مقالات

نصر الله لأنبيائه والأوصياء…

قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ 1.

اين نصر الله؟

نعم لقد وعد الله العلي القدير بنصرة رسله و كذلك بنصرة المؤمنين في هذه الدنيا و أيضاً في يوم القيامة، و من يقرأ هذه الكريمة قد يتبادر إلى ذهنه هذا السؤال و يقول فكيف إذن لم ينصر الله الكثير من أنبيائه و رسله في المواقف الصعبة و تركهم عُرضة للإضطهاد و التعذيب و القتل، و يتكرر السؤال ذاته بالنسبة إلى أئمة الهدى عليهم السلام و كذلك المؤمنين في العصور المختلفة و في هذا العصر أيضاً، لماذا لم ينصرهم الله إلا في مواضع قليلة؟
الجواب: إن نصرة الله تكون على وجوه مختلفة قد تجتمع في واقعة واحدة و قد تكون النصرة بوجه دون سائر الوجوه حسب ما تقتضيه الحكمة الالهية و نُشير إلى بعض هذه الوجوه بإختصار كالتالي:

انواع النصر الالهي

1. قد تكون النُصرة بصورة مباشرة و بالغلبة الظاهرية في الحروب و الغزوات، و قد تكون بتقوية القلوب و بث الروح القتالية و المعنويات العالية و تثبيت النفوس في الحرب و المقاومة كما حصلت في كثير من المواضع و المواقف الصعبة و أمثلتها كثيرة نُشير إلى بعضها كالتالي:

  • نُصرة الله العلي القدير لرسوله المصطفى صلى الله عليه و آله و المسلمين في يوم بدر، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَىٰ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ 2.
  • نصرة الله لرسوله محمد صلى الله عليه و آله و للمسلمين في يوم حنين، قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ 3.
  • نُصرة الله للنبي محمد صلى الله عليه و آله و للمسلمين في غزوة الاحزاب (وقعة الخندق) قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ 4.

2. و قد تكون النصرة بالحجة و الغلبة بالبرهان و إعلاء الكلمة و ظهور الحق و إنكشاف الحقيقة للناس و فضح الطغاة و الجبابرة، و ايقاظ المظلومين و المغفلين، فيدحض الله الباطل و يظهر الحق و ينصره نصراً يبقى أثره بل يتعاظم يوماً بعد يوم كما حصل في واقعة الطف للامام الحسين بن علي عليه السلام بكربلاء، ذلك لأن الهدف الأول للبيت الأموي كان القضاء على الإسلام و إمحاء ذكر النبي صلى الله عليه و آله و أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، و يتضح لنا جلياً أن هذا الهدف لم يتحقق أبداً بسبب نهضة الإمام الحسين عليه السلام حيث ضحى بنفسه و أهل بيته و أبنائه و أصحابه عليهم السلام، فتحققت أهداف الحسين كلها و هذه هي النُصرة الالهية.
قال الإمام الحسين بن علي عليه السلام: ” أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه و آله، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَ مَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ” 5.
هذا و إنا نجد أن هذه الأهداف المعلنة من قِبل الإمام حسين عليه السلام قد تحققت تماماً، فالإسلام باقٍ و الأذان باقٍ و الصلاة باقية، و ذكر النبي صلى الله عليه و آله و ذكر أهل بيته عليهم السلام باقٍ، و في المقابل لم يبق لبني أمية أي ذكر، إلا اللعنة و التاريخ السيء المظلم.
و قد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّهُ قَالَ: ” لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ قَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، اسْتَقْبَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَ قَالَ:
يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، مَنْ غَلَبَ ـ وَ هُوَ يُغَطِّي رَأْسَهُ وَ هُوَ فِي الْمَحْمِلِ ـ؟
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ وَ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ ” 6.
أي انه ما دام الأذان و الإقامة و الصلاة موجودة فالإسلام هو الغالب و المنتصر.
نعم إذا أردت أن تعرف المنتصر ألق بنظرة إلى كربلاء خاصة في مثل أيام شهري محرم و صفر ستعرف من المنتصر، و انظر أيضاً إلى مجالس الحسين في العالم فستعرف من هو المنتصر و من هو المهزوم، و انظر أيضاً إلى ضريح الحسين عليه السلام في كربلاء و إلى الجموع المليونية في كل مناسبة و هي تحوم حول القبر الشريف تعرف من المنتصر.

  • 1. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 51، الصفحة: 473.
  • 2. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآيات: 123 – 126، الصفحة: 66.
  • 3. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 25 و 26، الصفحة: 190.
  • 4. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآيات: 9 – 11، الصفحة: 419.
  • 5. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 44 / 329، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هجرية.
  • 6. بحار الأنوار: 45 / 177.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى