعيم الهند فإن بريطانيا لا يمكن أن تبقى في الهند.
واللافت في هذا الانطباع، أن لباس المهاتما غاندي كان يشبه إلى حد كبير لباس المسلمين في الحج1

1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 2 نوفمبر 2011م، العدد 16503.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى