نص الشبهة:
قال الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ . أليس ظاهر الآية وصريحها يدل على أن موسى كان خائفاً من اهتزاز العصا ؟! وهو ما يعارض القول بأن للنبي دخالة في معجزته ، فهو يصل إلى المرتبة التي يستطيع من خلالها الاطلاع على قوانين ما وراء الطبيعة ، فيحول العصا إلى حية ، ويشق البحر ، إلى غير ذلك من معجزات الأنبياء . وليس الله يفعل ذلك مباشرة بل لمرتبة النبي دخل في المعجزة . نعم ، هذه الآية تعارض ذلك ، إذ لو كان النبي موسى عليه السلام هو من حول العصا إلى حية لما خاف منها ، بل هو سيعلم ما هي الكيفية التي ستكون عليها هذه العصا ، مما يحصنه من الخوف من ذلك . فما هو رأيكم في ذلك ؟! . .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإن قضية اهتزاز العصا كأنها جان ، حينما ألقاها موسى بأمر من الله تعالى ، إنما حصل بعد أن بعث موسى عليه السلام نبياً ، برؤيته للنار ، كما دل عليه قوله تعالى : ﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 1 .
فلما ألقاها ، وأصبحت ثعباناً كان الواجب عليه هو أن يحذر منها ، ويتحرز ، وفقاً للأحكام الظاهرية التي لا بد للأنبياء من مراعاتها كغيرهم من البشر .
فجاءه النداء الإلهي . . ليرفع عنه هذا التكليف ، وليصبح عذراً له في ترك الحذر ، من حيث إنه طمأنه إلى أن هذه الحية التي كانت عصا ، خاضعة للتصرف الإلهي ، لأنها هي والنبي موسى عليه السلام بحضرة الله ، وحركتها به ، ومنه ، لأن « مقام القرب والحضور يلازم الأمن » على حد تعبير السيد الطباطبائي .
ولولا التطمين الإلهي لما سقط عنه وجوب الحذر ، بل كان الله سيطالبه به ، لو لم يقم به قبل صدور هذا التطمين .
وأما وصول الأنبياء إلى مراتب من العلم ، والشهود بمجرد وصولهم إلى مقام النبوة والشاهدية ، فلا يرتبط بما هو تكليف النبي موسى عليه السلام فيما يواجهه من حالات ، فإن تكليفه هذا دائر مدار الظواهر الخاضعة لحركة الحياة بوسائلها المتعارفة ، والمتيسرة لكل أحد .
ولأجل ذلك لابد أن يقضي النبي بين الناس بالأيمان والبينات ، فإذا أخطأت الأيمان والبينات للواقع ، وعلم هو ذلك بعلم الشاهدية ، فلا يحق له نقض ذلك الحكم ، إذ لا يجوز له أن يتعامل مع الناس بهذا العلم ، وقد أوضحنا ذلك في العديد من المواضع .
ومما يشير إلى أنه لا يحق للنبي أن يتعامل مع الأمور بعلمه الخاص ، ولا أن يستفيد من تلك العلوم لقضاء حاجاته الشخصية . . أن النبي نوحاً عليه السلام ، حتى وإن كان يقدر على أن يمشي على الماء ، ولكنه كان مكلفاً بأن يركب السفينة كغيره من الذين نجاهم الله تعالى من الطوفان بواسطتها .
على أن من الممكن أن يحجب الله عن نبيه بعض العلوم المرتبطة بحياته الشخصية ليدفعه للتعامل معها بالوسائل الظاهرة والميسورة لكل أحد ، لحكم ومصالح عديدة ، لعل منها أن يكون أسوة وقدوة للناس ، وتجسيد بشريته لهم ، وخضوعه وانقياده للنواميس الإلهية ، حتى لا يغلو أحد فيه ، أو على الأقل أن لا يعذر أحد إذا غلا فيه .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 2 . .
- 1. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآيات: 8 – 10، الصفحة: 377.
- 2. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الثامنة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1424 هـ ـ 2004 م ، السؤال (451) .