مقالات

أم سلمه…

وفي شوال السنة الثانية بعد بدر 1 وقيل : قبل بدر 2 ، وقيل : في شوال السنة الرابعة 3 تزوج الرسول «صلى الله عليه وآله» بأم سلمة ، أفضل نساء النبي «صلى الله عليه وآله» بعد خديجة ، وأول مهاجرة إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة ، وعادت إلى مكة ثم كانت أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أيضاً 4 .

ونحن نرجح : أنها دخلت بيت النبي «صلى الله عليه وآله» كزوجة له في السنة الثانية ، وقد حضرت زفاف علي بفاطمة «عليهما السلام» الذي جرى في ذي الحجة من السنة الثانية ، وذلك لما ذكرناه فيما يأتي ، حين الكلام حول حضور أم سلمة زواج فاطمة «عليها السلام» ، فليراجع ما ذكرناه هناك .
وعلى كل حال ، فقد خطب أم سلمة أولاً أبو بكر ، فردته ، ثم خطبها عمر فردته ؛ ثم خطبها رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فقالت : مرحباً برسول الله الخ . . 5 وذكرت له أنها غيرى ، وأنها مصبية 6 ، فرد النبي «صلى الله عليه وآله» كلا عذريها ، وتزوجها .

عمر أم سلمة حين الزواج

والظاهر أنها حين تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم تكن قد بلغت الخامسة والعشرين من عمرها ، لأنهم يقولون : إنها توفيت في أوائل خلافة يزيد لعنه الله ، سنة اثنين وستين ، ولها أربع وثمانون سنة 7 فيكون عمرها حينما هاجرت إلى الحبشة حوالي 15 سنة .

الكمال والجمال

وعذر أم سلمة المتقدم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بأنها تغار ، وبأنها مصبية ، يدل على كمال عقلها ، وحسن أدبها ، وعلى أنها كانت تحسب للعواقب حسابها ، فإن غيرتها لربما توقعها فيما لا تحب ، وتكون سبباً في أذى النبي ، أو عدم راحته . وكونها مصبية لربما يعيقها عن القيام بواجباتها تجاه رسول الله «صلى الله عليه وآله» على النحو الأكمل والأفضل .
وقد كانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع ، والعقل الراجح ، والرأي الصائب 8 .
وكانت من أجمل الناس 9 .
ولأجل ذلك نجد عائشة تقول : لما تزوج رسول الله «صلى الله عليه وآله» أم سلمة حزنت حزناً شديداً ؛ لما علمت من جمالها ، فتلطفت حتى رأيتها ؛ فرأيت والله أضعاف ما وصفت من الحسن والجمال ، فذكرت ذلك لحفصة ، وكانتا يداً واحدة إلخ 10 .
ثم ذكرت أن حفصة قد حاولت التخفيف من هموم رفيقتها في هذا المجال .
ولكن الظاهر : أن ذكر حفصة هنا كان في غير محله ، لأن الظاهر أنه «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها بعد أم سلمة كما سيأتي . فلا بد أن تكون قد ذكرت لها ذلك ، حين لم تكن حفصة زوجة له «صلى الله عليه وآله» ، أو أن غير حفصة هي صاحبة القضية مع عائشة .
وثمة موارد أخرى تدخل في هذا المجال ، ذكرها ابن سعد في طبقاته وغيره لا مجال لإيرادها .

أم سلمة على العهد

لقد كانت أم سلمة خير زوج لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وبقيت بعده على العهد ، لم تغير ولم تبدل ، وقرت في بيتها كما أمرها الله ، وناصرت وصي رسول الله ، وعادت أعداءه ومحاربيه ، حتى ليذكر البيهقي : أن عائشة دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل ، وقد كانت أم سلمة حلفت ألا تكلمها أبداً ، من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب .
فقالت عائشة : السلام عليك يا أم المؤمنين .
فقالت : يا حائط ، ألم أنهك ؟ ألم أقل لك ؟!
قالت عائشة : فإني أستغفر الله وأتوب إليه ، (كيف تتوب إليه ، وهي عندما جاءها نعي علي أعتقت غلامها ، وأظهرت الشماتة ، وتكلمت بالكلام السيء في حقه «عليه السلام») 11 كلميني يا أم المؤمنين .
قالت : يا حائط ، ألم أقل لك ؟! ألم أنهك ؟!
فلم تكلمها حتى ماتت إلخ 12 .
ولأم سلمة كلام قوي واجهت به عائشة بعد حرب الجمل وقبلها . ولها كتاب إلى علي «عليه السلام» حول خروج عائشة وإرسال ابنها سلمة إلى علي ليحارب معه عدوه ، فليراجع ذلك من أراده 13 .
وبالمناسبة فإن ابن أم سلمة الذي أرسلته إليه اسمه «عمر» ، وقد كان والياً لأمير المؤمنين «عليه السلام» على فارس والبحرين ؛ وكان معه يوم الجمل 14 .

وفاة أم سلمة

وقد كانت أم سلمة رحمها الله آخر نسائه «صلى الله عليه وآله» وفاة . فقد توفيت في خلافة يزيد لعنه الله تعالى .
ولا يصح قول البعض كالواقدي وغيره 15 : إنها توفيت سنة تسع وخمسين ، وصلى عليها سعيد بن زيد ، أو أبو هريرة 16 .
نعم ، لا يصح ؛ وذلك للأمور التالية :
أولاً : إن سعيد بن زيد قد توفي في سنة خمسين ، أو إحدى وخمسين 17 فكيف يكون قد صلى على أم سلمة التي توفيت بعد ذلك ـ كما صرح به هو نفسه ـ بسنوات ؟
وأما أبو هريرة ، فإنه توفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ، فبالنسبة للقولين الأولين لا ريب في أنه قد توفي قبلها ، وأما بالنسبة للأخير ، فيبقى الأمر محتملاً ؛ ولسوف يندفع هذا الاحتمال من خلال الأدلة التالية .
وثانياً : إننا لا نرتاب في أن أم سلمة قد توفيت في خلافة يزيد ، وذلك استناداً إلى ما يلي :
1 ـ إن من المعروف والثابت ، أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أودع عند أم سلمة قارورة فيها من تراب كربلاء ، فإذا رأتها فاضت دماً ؛ فقد قتل الحسين «عليه الصلاة والسلام» .
وهكذا كان ، فقد عرفت استشهاد الإمام الحسين «عليه السلام» ، حينما فاضت هذه القارورة دماً 18 .
قال ابن كثير : «والأحاديث المتقدمة في مقتل الحسين تدل على أنها عاشت إلى ما بعد مقتله» 19 .
2 ـ روى الطبراني بسند رجاله ثقات : أنها رحمها الله توفيت زمن يزيد بن معاوية سنة اثنتين وستين 20 .
3 ـ وقال الذهبي : إنها عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد ؛ فوجمت لذلك ، وغشي عليها ، وحزنت عليه كثيراً ، ولم تلبث بعده إلا يسيراً ، وانتقلت إلى الله تعالى21 .
4 ـ عن شهر بن حوشب ، قال : أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين 22 .
5 ـ رأت أم سلمة النبي «صلى الله عليه وآله» في المنام ، وأخبرها بأن الحسين «عليه السلام» قد قتل 23 .
6 ـ قالوا : وقد روي بسند رجاله رجال الصحيح : أنها سمعت الجن
تنوح على الحسين «عليه السلام» 24 .
7 ـ عن شهر بن حوشب ، قال : سمعت أم سلمة [تقول] حين جاء نعي الحسين بن علي ، لعنت أهل العراق ؛ فقالت : قتلوه ، قتلهم الله إلخ . . ثم تذكر حديث الكساء 25 .
8 ـ وروى مسلم في صحيحه : أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن صفوان ، دخلا على أم سلمة في خلافة يزيد بن معاوية ؛ فسألا عن الجيش الذي يخسف به . وكان ذلك حين جهز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشام إلى المدينة ، فكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين 26 .
وأخيراً ، فإن من الذين قالوا بوفاتها في خلافة يزيد : الذهبي ـ كما تقدم ـ ورجحه ابن كثير كما تقدم أيضاً ، وابن أبي خيثمة ، وابن حبان ، وأبو نعيم ، واليافعي ، وابن عساكر ، وصححه 27 ، وغيرهم .
ولعل الهدف من الإصرار على أنها قد توفيت سنة تسع وخمسين ، هو تكذيب تلك الفضيلة التي ثبتت للإمام الحسين «عليه السلام» ، والتي تظهر بشاعة وفظاعة تلك الجريمة التي ارتكبها يزيد ، ومن معه من الأمويين وأذنابهم 28 .

  • 1. الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص421 و 422 ، وتاريخ الخميس ج1 ص466 عن السمط الثمين عن أبي عمر ، وذكره مغلطاي في سيرته بلفظ قيل .
  • 2. تاريخ الخميس ج1 ص466 ، وراجع سيرة مغلطاي ص55 .
  • 3. التنبيه والإشراف ص213 ، وسيرة مغلطاي ص55 وغيره كثير .
  • 4. راجع على سبيل المثال : الإصابة ج4 ص459 ، وتاريخ الخميس ج1 ص466 .
  • 5. طبقات ابن سعد ج8 ص62 ، والمواهب اللدنية ج1 ص204 ، ولم يذكر غير أبي بكر ، وأسد الغابة ج5 ص58 ، والإصابة ج4 ص459 .
  • 6. مصبية : ذات صبي .
  • 7. تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362 .
  • 8. الإصابة ج4 ص459 ، وحديث الإفك ص161 عنه .
  • 9. تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362 ، والمواهب اللدنية ج1 ص205 .
  • 10. تاريخ الخميس ج1 ص467 ، وطبقات ابن سعد ج8 ص66 ، والإصابة ج4 ص459 عنه .
  • 11. راجع : الموفقيات ص131 ، والجمل ص83 و84 ، ومقاتل الطالبيين ص42 و43 ، وقاموس الرجال ج10 ص475 .
  • 12. المحاسن والمساوي للبيهقي ج1 ص481 .
  • 13. راجع : قاموس الرجال ترجمة أم سلمة .
  • 14. قاموس الرجال ترجمة عمر بن أبي سلمة .
  • 15. راجع : ترجمة أم سلمة في طبقات ابن سعد ج8 ، والمواهب اللدنية ج1 ص205 ، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362 .
  • 16. كما ذكره أبوعمر في الإستيعاب ، وابن الكمال ، وابن الأثير .
  • 17. تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362 ، والإصابة ج4 ص460 .
  • 18. راجع مصادر هذه القضية في كتاب : (سيرتنا وسنتنا) للعلامة الأميني ، فإنه مشحون بالمصادر لها . والسجود على الأرض للعلامة الأحمدي ص112 و 113 و 114 ، ففيه مصادر كثيرة أيضاً .
  • 19. البداية والنهاية ج8 ص215 .
  • 20. مجمع الزوائد ج9 ص246 .
  • 21. مقتل الحسين للمقرم ص355 وسير أعلام النبلاء ج2 ص202 .
  • 22. مقتل الحسين للمقرم ص355 ، وسير أعلام النبلاء ج2 ص207 وج3 ص283 .
  • 23. تهذيب التهذيب ج2 ص356 ، وتاريخ الخلفاء ص208 ، وأمالي ابن الشيخ الطوسي ج1 ص89 ، ومقتل الحسين للمقرم ص355 عنهما وعن : ذخائر العقبى ص148 ، وسير أعلام النبلاء ج3 ص316 .
  • 24. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص208 ، ومجمع الزوائد ج9 ص199 عن الطبراني ، وحياة الصحابة ج3 ص742 عنه .
  • 25. شواهد التنزيل ج2 ص73 و74 و75 و76 وراجع ص77 وفي هامشه ، ومسند أحمد ج6 ص298 ، والمعجم الصغير ج1 ص65 . وراجع البحار ج45 ص199 عن الطرائف لابن طاووس ص26 ج1 ، ومشكل الآثار ج1 ص335 .
  • 26. الإصابة ج4 ص460 .
  • 27. راجع : الإصابة ج4 ص460 ، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362 ، ومرآة الجنان ج1 ص137 ، والبداية والنهاية ج8 ص215 ، وتاريخ الخميس ج1 ص467 ، وغير ذلك .
  • 28. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء السادس .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى