واقعٌ بيّن
أينما التفتَتْ عين المسلم، وأينما تجوّل عقله وفكره، وأينما توجّهت أُذُنُه.. فإنّه سيلتقي بالدليل والبرهان والآيات البيّنات أنّ النبيَّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم هم أفضلُ الخَلْق وأشرفه وأكرمُه وأعزّه؛ لما وهَبَهمُ الله تبارك وتعالى من القرب الأقرب وما خصّهم به من المنازل والمقامات، حتّى أصبحت دلائَل بيّنةً وعلاماتٍ حقّةً على أفضليّتهم وأشرفيّتهم وأكرميّتهم، بل وعلى ولايتهم، إذ جعَلَهمُ الله جلّ وعلا حُجّتَه على خَلْقه، وهو القائل عزّ مِن قائل: قُلْ فَلِلّهِ الحُجّةُ البالِغَةُ [ الأنعام:149 ].
- سُئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن معنى هذه الآية المباركة، فقال: « إنّ الله تعالى يقول للعبد يومَ القيامة: عبدي، أكنتَ عالماً ؟ فإن قال: نعم، قال له: أفَلا عَمِلتَ بما عَلِمت! وإن قال: كنتُ جاهلاً، قال له: أفَلا تعلّمتَ حتّى تعمل! فيَخصمه، فتلك الحجّةُ البالغة » ( تفسير نور الثقلين للحويزيّ 776:1 / ح 330 ـ عن: أمالي الشيخ الطوسيّ:22 / ح 10 ـ من الفصل الأوّل ).
- وفي الحديث المفصَّل الشريف قال أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم: « يا هِشام، إنّ للهِ على الناس حُجَّتَين: حُجّةً ظاهر، وحُجّةً باطنة. فأمّا الظاهرة فالرسُل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وأمّا الباطنة فالعقول » ( تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّانيّ:285 ).
- وعن سدير أنّه سأل الإمامَ الباقر عليه السلام فقال له: جُعِلت فداك، ما أنتم ؟ فأجابه عليه السلام قائلاً: « نحن خُزّانُ علمِ الله، ونحن تراجمةُ وحي الله، ونحن الحُجّةًُ البالغة على مَن دونَ السماء ومَن فوقَ الأرض » ( تفسير نور الثقلين 776:1 / ح 333 ).
فالرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله، وآله الميامين الهداة صلوات الله عليهم، وبَضعتُه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.. فضلاً عن كونهم مَحالَّ معرفة الله، ومساكنَ بركة الله، هم كذلك حُجج الله، جعَلَهم سبحانه وتعالى أسبابَ هدايته، وأنوارَ سبيله، وطُرقَ مرضاتِه، وعلائمَ ولايته.
ومن المؤشّرات البيّنة على ذلك قصّة المباهلة التي وقعت مع نصارى نجران، فكان التحدّي والدعوة إل الملاعنة، والوقوف موقف الهلاك أو النجاة، فلم يُباهل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلاّ بالأحبّ والأعزّ، بل بالروح والمهجة والقلب.. عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم. ولم يُباهل بغيرهم، لأنّهم الحجّة الإلهيّة البالغة، يحتجّ الله تعالى بهم، ويحتجّ رسول الله بهم لا بغيرهم، بل هم حجج الله جلّ وعلا على عباده. وكان مِن بين تلك الحجج الشريفة مولاتنا فاطمة، الصدّيقة الكبرى، بَضعةُ المطفى، وروحه التي بين جَنْبَيه، وحليلة المرتضى، وأمُّ الحسن والحسين، وجَدّةُ الأئمّة المعصومين سلام الله عليها وعليهم أجمعين.
وتلك أخبارها في ذلكم الموقف الرهيب، موقف المباهلة.
دلائل ناطقة.. وصادقة
- في ظلّ آية المباهلة قوله تعالى: فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِن العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفُسَنا وأنفُسَكم ثمّ نَبتَهل فنَجعَلْ لعنةَ اللهِ علَى الكاذبين [ آل عمران: 61 ].
قال الشيخ الطبرسيّ في ( مجمع البيان في تفسير القرآن 451:2 ): قيل: نزلت في وفد نجران: السيّد والعاقب ومَن معهما، قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله: هل رأيتَ ولداً مِن غيرِ ذكر ؟ فنزلت الآية: إنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدمَ خَلَقَه مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ له كُنْ فيكون [ آل عمران:59 ] فقرأها عليهم.
عن ابن عبّاس وقَتادة والحسن: فلمّا دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله المباهلة استنظرو إلى صبيحة غدٍ من يومهم ذلك، فلمّا رجعوا إلى رِحالِهم قال لهم الآسقُف: انظروا محمّداً في غد، فإن غدا بوُلْده وأهله فاحذروا مباهلتَه، وإن غدا بأصحابه فباهِلُوه؛ فإنّه على غير شيء.
فلمّا أن كان من الغد جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله آخِذاً بيد عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام، والحسنُ والحسين عليهما السلام بين يديه يمشيان، وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه. وخرج النصارى يَقدِمهم أسقفهم، فلمّا رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآله قد أقبل بمَن معه، سأل عنهم فقيل له: هذا ابنُ عمّه وزوج ابنته وأحبُّ الخَلق إليه، وهذان ابنا بنته من عليّ، وهذه بنته فاطمة أعزُّ الناس عليه وأقربهم إليه.
وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله فجثا على ركبتَيه، فقال أبو حارثة الأسقف: جثا ـ واللهِ ـ كما جثا الأنبياء للمباهلة! فرجع ولم يُقدِم على المباهلة، فقال له السيّد: أُدنُ يا رحارثةُ للمباهلة، قال: لا؛ إنّي أرى رجلاً جريئاً على المباهلة، وأنا أخاف أن يكون صادقاً، ولئن كان صادقاً لم يَحُلْ علينا الحَولُ ـ واللهِ ـ وفي الدنيا نصرانيٌّ يَطعَم الماء!
فقال الأسقف: يا أبا القاسم، إنّا لا نباهُلك، ولكنْ نُصالحك، فصالِحْنا على ما ننهض به. فصالَحَهم رسول الله صلّى الله عليه وآله.
- وفي عددٍ من المصادر، رُوي أنّه لمّا دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع وننظر. فلمّا تخالفوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ: يا عبدَ المسيح، ما ترى ؟ فقال: واللهِ لقد عَرَفتم ـ يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيٌّ مرسَل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ( أي المسيح عليه السلام )، واللهِ ما باهَلَ قومٌ نبيّاً قطّ فعاش كبيرهُم، ولا ثبت صغيرُهم، ولئن فعلتم لَتَهلكُنّ، فإن أبَيتُم إلاّ إلفَ دِينكم والإقامةَ على ما أنتم عليه فوادِعوا الرجلَ وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتَوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد غدا مُحتضِناً الحسينَ عليه السلام، آخذاً بيد الحسن عليه السلام، وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه، وعليٌّ عليه السلام خلفها، وهو يقول: « إذا دَعَوتُ فآمّنِوا ». فقال أسقف نجران: يا معشرَ النصارى، إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً مِن مكانه لأذاله بها، فلا تُباهلوا فتهلِكوا ولا يَبقَ على وجه الأرض نصرانيٌّ إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهِلَك، وأن نُقِرَّك على دِينك ونَثبُتَ على ديننا.. ( صحيح مسلم 130:7، الطرائف لابن طاووس 45:1 / ح 40، العمدة لابن البطريق: 189 / ح 290، المناقب للشرواني:85.. 9.
- في كتابه ( فاطمة الزهراء عليها السلام:70 ) قال الشيخ الأميني: إنّ الآية الشريفة ( آية المباهلة ) تنادي بالتصريح أنّ الصدّيقة الكبرى عليها السلام شاركت في المباهلة، وقد جُعِلت بين أربعةٍ من المعصومين: منهم معصومان « أبناءَنا » الحسن والحسين عليهما السلام، ومعصومان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السلام، ومعصومةٌ بينهم من النساء، تنحصر بفاطمة الزهراء عليها السلام.
- وفي ( زاد المسير 339:1 ) كتب عبدالرحمان بن الجوزيّ في ذكر المباهلة: أراد القرابة القريبة، ذكرهما عليّ بن أحمد النَّيسابوري.
فأمّا الابتهال، فقال ابن قتيبة: هو التداعي باللَّعن، يُقال: عليه بَهْلةُ الله، وبُهلَتُه، أي لعنَتُه. وقال الزجّاج: معنى الابتهال في اللغة: المبالغة في الدعاء، وأصله الالتعان، يُقال: بهَلَله الله، أي لعَنَه. وأمَرَ بالمباهلة بعد إقامة الحجّة.
قال جابر بن عبدالله الأنصاريّ: قَدِم وفد نجران فيهم السيّد والعاقب ( فذكر الحديث إلى أن قال: ) فدعاهما إلى المُلاعَنة، فواعَداه أن يَغدِياه. فغدا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ثمّ أرسل إليهما، فأبيا أن يُجيباه، فأقرّا له بالخراج، فقال: «والذي بعثني بالحقّ، لو فَعَلا لأُمطِر الوادي ناراً!».
- وعن مجاهدٍ قال: قلت لابن عبّاس: مَن الذين أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يباهل بهم ؟ قال: عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، والأنفُس: النبيّ، وعليّ. ( أمالي الطوسي: 414 / ح 44 ـ من الفصل العاشر ).
- وعن عامر بن سعدٍ عن أبيه سعد بن أبي وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآية: « تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم.. » دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: « اللهمَّ هؤلاءِ أهل بيتي.. » ( مسند فاطمة عليها السلام للسيوطيّ الشافعيّ:3، الطرائف 44:1 / ح 39.. ).
- وفي فضل أهل المباهلة قال السيّد ابن طاووس: إعلَمْ أنّ شهادة أهل الخلاف، لأهل المباهلة بشرف الأوصاف، مع ما يُعاملونهم به من الأنحراف، أبلغُ من شهادة شيعتهم، وأظهرُ في أنوار حُجّتهم,.
فَمِم ذلك ما رواه مسلم في ( صحيحه ): إنّ الذين باهَلَ بهم النبيُّ صلّى الله عليه وآله: عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. ورواه أيضاً: الثعلبي، ومُقاتِل، والكلبي، والحافظ مردَوَيه، وعبدالله بن عبّاس، وجابر بن عبدالله الأنصاري، والحسن البصري، والشعبي، والسدّي، وغيرهم ممّن لا يحضرني ذكر أسمائهم. ورواه أيضاً: الزمخشري في تفسيره ( الكشاف ) في ظلّ قوله تعالى: فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَهدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْم.. .. ( الإقبال:513 ).
وفي خبرٍ رواه قرابة ( 140 ) مصدراً ومؤلَّفاً: عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال: قال معاوية لأبي: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب ؟ ( أي عليّاً صلوات الله عليه )، قال سعد: لثلاثٍ رويتُهنّ عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله: لمّا نزلت آية المباهلة: تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم.. أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين وقال: « هؤلاءِ أهلي » ( مسند أحمد بن حنبل 185:1، صحيح مسلم 119:2، صحيح الترمذي 171:13، السنن الكبرى للبيهقي 63:1، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنَّسائي: 32 ـ ط التقدّم بمصر، مستدرك الحاكم النيسابوري الشافعي 108:3 ـ ط حيدرآباد الدكن بالهند، تذكرة خواصّ الأمّ لسبط ابن الجوزي: 22 ـ ط الغري، الرياض النضرة للمحبّ الطبري 88:2 ـ الخانچي بمصر، فرائد السمطين للجويني الشافعي.. وعشرات غيرها).
- وفي كتاب ( ما نزل من القرآن في عليّ ) لأبي نُعَيم الأصفهاني أنّ الشعبي قال: قال جابر الأنصاريّ: « وأنْفُسَنا » رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وعليٌّ عليه السلام، « أبناءَنا » الحسن والحسين عليهما السلام، « ونساءَنا » فاطمة عليها السلام.
وروى ( قصّة المباهلة ) أيضاً: الواحدي في ( أسباب نزول القرآن ) بإسناده عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أحمد. ورواها ابن البَيِّع في ( معرفة علوم الحديث ) عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن عبدالله بن عبّاس. ورواها مسلم في ( الصحيح )، والترمذي في ( الجامع )، وأحمد بن حنبل في ( المسند ) وفي ( فضائل الصحابة ) أيضاً وابن بطّة في ( الإبانة )، وابن ماجة القزوينيّ في ( السنن ) وفي ( المسند )، والأشنهي في ( اعتقاد أهل السنّة )، والخرگوشي في ( شرف النبيّ صلّى الله عليه وآله ).
كذا رواها: محمّد بن إسحاق، وقتيبة بن سعيد، والحسن البصري، ومحمود الزمخشري، وابن جرير الطبري، والقاضي أبو يوسف، والقاضي المعتمَد أبو العبّاس. ورُوِيت أيضاً قصّة المباهلة عن: ابن عبّاس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وأبي صالح، والشعبي، والكلبي، ومحمّد بن جعفر بن الزبير.
وأسند أبو الفرج الأصفهاني في ( الأغاني ) عن شهر بن حوشب، وعن عمر بن علي. وعن الكلبيّ، وعن أبي صالح وابن عبّاس، وعن الشعبي وعن الثمالي، وعن شريك وعن جابر الأنصاري، وعن أبي رافع، وعن الصادق والباقر وأمير المؤمنين عليٍّ عليهم السلام. ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 142:3 ـ عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 343:21 / ح 13 ).
- وروى الشيخ المفيد أنّ المأمون قال يوماً للإمام الرضا عليه السلام: أخبِرْني بأكبر فضيلةٍ لأمير المؤمنين يَدُلّ عليها القرآن. فأجابه عليه السلام قائلاً: « فضيلته في المباهلة… فدعا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الحسنَ والحسين عليهما السلام فكانا ابنَيه، ودعا فاطمةَ عليها السلام فكانت في هذا الموضع نساءَه، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان نَفْسَه بِحُكم الله عزّوجلّ. وقد ثبت أنّه ليس أحدٌ من خَلْق الله سبحانه أجَلَّ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وأفضل، فوجب أن لا يكونَ أحدٌ أفضلَ مِن نَفْس رسول الله صلّى الله عليه وآله بحُكم الله عزّوجلّ ». ( الفصول المختارة للسيّد الشريف المرتضى 38:1 ـ عنه: بحار الأنوار 350:10 / ح 10 ).
- وفي ( الإتحاف بحبّ الأشراف:54 ـ ط مصر ) روى الشيخ عبدالله بن محمّد الشبراوي المصري الشافعيّ أنّ موسى الكاظم عليه السلام دخل على هارون الرشيد، فسأله هارون: لِمَ زعمتُم أنّكم أقربُ إلى رسول الله منّا ؟ فقال الإمام الكاظم عليه السلام يسأله: « لو أنّ رسول الله حيٌّ إليك كريمتك، هل كنتَ تُجيبه ؟ » قال: سبحانَ الله! وكنتُ أفتخر بذلك على العرب والعجم. فقال عليه السلام: « لكنّه لا يَخطبُ إليّ، ولا أُزوّجه؛ لأنّه وَلَدَنا ولم يَلِدْكُم.
ثمّ سأله هارون الرشيد: لِمَ قلتم: إنّا ذريّة رسول الله، وجوّزتم للناس أن ينسبوكم إليه وأنتم بَنُو عليّ، وإنّما يُنسَب الرجل لأبيه ؟ فقال الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه: « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ومِن ذُرّيَّتِه داودَ وسليمانَ وأيّوبَ ويُوسُفَ وموسى وهارونَ وكذلك نَجْزي المُحسِنين * وزكريّا ويَحيى وعيسى وإلياسَ كُلٌّ مِن الصالحين [ الأنعام:84، 85 ]. وليس لعيسى أب، وإنّما أُلْحِق بذريّة الأنبياء مِن قِبَل أُمّه؛ ولذلك أُلحِقْنا بذريّة النبيّ مِن قِبل أُمّنا فاطمة، قال تعالى: « فَمَن حاجَّك فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَك مِن العِلمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم »، ولم يَدْعُ عليه السلام عندَ مباهلة النصارى غيرَ عليٍّ وفاطمة، والحسنِ والحسينِ وهما الأبناء » ( روى هذا الخبرَ أيضاً: ابن حجر في الصواعق المحرقة: 121 ـ ط البابي بحلب، والقرماني في أخبار الدول: 123 ـ ط بغداد، والبدخشي في مفتاح النجا في مناقب آل العبا:174 من المخطوطة، والمناوي في الكواكب الدريّة 172:1 ـ ط الأزهريّة بمصر ).
- وفي ذكر مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وبيان معنى أهل البيت ومَن هُم، كتب الشبلنجيّ الشافعي في ( نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار:223 ): ويشهد للقول بأنّ أهل البيت هم: عليٌّ وفاطمةُ والحسن والحسين عليهم السلام ما وقع منه صلّى الله عليه وآله حين أراد المباهلةَ هو ووفدُ نجران، كما ذكره المفسّرون في تفسير آية المباهلة وفي قوله تعالى: فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَك مِن العِلمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا ونساءَكُم وأنفُسَنا وأنفسَكُم ، قيل: أراد بالأبناء الحسنَ والحسين عليهما السلام، وبالنساء فاطمةَ عليها السلام، وبالنفس نفسَه وعليّاً عليه السلام.
- وعن ابن جُرَيح في قوله تعالى: « إنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدم.. » [ آل عمران:59 ] قال: بَلَغَنا أنّ نصارى نجران قَدِم وفدُهم على النبيّ صلّى الله عليه وآله المدينة، فيهم السيّد والعاقب… فأخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله بيد عليٍّ والحسن والحسين عليهم السلام، وجعلوا فاطمة وراءهم، ثمّ قال: « هؤلاء أبناؤنا وأنفسُنا ونساؤنا، فهَلِمُّوا أنفسَكم وأبناءكم ونساءكم، ونجعل لعنةَ الله على الكاذبين ! ».
فأبى السيّد من المباهلة، فقالوا: نُصالحك. فصالحوه.. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: « والذي بيده نفسي، لو لاعَنُوني ما حالَ الحَولُ ومنهم بشرٌ إلاّ أهلك الله الكاذبين » ( فرائد السمطين للجويني الشافعي 205:2 / ح 485 ).
- وفي ( الكامل في التاريخ 200:1 ) كتب ابن الأثير الجَزَري حول وفد نجران: وأمّا نصارى نجران، فإنّهم أرسلوا العاقب والسيّد في نفرٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وأرادوا مباهلته، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، فلمّا رأوهم قالوا: هذه وجوهٌ لو أقسَمَتْ على الله أن يُزيل الجبال لأزالتها! ولم يُباهِلوا، وصالحوه.
- وفي ( متشابه القرآن ومختلفه 33:2 ) كتب ابن شهرآشوب في ظلّ آية المباهلة: إجماع على أنّها نزلت في النبيّ صلّى الله عليه وآله وفي عليٍّ والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، فاستدلّ أصحابنا على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أفضلُ الصحابة من وجهَين:
أحدهما ـ أنّ موضوع المباهلة لِيَتميَّز المُحِقُّ مِن المبطل، وذلك لا يَصحّ أن يُفعَل ( أي يُباهَل ) إلاّ بِمَن هو مأمون الباطن، مقطوعٌ على صحّة عقيدته، أفضلُ الناس عند الله تعالى، ولو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَجَد مَن يقوم مَقامَهم لَباهَلَ بهم، وهذا دالٌّ على فضلهم ونقص غيرهم.
والثاني ـ أنّه جعل مِثلَ نفسه في قوله: وأنفُسَنا ؛ لأنّه أراد بقوله أبناءَنا الحسنَ والحسين عليهما السلام، و نساءَنا فاطمةَ عليها السلام بلا خلاف…
- وفي ( جامع البيان في تفسير القرآن 211:3 ـ في ظلّ آية المباهلة ) كتب الطبريّ المؤرّخ المشهور صاحب ( تاريخ الأمم والملوك ): عن قتادة في ظلّ آية المباهلة قال: بلَغَنا أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وآله خرج ليلاً عن أهل نجران، فلمّا رأوه خرَجَ هابُوا وفَرِقُوا، فرجعوا!
قال قتادة: لمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه وآله أهلَ نجران أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام، وقال لفاطمة عليها السلام: إتْبَعينا. فلما رأى ذلك أعداءُ الله رجعوا.
- أمّا السيّد الشريف الرضيّ، فقد كتب في ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل:330 ) في ذكر المباهلة: ومن شجون هذه المسألة ما حُكيَ عن القاسم بن سهل النوشجاني قال: كنتُ بين يَدَي المأمون في إيوان أبي مسلم بـ « مَرْو » وعليُّ بن موسى الرضا عليه السلام قاعدٌ عن يمينه، فقال لي المأمون: يا قاسم، أيُّ فضائل صاحبك أفضل ؟ فقلت: ليس شيءٌ منها أفضلَ من آية المباهلة؛ فإنّ الله سبحانه جعل نفسَ الله صلّى الله عليه وآله ونفسَ عليٍّ عليه السلام واحدة.
فقال لي: إن قال لك خصمك: إنّ الناس قد عرفوا الأبناءَ في هذه الآية والنساء هم: الحسن والحسين وفاطمة، وأمّا الأنفس فهي نفسُ رسول الله وحدَه، بأيّ شيءٍ تُجيبه ؟ قال النوشجاني: فأظْلَمَ علَيَّ ما بينَه وبيني، وأمسكتُ لا أهتدي بحُجّة! فقال المأمون للرضا عليه السلام: ما تقول فيها يا ابا الحسن ؟ فقال: « في هذا شيءٌ لا مذهبَ عنه »، قال: وما هو ؟ قال:
« هو أنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله داعٍ، ولذلك قال الله سبحانه: قُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ، والداعي لا يدعو نفسَه، إنّما يدعو غيرَه، فلمّا دعا الأبناءَ والنساءَ ولم يَصِحَّ أن يدعوَ نفسه، لم يَصِحَّ أن يتوجّه دعاءُ الأنفس إلاّ إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام؛ إذ لم يكن بحضرته ـ بعدَ مَن ذكَرْنا ـ غيرُه ممّن يجوز توجّهُ دعاء الأنفس إليه، ولو لم يكن ذلك كذلك لَبطَلَ معنى الآية ».
قال النوشجاني: فانجَلى عن بصري، وأمسك المأمون قليلاً ثمّ قال له: « يا أبا الحسن، إذا أُصيب الصواب، انقطع الجواب.
- وأمّا الحاكم النَّيسابوريّ الشافعي، فقد قال في كتابه ( معرفة علوم الحديث:50 ): وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبدالله بن عبّاس وغيره: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخَذَ يومَ المباهلة بيد عليٍّ وحسنٍ وحسينٍ عليهم السلام، وجعلوا فاطمة عليها السلام وراءهم، ثمّ قال: « هؤلاء أبناؤُنا وأنفسُنا ونساؤنا، فهَلِمُّوا أنفسَكم وأبناءَكم ونساءكم، ثمّ نبتهل، فنجعل لعنة الله على الكاذبين! ».
کلمات مفتاحیة: المباهلة
المصدر: