أغلب المعلمين الذين يتعينون في زماننا هذا هم تحت سن الخامسة والعشرين، إنهم شباب في مقتبل العمر، وزمن الفتوة والقوة، وعنفوان العطاء والخدمة.
التدريس هو أول بروز لهم في مجتمعهم، وأول عمل يشعرهم بمشاركتهم في الحياة العامة، إنه موطئ القدم الذي درسوا وتعلموا من أجل أن يتبوؤه بجدارتهم في المجتمع ليسدوا حاجة ماسة ومهمة من حاجات مجتمعهم الضرورية.
هنا يلاحظ المعلم كغيره وهو في مقتبل العمر ومرحلة الشباب، أن الإنسان يكون متأثرا بمرحلته العمرية هذه؟ وأحيانا يستمر تحت ضغط هذه الحالة الشبابية الطبيعية لفترة تمتد طويلا بعض الشيء؟.
لقد سمعت من بعض مديري المدارس أن المستجدين من المعلمين عادة ترافقهم بعض التأزمات مع الطلبة، وأن هذه التشنجات تمتد أحيانا إلى سنتين أو ثلاث سنوات (يعتمد الوضع على نفسية المعلم) إلى أن يكون المعلم أقدر على التحمل وأقل اندفاعا نحو الفرض والمفاصلة والتحدي مع طلابه.
هذا الأمر طبيعي للغاية، وهذه الأمور عادة تكون بارزة وواضحة في هذه المرحلة العمرية، فالتحدي لا تزال جذوته مشتعلة وإن كانت أقل حدة من المرحلة التي سبقتها (قبل العشرين)، وذلك لأن بقايا آثار الشباب ما زالت متمكنة من الإنسان.
إن أغلب المعلمين يصلون إلى ممارسة دور التعليم قبل أن تعركهم الحياة، وقبل أن يتخضرموا بتجاربها، وأحيانا تأتيهم المهنة كما هو الحال في بلادنا وهم لا يريدونها وليسوا مستعدين نفسيا لأعبائها، وقد حصل للكثير ممن أعرف أنهم أنهوا دراستهم الجامعية في تخصصات لا تمت للتعليم بصلة، لكن التخطيط الذكي والعقلية الوقادة رمتهم في سلك التعليم، وبقدرة قادر هم الآن معلمون، يمارسون دورا لم يخططوا له في حياتهم.
مثل هذه الأمور تساعد في خلق مناخات غير مريحة للمعلمين، وتسبب لهم توترا غير قليل، يتطاير بعض شرره على الطلاب من حيث لا يشعر المعلم بذلك أحيانا.
على أن تصرفات الطلاب هي جزء مهم من أشياء متداخلة لكل واحد منها أثر لا ينكر على حالة التوتر التي تسود العلاقة بين المعلم وطلابه أحيانا، ومن أخطر تلك الأعمال هي التصرفات العنادية التي يواجهها المعلم من طلابه، وإن كانوا قلة أو آحادا أو حتى فردا واحدا، ففرد واحد كفيل بأن يخلق مناخا متعبا لمعلمه وأن يعطل درسا قائما وأن يحرم التلاميذ من الاستفادة المرجوة من ذلك الدرس.
ففي المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية يميل بعض الطلاب (بحكم فترة المراهقة) إلى العناد سواء في أجوائهم الأسرية مع آبائهم، أم في المحيط الاجتماعي العام، أم في المدرسة حين يتعاملون مع أساتذتهم ومعلميهم، إنهم يشعرون بذاتهم مع هذا العناد، ويتصورون قيمتهم بهذا العناد، ويتفاخرون به بين زملائهم وأصدقائهم وبقية طلاب الفصل الذين معهم.
إنه التعبير الذي يرتضيه بعض المراهقين لنفسه ليشعرها ويشعر من حوله أنه فوق الأوامر، وأنه تجاوز مرحلة الصغر إلى مرحلة الرجولة، فلا يفرض عليه شيء، وليس مضطرا لتنفيذ أوامر أحد مهما كان.
العناد في الطالب أيها المعلم يتشكل بقوته أو ضعفه بحسب البيئة والأسرة التي يتربى فيها هذا الشاب، وبحسب تجاربه في تعاطي الأسرة معه، وكذلك بحسب مناخ الأصدقاء الذين عرفهم وخالطهم.
من المهم أن يدرك المعلم أن العناد هنا ليس موجها ضده بشخصه، وبقصد إسقاطه والتوهين من قدره وقيمته، كلا لا شك أن الأمر ليس كذلك، صحيح أن المعلم يكون واقعا تحت تحد كبير كما أسلفنا بين إثبات ذاته وهو حق طبيعي له وبين استفزازات الطالب المعاند، لكننا نصر مراهنين على قدرة المعلم في الفصل والتمييز بين كونه مستهدفا وبين النفسية التي تعتري طلبته الشباب أو المراهقين في هذا العمر.
إن الكاشف على أن العناد هنا غير موجه لشخص المعلم هو الاستعداد التام (إلا ما رحم ربك) لدى الطلاب في عمر المراهقة لممارسة هذا الأسلوب مع غير المدرس وإن كان أبا أو أخا أو حتى طفلا صغيرا يسير في أحد الشوارع.
إن بعض العناد سببه أزمات عائلية ومشاكل أسرية تنتهي بهذا الطالب إلى هذا السلوك الملتوي والمشاكس، أنت أيها المدرس أمام طالب يعاني أزمة ويحتاج منك الرحمة والحكمة، وإن كان هو لا يشعر بذلك، ولا يعتقد به، بل يحاول جهده أن يدفعك ما استطاع للتحدي وقبول المواجهة.
يحلو لكثيرين أن يسموا هذا النوع من الطلاب بالمشاكس، وأحبذ أيها المعلم ألا نتعامل معه باعتباره مشاكسا، بل باعتباره ذا أزمة يحتاج المساعدة منا.
ينعكس الفرق جليا في تعامل المعلم مع الطالب إن كان على خلفية أنه مشاكس أو على خلفية أنه مأزوم، وان العوامل السابقة من العمر إلى الأسرة مرورا بالأصدقاء والبيئة مؤثرة في شخصيته، فمع أن السلوك هو السلوك والمواقف التي سيتعرض لها المعلم لن تتغير بسبب هذا التفريق، لكن الذي سيتغير هو الزاوية التي ينظر المعلم من خلالها لتصرفات الطالب، وهذه بدورها تساعد على رسم خطة التعامل مع مختلف التصرفات التي تصدر منه.
إن قدرتك أيها المعلم هي في تربيتك لتلاميذك، ونجاحك ورسالتك هما في استيعاب الطلاب وعلاج أزماتهم ما استطعت، ولا تنس عدوك الذي يبعدك عن مهمتك السامية، وهو الغضب والتشنج1.
- 1. الشيخ محمد الصفار * صحيفة اليوم 24 / 12 / 2010م – 10:46 م – السبت 19/1/1432هـ – العدد 13707، نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله).