نحن وفد الرحمن الذين قد اجتُبينا واصطفينا من قبل الله سبحانه وتعالى للمثول إلى أرض الحج المقدسة لنمثل بلادنا التي جئنا منها ومجتمعنا الذي قدمنا منه ، وها هو موسم الحج قد تضاعف عدده عن العدد المقرر وصوله من كل دولة إسلامية حسبما تقول مقررات منظمة المؤتمر الإسلامي .
ولكن ؛ متى كان هذا الاصطفاء والانتخاب ولماذا ؟
وأقول إن الانتخاب لم يجر بالصورة المتعارفة ، بل هو انتخاب قد جرى من قبل الله عز وجل ، حيث أمر نبيه إبراهيم عليه السلام قائلاً : ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ 1 . وأذّن إبراهيم فانتخب من لبّى وهو في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فبهذا كان مرسوم الانتخاب حسبما تؤكد الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام .
وكان لهذا الانتخاب والاصطفاء الإلهي متعلقات وتبعات ، تماماً كما تقوم أنت ـ كمواطن ـ بانتخاب من يمثلك في مجلس الشعب والبرلمان ، فهذا النائب يكون ملزماً بالسعي إلى حل مشاكلك سعياً واعياً ومخلصاً ، وإلاّ فإن القانون سيحكم بسلبه مواصفات النيابة الشعبية .
وأنت الذي قد انتخبك الله لأداء مناسك الحج دون الملايين الأخرى من المسلمين لابد أن تتعرف على واجباتك وتؤدي هذه الأمانة المقدسة بأفضل صورة .
فالإنسان الحاج باعتباره موفداً من الله وإليه ، إنما يأتي إلى موسم الحج بذنوبه ليعود طاهراً مطهراً ، وإنما يأتي بمشاكله وحاجاته ليعود وقد حلّت مشاكله وقضيت حاجاته . وهذه هي أهداف الحج لا غير . أما إذا عاد الحاج بذنوبه ومشاكله وحاجاته ، فلا يمكن تسمية حجه هذا إلا بالحج الفاشل المرفوض .
إن موسم الحج عبارة عن أشهر معلومات كما أوضح الله ذلك في كتابه الكريم . فمن اقتحم موسم الحج وارتدى رداءه ، عليه أن يلتزم بواجباته ويحجم عن محرماته كالنكاح والجدال والكذب ، ليعلن عن التزامه بآداب الضيافة الرحمانية من جهة ، وليقطف ثمار هذه الضيافة من جهة أخرى ، وليكون اسماً على مسمىً . ولعل ما نذهب إليه من القول بضرورة قطف ثمار الضيافة الرحمانية ، هو التعبير الأشد تواضعاً عـن قوله الله سبحانه وتعالى : ﴿ … وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى … ﴾ 2 ، نظراً إلى أن موسم الحج عبارة عن دورة تربوية هي الغاية في الدقة ، بدءاً من أول لحظة يعقد فيها الإنسان النية إلى الحج وحتى اللحظة الأخيرة والعودة إلى البيت والأهل .
والحاج نفسه مطالب كل المطالبة بعد الخروج من هذه الدورة التربوية الدقيقة بتطبيق ما تمرس عليه لدى العودة إلى وطنه ومجتمعه . فهو مسؤول عن نزع ثوب الكبرياء والعصبية والحمية والحقد والضغينة . . لأنه قد مارس التواضع والعبادة والخشوع أثناء الحج . وهو مسؤول أيضاً عن محاربة الشيطان وأعوانه في المجتمع ، لأنه قد رمى رمزه في منى ، وهو مسؤول أيضاً عن البحث عما يقربه ويقرب أبناء مجتمعه إلى الوحدة والاتحاد ودفع كل ما من شأنه تمزيق الأمة ، لأنه قد مارس ما يرمز إلى كل أشكال الوحدة وما يغني الفرد في الجمع المؤمن .
إن من جدير القول هو أن تفاقم الفتن وعصف الأزمات في مجتمعنا المسلم ، كالتفكك الأسري وسوء التربية وانتشار المخدرات وتراجع التحصيل العلمي وارتفاع معدلات الطلاق ونسبة البطالة وضحالة الإنتاج الصناعي والزراعي . . كل ذلك من شأنه أن يمسخ شخصية الإنسان المسلم مسخاً لا يمكن تصور مداه ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وضع الحلول المناسبة له إلا عن طريق العودة إلى الالتزام بالثقافة الإسلامية الأصيلة . ولا شك أن رسالة الحج تعني الكثير مما نذهب إليه ، إذ هي تكليف إلهي مباشر بأن يؤدي الحاج الأمانة الملقاة على عاتقه ، فينشر ما تعلمه ويبلغ ما رآه ويطبق ما حفظه ، حتى تأخذ معاني الحج مصاديقها ، كالوحدة والالتزام بالأخلاق والفضيلة وطرد الضغائن والأحقاد ، والتمحور حول مبادئ الدين الحنيف الذي يمثل الحل الأول والأخير لجميع مشاكل وأزمات المسلمين الراهنة 3 .
- 1. القران الكريم : سورة الحج ( 22 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 335 .
- 2. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 197 ، الصفحة : 31 .
- 3. كتاب : ” في رحاب بيت الله ” لآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي ، الفصل الأول : نور المعرفة . و هذا الكتاب مجموعة من خطب و كلمات ألقاها سماحته في سفرة الحج على حملات الحجاج من أطراف الأرض وأكنافها .