بسم الله الرحمن الرحيم
من أشهر الشُّبهات التي يتمسك بها خصوم الشيعة: قولهم إن الشيعة يتهمون السيدة عائشة بالفاحشة ويرمونها بالإفك والعياذ بالله، مع أن الله تعالى قد برَّأها في القرآن الكريم في سورة النور..
وهذه إشاعة غير صحيحة ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام، وهي مُجرَّد أسلوب إعلامي يهدف إلى تشويه سمعتهم لدى المسلمين؛ حتى يحصل بغضٌ وعداء للتشيع والشيعة، وحتى لا ينتقل الناسُ إلى التشيع ولا يقرؤوا كتب الشيعة فيتأثروا بما فيها من أدلة من الكتاب والسنة على إمامة أهل البيت عليهم السلام..
كما تمَّ توظيف هذه الدعاية الكاذبة كجزء من الحرب الإعلامية لتجنيد الجهلة والبسطاء لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مساجد الشيعة ومراكزهم الدينية في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وكذا لحشد الرأي العام العالمي ضد إيران بوصفها دولة تتبنى الفكر الشيعي؛ وذلك كجزء من المشروع الصهيوني للفتنة بين المسلمين وجعل الحرب بينهم؛ لتكون الحرب شيعية سنية تحرق المسلمين وتقضي عليهم، بدلاً من أن تكون الحرب إسلامية يهودية تقضي على إسرائيل وتحرر فلسطين وتعيد إلى الأمَّة الإسلامية عزَّتها وكرامتها.
وفيما يلي نبيِّن بطلان الاتهام الموجَّه ضد الشيعة في هذا الموضوع، ونثبت أنهم برآء من هذه الفرية التاريخية، ونوضِّح أن الشيعة لا يمكن أن يتهموا السيدة عائشة بهذه التهمة.
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : إن علماء الشيعة صرَّحوا بأن زوجات الأنبياء معصوماتٌ من هذا النوع من الخطأ بالخصوص؛ وذلك صوناً لعرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ نظراً إلى أنَّ تطرق الريب إلى عرض النبي يوجب تنفر الناس منه، ولما كان إقبال الناس عليه ضرورياً ليسمعوا الحجة ويختاروا عن بينة؛ يتوجب (في حكمة الله ولطفه بعباده) أن يصون فراش النبي من هذه الوصمة بصورة قطعية..
وبهذا الدليل تمسك علماء الشيعة فقالوا: إن زوجات الأنبياء يلزم أن يكنَّ معصومات في هذا المجال، بغض النظر عن مستواهن الإيماني؛ لأن القضية لا تنبثق من اختيارهنَّ، بل من حُكم حكيم من الله تدركه عقولنا، مُفاد هذا الحكم أنه لا بد من صيانة عرض النبي من كل ريب وشائبة حتى ينفتح الطريق أمام القلوب المستعدَّة للهداية لتقبل على كلام الأنبياء، وترتشف من نمير حُججهم وبيِّناتهم، ولا تنفر منهم تنزُّهاً، ولا تأنف أن تجالسهم تعفُّفاً.
ومن أقوال علماء الشيعة في تنزيه الأنبياء وزوجاتهم من هذه الوصمة:
قول السيد المرتضى (ت 436 هـ) (الملقَّب عند الشيعة بـعَلَم الهدى) في “الأمالي” في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابنه حقيقة بدعوى أن امرأته ارتكبت الفاحشة: “الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم”. انتهى.
وقول الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) (الملقَّب عند الشيعة بشيخ الطائفة) في تفسير التبيان، في تفسير قوله تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) : قال ابن عباس: “كانت امرأة نوح كافرةً، تقول للناس: إنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما، وما زنت امرأة نبي قط”، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبي إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولاً لمحصِّل. انتهى.
إلى غير ذلك من أقوالهم في تنزيه زوجات الأنبياء؛ حتى عدَّه العلامة المجلسي (ت 1110 هـ) ضمن “الأصول” حيث انتقد رواية ضعيفة السند فيها: “إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة” (بحار الأنوار 32 : 107) ، فقال العلامة المجلسي: “هذا (إن كان رواية) فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول”.
وقد ألَّف بعض علماء الشيعة كتاباً اسمه “تنزيه عائشة”، واسم هذا العالم المؤلِّف: “الشيخ نصير الدين عبد الجليل القزويني”، قال آغا بزرگ الطهراني في الذريعة 4 : 457 : “نزَّه فيه عايشة عما اتُّهمت به”.
وقال الداعية الشيعي المشهور العلامة الشيخ علي آل محسن (وهو من خيرة علماء المسلمين المؤلفين في هذا الزمان) : “إن كلمات علماء الشيعة قديماً وحديثاً صرَّحت بأن جميع نساء الأنبياء عليهم السلام منزَّهات عن ارتكاب الزنا والفجور؛ ولم يدل دليل واحد على أن زوجة واحدة من زوجات الأنبياء عليهم السلام زنت، أو أقدمت على فاحشة”.
وقد شهد المفسِّر السني الشهير “الآلوسي” ببراءة الشيعة من هذه التهمة التي عمل خصومهم على إشاعتها كذباً وبُهتاناً، فقال الآلوسي في تفسيره “روح المعاني” 28 : 162 بتفسير قوله تعالى: (فخانتاهما) :
“نقل ابنُ عطية عن بعضٍ تفسيرَها بالكفر، والزنا، وغيره، ولعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا، فالحق عندي أن عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرات التي قال السعد: (إن الحق منعها في حق الأنبياء عليهم السلام) ، وما يُنسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) كذبٌ عليهم، فلا تعوِّلْ عليه وإن كان شائعاً”. انتهى.
هذا باختصار، والحمد لله رب العالمين.