نور العترة

الإمام الحسين (ع) ويزيد…

يزيد الخمّار خليفة للمسلمين و موقف الامام الحسين (ع)

بعد أن ذلّل معاوية الصّعاب، وأحكم القبضة بكل ما أوتي من وسائل البطش والدهاء والمكر والمال نقل السلطة ورئاسة الدولة الاسلامية إلى ولده يزيد، ومع كل هذا التمهيد، فان العصابة الأموية، لمّا تطمئن على سلطتها بعد، فالحاكم الجديد ليس بوسعه أن يتحدى قيم الأمة ومبادءها التي ربّاها رسول الله (ص) على الولاء لأهل بيته (ع) ومحبتهم، لولا تلك الأرضية والطريق الذي عبّده معاوية للتحكّم في رقاب المسلمين، وإحكام الطوق عليهم.لقد كانت العشرون عاماً الماضية من تسلّط الحكم الأموي، واثرته وتحكّمه على رقاب المسلمين، كافية لأن تحفّز الأمة على الثورة، وتوقظها من سباتها، وتجعلها تعدّ العدّة لخلع الحاكم المفروض عليها، يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فحين تشتدّ المحن، وتتوالى الشدائد، ويطوّق الأمة طوق الارهاب، والتسلّط السياسي، تتّجه الأنظار إلى رجال المعارضة، وقادة الرأي، وأقطاب الحركة التي تحمل روح الثورة، وتعيش معاناة الناس. ولم يكن في هذه الأمة يومها من رجل كسيّد شباب أهل الجنة (ع)، فهو سيد قريش، وسبط الرسول الاكرم (ص) وابن أميرالمؤمنين (ع) وخيرة رجال الأمة شرفاً وفضلاً وورعاً، وكفاءة وشجاعة وخلقاً، وليس في المسلمين من يجهل مقامه، أو ينكر شخصيته، فقد كان معاوية يخشاه، ويعلم موقعه ومكانته عند عامة المسلمين، وقدرته على قيادة الأمة وتحريك عواطفها، وتعبئتها للقتال، وإحقاق الحق، ولما كان يزيد يعرف ويعلم علم اليقين بتعلّق الأمة بالحسين (ع)، وشدّته وروح الوثبة والثورة فيه، وموقفه من أبيه معاوية، ورفضه القاطع واستنكاره لفرض يزيد خليفة على المسلمين؛ لذلك تركّز همّه، وازدادت مخاوفه شخص الإمام الحسين (ع)، مما حدا به، ومنذ الأيام الأولى لتولّيه السلطة إلى بعث كتاب إلى واليه على المدينة، الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ومما جاء فيه:… أما بعد، فخذ حسيناً، وعبدالله بن عمر، وابن الزبير، بالبيعة أخذاً شديداً ليس فيه رخصة، حتى يبايعوا. (1)

استلم الوليد رسالة يزيد، وقرأ فيها نعي معاوية. (2) الاّ أنه كتم سرّ الكتاب، وفكّر مليّاً، ثم استدعى مروان ليبلغه النبأ ويستشيره في كيفية مواجهة الحسين (ع) وتنفيذ قرار يزيد قبل أن يستفحل الأمر ويفلت الموقف، فلم يكن لدى مروان بن الحكم من رأي، غير المكر، حيث قال: أرى أن تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة، فإن فعلوا، قبلت منهم، وكففت عنهم، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموته، وثب كل رجل منهم بناحية، وأظهر الخلاف، ودعا إلى نفسه… الخ. (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1- تاريخ الامم والملوك للطبري، ج 4، ص 250، والكامل لابن الاثير، ج 4، ص 14.

2- هلك معاوية في رجب سنة 60 ه

3- تاريخ الامم والملوك للطبري، ج 4، ص 251، والكامل في التاريخ، ج 4، ص 14.

الحسين (ع) وأول مواجهة ليزيد:

تمت المشورة، وتبلور الرأي، وتحدّد الموقف، وتسارعت الخطى للاطاحة بالحسين، وتطويقه، ومباغتته، واجهاض حركته، لئلا ينتشر خبر هلاك معاوية، ويتحرك الرأي العام، ويتجه الناس إليه فيبايعونه. ففي تاريخ الامم والملوك:… فأرسل الوليد، عبدالله ابن عمر بن عثمان – وهو غلامٌ حدث – الى الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المسجد، وهما جالسان، فأتاهما في ساعة، لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، فقال: أجيبا الأمير، فقالا: انصرف، الآن نأتيه. (1)علم الإمام الحسين (ع) بالخطة الأموية، وتهيأ للمواجهة، وأدرك المباغتة، وعرف لغة التعامل مع مثل هؤلاء، وبعزيمة عالية وموقف شجاع، ملؤه التحدّي والرفض والاستنكار مُقرّر منذ الوهلة الأولى أن يجابه تسلّط يزيد، ويردّ على الموقف السياسي الخطير الذي سينشأ من تولّيه شؤون الأمة الاسلامية. فكانت أول خطوة خطاها أبو الاحرار الحسين (ع) هي:

أنه بعث إلى اخوته وأهل بيته، وحاشيته، فاجتمع من حوله ثلاثون رجلاً، فكانوا كوكبة، أبطال، ورجال ثورة، وهكذا سار بهم إلى الوليد، مستعداً للدفاع، متأهبّاً للمواجهة، فليس في نفس الحسين (ع) رضىً ولا مهادنة، ولا ضعف أو وهن، فبين جنبيه قلب علي بن أبي طالب (ع)، وفي يده سيف الحق، وفي نفسه نفحة النبوة، وعزّة الامامة، وشرف الرجولة.

سار الحسين (ع) ومن معه الى ديوان الوليد، وقال لهم: ان دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا، فاقتحموا عليّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم. (2)

اجتاز الإمام الحسين (ع) مجلس الوليد فسّلم وجلس، وكان إلى جوار الوليد مروان بن الحكم وقد أخبر الوليد الحسين (ع) بموت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد فقال (ع): (أيها الامير إن البيعة لا تكون سرّاً، ولكن إذا دعوت الناس عذاً فادعنا معهم)، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره حتى يبايع، وإلا فاضرب عنقه، فغضب الحسين (ع) ثم قال: (ويل لك يا ابن الزرقاء أنت تضرب عنقي؟! كذبت والله ولؤمت)، ثم أقبل على الوليد فقال: (أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلي لايبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظرو تنظرون أينّا أحق بالخلافة والبيعة).

ثم خرج (ع). فقال مروان للوليد: عصيتني فقال: ويحك: إنك أشرت بذهاب ديني ودنياي، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي، وأنني قتلت حسيناً، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه، ولا يزّكيه وله عذاب أليم. (3)

ـــــــــــــــــــــــــــ

1- المصدر السابق.

2- المصدر السابق، والفصول المهمّة، ص 182.

3- مقتل الحسين لابن طاووس، ص 10 و 11 وتاريخ الامم والملوك للطبري، ج 4، ص 251، والكامل في التاريخ، ج 4، ص 15.

بداية التحرّك:

انفضّ المجلس وانصرف الامام الحسين (ع) عائداً إلى أهله وقد عزم على الجهاد، وتأهّب للمواجهة، واستعدَّ للكفاح.

وقد أوضح الامام الحسين (ع) سبب تحركه وخروجه من المدينة ورفضه لسلطة يزيد بعد تردّي الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية للأمّة، هو الإحساس بمسؤولية الاصلاح ومجابهة الحاكم الاموي الجديد.

الشعار الذي حمله الإمام الحسين (ع):

جاء في نصّ رسالة الامام الحسين (ع): (لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي). (1) ويوضح الامام (ع) سبب رفضه لبيعة يزيد بقوله: (ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لايبايع مثله). (2) وشرح في كتبه (ع) ومراسلاته مع الأقطار والأنصار سبب تحركه، ووضّح مبررات ثورته، فقد جاء في رسالته إلى أهل الكوفة يعرّفهم بالمواصفات التي يجب أن يتصف بها الامام الذي تجب له البيعة والطاعة: (فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله). (3) وكتب إلى زعماء البصرة وقادة الرأي والمعارضة فيها (رؤساء الأخماس) كتاباً وهم: مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمر، وأرسله مع أحد رجاله. وجاء في هذه الرسالة: (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه (ص)، فإنَّ السنّة قد أميتت، والبدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي، أهدكم إلى سبيل الرشاد). (4)

وهكذا يثبّت الامام (ع) الأسس والأصول السياسية لنظرية الحكم، ويثبّت قواعدها، وأصولها القانونية في شريعة القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1- مقتل الحسين للخوارزمي، ج 1، ص 88.

2- مقتل الحسين لابن طاووس، ص 11.

3- الإرشاد للمفيد، ص 204.

4- مقتل الحسين للمقرّم، ص 141 و 142.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى