نزلت آية الوضوء من سورة المائدة، وأدّي النبيّ وضوءه في ضوء هَدْيها عدّة مرّات في اليوم، وعلي مدي أكثر من عقدين، وشاهد المسلمون كيفية وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) .
غير أنّ الغريب في الأمر أن يقع الاختلاف في الوضوء الذي استقرّ عليه المسلمون، وذلك في عهد خلافة عثمان لقول أبي مالك الدمشقي: «حدثت أن عثمان بن عفان اختلف في خلافته في الوضوء»1 .
وتبنّي الخليفة عثمان وجنوده وضوءاً منسوباً الي فعل الرسول الأعظم، فيما ادّعي الفريق الآخر ثباته علي الوضوء الذي جاء به الرسول الأكرم منذ اُمر بإقامة الصلاة، واستنصر كلّ فريق بالقرآن والسنّة لإثبات مدّعاه، وفيما يلي تحرير محلّ النزاع في بيان صفة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) .
وضوء الشیعة الامامیة
الوضوء عند الشيعة غسلتان ومسحتان:
الغسل الأوّل: غسل الوجه من قصاص شعر الرأس الي الذقن.
الغسل الثاني: غسل اليد اليمني ثم اليسري من المرفق الي أطراف الأصابع، بحيث يبدأ من المرفق ويُنتهي الي أطراف الأصابع.
و من ثمّ:
المسح الأوّل: مسح الرأس، بأن يمسح مقدّم الرأس بأصابعه أو كفه.
المسح الثاني: مسح ظاهر القدمين، بأن يمسح بأصابعه أو كف اليد مبتدءاً من رؤوس اصابع القدم الي قبتها.
وضوء أهل السنة
من الأُمور التي يختلف فيها أهل السنة عن الشيعة الإمامية في الوضوء، أنهم في غسل اليد اليمني و اليسري، يبدأون الغسل من الأصابع وينتهون بالمرافق، والأمر الآخر أنهم يغسلون الأرجل بدلاً من مسحها.
وعليه يجدر في هذه الدراسة المقتضبة، بحث نقطتين:
الأُولي: هل يجدر في غسل اليدين البدء بأطراف الأصابع و الإنتهاء بالمرافق كما يفعل أهل السنّة؟ أو لابدّ من القيام بعكس ذلك بأن يبدأ بالمرافق ويُنتهي بأطراف الاصابع؟
الثاني: ما يجب بعد مسح الرأس، هل هو غسل الأرجل أو مسحها؟ و ما هو المستفاد من الكتاب و السنة في هذه المسائل؟
آیة الوضوء
قال تعالي:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ…)2 .
أمَا بالسنة الي النقطة الأولي من البحث أي: هل يجوز في غسل اليدين البدء بأطراف الأصابع كما عليه أهل السنة، أو لابدّ من البدء بالمرافق كما هو عليه الشيعة؟ الذي يُفهم من عبارة (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِق) في الآية الشريفة، أنه لابد من غسل اليدين الي المرافق، أي أن الغسل محَدّد بالمرافق، فلا يكفي الغسل دونها ولا حاجة الي الغسل فوقها3.
وعليه فإن أقصي ما تبيَنه الآية الشريفة بيان حدَ الغسل، دون التطرق الي كيفيته وهل يجب ان يكون البدء من أطراف الأصابع أم لابد من البدء بالمرافق، خاصة إذا قلنا أن لفظ (إلي) بمعني (مع) وفسرّنا الآية علي النحو الآتي: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ) إذ تستعمل (إلي) أحياناً بمعني (مع)، كما في قوله تعالي: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَي أَمْوَالِكُمْ)4، وعليه فالإستدلال بهذه الآية علي وجوب البدء في غسل اليدين من الأصابع باطل، إذ ليس في الآية تصريح بذلك ولا ظهور، بل لا توجد حتي إشارة علي ذلك.
الوضوء في أحادیث أهل السنة
ليس هناك في روايات أهل السنة التي تروي كيفية وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) ما يدل علي أنّ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان يبدأ في غسل يديه الشريفتين من أطراف الأصابع إلي المرافق.
ومن الروايات المشهورة والمنقولة في صحاح أهل السنة رواية وضوء عثمان علي النحو الآتي:
(إنّ عثمان بن عفان دعا بوضوء فتوضّأ فغسل كفيّه ثلاث مرات ثم مضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمني إلي المرافق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسري مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمني إلي الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسري مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) توضّأ نحو و ضوئي هذا… )5
ومعلومٌ أنّ هذا النوع من التعبير القائل: (غسَل عثمان يده اليمني واليسري إلي المرافق، وقال: توضأ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) نحو وضوئي هذا) لا يدل علي أكثر من أن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) قد غسل هذا المقدار، دون أن يكون إبتداء ذلك من أطراف الأصابع إلي الأعلي، وهكذا الأمر بالنسبة إلي الروايات الاُخري التي لها ذات التعبير.
مضافاً إلي أنّه حينما يقال: إغسل يديك إلي المرافق، سيفهم الإنسان بمقتضي طبعه أن الغسل يكون من الأعلي إلي الأسفل بحيث تجري غسالة الماء إلي أطراف الأصابع، لا أن يبدأ بغسل أطراف الأصابع ثم ترفع إلي الأعلي ليجري الماء بنحو معكوس من فوق اليد، لتعود الغسالة وتجري من أطراف الأصابع، أو تنزل من المرافق لتبلل الثياب، أو تنسكب علي الأرض.
ومن خلال أدني إلتفات إلي الكيفية السائدة في الأغسال بين العرف العام، يتضح أنّ الآية عندما أمرت بغسل اليدين إلي المرافق، لم تكن هناك حاجة إلي بيان أن الغسل لابد أن يكون من الأعلي إلي الأسفل، لأن الناس يفعلون ذلك وفقاً لمقتضي طبيعتهم.
وعليه إذا توضأ شخصٌ علي النحو الذي يقتضيه طبعه، يكون قد عمل بالآية الشريفة، وهو أوفق بالإحتياط، وإذا كان الأمر خلاف ذلك، كان يجب بيانه، في حين أن روايات أهل السنة التي تبيّن كيفية وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) ساكتة عن ذلك.
الوضوء في أحادیث الشیعة الإمامیة
نعم ذكرت صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) في الأحاديث الواردة في مصادر الشيعة الإمامية والمنقولة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد صرِّح فيها بالبدء بالمرافق كما هو المتعارف والمعمول في غسل الأيدي، وسنذكر واحدة منها علي سبيل المثال:
(عن زرارة: قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فقلنا بلي، فدعا بقعبٍ6 فيه شيً من ماء، فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمني، ثم قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة، ثمّ غرف فملأها ماءاً، فوضعها علي جبهته، ثم قال: بسم اللّه، وسدله علي أطراف لحيته، ثم أمرَّ يده علي وجهه، وظاهر جبهته، مرّة واحدة، ثم غمس يده اليسري، فغرف بها ملأها، ثمّ غرف بيمينه ملأها، فوضعه علي مرفقه اليسري فأمرّ كفّه علي ساعده حتي جري الماء علي أطراف أصابعه، ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقية بلّة يمناه)7 .
وهناك روايات أخري بهذا المضمون، فراجع مظانّها في كتاب (وسائل الشيعة)، الجزء الأوّل، إبتداءً من الصفحة 272 فما بعد.
هل الصحیح غسل الرجلین أو مسحهما ؟
النقطة الثانية في البحث: هل يجب غسل الأرجلين أم مسحهما؟
وسنتعرض أولاً إلي الأقوال في هذه المسألة:
نقل (إبن قدامة) وهو من كبار فقهاء أهل السنة، في كتابه (المغني) وهو من الكتب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة، نقل الأقوال في كتابه هذا علي النحو الآتي:
(غسل الأرجل واجب في قول أكثر أهل العلم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلي: أجمع أصحاب رسول اللّه علي غسل القدمين، وروي عن عليّ (عليه السلام) أنه مسح علي قدميه ثمّ دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلي) .
وحكي عن أبن عباس أنه قال: ما أجد في كتاب اللّه إلا غسلتين ومسحتين.
وروي عن أنس بن مالك أنه ذُكر له قول الحجاج: (إغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما) فقال أنس: كذب الحجاج، وتلا هذه الآية: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ)، أي أنه لابد لموافقة هذه الآية من مسح القدمين لا غسلهما، وحكي عن الشعبي إنه قال: الوضوء مغسولان وممسوحان، فالممسوحان يسقطان في التيمم (يعني الوضوء يحتوي علي مسح الرأس والرجلين، ولا يوجد ذلك في التيمم).
ثمَّ نقل قول ابن جرير الطبري في التخيير بين الغسل والمسح8.
فأوّلاً: عدّ إبن قدامة غسل الأرجل رأياً لأكثر أهل العلم.
ثانياً: أقرّ بأن القول بغسل الأرجل ليس إجماعياً بين الصحابة والتابعين، فهناك من يقول بمسحها.
ثالثاً: نقل أن علياً (عليه السلام) كان يمسح القدمين.
ونسب الفخر الرازي في تفسيره نقلاً عن القفّال القول بوجوب مسح الأرجل إلي الإمام أبي جعفر محمد بن عليّ الباقر (عليهم السلام) وقال: إنه مذهب الشيعة الإمامية9.
وقال إبن حزم في المحلّي: (وممن قال بمسح الأرجل جماعة منهم عليّ بن أبي طالب وابن عباس والحسن والشعبي وغيرهم، وهو قول الطبري، وهناك روايات في ذلك10.
مسح أو غسل الأرجل في الوضوء من القرآن
قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ…) .
نلاحظ أن الآية الشريفة بعد أن أمرت بغسل الأيدي إلي المرافق، قالت: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ)، حيث أمرت أولاً بمسح الرأس، ثم ذكرت كلمة «أرجلكم»معطوفة بالواو.
وهناك قراءتان في كلمة الأرجل، أحداهما بالخفض (وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر عنه)، والأُخري قراءة النصب (وهي قراءة نافع وإبن عامر وعاصم برواية حفص عنه)
ويتم توضيح رأي الشيعة وأهل السنة في الإستفادة من هذهِ الآية من خلال هاتين القراءتين، ليقف القارئ علي ما يراه من ظاهر هذه الآية.
رأي الشیعة في استفادة مسح الارجل من القرآن
يقول الشيعة الإمامية: هناك جملتان في قوله تعالي: (فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ)، وقد بيّنت الجملة الأولي الحكم بغسل الوجه واليدين، كما بيّنت الجمله الثانية الحكم بمسح الرأس والرجلين، وهي جملة مستقلّة لا ربط لها بالجملة السابقة سوي عطف جملة «وامسحوا» علي جملة «فاغسلوا»، ولو قرئت كلمة «أرجلكم» بالجر فهي معطوفة علي كلمة «رؤوسكم» وكما أن «برؤوسكم» تتعلق بـ «إمسحوا» فإنّ «أرجلكم» معطوفة علي «رؤوسكم» فيجري فيها حكم المسح أيضاً.
وعلي قراءة النصب، تكون معطوفة علي محل «برؤوسكم» وهو النصب علي نزع الخافض، وهو شائع ومعروف بين علماء النحو، والدليل علي ذلك تصريح علماء النحو، فقد ذكر إبن هشام في كتاب «مغني اللبيب»11 ثلاثة أنحاءٍ للعطف، وجعل العطف علي المحل واحدة منها، وذكر المثال الآتي: «ليس زيد بقائم ولا قاعداً» فعطف قاعداً علي محلّ قائم وهو النصب لكونه خبراً لليس.
وعليه يكون المعني واحداً علي القراءتين، فسواءً كان لفظ «أرجلكم» منصوباً أو مجروراً لا يختلف المعني، وهو: «إمسحوا رؤوسكم وامسحوا أرجلكم إلي الكعبين».
رأي أهل السنة في استفادة غسل الأرجل من الآیة
حمل كثير من أهل السنة الآية علي أنّ كلمة «أرجلكم» إذا كانت منصوبة فهي معطوفة علي «وجوهكم وأيديكم» .
وللتدقيق أكثر لابد من الإلتفات إلي الآية حيث تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ) فإن كانت كلمة «أرجلكم» معطوفة علي «وجوهكم» فعندها سيجري حكم غسل الوجه علي الأرجل فتغسل أيضاً.
وهنا نترك الحكم لفهم القارئ وارتكازه، فإذا قرأت «أرجلكم» بالنصب، فهل الظاهر عطفها علي محل «رؤوسكم» المجاورة لها ليكون حكم الأرجل هوالمسح، أو لابد من تجاهل جملة «وامسحوا برؤوسكم» ليحصل الترابط بين كلمة «وأرجلكم» وعبارة «فاغسلوا وجوهكم وأيديكم»؟ لا شكّ أن هذا المعني الثاني خلاف الظاهر، ولا يساعد عليه الإرتكاز العرفي في فهم المعني الظاهري من اللفظ.
فلو أخذنا مثلاً جملة: (أكرمت زيداً وعمراً وأزريت بخالدٍ وبكراً) هل هناك من يحتمل أن بكراً معطوف علي خالد، ويدخل في حكم الإزراء، وعليه يكون عطف «أرجلكم» علي «وجوهكم وأيديكم» خلافاً للظاهر، ولا يمكن حمل كلام اللّه تعالي ـ وهو في قمّة الفصاحة والبلاغة ـ علي هذا المحمل البعيد وغير الظاهر، وأنه كما قال إبن حزم12: إن هذا النوع من العطف يؤدي إلي الإشكال والشبهة والضلال، وليس بياناً للحكم.
خلاصة القول: إننا علي قراءة النصب في «أرجلكم» إذا لم نقل بعطفها علي «رؤوسكم» سنرتكب ثلاث مخالفات للأصل هي كالآتي:
1 ـ عندما تعطف جملة علي جملة، فالأصل إن الجملة الأُولي قد اكتملت من الناحية اللفظية والمعنوية، وإن الجملة الثانية تعطف علي الأُولي.
2 ـ أن لا يقع فصلٌ بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة اعتراضية.
3 ـ إذا أمكن إرجاع المعطوف إلي الجملة الأخيرة كما أوضحنا ذلك، لا يصار إلي إرجاعه إلي الجملة المتقدمة عليها، وكما جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي13: «إذا أمكن جعل (وامسحوا) عامل النصب في «أرجلكم» وأمكن أن يكون العامل هو (فاغسلوا) سيجتمع عاملان علي معمول واحد، وفي مثل هذه الحالة يكون إعمال الأقرب أولي» وعليه يكون إعمال الأبعد خلافاً للأصل ، وخلافاً للظاهر.
توجیه قراءة الخفض عند أهل السنة
من التوجيهات التي ذكرها أهل السنة لقراءة الخفض أنهم ألغوا العطف، وذهبوا إلي جرها لمجاورة كلمة (برؤوسكم) ولنستعرض الآية الشريفة مرّة أخري: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ) .
ويقوم هذا التوجيه علي أساس أن «أرجلكم» التي قرئت مجرورة، ليست مجرورة لعاملٍ لفظي؛ لعدم وجوده في البين بعد عطفها علي «وجوهكم وأيديكم» وعليه ينبغي أن تكون منصوبة، ولكنها جرَّت لعامل معنوي وهو قربها ومجاورتها لكلمة «برؤوسكم»، كما في التعبير القائل: «جحر ضبٍّ خربٍ»، حيث جرّ لفظ «خرب» لمجاورة «ضبٍّ» مع أن حقها الرفع علي التبعية لأنها صفة كلمة «جحر» وعلي ذلك حملت قراءة جرير بجر «أرجلكم» في هذه الآية.
ونحن نري أن هناك من علماء أهل السنة من ذهب مذهب علماء الشيعة في ردّ هذا التوجيه وأجاب عنه14.
وطبقاً لما ذكره هؤلاء العلماء لا يكون التوجيه المتقدم صحيحاً، وذلك:
أوّلاً: إن الجرّ بالمجاورة لم يرد في الكلام الفصيح، فهو إستعمال شاذ ومخالف للقاعدة، وعليه يجب عدم حمل كلام اللّه عليه.
ثانياً: إنما يجوز الجرّ بالمجاورة عند أمن اللبس، بأن تكون هناك قرينة قطعية علي المراد من الكلام، كما في المثال المتقدم، فالخرب إنما هو صفة للجحر ولا يمكن أن يكون صفة للضب أبداً، فإذا لم تكن هناك قرينة علي الجرّ بالمجاورة (كما هو الحال في هذهِ الآية الشريفة)، لا يكون هذا النوع من الإعراب إلا تضليلاً للفهم وإبعاد الذهن عن المراد.
ثالثاً: أنْ لا يُفصل بين المتجاورين بحرف عطف، ومع وجود حرف العطف لا يتحقق الجرُّ بالمجاورة.
رابعاً: إنّ ما ذكر من الجرّ بالمجاورة في قولهم: «جحر ضبٍّ خربٍ» إنما كان لتوجيه هذا الإستعمال، ويحتمل أن يكون استعمالاً خاطئاً أصلاً، أو أن هناك سبباً آخر كملاحظة الحال والمحل، ولم يكن الجر للمجاورة، إذ من الواضح أن مجاورة أحد العوامل لا يعدّ جارّاً، كما جاء في كتاب (إعراب القرآن)15المنسوب للنحّاس، حيث قال: أنه إستعمال خاطئ لا ينبغي القياس عليه.
وقال إبن هشام في كتاب (مغني اللبيب)16: «والذي عليه المحققون إن خفض الجوار يكون في النعت قليلاً كما مثلنا17 وفي التوكيد نادراً. ولا يكون18 بالنسق لأن العاطف يمنع عن التجاور».
ومن خلال هذا البيان يتضح أنه بناءً علي قراءة الجر يكون التوجيه المذكور لإستفادة غسل الأرجل في الوضوء مستلزماً لعدة مخالفات للأصل والظاهر، إذ ترد نفس المخالفات الواردة في قراءة النصب، وذلك لأن كلمة «أرجلكم» إذ قرئت بالجر للمجاورة، ستتعلق بجملة «فاغسلوا» وسترد نفس الإشكالات، مضافاً إلي الإشكالات الواردة علي الجرّ بالمجاورة.
وذهب بعض المحققين والمفسرين من أهل السنة إلي أن دلالة الآية علي المسح ظاهرة ولا إشكال فيها، وذهبوا إلي وجوب غسل الأرجل من طرق أخري وفيما يأتي سنناقش كلمات بعضهم.
مناقشة الفخر الرازي
بعد أن بيَّن الفخر الرازي في تفسيره الكبير إستدلال القائلين بوجوب المسح بناءً علي قراءة النصب والجرّ وقبله وارتضاه، قام بالإجابة عنه بجواب واحد فقط ورآه متيناً حيث قال:
«إن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل علي المسح، ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلي الإحتياط، فيجب المصير إليه»19 .
ورأي من خلال هذا الكلام إمكان الجمع بين دلالة الآية علي وجوب المسح، ودلالة الأخبار علي لزوم الغسل، وذهب إلي أن الغسل أقرب إلي الإحتياط.
وهذا الكلام من الفخر الرازي غير صحيح، وذلك:
أوّلاً: لأن الغسل والمسح مفهومان متباينان، وإنما يمكن الإحتياط بين أمرين إذا لم يكن هناك تباين بينهما، وكان بينهما قدر متيقّن.
ثانياً: نجد أن الآية الشريفة قد عطفت مسح الرأس والأرجل علي غسل الوجه والأيدي، والعطف يقتضي التغاير، ولو فرضنا إمكان الجمع بين الغسل والمسح، فإن الآية الشريفة التي لها ظهور قوي بازائهما مجتمعين، تدل علي أن المراد مسحٌ لا غسلَ فيه.
مناقشة القرطبي
بعد أن نقل القرطبي في تفسيره كلام الطبري القائل بالتخيير، ذكر أن النحّاس يري أن الجمع بين الغسل والمسح أفضل الأقوال، ونقل عن ابن عطية أن جماعة من الذين قرأوا «وأرجلكم» بالكسر، ذهبوا إلي أن مسح الأرجل عبارة عن غسلها ثم قال:
«قلت: وهو الصحيح، فإن لفظ المسح مشترك يطلق بمعني المسح ويطلق بمعني الغسل. قال الهروي: أخبرنا الأزهري.. عن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلاً ويكون مسحاً، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسّح … فإذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعني الغسل فترجح قول من قال إن المراد بقراءة الخفض الغسل»19.
أوّلاً: كما تقدّم أن قلنا أن المسح والغسل مفهومان متباينان، وما نُقل عن أبي زيد الأنصاري لا يثبت أن الغسل قد يستفاد من لفظ المسح علي الحقيقة، إذ ما ورد عن أبي زيد أنه روي إستعمال المسح في الغسل والإستعمال أعم من الحقيقة.
وما استشهد به من أن الرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه يقال عنه أنه قد تمسح لا يصلح شاهداً علي ذلك، فإن الذي يتوضأ يمسح في العادة علي أعضاء وضوئه، وعليه قد يكون إطلاق «التمسّح» بهذا الإعتبار، أو باعتبار إزالة القذارة المعنويّة والذنوب.
ثانياً: لو سلمنا أن المسح يعني الغسل، إلا أن هذا إنما يكون إذا لم تذكر كلمة المسح مع الغسل في كلام واحد، وفي الآية الشريفة وردت كلمتا الغسل والمسح في كلام واحد متّصل، وهذا يشكّل قرينة واضحة علي أن المسح يختلف عن الغسل، كما هو الحال في كلمة الفقير والمسكين، فإنهما يستعملان في معنيً واحد ولكنّ هذا في حالة الأفتراق، وأما إذا استعملا في كلام واحد، كما في قوله تعالي:(اِءنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ…)20 فسيكون هناك إختلاف بينهما21.
ثالثاً: إستعملت الآية الشريفة كلمة «إمسحوا» مرة واحدة فقط، وقد تعلقت أولاً بكلمة «برؤوسكم»، ومن ثمّ تعلقت بـ «وأرجلكم» وفيما يتعلق بـ «رؤوسكم» لا شكّ في أن المراد هو المسح وليس الغسل، فكيف يكون المراد منها فيما يتعلق بـ «أرجلكم» هو الغسل؟!
مناقشة السیوطي
يري السيوطي في كتاب (الإتقان)22 أن من الموارد التي يتعين علي الناظر في القرآن الإلتزام بها هي تجنّب الأمور البعيدة والوجوه الضعيفة والكلمات الشاذة، وعدم حمل القرآن الكريم عليها وعدّ منها الجرّ بالمجاورة الذي حملت عليه كلمة «أرجلكم» في الآية الشريفة، ثم قال:
«لأن الجرّ علي الجوار ضعيف شاذ لم يرد منه إلا أحرفٍ يسيرة والصواب أنه معطوف علي برؤوسكم، إلا أن المراد به مسح الخف».
وهذا الكلام الأخير من السيوطي غير صحيح أيضاً، وذلك:
أوّلاً: لأن المسح علي الخفين ليس مسحاً علي الأرجل، وقد أمرت الآية بمسح الرأس والأرجل، ولو كانت الأرجل قد استعملت بمعني الخفّ، فهو إستعمال مجازي وعلي خلاف الأصل، إذ الأصل هو الإستعمال علي نحو الحقيقة.
ثانياً: إن ذكر كلمة «أرجلكم» بإزاء «رؤوسكم» قرينة علي أن المراد هو الأرجل وليس الخفّ.
ثالثاً: إن هذا التقييد يستلزم خروج أكثر الأفراد من مورد الآية، إذ لو كان المراد هو المسح علي الخف كان معني ذلك أن الآية قد بينّت حكم المسح علي الرجل إذا كانت في الخف.
مناقشة الزمخشري
ذهب الزمخشري في تفسيره بناءً علي قراءة «أرجلكم» بالجر، إلي عطفها علي «برؤوسكم»، وقال:
«قلت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة، تغسل بصبّ الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت علي الثالث الممسوح، لا لتمسح ولكن لينبّه علي وجوب الإقتصاد في صبّ الماء عليها»23 .
أوّلاً: لم يذهب القائلون بمسح الأرجل إلي مسحها من دون تحديد، وعليه لا مانع إن دخلت (وأرجلكم) في حكم المسح، أن يكون حدّها (إلي الكعبين).
ثانياً: لم تستعمل الآية الشريفة كلمة (إمسحوا) إلا مرة واحدة، فكيف يكون المراد منها فيما يتعلق بالرأس المسح علي نحو الحقيقة، وفيما يتعلق بالأرجل المجاز.
ثالثاً: ذكر المسح بإزاء الغسل في الآية الشريفة يدل بوضوح علي أنّ حكم الرأس والأرجل هو المسح وليس الغسل.
رابعاً: ما هي خصوصية غسل الأرجل التي تميّزها من غسل الوجوه والأيدي فيعبّر عنها بالمسح للحيلولة دون الإسراف خلافاً للوجه والأيدي، فهل يجوز الإسراف فيهما؟! بل بالنظر إلي أن الأرجل في معرض الإتساخ والإصابة بالقذر يوجب التأكيد علي زيادة غسلهما، لا أن يكون غسلهما أقرب إلي المسح الواجب. والحقيقة إن هذهِ التوجيهات التي فيها من الكلفة البعيدة عن الفهم العقلائي والإرتكاز العرفي، وما الي ذلك، لم تكن إلا لأنهم ذهبوا إلي أن غسل الأرجل هو الحكم القطعي، فأدّي بهؤلاء المفسرين المختصّين في فهم أسرار الكلام ودقائقه إلي الإبتعاد عن المعني الظاهر من الآية، وما تريد الآية بيانه.
وعليه لابدّ من البحث في الروايات التي تبيّن حكم الأرجل في الوضوء.
مسح الأرجل في روایات الشیعة الإمامیة
إن روايات الشيعة الإمامية الواردة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والتي يحكي الكثير منها صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)تدل علي مسح الأرجل دلالة واضحة.
ومنها تلك الرواية الواردة في غسل الأيدي التي نقل فيها مسح الأرجل من قبل النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) وفي رواية زرارة وبكير سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن وضوء النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله)، فأخذ الإمام (عليه السلام) يحكي لهم صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) حتي قال: «ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفه، لم يحدث لهما ماءً جديداً»24.
وهناك الكثير من روايات الشيعة في هذا المجال، فراجع وسائل الشيعة الجزء الأوّل في الصفحة 272 فما بعد، وهي صريحة بإفادة المعني الذي أفادته الآية الكريمة.
أحادیث أهل السنة في حکم الأرجل في الوضوء
إن الأحاديث المذكورة في المصادر الحديثية لدي أهل السنة في بيان حكم الأرجل في الوضوء كثيرة، والتي يستدل بها علي وجوب غسل الأرجل علي ثلاث مجموعات:
1- الأحاديث التي تحكي صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)، والتي ذكرت أن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان يغسل قدميه.
2- الأحاديث التي روت أمر النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) بغسل الأرجل في الوضوء.
3- الأحاديث التي روي فيها تهديد الأعقاب بالنار، والتي يستدلّ بها علي وجوب غسل الأرجل وعدم مسحها.
أما الأحاديث التي تحكي صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) فنكتفي منها بذكر حديثين:
1- «عن حمران مولي عثمان بن عفان أنه رأي عثمان دعا بوضوءٍ فافرغ علي يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات. ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلي المرفقين ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، ثم غسل كلّ رجل ثلاث مرات، ثم قال: رأيت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) يتوضأ نحو وضوئي هذا»25.
2- عن عبد اللّه بن زيد قال: أتي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فأخرجنا له ماءً في تورٍ من صفر فتوضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين مرتين ومسح برأسهِ وغسل رجليه26.
ومن المجموعة الثانية نذكر حديثاً واحداً:
«عن جابر بن عبد اللّه قال: امرنا رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا»27.
ومن المجموعة الثالثة نذكر حديثاً واحداً أيضاً:
«عن عبد اللّه بن عمرو قال: تخلف النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) عنا في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح علي أرجلنا، فنادي بأعلي صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثاً»28 .
لا يخفي أن هذا النوع من الروايات التي فيها تهديد للأعقاب بالنار ليس فيها دلالة علي وجوب غسل الأرجل بوصفه جزءاً من الوضوء، بل ربما كان المراد منها منع بعض الأشخاص من الدخول في الصلاة بأرجلٍ متنجّسة، ومما يؤيّد هذا الإحتمال القرينة الموجودة في نفس هذهِ الرواية، وهي أن الراوي لم ينسب المسح لنفسه فقط، وإنما نسبه إلي جماعة من الصحابة، فيتضح أن الصحابة كانوا يمسحون أرجلهم، فلو كان النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) يريد أن يردعهم عن ذلك وأن يأمرهم بغسل أرجلهم، كان عليه أن يأتي ببيان صريح بذلك كأن يقول لهم: «لا تمسحوا علي أرجلكم ولكن إغسلوها»، في حين أنه لم يقل ذلك، واكتفي بتهديد الأعقاب بالعذاب بالنار فقط، وهذا ليس صريحاً في الردع عن المسح علي الأرجل.
وأما الأحاديث الاُخري التي تروي أن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان يغسل قدميه في الوضوء أو تلك التي تروي أمر النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) بغسل الأرجل، ففيها:
أوّلاً: إنها مخالفة للآية الشريفة، ولا يمكن عدّ مثل هذهِ الأحاديث من سنة النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) .
ثانياً: إنها معارضة بالأحاديث التي تحكي المسح عن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، ولا بأسَ باستعراض بعض تلك الأحاديث:
الأحادیث الدالة علی مسح الأرجل في کتب أهل السنة
1 ـ «عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يتوضّأ ويمسح بالماء علي رجليه»29 .
قال إبن حجر عن رجال سند هذا الحديث: (رجاله ثقات)30.
وروي هذا الحديث في كنز العمال نقلاً عن سنن إبن أبي شيبة ومسند أحمد وتاريخ البخاري ومسند العدني، ومصباح السنة للبغوي، ومسند الباوردي والمعجم الكبير للطبراني، وجامع أبي نعيم31.
في هذا الحديث الذي أذعن إبن حجر (الرجالي المعتمد لدي أهل السنة) بوثاقة رواته، حكي تميم وهو من الصحابة: صورة وضوء رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وجعل منه المسح علي الأرجل.
سؤال: ألا يفهم معني الغسل من كلمة بالماء الواردة بعد كلمة (يمسح)؟
جواب: تقدّم أن المسح والغسل مفهومان متباينان، وقد جعل الحديث المسح بالماء علي الأرجل من الأجزاء الواجبة في الوضوء.
2- «حدثنا إبن عيينة عن عمرو بن يحيي عن أبيه عن عبد اللّه بن زيد أن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين، ومسح برأسهِ ورجليه مرّتين»32 .
ورواة هذا الحديث من الثقات أيضاً، وذلك لأن إبن عيينة من أئمة الحديث المعروفين لدي أهل السنة، وأن عمرو بن يحيي33، ويحيي34 من الثقات، وقد أخرج إبن حجر وهو من أئمة الرجال طرقاً كثيرة علي وثاقتهما.
وفي هذا الحديث يحكي الصحابي عبد اللّه بن زيد صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) وفيه المسح علي القدمين.
ومن الجدير ذكره أن إحدي الروايات المنقولة عن البخاري في غسل الأرجل مروية عن هذا الصحابي أبي عبد اللّه بن زيد، ونلاحظ في كتاب (المصنّف) لإبن شيبة رواية بسند صحيح ينقل فيها عن هذا الصحابي مسح القدمين عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .
3- «حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن عمران قال: دعا عثمان بماءٍ فتوضأ ثم ضحك، فقال: ألا تسألوني ممّا أضحك؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما أضحكك؟ قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) توضأ كما توضأت فمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه»35.
ورواة هذا الحديث من الذين تمّ توثيقهم في الكتب الرجالية المعتبرة لدي أهل السنة، فقد نقل الذهبي وهو من علماء أهل السنة الكبار توثيق ومدح الرجاليين الكبار لكلٍّ من (محمد بن بشر36، وسعيد بن أبي عروبة37، وقتادة38، ومسلم بن يسار39، وعمران)40.
والملفت للإنتباه أن إحدي الروايات التي تقدّم نقلها عن البخاري في غسل الأرجل رويت عن حمران هذا وهو الراوي الخامس في سند هذا الحديث، حيث نقل هناك غسل الأرجل عن عثمان أيضاً في بيان صورة وضوء النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) .
4- «الطبري بإسناده: ثنا هشيم قال: ثنا يعلي بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس، قال: رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) أتي سباطة قوم فتوضأ ومسح علي قدميه»41 .
في هذا الحديث يعدّ هشيم42، ويعلي بن عطاء43، وأبوه (عطاء العامري)44 من المقبولين أيضاً.
5- هناك روايات عديدة حول وضوء الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال فيها (عليه السلام): إن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)، كان يتوضأ مثل هذا الوضوء، نكتفي منها بذكر هذين الحديثين:
«حدثنا عبد اللّه حدثني أبو خثيمة وثنا إسحاق بن إسماعيل قالا: ثنا جرير عن منصور عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: صلينا مع عليّ (رضي اللّه عنه) الظهر فانطلق إلي مجلس له يجلسه في الرحبة، فقعد وقعدنا حوله، ثم حضر العصر فأتي بإناءٍ فأخذ منه كفاً فتمضمض واستنشق ومسح بوجهه وذراعيه ومسح برأسه ومسح برجليه، ثم قام فشرب فضل إنائه ثم قال: إني رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فعل كما فعلت»45 .
ورواة هذا الحديث من الثقات المعتبرين أيضاً، ونذكر هنا خلاصة لأقوال علماء رجال أهل السنة بحقّهم:
نقل المزي عن يحيي بن معين بشأن (إسحاق بن إسماعيل):
إسحاق بن إسماعيل: (لا بأس به، صدوق)46 .
وكذلك نقل عن محمد بن سعد بشأن (جرير): (كان ثقة كثير العلم يرحل إليه)47.
ونقل إبن حجر عن داود بشأن (منصور): «كان المنصور لا يروي إلا عن ثقة، قال العجلي: كوفي ثقة ثبت الحديث»48 .
وقال إبن حجر بشأن (عبد الملك بن ميسرة): «قال إبن معين وإبن خراش والنسائي: ثقة»49 .
وقال بشأن (نزال بن سبرة): (قال العجلي: كوفي تابعي ثقة)50 .
6- «حدثنا عبد اللّه حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن عليّ (رضي اللّه عنه) قال: كنت أري أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتي رأيت رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يمسح ظاهرهما»51 .
رواة هذا الحديث من الثقات أيضاً، ونذكر هنا خلاصة لتوثيق علماء الرجال لهم:
قال الذهبي عن (وكيع): الإمام الحافظ، محدّث العراق، قال محمد بن سعد: (كان وكيع ثقة مأموناً عالياً رفيعاً كثير الحديث)52.
وقال الذهبي بشأن (الأعمش):(ثقة حافظ)53.
وقال الذهبي بشأن (أبي إسحاق (السبيعي): (ثقة حجة بلا نزاع)54.
وقال إبن حجر بشأن (عبد خير): (قال العجلي: كوفي تابعي ثقة)55.
7- نقل الحاكم النيسابوري في كتاب (المستدرك علي الصحيحين)56 في الجزء الأوّل، الصفحة 241، روايات باسانيد متعددة، يروي فيها الصحابي (رفاعة إبن رافع) عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) وهو يعلم شخصاً جاهلاً كيفية الوضوء، موضحّاً له أن الوضوء بمسح الأرجل هو الوضوء المطلوب والصحيح.
ونكتفي من تلك الأحاديث بحديثٍ نقله الذهبي في التلخيص وقد حكم بصحته علي شرط البخاري ومسلم57:
«الحجاج بن منهال ثنا همام ثنا إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة ثنا عليّ بن يحيي بن خلاد عن أبيه عن عمّه رفاعة بن رافع، إنه كان جالساً عند رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلي فلما قضي صلاته جاء فَسلّم علي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعلي القوم، فقال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعليك، إرجح فصلَّ، فإنّك لم تصلَّ، قال فرجع فصلي، فجعلنا نرمق صلاته ولا ندري ما نعيب منها، فلما قضي صلاته جاء فسلم علي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وعلي القوم، فقال رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) ويلك، إرجع فصلّ، فإنك لم تصلّ، وذكر ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: ما أدري ما عبت عليّ من صلاتي، فقال: رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) إنّها لا تتم صلاة أحدكم حتي يسبغ الوضوء كما أمره اللّه فيغسل وجهه ويديه إلي المرفقتين، ويمسح رأسه ورجليه إلي الكعبين ثم يكبّر …».
8- «حدثنا عبد اللّه حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أنه قال لقومه: إجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)، فلما إجتمعوا قال: هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إبن أخت لنا، قال: إبن أخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماءً فتوضأ ومضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه ثم صلي بهم…»58 .
تمّ توثيق رجال هذا الحديث من قبل علماء رجال أهل السنة أيضاً:
قال الذهبي بشأن (محمد بن جعفر (غندر): (محمد بن جعفر الحافظ المجود الثبت .. إتفق أرباب الصحاح علي الإحتجاج به)59.
وقد تقدمت وثاقة سعيد (إبن عروبة) وقتادة في الحديث الثالث.
وقال الذهبي بشأن (شهر بن حوشب): ( كان من كبار علماء التابعين)60.
ونقل عن أحمد بن حنبل ويحيي بن معين والعجلي توثيقه.
وقال الذهبي بشأن عبد الرحمن بن غنم: (الفقيه الإمام)61 .
ونقل وثاقته عن إبن سعد
9- «عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن أبا جبير قدم علي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) مع إبنته التي كان تزوجها رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) فدعا رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) بوضوء فغسل يدها فأنقاهما ثم مضمض فاه فاستنشق بماء ثم غسل وجهه ويده إلي المرفقين ثلاثاً، ثم مسح رأسه ورجليه»62.
10- «أخرج الطبراني في الأوسط عن إبن عباس أنه قال: ذكر المسح علي القدمين عند عمر، سعدٌ وعبد اللّه بن عمر، فقال عمر: سعدٌ أفقه منك، فقال عبداللّه بن عبّاس: يا سعد إنّا لا ننكر أن رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) مسح، ولكن هل مسح منذ أنزلت سورة المائدة، فإنها أحكمت كل شيءٍ، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن، إلا براءة63، قال: فلم يتكلم أحد»64.
يستفاد من هذا الحديث عدّة أُمور:
الأوّل: أن سعداً كان يؤيّد المسح علي الأرجل، وكان ينسبه إلي رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) .
الثاني: يعترف عمر بأن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كان يمسح الرجل قبل نزول سورة المائدة، ويري أن سورة المائدة إما ناسخة لحكم المسح أو أنه يحتمل ذلك.
ثبت من خلال البحث حول الآية الشريفة أنها لاتدل علي غير المسح علي الأرجل، وإذا كانت الآية دالة علي غسل الأرجل وأنها ناسخة لحكم المسح، فكان ينبغي بيان غسل الأرجل بشكل صريح، إذ لا يسمح الإجمال والإبهام في الناسخ أبداً، وقد ثبت أن في الآية ظهوراً في مسح الأرجل دون غسلها.
ومن الجدير ذكره أن هذا الحديث المنقول عن الطبراني نقلت الجملة الأُولي فيه طبقاً لنقل السيوطي علي النحو الآتي: (ذكر المسح علي القدمين عند عمر) في حين أنها في المعجم الأوسط نفسه علي هذا النحو: (المسح علي الخفين)، ونقل السيوطي هو الصحيح إذ أنّ المناسب لنزول سورة المائدة هو المسح علي الأرجل، ولا علاقة بالآية الواردة في سورة المائدة بالمسح علي الخفين.
11- حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الصيني قال: حدثنا سوار بن مصعب عن مطرّف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب إن رسول اللّه لم يزل يمسح قبل نزول المائدة وبعده حتي قبضه اللّه65.
12- حدثنا عبد اللّه الحسين المصيصي ثنا آدم بن أبي إياس ثنا الهيثم بن حماز وحدثنا العباس بن فضل الأسفاطي ثنا المنجاب بن الحارث ثنا عثمان بن مطر ثنا الهيثم بن جماز عن يحيي بن أبي كثير عن أبي كاهل أنه قال مررت برسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) وهو يتوضأ فقلت: يا رسول اللّه قد أعطانا اللّه منك خيراً كثيراً فغسل كفيه ثم تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه ولم يوقت وظهر قدميه ولم يوقت66…
13- أحمد بن القاضي في كتابه مسند عثمان بسند صحيح أنه توضأ ثم مسح رأسه ثم ظهر قدميه ثم رفعه الي النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله)67 .
14- حدثنا إبن أبي داود قال حدثنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا إبن أبي عن إبن أبي ذؤيب عن نافع عن إبن عمر أنه كان إذا توضأ وفي قدميه يمسح ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله) يصنع هكذا68.
ولا شكّ في أن التعبير بـ (يمسح ظهور قدميه) يدل علي مسح الأرجل وليس الأخف.
ومع وجود هذهِ الروايات الدالة علي مسح الأرجل هل يبقي من إعتبار للروايات الدالة علي غسل الأرجل؟ وهل يمكن عدّ تلك الروايات سنةً لرسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله)؟ الحقيقة، مع وجود هذا الكمّ الهائل من الروايات الصحيحة والمعتبرة في مسح الأرجل لا يبقي للإستدلال بروايات غسل الأرجل أيّ محل من الإعراب، إذ أن تلك الروايات حتي لو كانت متواترة فإنها مع وجود هذه الروايات لا تؤدّي إلي القطع واليقين، فما ظنّك وتواترها غير معلوم، وأن الصحابة قد نقلت عنهم المصادر الفقهية القول بالمسح أيضاًَ، كما تقدمت الإشارة إلي بعض مواردها.
هذا مضافاً إلي إن روايات الغسل مخالفة لظاهر القرآن الكريم، وإن روايات المسح موافقة لظاهر القرآن، كما حقّق فيما تقدّم.
والمسألة الأُخري التي يجب الإلتفات لها هي أن الروايات المنقولة في المصادر الحديثية لدي الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في حكم الأرجل في الوضوء كثيرة ويستفاد منها أن الحكم هو المسح، وقد تقدّم ذكر بعضها، وأن روايات غسل الأرجل تخالفها، وإذا دار الأمر بين أخذ سنة الرسول الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) من أهل بيته أو من الصحابة والتابعين، فالمختار وفقاً للأحاديث القطعية التي رواها أهل السنة أنفسهم هو أخذها من أهل بيته (عليهم السلام) .
حدیث الثقلین
ومن تلك الأحاديث القطعية حديث الثقلين المعتبر عند الشيعة وأهل السنة، وقد قال فيه رسول اللّه (صلّي اللّه عليه و آله): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً وأنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».
حيث إشترط هذا الحديث للأمن من الضلال التمسك بكلا الثقلين، وعليه فإنّ عدم التمسك بأهل البيت سيؤدّي إلي الضلال المحقّق، وقد عرِّف أهل بيت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) علي أنهم ملازمون للقرآن الكريم لا ينفكّون عنه ولا يفارقونه، وأن التخلف عنهم هو تخلف عن القرآن الكريم.
وقد روي السيّد هاشم البحراني (قدس سره) هذا الحديث في كتابه (غاية المرام) في الصفحة 2111 بتسعة وثلاثين طريقاً من طرق أهل السنة، ومن الصفحة 217 بإثنين وثمانين طريقاً من طرق الشيعة عن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .
كما رواه المير حامد حسين (قدس سره) في (عبقات الأنوار) عن أكثر من مئة وخمسين رجلاً من كبار علماء أهل السنة من القرن الثاني إلي القرن الثالث عشر للهجرة، وقد روي هذا الحديث أكثر من ثلاثين صحابياً وصحابية.
وقال إبن حجر الهيثمي وهو من كبار علماء أهل السنة بشأن هذا الحديث الكلام الآتي:
(إعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيفٍ وعشرين صحابياً، وفي بعض تلك الطرق أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قال ذلك بحجة الوداع بعرفة وفي أخري أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد إمتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أُخري أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قال ذلك بغدير خم، وفي اُخري أنه (صلّي اللّه عليه و آله) قاله لما قام خطيباً بعد إنصرافه من الطائف … ولا يتنافي، إذ لا مانع من أنه (صلّي اللّه عليه و آله) كرَّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها إهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة)70 .
وبالإلتفات إلي هذا الحديث القطعي، إذا نقلت عن بعض الصحابة مسألة وكانت مخالفة للروايات المنقولة عن أهل بيت النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) كانت روايات أهل البيت (عليهم السلام) مقدّمة علي روايات الصحابة.
مناقشة إبن حزم
قال إبن حزم الأندلسي بعد أن رأي دلالة آية الوضوء علي حكم مسح الأرجل: (ومما نسخت فيه السنة القرآن، قوله عزوجل: (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَينِ) فإن القراءة بخفض أرجلكم وفتحها كلاهما لا يجوز إلا أن يكون معطوفاً علي الرؤوس في المسح ولا بد .. فلما جاءت السنة بغسل الرجلين صحّ أن المسح منسوخ عنهما)71.
أوّلاً: كما تقدم توضيحه إن الروايات الدالة علي وجوب غسل الأرجل معارضة للروايات الدالة علي وجوب مسحهما، ومع التعارض لايمكن عدّ غسل الأرجل سنة للنبي الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) .
ثانياً: إنما يمكن للسنة أن تنسخ القرآن الكريم إذا وردت بعد القرآن، ضرورة تأخر الناسخ عن المنسوخ، فلا يعقل نسخ الشي إذا لم يكن موجوداً، ولا يمكن إحراز تأخر روايات غسل الأرجل في الوضوء.
ثالثاً: بالإلتفات إلي ما ورد بشأن سورة المائدة، فكما قال القرطبي ليس هناك ناسخ لسورة المائدة حيث قال:
(وروي عن النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) إنه قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس، إن سورة المائدة من آخر ما نزل فاحلّوا حلالها وحرموا حرامها)72.
وقال الزركشي في كتاب البرهان في علم القرآن73 عند بيان ترتيب السور المدنية وجعل المائدة آخر السور:
(وقرأ النبيّ (صلّي اللّه عليه و آله) المائدة في خطبة حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن آخر القرآن نزولاً سورة المائدة فاحلوا حلالها وحرموا حرامها).
وعليه لا يمكن لروايات غسل الأرجل في الوضوء أن تكون ناسخة لآية الوضوء (الدالة علي مسح الأرجل).
رابعاً: بالإلتفات إلي أن النبيّ الأكرم (صلّي اللّه عليه و آله) لم يعمّر طويلاً بعد سورة المائدة، فإن المتبادر إلي الذهن هو عكس ما ذهب إليه إبن حزم، أي علي فرض صدور الروايات بغسل الأرجل في الوضوء، فإن الآية الكريمة هي التي نسخت حكمها.
وبذلك تمّ بفضل اللّه تعالي إثبات ما عليه الشيعة الإمامية من وجوب مسح الأرجل في الوضوء،وثبت أن النظريات التي تخالف ما عليه الشيعة الإمامية، مخالفة للكتاب والسنة.
فهرس المصادر
1 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة، عزّ الدين عليّ بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير المتوفي (630 ه )، دار الشعب.
2 ـ الإحكام في أُصول الأحكام، عليّ بن حزم الأندلسي الظاهري المتوفي (456 ه )، دار الجيل، بيروت، سنة الطبع (1407 ه ).
3 ـ إعراب القرآن، النحّاس المتوفي (338 ه )، مكتبة النهضة العربية، ط الثالثة (1409 ه ).
4 ـ الإصابة في معرفة أحوال الصحابة، ابن حجر العسقلاني المتوفي (852 ه )، دار الفكر، بيروت .
5 ـ الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبدالرحمن السيوطي المتوفي ( 911 ه )، طبع أمير، قم، سنة الطبع (1411 ه ).
6 ـ البرهان في علوم القرآن، محمّد بن بهادر بن عبداللّه الزركشي المتوفي (794 ه )، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة ، بيروت، ط الثانية (1391 ه ).
7 ـ تهذيب التهذيب ، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني المتوفّي (852 ه )، دار الفكر، بيروت، سنة الطبع (1404 ه ).
8 ـ تقريب التهذيب أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني المتوفي (852 ه )، تحقيق مصطفي عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية (1415 ه ) .
9 ـ التفسير الكبير، الفخر الرازي المتوفي (606 ه )، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
10 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف المزي المتوفي (742 ه )، دار الفكر، سنة الطبع (1404 ه )؛ ومؤسسة الرسالة، بيروت، ط الرابعة (1406 ه ).
11 ـ جامع أحكام القرآن ، أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الخزرجي الأندلسي المتوفي (671 ه )، دار الفكر، بيروت.
12 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفي (911 ه )، دار المعرفة، بيروت.
13 ـ سنن الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني المتوفي (385ه )، عالم الكتب، بيروت، سنة الطبع (1406 ه ).
14 ـ سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي المتوفي (748ه )، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة الطبع (1410 ه ).
15 ـ شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المتوفي (321 ه )، دار الكتب العلمية، بيروت.
16 ـ صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري المتوفي (256 ه )، دار المعرفة، بيروت.
17 ـ صحيح مسلم، مسلم النيسابوري المتوفي (261 ه )، مؤسسة عز الدين، سنة الطبع (1407 ه ).
18 ـ الصحاح، الجوهري المتوفي (393 ه )، تحقيق أحمد عبدالغفور، دار العلم للملايي، بيروت، ط الرابعة (1407 ه ).
19 ـ الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيثمي المكّي المتوفي (974 ه )، مكتبة القاهرة، سنة الطبع (1385 ه . ق).
20 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني المتوفي (855ه )، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
21 ـ الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني المتوفي (329 ه )، تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط الثالثة (1367 ش).
22 ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، أبو القاسم جار اللّه محمود الزمخشري المتوفي (538 ه )، دار المعروف، بيروت.
23 ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي المتوفي (975 ه )، تحقيق وتصحيح الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة الطبع (1409 ه ).
24 ـ المصنّف، عبداللّه بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي المتوفي (235 ه )، دار الفكر، بيروت، سنة الطبع (1404 ه )؛ وطبعة دار الفكر، تحقيق سعيد اللّحام، ط الاُولي (1409ه ).
25 ـ مسند أحمد، أحمد بن حنبل المتوفي (241 ه )، دار صادر بيروت.
26 ـ المعجم الأوسط، الحافظ القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفي (360 ه )، دار الحرمين، سنة الطبع (1415 ه )؛ وطبع مكتبة المعارف الرياض.
27 ـ المحلّي، ابن حزم المتوفي (456 ه )، دار الفكر، بيروت.
28 ـ المغني، عبداللّه بن قدّامة المتوفي (620 ه )، عالم الكتب، بيروت.
29 ـ مغني اللبيب، ابن هشام الأنصاري المتوفي (761 ه )، دار الكتب العلمية، بيروت.
*******************
الهامش
1كنز العمال: ج9 ص443، رقم الحديث 26890 .
2سورة المائدة : الآية 6 .
3وطبعاً هناك بحث في المرفق نفسه وهل يجب غسله أم لا، ولكنه خارج عن هذا البحث.
4سورة النساء: الآية 2 .
6 القعب قدح من خشب مقعّر . الصحاح، الجوهري: ج1 ص204، مادة قعب .
7 الكافي: ج3 ص25 ، باب صفة الوضوء، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط الثالثة 1367 ش .
8 المغني: ج1 ص132، عالم الكتب، بيروت.
9 التفسير الكبير: ج6 ص161، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
10المحلّي: ج2 ص56، دار الفكر.
11 مغني اللبيب: ج2 ص165، دار الكتب العلمية، بيروت.
12الإحكام في أصول الأحكام: ج1 ص510، دار الجيل بيروت، سنة الطبع 1407ه .
13 التفسير الكبير: ج6 ص161.
14كابن حزم والفخر الرازي، وقد تقدمت الإشارة إلي أقوالهما.
15 إعراب القرآن: ج2 ص9، مكتبة النهضة العربية، الطبعهالثالثة 1409ه.
16 مغني اللبيب: ج2 ص490، دار الكتب العلمية، بيروت.
17 مراده التمثيل بـ جحر ضبٍّ خربٍ.
18 يعني عطف النسق، كالعطف بالواو ونحو ذلك.
19 التفسير الكبير، ج81 ص162.
19جامع أحكام القرآن: ج6 ص92 ، دار الفكر.
20 سورة التوبة: الآية 60 .
21 ومن هنا إشتهرت العبارة القائلة: «الفقير والمسكين إذا اجتمعا إفترقا وإذا افترقا إجتمعا» المترجم.
22 الإتقان: ج2 ص 313، طبع أمير، قم المقدسة 1411 ه .
23 الكشاف: ج1 ص326، دار المعرفة، بيروت.
24 الكافي: ج3 ص26 ، باب صفة الوضوء .
28 صحيح البخاري: ج1، ص42، كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين ولا يمسح القدمين .
27 سنن الدار قطني : ج1 ص107، عالم الكتب، بيروت سنة الطبع1406ه.
26 المصدر نفسه: ج1 ص49، باب الغسل والوضوء في المخضب.
25صحيح البخاري: ج1 ص93، كتاب الوضوء، باب المضمضة، دار المعرفة، بيروت.
29مسند أحمد: ج6 ص40، دار صادر، بيروت.
30 الإصابة، ج1 ص185، دار الفكر.
31 كنز العمال، ج9 ص429 ص26822.
32 المصنّف، ابن أبي شيبة: ج1 ص18، دار الفكر، ط الاُولي 1409 ه .
33 تهذيب التهذيب: ج8 ص105، دار الفكر 1404 ه .
34 المصدر السابق: ج11 ص227.
35 المصنف : ج1 ص227، دار الفكر 1404 ه .
36 سير أعلام النبلاء: ج9 ص265، مؤسسة الرسالة 1410 ه .
37 المصدر السابق: ج6 ص413.
38 المصدر السابق: ج5، ص269.
39 سير أعلام النبلاء: ج4 ص510.
40 المصدر السابق: ص182.
41 جامع البيان ج5 ص82، دار المعرفة، بيروت 1409 ه ، المعجم الكبير ج1 ص221.
42 تهذيب التهذيب ج11 ص54، قال إبن سعد: ثقة، كثير الحديث.
43 المصدر السابق ج2 ص378، دار المعرفة، بيروت، ثقة.
44 تهذيب التهذيب: ج2 ص23، مقبول.
45 مسند أحمد: ج1 ص158، دار صادر، بيروت.
46 تهذيب الكمال: ج2 ص 904، مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الرابعة 1406 ه .
47 المصدر السابق: ج4 ص540.
48 تهذيب الكمال: ج10 ص278، طبع دار الفكر 1404 ه .
49 المصدر السابق: ج6 ص377.
50 تهذيب التهذيب: ج6 ص377.
51 مسند أحمد: ج1 ص95، طبع دار صادر، بيروت.
52 سير أعلام النبلاء: ج9 ص140 .
53 تقريب التهذيب: ج1 ص392، دار الكتب العلمية.
54 سير أعلام النبلاء: ج5 ص392.
55 تهذيب التهذيب: ج1 ص113.
56 إستدرك النيسابوري في هذا الكتاب الأحاديث التي لم يذكرها الشيخان في صحيحهما.
57 أي أن الشروط التي إعتبر الشيخان توفرها في صحة الحديث موجودة فيه.
58 مسند أحمد: ج5 ص342، طبع دار صادر، بيروت.
59 سير أعلام النبلاء: ج9 ص98.
60 سير أعلام النبلاء: ج4 ص372.
61 سير أعلام النبلاء: ج4 ص45، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط التاسعة 1413 ه .
62 أسد الغابة: ج6 ص46، طبع دار الشعب.
63 المعجم الأوسط:ج 3 ص205 ، دار الحرمين .
64 الدر المنثور : ج2 ص263، دار المعرفة، بيروت .
65 المعجم الأوسط: ج6 ص251 ح5533، مكتبة المعارف، الرياض.
66 المعجم الكبير: ج18 ص360.
67 عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج3 ص240، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
68 شرح معاني الآثار: ج1 ص35، دار الكتب العلمية، بيروت.
69 طبع دار القاموس.
70 الصواعق المحرقة: ص150، طبع مكتبة القاهرة، 1385 هجري.
71 الإحكام في أُصول الأحكام: ج1 ص 510، دار الجيل، بيروت سنة الطبع (1407ه ).
72 الجامع لأحكام القرآن: ج6 ص31.
73 البرهان في علوم القرآن: ج1 ص194، دار المعرفة، الطبعة الثانية 1391 ه .
5 صحيح مسلم ج1، ص261، كتاب الطهارة، باب صحهالوضوء وكماله، طبع مؤسسة عزّ الدين، عام 1407 ه .