وردني سؤال عبر هذا الموقع نصّه: هل أصل الشيعة من المجوس واليهود ، حيث إن أشكال الشيعة الإيرانيين تشبه اليهود والمجوس ، أفيدونا جزاك الله ألف خير؟!
وقد أجبناه بما يلي : إن الشيعة ـ بحمد الله ونعمته وفضله ـ مسلمون ؛ لأنهم يشهدون الشهادتين ، ويقرون لله تعالى بالعبودية ، وللنبي صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة ، ويقيمون شعائر الإسلام ، فيؤدون الصلوات الخمس ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون شهر رمضان ، ويحجون إلى بيت الله الحرام ، ولا يعبدون مع الله إلهاً آخر ، وهذه كتبهم منتشرة في الآفاق ، ومن شاء فليقرأها قراءة منصف متأمل ، وليدع عنه كلام أعداء الشيعة وخصومهم المغرضين الذين يفترون على الشيعة ما شاؤوا من الأكاذيب المفضوحة والافتراءات المكشوفة .
والناس في إيران كانوا في زمان الدولة الأموية والعباسية وما بعدهما منتمين إلى مذاهب أهل السنة ، ثم تشيعوا قبل مئات السنين ، فإن كان أصلهم مجوساً قبل الإسلام ، أي قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة فأسلافهم من أهل السنة أصولهم مجوسية أيضاً ، مع أن هذا لا يضرهم في شيء ؛ لأن الإسلام يجبُّ ما قبله ، وكل المسلمين كانوا قبل الإسلام إما مشركين يعبدون الأصنام ، أو يعبدون غيرها ، أو كانوا يهوداً ، أو نصارى ، أو مجوساً ، أو غير ذلك ، فهل تعتقد أن أهل السنة كانوا قبل الإسلام موحدين من لدن آدم إلى يومنا هذا ؟
وإذا رجعت إلى نفسك فإنك ستجد أنك لا تزال تعظم بعض الصحابة الذين كانوا قبل الإسلام مشركين يعبدون الأصنام ، وكانوا يشربون الخمر ، ويئدون البنات ، ويرتكبون المنكرات ، كما تعظم صحابة آخرين كانوا قبل إسلامهم على دين اليهودية أو النصرانية ، ولم تر أن ذلك ضرَّهم في شيء بعد أن حسن إسلامهم ، فما بالك تنظر في أصول الشيعة ، وتزعم أنهم كانوا مجوساً أو يهوداً ، وتتعامى عن أصول غيرهم ؟
والسؤال المهم الذي ينبغي أن يطرح عليك هو : ما هي غايتك من النظر في أصول الشيعة والبحث فيها ؟
هل تريد أن تعاقبهم على عبادة أسلافهم قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة حتى لو كانوا يتبرؤون من كل معبود من دون الله تعالى ؟
أو أنك تريد أن تشكك في إسلام الشيعة المعاصرين ، وتتهمهم بأنهم لا يزالون مجوساً أو يهوداً ، مخالفاً بذلك قوله سبحانه : ﴿ … وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا … ﴾ 1 .
ألا تعلم يا أخي أن إيران فيها شيعة وسنة ؟ فهل تعتقد أن الإيرانيين الذين ينحدرون من أصول مجوسية أو يهودية هم الشيعة فقط ، وأما أهل السنة في إيران فأسلافهم كانوا موحّدين من زمان كسرى ويزدجرد ؟!
وهل تظن أن الشيعة متواجدون في إيران فقط ؟ ألا تعلم أن الشيعة منتشرون في بلدان كثيرة كالعراق ، ولبنان ، والشام ، ودول الخليج ، وغيرها ، وأن التشيع كان موجوداً في هذه البلاد قبل أن يتشيع أهل إيران بمئات السنين ؟
وإذا كان عندك أي موقف سياسي من الحكومة الإيرانية ، أو كان عندك عداء شخصي معها فلا بد أن تلتفت إلى أن إيران ليست هي مذهب الشيعة ، وليست لها وصاية عليه ، وعداؤك مع إيران لا ينبغي أن ينسحب على المذهب الشيعي ، وكل ما تعتقد أنه من مساوئ إيران فهو لا يرتبط بمذهب الشيعة الإمامية ، كما لا تنسحب مساوئ أي حكومة سنية على المذاهب السنية سواء بسواء .
ثم إني لا أدري ما هي مظاهر المجوسية واليهودية التي تزعم أنها موجودة في إيران ؟ فإن كل من يزور إيران ، أو يحلل مواقف الحكومة الإيرانية ودعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين ، وينظر إلى الشعب الإيراني ، وارتباطه بالإسلام ، يعلم أن هذا الكلام لا يصدر إلا عن رجل لم يقرأ ما يحدث في الساحة جيداً ، وصار يردد ما يقوله الآخرون من دون تأمل وتثبت .
يا أخي الكريم . . .
كن واعياً ، ومتنبهاً ، ولا تصدّق كل ما تسمعه من أكاذيب وافتراءات ، فإن كل ما يقال ضد الشيعة لا يعدو كونه كذباً وافتراء لا مبرر له .
وأنصحك يا أخي ألا تثير النعرات الجاهلية التي حرمها الإسلام ، وحذر المسلمين من إثارتها ، فلا فرق بين عربي وفارسي إلا بالتقوى ، ولا فرق بين فئات المسلمين حتى لو اختلفت لغاتهم وألوانهم وجنسياتهم ، فإن الله لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم .
كما أنصحك يا أخي مخلصاً أن تنظر إلى الأمور بإنصاف وروية ، لكي لا تنطلي عليك حيل الاستعمار الغربي وألاعيبه التي دأب عليها لتفريق كلمة المسلمين ، وشق صفوفهم ، والحيلولة دون وحدتهم ، وإذا كنت باحثاً منصفاً فلا تجعل الحكومات مقياساً لصحة المذاهب وبطلانها ، وانظر إلى مذهب الشيعة الإمامية بما هو ، بغض النظر عن إيران أو غير إيران ، كما تنظر إلى مذاهب أهل السنة بغض النظر عن الحكومات السنية التي تروج لها وتدعو إليها .
أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على رضاه ، وأن يجعلهم كالبنيان المرصوص بمنه ولطفه وكرمه ، إنه أكرم الأكرمين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 2 .
- القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 94 ، الصفحة : 93 .
- نُشرت هذه الإجابة في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي آل محسن