نص الشبهة:
ويقولون: إن أم كلثوم بنت النبي ـ بل ربيبته (كما بيناه في كتابنا: «بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أم ربائبه»، ثم في كتابنا الآخر: «القول الصائب في إثبات الربائب».) ـ قد توفيت في سنة تسع. ولكن ما يذكر في سبب وفاتها يؤكد: أنها قد توفيت في سنة ثلاث.
الجواب:
فقد جاء في نوادر جنائز الكافي خبر طويل، تقدم شطر منه قبل صفحات قليلة، ونعود فنلخصه هنا على النحو التالي:
إن عثمان قد آوى الذي جدع أنف حمزة (وهو معاوية بن المغيرة بن أبي العاص كما تقدم) وخبأه في مكان من داره، وأمر أم كلثوم: أن لا تخبر أباها فقالت: ما كنت لأكتم النبي «صلى الله عليه وآله» عدوه.
وخرج عثمان إلى النبي «صلى الله عليه وآله». وعرف النبي ذلك بواسطة الوحي؛ فأرسل علياً «عليه السلام» ليأتي به؛ فلم يجده؛ فجاء عثمان، وطلب الأمان له بإلحاح، فقال له «صلى الله عليه وآله»: إن قدرت عليه بعد ثالثة قتلته؛ فأخذه عثمان، فجهزه، وانطلق.
وبعد ثلاث أرسل النبي «صلى الله عليه وآله» علياً وعماراً، وثالثاً؛ ليقتلوه؛ لأنه بات قريب المدينة؛ فأتاه علي «عليه السلام» فقتله.
فضرب عثمان بنت النبي «صلى الله عليه وآله»، وقال: أنت أخبرت أباك بمكانه، فبعثت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ثلاث مرات تشكو ما لقيت والنبي «صلى الله عليه وآله» لا يستجيب.
وفي الرابعة: أرسل علياً «عليه السلام» ليأتي بها؛ فإن حال بينه وبينها أحد؛ فليحطمه بالسيف، وأقبل النبي «صلى الله عليه وآله» كالواله إلى دار عثمان، فأخرجها علي؛ فلما نظرت إلى النبي «صلى الله عليه وآله» رفعت صوتها بالبكاء، وبكى النبي «صلى الله عليه وآله»، وأخذها إلى منزله، وأرتهم ما بظهرها. وبات عثمان ملتحفاً بجاريتها. وماتت في اليوم الرابع.
فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» فاطمة؛ فخرجت، ونساء المؤمنين معها، وخرج عثمان يشيع جنازتها؛ فلما نظر إليه «صلى الله عليه وآله»، قال ثلاث مرات: من أطاف البارحة بأهله، أو بفتاته، فلا يتبعن جنازتها، فلم ينصرف.
فلما كان في الرابعة، قال: لينصرفن أو لأسمين باسمه.
فأقبل عثمان متوكئاً على مولى له، فقال: إني أشتكي بطني.
قال: انصرف الخ.. 1.
ونفس هذه القضية ذكرها الواقدي، والبلاذري، وغيرهما، إلى أن انتهى إلى أنهم أصابوه قد أخطأ الطريق، فقتله عمار وزيد.
وذكروا: أنهم لما جاؤوا ليأخذوه من منزل عثمان، أشارت أم كلثوم إلى الموضع الذي صيره عثمان فيه؛ فاستخرجوه 2.
ولكنهم لا يذكرون القسم الأخير من القضية، لأسباب لا تخفى.
وجزم البلاذري بأن علياً «عليه السلام» هو الذي قتله 3.
ولعل عائشة تشير إلى هذه القضية بالذات، حينما قالت لعثمان عن رقية وأم كلثوم: «ولكن قد كان منك فيهما ما قد علمت».
فراجع ما ذكرناه: في ما تقدم حينما تحدثنا حول وفاة رقية رحمها الله. وإلى ذلك أيضاً يشير ما ورد في دعاء شهر رمضان: «اللهم صل على أم كلثوم بنت نبيك، والعن من آذى نبيك فيها» 4.
ويلاحظ هنا: أن التعبير بـ «بنت نبيك» لا يدل على البنوة الحقيقية، إذ قد يكون المقصود بالبنت: الربيبة، فراجع ما ذكرناه في كتابنا: «بنات النبي أم ربائبه»، وكتابنا الآخر: «القول الصائب في إثبات الربائب».
وبعد ما تقدم، فإن كل الأصابع لا بد أن تمتد لتشير إلى عثمان، حينما نقرأ رواية عبد الرزاق التي تقول: إن بعض بناته «صلى الله عليه وآله» جاءت تشكو زوجها؛ فأمرها «صلى الله عليه وآله» بالرجوع 5؛ لكن علياً «عليه السلام» ـ حسبما تقدم حين الكلام على تكنيته بأبي تراب ـ قد أقسم على أنه لم يغضب فاطمة الزهراء «عليها السلام» ولا أكرهها على أمر حتى قبضها الله تعالى. وهي أيضاً كذلك.
فكل القرائن تشير إذاً، إلى صحة رواية جنائز الكافي؛ وتقوي من مضمونها، الأمر الذي يجعلنا نطمئن إلى أنها رضوان الله تعالى عليها قد توفيت بعد واقعة أحد، وبالذات في قضية الذي جدع أنف حمزة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه؛ وأنها لم تقم مع عثمان إلا قليلاً.
ثم إننا لا نستبعد صحة ما نقله في قرب الإسناد عن الصادق «عليه السلام»:
من أن عثمان لم يدخل بأم كلثوم 6، ويكون ذلك قرينة على أنها لم تعش معه مدة طويلة، ويقرب ذلك أنها ماتت بعد أحد حسبما تقدم. ولعلها قد تزوجته لأيام قليلة فقط.
وأما أن أسماء بنت عميس قد غسلتها، وهي قد عادت من الحبشة عام خيبر؛ أي في سنة سبع؛ فلعله اشتباه من الراوي.
ويكون المراد: أسماء بنت يزيد الأنصارية؛ لكن الراوي زاد كلمة بنت عميس من عند نفسه جرياً على ما استقر في نفسه، بسبب شهرة بنت عميس، وقد تقدم قبل وقعة أحد نظير ذلك في ولادة الإمام الحسن «عليه السلام»، فليراجعه من أراد 7.
- 1. راجع: الكافي ج3 ص251 ـ 253، وقاموس الرجال ج10 ص408 و 409 عنه. وراجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج4 ص301، والإصابة ج4 ص304.
- 2. راجع: قاموس الرجال ج10 ص407 ـ 408، ومغازي الواقدي ج1 ص333، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص46 و 47 عن البلاذري، وليراجع: الكامل لابن الأثير (ط دار صادر) ج2 ص165، وبقية المصادر تقدمت قبل حوالي خمس صفحات.
- 3. أنساب الاشراف ج5 ص164، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص47 و 239 و 199 عن الجاحظ.
- 4. رجال المامقاني ج3 ص74، وقاموس الرجال ج6 ص406 و 407 وقال: (أقول: أما الدعاء، فذكره الشيخان في المقنعة، والتهذيب، عقيب تسبيح شهر رمضان، ونسبه الأول إلى مجيء الآثار به، لكن ليس في نسخته الفقرة، نعم هي في الثاني).
- 5. المصنف للحافظ عبد الرزاق ج11 ص300، وهامش ص301 عن سعيد بن منصور.
- 6. رجال المامقاني ج3 ص73 و 74، وقاموس الرجال ج10 ص406 و 407 عن قرب الإسناد والخصال.
- 7. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السابع.