نور العترة

شورى الخلافة…

نص الشبهة: 

لقد اختار عمر ـ «رضي الله عنه» ـ ستة أشخاص للشورى بعد وفاته ، ثم تنازل ثلاثة منهم، ثم تنازل عبد الرحمن ابن عوف ، فبقي عثمان وعلي ـ «رضي الله عنهم» ـ، فلماذا لم يذكر عليٌّ منذ البداية أنه موصىً له بالخلافة ؟! فهل كان يخاف أحداً بعد وفاة عمر؟! وفي صياغة أخرى للسؤال: لماذا تنازل علي «رضي الله عنه» عن الخلافة طواعية لعثمان «رضي الله عنه» مع أن علي من الستة الذين أوصى لهم عمر «رضي الله عنه» بالخلافة؟! والسؤال: لماذا لم يصرح علي بأنه موحي له بالخلافة بوحي إلهي وأمر نبوي؟! فهل يكتم علي الحق؟! أم إنه استخدم التقية، وأنى لأمير المؤمنين الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ذلك يا قوم ؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين..
وبعد..

أولاً: أرادوا قتل علي عليه السلام في الشورى

إن علياً «عليه السلام» قد تخلى عن الخلافة لعثمان تحت وطأة التهديد بالقتل، لأن عمر بن الخطاب أمر بقتل أصحاب الشورى جميعاً إن لم يتفقوا، وإن اتفق ثلاثة، يقتل الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف. وإن اتفق أربعة أو خمسة، قتل الإثنان الآخران، أو الواحد 1.
وقد هدد عبد الرحمن بن عوف علياً «عليه السلام» بالقتل فعلاً 2.
وروى البلاذري وغيره: أنه لما بايع أصحاب الشورى عثمان كان علي «عليه السلام» قعد (أي قعد عن البيعة) فقال له عبد الرحمان: بايع وإلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد سيف غيره.
فيقال: إن علياً «عليه السلام» خرج مغضباً، فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا: بايع وإلا جاهدناك، فأقبل معهم حتى بايع عثمان 3.
وفي نص آخر: وجعل الناس يبايعونه، وتلكأ علي فقال عبد الرحمان بن عوف:
﴿ … فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 4.
فرجع علي يشق الناس حتى بايع. وهو يقول: خدعة وأيما خدعة 5.
وعند ابن قتيبة: أن عبد الرحمان بن عوف قال: لا تجعل يا علي سبيلاً على نفسك، فإنه السيف لا غيره 6.

ثانياً: موصى، أو موحى؟!

إن التعبير الوارد في السؤال، من أن علياً «عليه السلام» لم يصرح «بإنه موحى له بالخلافة، بوحي إلهي» غير مقبول بأي وجه، لأن علياً «عليه السلام» ليس نبياً، وإنما هو وصي نبي..
يضاف إلى ذلك: أن جبرئيل قد انقطع عن النزول إلى الأرض منذ استشهد رسول الله «صلى الله عليه وآله». فما معنى ادعاء الوحي لعلي «عليه السلام»؟!

ثالثاً: لا معنى للاحتجاج على العارف

لا يحتاج علي «عليه السلام» إلى التصريح بأنه منصوب إماماً للأمة من قبل الله ورسوله، فإن الناس كانوا يعلمون ذلك.
وقد بايعوه يوم الغدير على بكرة أبيهم قبل سبعين يوماً من وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فالسكوت عن التصريح بأمر معلوم للناس، ليس كتماناً للحق، وليس من موارد استعمال التقية..

رابعاً: التقية في مواضع الخوف

ما المانع من استعمال التقية في مواقع الخوف على النفس، إذا كان لا فائدة من الإعلان بالأمر سوى مواجهة المصائب والكوارث.
وقد استعمل مؤمن آل فرعون التقية وذكره الله تعالى في كتابه العزيز، واستعملها أيضاً عمار بن ياسر، فنزل فيه قوله تعالى: ﴿ … إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ … ﴾ 7.
كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد دخل دار الأرقم ليحفظ الذين أسلموا معه من أذى المشركين.
ويقال: إنه بقي يدعو الناس سراً ثلاث سنوات في أول البعثة.. فلماذا يتنكرون لهذا الأمر الثابت في القرآن وفي ممارسة الأنبياء، والأولياء والأوصياء؟!

خامساً: احتجاج علي عليه السلام في الشورى

روي عن عامر بن واثلة: أنه سمع علياً «عليه السلام» يناشد أصحاب الشورى ويقول: «أنشدكم بالله، أمنكم من نصبه رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم غدير خم للولاية غيري؟!
قالوا: اللهم لا» 8.
وفي نص آخر: أنه قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ليبلغ الشاهد الغائب، غيري؟!
قالوا: اللهم لا» 9.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 10.

  • 1. راجع: الكامل في التاريخ ج3 ص66 و 67 حوادث سنة 23 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص428 حوادث سنة 23 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص294 والإمامة والسياسة ج1 ص24 و 25 و 28 و (تحقيق الزيني) ج1 ص28 و (تحقيق الشيري) ج1 ص42 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص187 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص349 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص339 و 342 و 347 والوضاعون وأحاديثهم ص499 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص924 و 925 والشافي في الإمامة ج3 ص212 والنص والإجتهاد ص384 و 398 والغدير ج5 ص375 وكتاب الأربعين للشيرازي ص568 وبحار الأنوار ج31 ص398 ونهج السعادة ج1 ص113 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص116 وفتح الباري ج7 ص55.
  • 2. راجع: الغدير ج9 ص197 و 379 وج10 ص26 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص194 وج6 ص168 وج12 ص265 والوضاعون وأحاديثهم ص498 و 499 وتقريب المعارف ص351 والتحفة العسجدية ص129 وغاية المرام ج2 ص68 وج6 ص8 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص193 وبحار الأنوار ج31 ص66 و 403 وصحيح البخاري ج8 ص123 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص147 وعمدة القاري ج24 ص272 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص304.
  • 3. راجع: أنساب الأشراف ج5 ص22 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص265 والغدير ج5 ص374 وج9 ص197 و 379 وج10 ص26 والوضاعون وأحاديثهم ص498 وتقريب المعارف ص351 وغاية المرام ج6 ص8.
  • 4. القران الكريم: سورة الفتح (48)، الآية: 10، الصفحة: 512.
  • 5. تاريخ الأمم والملوك ج4 ص238 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص302 والوضاعون وأحاديثهم ص499 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص305.
  • 6. الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص31 (وتحقيق الشيري) ج1 ص45 والوضاعون وأحاديثهم ص499 والغدير ج5 ص375.
    وراجع: صحيح البخاري ج6 ص2635 و (ط دار الفكر) ج8 ص123 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص147 وعمدة القاري ج24 ص272 والمصنف للصنعاني ج5 ص477 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص193 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص304.
  • 7. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 106، الصفحة: 279.
  • 8. الدر النظيم ص332 وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص169 والغدير ج1 ص160 مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن مردويه ص132 وعن المناقب لابن المغازلي الشافعي ص222.
  • 9. مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن مردويه ص130 رقم162 والغدير ج1 ص160 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص152 وكشف اليقين ص423 وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص173 ومنهاج الكرامة ص92 وفرائد السمطين ج1 ص319.
  • 10. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (189).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى