أسئلة وأجوبة

هل أن التوسل مشروع ؟

 مع الأسف أن مكّة المكرمة والمدينة المنورّة ومقدّرات هاتين المدينتين المباركتين قد وقع بيد الوهابيين الذين يعيشون الإعتقادات الجافّة والخشنة ويرتدون ثياب القداسة الزائفة في مخالفتهم الشديدة لمسألة التوسل هذه ويمنعون المسلمين من زيارة قبر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)والتوسل بمقامه وكرامته عند الله تعالى وكذلك زيارة قبور أئمّة البقيع الطاهرين (عليهم السلام) وسائر عظماء الإسلام المدفونين في البقيع، فمن أين لهم الحقّ في تحميل عقائدهم الخشنة على سائر المسلمين حتّى على الكثير من أهل السنّة أيضاً ؟
لو كان لهم مثل هذا الحقّ فلماذا لا يتحركون لفرض كيفية الصلاة التي يعتقدون بها في وجوب التكتف على سائر المسلمين ؟
هذه بعض الأسئلة وعلامات الإستفهام التي تراود كلّ مسلم يزور مكّة والمدينة ولا يجد جواباً لها… أجل إن الوهابيين يخالفون بشدّة مسألة التوسل ويرون أنها تتنافى مع التوحيد وأنها من قبيل الشرك بالله تعالى ! وقد حان الكلام لبحث مسألة التوسل ومشروعيته من خلال الآيات القرآنية وروايات المعصومين (عليهم السلام).
أقسام التوسل
للتوسل أقسام مختلفة :
1 ـ تارةً يكون المخاطَب لنا هو النبي أو الإمام نفسه، من قبيل ما ورد في دعاء التوسل حيث يخاطب الداعي كلُّ واحد من المعصومين فرداً فرداً ويطلب من هؤلاء الطاهرين أن يشفعوا له عند الله بما لديهم من الجاه والمقام والكرامة عنده، ففي هذا النوع من التوسل نحن نطلب حاجتنا في الحقيقة من الله تعالى ونجعل هؤلاء المعصومين وسائط في هذا الطلب.
 2 ـ وتارةً اُخرى يكون المخاطَب هو الله تعالى، ولكنّ الداعي يخاطب الله تعالى بحقِّ الشخص الذي يعتبره وجيهاً عند الله ليضمن استجابة حاجته وطلبه كما توسل آدم إلى الله تعالى بالخمسة الطاهرين :
«اَللّهُمَّ يا حَميدُ بِحَقِّ مُحَمَّد وَيا عالِيُ بِحَقِّ عَلِيٍّ وَيا فاطِرُ بِحَقِّ فاطِمَةَ وَيا مُحْسِنُ بِحَقِّ الْحَسَنِ وَيا قَديمَ الاِْحْسانِ بِحَقِّ الْحُسَيْنِ».
وفي هذا النحو من التوسل يطلب المتوسل حاجته من الله أيضاً ويجعل كرامة هؤلاء الأولياء واسطة لضمان الإستجابة.
3 ـ وفي قسم ثالث يكون الله تعالى هو المخاطَب أيضاً ولكننا نقسم عليه بحقِّ الشخص الذي له وجاهة عند الله ليستجيب لنا دعاءنا ويقضي حاجتنا، من قبيل أن يقال : إلهنا نقسم عليك بنبي الإسلام أو بالقرآن الكريم أو بغير ذلك من المقدّسات، إلاّ ما قضيت حاجتنا.
ولكنّ الوهابيين يحرّمون جميع أقسام وأنواع التوسل هذه ويعتبرونها نوعاً من الشرك، وهنا نلفت النظر إلى بعض مقولات رموزهم وعلمائهم :
1 ـ يقول محمّد بن عبدالوهاب في كتابه «التوحيد» الذي ينبغي أن يسمّى بكتاب «الشرك» :
 إنّ هذا الشّرك الأكبر(1) (أي التوسل).
*************************************
1 . نقلاً من كشف الإرتياب : ص 301.
2 ـ يقول الصنعاني أحد علماء الوهابية أيضاً :
من توسّل بمخلوق فقد أشرك مع الله غيره واعتقد ما لا يحلّ اعتقاده.(1)
3 ـ ويقول ابن تيمية المؤسس الحقيقي للفكر الوهابي :
 من توسّل بعظيم عند الله… فهذا من أفعال الكفّار والمشركين.(2)
 والخلاصة هي أن من يعتقد بمذهب الوهابية يرى أن أي نوع من التوسل هو شرك بالله تعالى وأن المتوسل منحرف عن الإسلام الحقيقي، ولذلك يتحركون في مكّة والمدينة بذريعة «الشرك» و «البدعة» من موقع إلحاق الأذى وإيجاد المشاكل لحجاج بيت الله الحرام وزوار المدينة المنورّة.
مقام التوحيد ومكانته السامية
ولأجل بيان هذه الحقيقة وهي أن التوسل لا يتنافى إطلاقاً مع التوحيد نرى من اللازم في البداية توضيح معنى التوحيد وبيان مقامه السامي في دائرة المعتقدات الإسلامية، وباعتقادنا أن التوحيد هو أصل وأساس الدين ويلعب دوراً أساسياً في جميع الاُمور المتعلّقة بالدين والسلوك الديني، إنّ الله تعالى واحد، وجميع الأنبياء دعوا أقوامهم إلى شيء واحد، وأن جميع الناس سوف يبعثون بعد الموت، وأن الكعبة هي قبلة المسلمين، والقرآن لدى جميع المسلمين واحد، والخلاصة أن التوحيد يمثل الأصل والأساس لجميع اُصول الدين وفروعه، ولهذا فإنّ التوحيد ليس أصلاً من اُصول الدين فقط بل يستوعب جميع اُصول الدين وفروعه، والتوحيد بمثابة خيط المسبحة الذي يربط جميع حباتها بحيث لولا التوحيد لا يبقى للدين من معنى كما أنه لولا خيط المسبحة لا يبقى معنى لوجود المسبحة، وبالالتفات إلى هذا المعنى للتوحيد ومكانته العليا بين العقائد والمفاهيم الإسلامية فإننا نعتقد بأن كلّ أمر يتنافى مع التوحيد فهو مرفوض ومردود.
*******************************
1 . تطهير الإعتقاد نقلاً من كشف الإرتياب : ص 301.
2 . كشف الإرتياب : ص 302.
أقسام التوحيد
 للتوحيد أقسام ومراتب متعدّدة، ونشير هنا إلى أربعة مراتب مهمّة للتوحيد :
1 ـ توحيد الذات : يعني الإعتقاد بأن الله تعالى واحد في ذاته، وليس المراد بأنه واحد في العدد أي موجود واحد لا إثنين لأنه على أساس المعنى الأوّل للتوحيد أن الله واحد، بمعنى أن الإنسان لا يتصور له شبيه ومثيل، ولكن على المعنى الثاني يمكن تصور الشبيه والمثيل رغم انعدام الوجود الخارجي لهذا الشبيه.
وعلى هذا الأساس فإنّ الآية الاُولى من سورة التوحيد (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)تفسر بمعنى قوله تعالى في هذه السورة أيضاً (لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فلا نظير له ولا شبيه ولا يمكن تصور النظير والشبيه له.
2 ـ توحيد الصفات : فجميع صفات الله تعالى تعود إلى حقيقة واحدة، فليست صفة العلم شيءٌ آخر غير القدرة، والقدرة الإلهية أيضاً ليست شيئاً آخر غير الأزلية، وهكذا سائر الصفات الاُخرى تعود في الحقيقة على الذات، ولكن بالنسبة إلى الإنسان فيمكن القول أن علمه في روحه، وشجاعته وقدرته في عضلاته، ورحمته في قلبه، ولا يصحّ هذا القول بالنسبة إلى الله تعالى فإنّ ذاته المقدسة هي علم وقدرة وحياة وغير ذلك.
3 ـ توحيد الأفعال : إنّ كلُّ فعل أو حركة أو ظاهرة في هذا العالم هي في الواقع من تجليّات الذات المقدسة ولا شيء بإمكانه أن يؤثر في عالم الوجود بدون إذنه ومشيئته «لا مُؤَثِّرَ فِي الْوُجُودِ اِلاَّ اللهُ» فعندما تحرق النار شيئاً فإنّ ذلك بإذن الله، ولذلك رأينا أن نار نمرود لم تستطع إحراق إبراهيم لأن الله تعالى لم يأذن لها بذلك، وعندما يطفىء الماء النار فذلك أيضاً بمشيئة الله، وكلُّ ما نعمل من عمل فإن ذلك بإذن الله لأنه تعالى هو الذي أقدرنا على ذلك ومنحنا الإختيار والحرية والقدرة والعقل لنتصرف كيف ما نريد، فكلُّ ذلك حصلنا عليه من الله تعالى، وكلُّ حركة من حركاتنا تعود إلى ذاته المقدسة، والخلاصة أن المؤثر للاستقلال هو الله تعالى وما بقي من الأسباب فليس لها قدرة على التأثير إلاّ بمشيئة الله وإرادته.
4 ـ توحيد العبادة : إنّ العبادة لا ينبغي أن تكون إلاّ لله تعالى ولا يوجد موجود يليق
بالعبادة غير الله تعالى، كما يشاهد من بعض الشيعة عندما يدخلون المشاهد المشرّفة لأحد الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) فإنّهم يقبلون الأرض أو عتبة الباب، فهو في الحقيقة من قبيل سجدة الشكر لله تعالى أنه وفقهم لزيارة أوليائه لا أنها سجود للإمام (والعياذ بالله) لأن الشيعة لا يعتقدون بأي موجود يستحق العبادة والسجود غير الله تعالى ولا يسجدون لغير الله، ولذلك نوصي الشيعة أن يتركوا هذا العمل أيضاً أي سجدة الشكر أمام الضريح المقدّس دفعاً لهذا التوهم وألا يكون ذلك ذريعة بيد البعض ليتحركوا ضد الشيعة من موقع التهويل والإتهام، وعلى أيّة حال فإنّ العبادة لا تكون إلاّ لله تعالى.
هذه المراتب الأربع للتوحيد تعتبر المراتب الأصلية للتوحيد رغم وجود مراتب اُخرى متفرعة عليها نظير : توحيد الحاكمية(1)، توحيد الشارعية(2)، توحيد المالكية(3)، وأمثال ذلك(4).
ومن هنا يتضح أن الإنسان المسلم إذا اعتقد بما ذكر أعلاه من حقيقة التوحيد فإنه كامل الإيمان وموحد في نظر الإسلام، ولكن الوهابيين الذين يدّعون التوحيد ويرفضون الشرك لم يدركوا عمق هذه المراتب للتوحيد الواردة في تعاليم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)ولذلك فهم يتهمون الآخرين بالشرك دائماً.
الأشاعرة والتفسير الخاطىء للتوحيد الأفعالي
الأشاعرة وهم أحد مذاهب أهل السنّة عندما لم يستوعبوا الفهم الصحيح للتوحيد
1 . المراد من توحيد الحاكمية هو أن تكون مشروعية الحكومات البشرية مستمدة من الله تعالى لا من الناس، وحتّى عندما يشترك الناس في الإنتخابات ويختاروا لهم حاكماً ورئيساً فإن ذلك يقتبس مشروعيته من أمر الله تعالى.
2 . «توحيد الشارعية» يعني أن المقنّن والمشرّع للقوانين هو الله تعالى، فكلّ قانون ينتهي إلى القوانين الإلهية فهو مشروع.
3 . «توحيد المالكية» يعني أن المالك في الحقيقة هو الله تعالى، وأما ما يملكه الناس فهو في الحقيقة أمانة بأيديهم، فكلّ ما لدينا في الحياة هو أمانة موقتة جعلها الله في اختيارنا لأيام معدودة.
4 . للمزيد من التفاصيل حول أقسام التوحيد، انظر : نفحات القرآن : ج 4، للمؤلف.
الأفعالي ذهبوا إلى الجبر وأن الإنسان مجبور على أفعاله، لأنهم تصوروا إنّ الإنسان إذا كان مختاراً في أفعاله فإنّ ذلك يعني الشرك في دائرة التوحيد الأفعالي، في حين أن هذه العقيدة (وهو الجبر) تثير علامات الإستفهام في كافة اُصول العقيدة من النبوّة والقيامة والإمامة والعبادات التي أمر بها الإسلام.
والحقيقة أن الإنسان لو كان مخيّراً ومجبوراً في أفعاله وكان يعيش فقدان الإرادة والإختيار في حركته في الحياة فما معنى مؤاخذته ومساءلته يوم القيامة ؟
كيف يمكننا توجيه عقاب المذنبين وثواب المطيعين في الحياة الآخرة ؟ لأن كلاً من المطيع والعاصي كانا يتحركان في سلوكهما من دون اختيار وإرادة، فلا المذنب اختار أن يكون مذنباً ولا المطيع اختار أن يكون مطيعاً، فلماذا إذن يستحق الأوّل العقوبة والثاني المثوبة ؟
إذا قلنا بالجبر فلا ينبغي لأي محكمة أن تعاقب المجرم على جريمته لأنه مجبور حسب الفرض على ذلك.
هل يصحّ أن نعاقب النار على إحراقها لإنسان بريء ؟
هل يعقل أن نحاكم البحر ونقضي عليه بالعقاب الصارم لأن إنساناً بريئاً غرق في مياهه ؟
هل يمكننا محاكمة الكهرباء فيما لو أدّت إلى قتل شخص بريء ؟
 بديهي أن جواب هذه الأسئلة بالنفي وستكون مثل هذه المحاكمة مضحكة ومدعاة للسخرية، وهكذا حال الإنسان المجبور على أفعاله فإنه يكون حاله حال الماء والنار والكهرباء فيما لو أقدم على ارتكاب جريمة.
والملفت للنظر أن أصحاب هذه النظرية يخالفون نظريتهم في مقام العمل والممارسة، فلو أن أحداً صفعهم لرأيناهم يعترضون عليه، ولو أنّ لصاً دخل إلى بيوتهم وسرق منها شيئاً لقاموا بتقديمه إلى المحكمة، في حين أن الإنسان إذا كان مجبوراً وفاقداً للإرادة فلا معنى للاعتراض والشكاية، ولكننا نرى هذا التناقض بوضوح بين قول أصحاب عقيدة الجبر وبين أفعالهم وممارساتهم.
لعلّ القارئ العزيز يتصور أن هذه المطالب ما هي إلاّ أفكار وتوهمات تجول في مدارات
الذهن فقط من دون أن يكون لها رصيد واقعي من الأشخاص المؤيدين لها، ولكن مع الأسف فهناك الكثير من الأشخاص المغفلين الذين يتحركون في دائرة العقيدة والمذهب من موقع الدفاع الشديد عن هذه النظرية الباطلة وقد كتبوا في ذلك كتباً متنوعة.
أجل، فإنّ هؤلاء الأشخاص عندما لم يستطيعوا إدراك مغزى التوحيد الأفعالي ذهبوا إلى الجبر وغفلوا عن أن الله تعالى هو الذي وهب للإنسان الإختيار والإرادة، وعندما نقول أن الإنسان حرٌّ ومختار في أفعاله فإنما ذلك على أساس أنّ كلّ هذه الاُمور متصلة بالله تعالى وبمشيئته، وبذلك لا يكون هناك تقاطعاً بين اختيار الإنسان والتوحيد الأفعالي.
وقد ذهب الأشاعرة والجبرية إلى أكثر من ذلك، فقد أنكروا عالم الأسباب والمسببات وقالوا : إنّ النار لا تحرق أبداً بل الله تعالى هو الذي يحرق، وكذلك ذهبوا إلى أن الحجر لا يكسر الزجاج بل بمجرد أن يقترب منه ويمسه فإنّ الله تعالى يقوم بكسر الزجاج.
   أجل، فإنهم أنكروا مثل هذه الاُمور البديهية بسبب تفسيرهم الخاطىء للتوحيد الأفعالي، ورأينا أن التوحيد الأفعالي لا يتنافى إطلاقاً مع إختيار الإنسان وإرادته، وكذلك لا يتنافى مع عالم الأسباب لأن الإرادة السببية في عالم المخلوقات كلّها تعود في الأصل إلى الله تعالى، فإنه هو الذي وهب الإنسان القدرة والقوّة والعقل والإختيار والإرادة، وبما أن هذه الاُمور جميعاً من الله تعالى إذن يصحّ نسبتها جميعاً إليه رغم أن الإنسان لا يتجرد من المسؤولية وحرية الإنتخاب في دائرة الفكر والعقيدة والممارسة.
ولأجل توضيح المطلب أكثر نضرب لذلك مثالاً :
عندما يدفع الأب بعض المال لولده لينفقه في مصارفه ومعيشته فالأب من جهة يمكنه في أي لحظة أن يأخذ هذا المال باعتباره ماله وملكه رغم أن الإبن إذا اشترى بهذا المال شيئاً فإن المسؤولية تقع عليه لا على الأب.
والنتيجة هي أن التوحيد الأفعالي لا يتنافى مع اختيار الإنسان وإرادته ولا ينبغي أن نتصور أن ذلك يدخلنا في دائرة الشرك.
هل ينسجم التوسل مع التوحيد ؟
سؤال : لماذا يتصور الوهابيون أن التوسل هو نوع من الشرك ؟ وكيف يتقاطع التوسل مع أحد مراتب التوحيد المتقدّمة ؟ وهل أن التوسل يتنافى مع توحيد الذات، أو مع توحيد الصفات ؟
مضافاً إلى ذلك أن التوسل بالخشب والحجر لا يعود على الإنسان إطلاقاً بالنفع والضرر، وهذا المعنى لا يقبل القياس بالتوسل بالإمام والنبي والقرآن والتقرّب بهم إلى الله تعالى، والنتيجة هي أن التوسل لا يتنافى مع توحيد الذات ولا توحيد الصفات ولا التوحيد في العبادة. إذن فما هو مقصود الوهابيين من قولهم بأن التوسل شرك ؟ وما هي المرتبة من مراتب التوحيد التي يرون أنها تتنافى مع التوسل ؟
الجواب : الظاهر أن مقصود الوهابيين من أن التوسل شرك هو أنه يتنافى مع التوحيد الأفعالي، لأن الشخص الذي يتوسل بالنبي أو الإمام ويطلب منه حلّ مشكلته فإنه يرى أن غير الله تعالى له تأثير في عالم الخلق، ونعلم أن التأثير منحصر بالله تعالى ولو أن الإنسان اعتقد بأن غير الله يمكنه أن يؤثر في عالم الوجود فهو نحو من أنحاء الشرك.
 والجواب على هذا الكلام هو أن الشيعة لا يرون للنبي والإمام والقرآن تأثيراً في عالم الخلقة في عرض الله تعالى، بل في طول القدرة الإلهية، ولا تكون قدرتهم مؤثرة إلاّ بإذن الله ومشيئته، وهذا المعنى لا يتنافى إطلاقاً مع التوحيد الأفعالي، نعم إذا قلنا إنّ النبي أو الإمام يؤثر في عالم الخلقة بالإستقلال «نعوذ بالله» فهذا هو الشرك، ولكن لا أحد يقول بهذا المعنى،
فعندما نقول أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يشفع لنا عند الله ويتوسط في حلِّ مشكلاتنا ليكون الله
تعالى هو الذي يحلّ هذه المشكلة أو يشافي المريض أو يرزق الفقير فإنّ ذلك ليس من الشرك بل هو عين التوحيد.
وبما أن هذا المعنى انعكس في دائرة المفاهيم القرآنية بوضوح فينبغي القول بأن هؤلاء الوهابيين لا يقبلون بالقرآن أيضاً، لأن الآية 49 من سورة آل عمران تردّهم ردّاً قاطعاً وتبطل إدعاءاتهم الفارغة واتهاماتهم الباطلة وذلك في قوله تعالى :
(أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَة مِنْ رَبِّكُمْ).
فنرى أن عيسى (عليه السلام) يخاطب بني إسرائيل ويقول بانني بعثت رسولاً إليكم من قبل الله تعالى ومعي معجزة، ثمّ يذكر ثلاث معجزات :
1 ـ (أَنّي اَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَانْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِاِذْنِ اللهِ).
وهكذا نرى أن المسيح (عليه السلام) يقول بأنني أصنع لكم طيراً من طين ثمّ أنفخ فيه الحياة والروح فيتحول هذا التمثال الطيني إلى طائر حي بإذن الله، أي إنني لا أستطيع التأثير في هذه الأشياء في عرض قدرة الله ومشيئته بل إن قدرتي وتأثيري إنّما هي بإذن الله وليست مهمتي سوى أن أنفخ في هذا التمثال ليتحول إلى طائر فيه حياة وشعور بإذن الله.
2 ـ (وَاُبْرِئُ الاَْكْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَاُحْيِ الْمَوْتى بِاِذْنِ اللهِ).
المعجزة الاُخرى لعيس بن مريم (عليه السلام)هي شفاء المرضى المزمنين والأعمى والأبرص وإحياء الموتى، وطبعاً كلّ هذه الأعمال إنّما أقوم بها بمشيئة الله وإذنه ولا تتصوروا أنني إله أو ابن إله فلست سوى وسيلة لتحقيق هذه الأغراض، والمصدر الحقيقي هو الله تعالى، فإحياء الموتى وشفاء المرضى كلّها صادرة من ساحته المقدسة.
3 ـ (وَاُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).
العلامة الثالثة لنبوّة عيسى ابن مريم انه كان يخبرهم بما لديهم من أطعمة وأغذية في بيوتهم ويخبرهم بما يأكلون من طعام وشراب كلُّ ذلك بتعليم الله تعالى.
وهذه الآية الشريفة تمثل ردّاً حاسماً على من ينكر الولاية التكوينية أو ينكر مشروعية التوسل ويتصور بأن ذلك يتنافى مع التوحيد الأفعالي، وعليه فإذا نسبنا هذه الأفعال إلى غير الله تعالى واعتقدنا بأن الإنسان يمكنه أن يؤثّر في عالم الأسباب والمسببات بإذن الله
ومشيئته فإن هذا المعنى لا يتنافى مع التوحيد إطلاقاً.
التوسل في القرآن
ومضافاً إلى ما تقدّم فهناك آيات قرآنية عديدة تذكر مسألة التوسل بصراحة وإليك بعض النماذج والأمثلة على ذلك :
1 ـ نقرأ في الآية 97 من سورة يوسف قوله تعالى :
(قالُوا يا اَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا اِنّا كُنّا خاطِئينَ).
عندما وصل خبر يوسف وأنه في كامل الصحّة والعافية إلى أبيه واُخوته تحرّك الأخوة لجبران خطئهم واشتباههم من موقع التوبة والإستغفار وجاءوا إلى أبيهم وتوسطوا إليه ليستغفر لهم الله تعالى وجعلوه واسطتهم إلى الله تعالى ليغفر لهم شنيع فعلتهم، فأجابهم يعقوب بقوله :
(سَوْفَ اَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي اِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).(1)
وطبقاً لهذه الآية الشريفة فإنّ أبناء يعقوب المذنبين توسلوا إلى أبيهم النبي وطلبوا منه أن يتوسط لهم إلى الله تعالى ليغفر لهم ويعفو عنهم، وعليه فلا إشكال في أن نتوسل بنبي الإسلام(صلى الله عليه وآله) أو الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) أو القرآن الكريم أو المقدسات الاُخرى ونجعلها واسطتنا إلى الله تعالى لطلب الفرج واستجابة الدعاء وأمثال ذلك.
2 ـ ونقرأ في الآية 64 من سورة النساء :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول اِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحيماً).
إنّ الله تعالى في هذه الآية الشريفة يعلّم الناس طريق التوسل، وفي مقابل هاتين الآيتين
***********************************************
1 . سورة يوسف : الآية 98، والسبب في أن يعقوب لم ينفذ طلبهم في ذلك الوقت هو أن لكلّ شيء زمان خاص، والدعاء قد يستجاب في بعض الأوقات أسرع من غيرها، ولهذا أوكل يعقوب الدعاء لأبنائه إلى المستقبل، وقد ورد في بعض الروايات أنه كان يريد أن يدعو الله لهم في ليلة الجمعة وهو الوقت المناسب جدّاً لاستجابة الدعاء، والملفت للنظر أنه ورد في تفسير القرطبي، ج 6، ص 3491، أن يعقوب كان يقصد الدعاء في ليلة الجمعة التي تصادف ليلة عاشوراء.
من القرآن الكريم نرى أن الوهابيين يحرّمون ويمنعون التوسل، فما هو المسوغ لهم لهذا المنع ؟
التوسل بالعظماء والأولياء بعد وفاتهم
 إنّ الوهابيين يفتقدون إلى الجواب المنطقي في مقابل هذه الآيات القرآنية والبراهين العقلية ولذلك اضطروا إلى تعديل مواقفهم من مسألة التوسل وأجازوا التوسل بالنبي في حياته ومنعوه بعد وفاته.
إنّ هؤلاء لم يلتفتوا إلى لوازم هذا الرأي، لأن ذلك يعني أن الشرك وفقاً لهذه العقيدة مباح في حياة النبي ولكنه حرام بعد وفاته، وبعبارة اُخرى أن لازم ذلك أن يكون الشرك على نحوين : 1 ـ الشرك المباح، 2 ـ الشرك المحرّم والممنوع.
 فهل سمعتم عالماً ينطق بمثل هذا الكلام ؟
 هل سمعتم أحد المسلمين يقول بأن الشرك مباح في بعض الأحيان ؟
 إنّ بطلان الشرك بمثابة قانون عقلي كلّي لا يقبل الإستثناء، ولكنّ الوهابيين هم طائفة متخلّفة فكرياً وعلمياً دون سائر المذاهب الإسلامية حيث لا يمكن قياسهم بعلماء دمشق ولا بعلماء الأزهر ولا بعلماء الشيعة وفضلاء الحوزات العلمية.
 مضافاً إلى ذلك نقول : كيف اختلف الحال بين وجود النبي على قيد الحياة وبعد الوفاة ؟ فرغم أن بدن النبي قد مات ودفن في التراب ولكن بدون شكّ أن روحه بعد خروجها من البدن الشريف ستكون أقوى على مستوى التأثير والإدراك.
والقرآن الكريم يقرر الحياة البرزخية للشهداء ويقول في الآية 169 من سورة آل عمران :
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبيلِ اللهِ اَمْواتاً بَلْ اَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
 فعندما يكون الشهداء أحياءاً بعد موتهم ويتناولون الطعام عند ربّهم كما تقول الآية التي بعدها أنهم يشهدون أعمال أحبتهم ورفقاءهم في هذه الحياة الدنيا، فهل أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)الذي يتمتع بمقام أسمى بكثير من مقام الشهداء لا تكون له حياة برزخية ؟
بلا شكّ أن النبي يعيش الحياة البرزخية في أعلى المستويات، ولذلك نرى أن المسلمين في ختام كلِّ صلاة يسلمون عليه ويقولون :
«السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ».
فلو لم يكن النبي حيّاً فلماذا هذا السلام، وعلى من يكون، وماذا يعني ؟
النتيجة هي أن التوسل بالأولياء جائز في حال حياتهم وبعد موتهم، ولا فرق هناك بين موت هؤلاء وحياتهم في هذه المسألة.
التوسل في الروايات
 لقد ورد التوسل في روايات الفريقين الشيعة والسنّة بشكل واسع، ونشير هنا إلى بعض هذه الروايات الواردة في مصادر أهل السنّة :
 1 ـ ينقل البيهقي أحد علماء أهل السنّة عن أنس «الخادم الخاصّ للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)» قوله :
جاء رجل من الأعراب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنشد يقول :
اَتَيْناكَ وَالْعُذْراءُ يُدْمِي لِبانَها *** وَقَدْ شَغَلَتْ اُمُّ الصَّبِيَّ عَنِ الطِّفْلِ
وَلَيْسَ لَنا اِلاّ اِلَيْكَ فِرارُنا *** وَاَيْنَ فِرارُ الْخَلْقِ اِلاّ اِلَى الرُّسُلِ
فعندما سمع النبي (صلى الله عليه وآله) بحال هذا الرجل المؤلمة تأثّر كثيراً وتوجّه إلى المسجد وهو يجرّ بردائه من شدّة الهمّ والحزن، فصعد المنبر ورفع يديه للدعاء، وما زال يدعو حتّى نزل المطر ونجى الناس من القحط(1).
فطبقاً لهذه الرواية فإنّ ذلك الأعرابي توسل في زمان حياة النبي (صلى الله عليه وآله) به، ولم يمنعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) من ذلك أو ينهاه.
 2 ـ ويورد البخاري في كتابه رواية في هذا المجال، وهي أن الناس أصيبوا بالقحط في أيّام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاؤوا إليه يشكون إليه حالهم، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل المطر، فقال النبي(صلى الله عليه وآله) :
*******************************************
1 . كشف الإرتياب : ص 310، وللاطلاع على البحوث المتعلقة بصلاة الإستسقاء راجع كتابنا «تحقيق حول صلاة الإستسقاء».
«لَوْ كانَ أَبُو طالِب حَيّاً لَقَرَّتْ عَيْناهُ»(1).
وهذه الجملة من كلام النبي (صلى الله عليه وآله) إشارة إلى ما كان من النبي قبل البعثة من دعاء أبي طالب لنزول المطر وكان النبي يومذاك رضيعاً، فأخذه أبوطالب وأقسم على الله تعالى بحقّ هذا الطفل إلاّ ما أنزلت علينا المطر. فاستجيب دعاؤه ونجا الناس من الهلاك والقحط، ثمّ إن أبا طالب أنشد أبياتاً من الشعر مطلعها :
وَاَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمامُ بِوَجْهِهِ *** ثَمالُ الْيَتامى عِصْمَةٌ لِلاَْرامِلِ(2)
والخلاصة أن الناس طبقاً لهذه الرواية كانوا قبل البعثة وبعدها يتوسلون إلى الله تعالى بالنبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله) ولن يتحرك النبي الأكرم لمنعهم من هذا العمل بل إنه أثنى عليه بحيث إنه طلب من البعض أن يقرأوا أشعار أبي طالب التي قالها بمناسبة واقعة الإستسقاء فتكفل الإمام علي (عليه السلام) بهذه المهمة.
3 ـ قال السمهودي أحد كبار علماء أهل السنّة في كتابه «وفاء الوفاء» عن مالك أحد أئمّة المذاهب الأربعة لأهل السنّة : ناظر أبو جعفر أميرالمؤمنين مالكاً في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)فقال مالك : يا أميرالمؤمنين لا ترفع صوتك في المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال :
(يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)(3)، ومدح قوماً فقال : (إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوََتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)(4)، وذمّ قوماً فقال : (إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)(5).
فقال منصور : هذا كان في حياته لا بعد مماته.
********************************************
1 . كشف الإرتياب : ص 310.
2 . كشف الإرتياب : ص 311.
3 . سورة الحجرات : الآية 2.
4 . سورة الحجرات : الآية 3.
5 . سورة الحجرات : الآية 4.
 فقال مالك : «حُرْمَتُهُ مَيِّتاً كَحُرْمَتِهِ حَيّاً».(1)
وطبقاً لهذا الكلام فإن احترام النبي واجب في حال حياته وبعد مماته والتوسل به جائز أيضاً على أيّة حال.
4 ـ وقد ذكر «ابن حجر» من علماء أهل السنّة المعروفين والإنسان المتعصب جدّاً في كتابه «الصواعق المحرقة» اعترافات مهمة لصالح الشيعة، ومن تلك الإعترافات ما أورده من شعر الإمام الشافعي حيث يقول :
آلُ النَّبيِّ ذَريعَتي *** وَهُمْ اِلَيْهِ وَسيِلَتِي
اَرْجُو بِهِمْ اُعْطى غَداً *** بِيَدِ الْيُمْنى صَحيفَتِي(2)
النتيجة : أن التوسل بأولياء الدين والمقدّسات كالقرآن الكريم لا تتنافى إطلاقاً مع التوحيد الأفعالي، وقد ورد التمجيد والترغيب في القرآن والروايات الشريفة للمسلمين لمثل هذا العمل.
لا تجوز العبادة لغير الله
سؤال : لقد قلتم أن العبادة خاصّة بالله تعالى ولا ينبغي عبادة غير الله لأن ذلك يحسب من الشرك في حين أننا نجد في بعض الآيات القرآنية أنها تتحدّث عن السجود لغير الله تعالى من قبيل :
1 ـ ما ورد في قصة آدم وحواء عندما خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له :
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ اَجْمَعُونَ).(3)
فلو كانت العبادة لغير الله تعالى شرك فلماذا ورد الأمر في هذه الآية الشريفة بالسجود لآدم ؟
2 ـ وفي سورة يوسف عندما تحرك الاُخوة مع الوالدين من الصحراء متوجهين إلى مصر بعد أن علموا بحياة يوسف، حيث يحدّثنا القرآن الكريم عن اللحظة التي التقى فيها
*************************************
1 . وفاء الوفاء : ج 1، ص 422 نقلاً من كشف الإرتياب : ص 317.
2 . الصواعق المحرقة نقلاً من كشف الإرتياب : ص 319.
3 . سورة الحجر : الآية 30 وسورة ص : الآية 73.
هؤلاء بالنبي يوسف وقال :
(وَرَفَعَ اَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً).(1)
فطبقاً لهذه الآية الشريفة فإنّ أبناء يعقوب سجدوا ليوسف، فلو كان السجود لغير الله شركاً، فكيف نفسر ما ورد في هذه الآية الشريفة ؟
3 ـ عندما ورد بنو إسرائيل بيت المقدّس فإنّ الآية تذكر هذه الواقعة وأن بني إسرائيل سجدوا عند ورودهم المعبد في بيت المقدّس كما نقرأ ذلك في الآية 58 من سورة البقرة :
(وَإذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمحْسِنِينَ).
والخلاصة أن هذه الآيات الثلاث تتحدّث عن السجود لغير الله فكيف يتناغم ذلك مع التوحيد في العبادة ؟
الجواب : تقدم أن حرمة الشرك وعدم جواز السجود لغير الله واختصاص العبادة بالله تعالى إنّما هو قانون كلّي لا يقبل الإستثناء، فالشرك لا يمكن أن يتواءم مع التوحيد في أي مرتبة من مراتبه، وعليه فإنّ السجود الوارد في الآيات المذكورة لا يعني العبادة بل هو سجود الشكر والتعظيم لله تعالى على نعمه ومواهبه العظيمة.
عندما سجد الملائكة لآدم ففي الحقيقة أنهم سجدوا لله تعالى الذي خلق مثل هذا المخلوق العظيم، إذن فالسجود في الواقع كان لله تعالى ولكن بسبب خلق آدم.
وهكذا في اُخوة يوسف فإنهم سجدوا شكراً لله تعالى لأجل النعمة العظيمة التي أولاها الله تعالى لأخيهم يوسف، ولأجل نجاتهم من الحياة الصعبة والشاقّة في صحراء كنعان ورؤيتهم أخيهم بعد سنوات من الفراق وبالتالي انتقالهم إلى مصر ليعيشوا حياة طيبة ومرفهة وكريمة، فلأجل ذلك سجدوا شكراً لله تعالى، كما هو الحال في بني إسرائيل الذين سجدوا لله تعالى لا لمسجد بيت المقدّس.
عندما يقوم المسلمون والحجاج بأداء صلاة الجماعة حول الكعبة ويسجدون لله تعالى في صلاتهم هذه أمام بيت الله الحرام، فهل معنى هذا أنهم سجدوا للكعبة، أو أن أحداً من
************************************
1 . سورة يوسف : الآية 100.
المسلمين لا يسجد للكعبة بل يسجد لله تعالى ويعبده وحده ولكن في مقابل الكعبة ؟
وعلى هذا الأساس فإنّ السجود في جميع الموارد هو لله تعالى، وفي الحقيقة هو مصداق بارز لعبادة الله رغم أن الدوافع قد تكون متفاوتة ومختلفة، والنتيجة هي أن الآيات الثلاثة المذكورة آنفاً لا تعدُّ استثناءاً من القاعدة الكليّة في توحيد العبادة.

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى