نص الشبهة:
فإن قيل: كيف جاز لموسى (ع) أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصي وذلك كفر وسحر وتلبيس وتمويه، والأمر بمثله لا يحسن؟
الجواب:
قلنا لا بد من أن يكون في أمره عليه السلام بذلك شرط، فكأنه قال القوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين، وكانوا فيما يفعلونه حجة.
وحذف الشرط لدلالة الكلام عليه واقتضاء الحال له، وقد جرت العادة باستعمال هذا الكلام محذوف الشرط، وإن كان الشرط مرادا، وليس يجري هذا مجرى قوله تعالى: ﴿ … فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ … ﴾ 1 وهو يعلم أنهم لا يقدرون على ذلك وما أشبه هذا الكلام من ألفاظ التحدي، لأن التحدي وإن كان بصورة الأمر لكنه ليس بأمر على الحقيقة ولا تصاحبه إرادة الفعل، فكيف تصاحبه الإرادة والله تعالى يعلم استحالة وقوع ذلك منهم وتعذره عليهم وإنما التحدي لفظ موضوع لإقامة الحجة على المتحدي وإظهار عجزه وقصوره عما تحدى به، وليس هناك فعل يتناوله إرادة الأمر بإلقاء الحبال والعصي بخلاف ذلك، لأنه مقدور ممكن.
فليس يجوز أن يقال أن المقصود به هو أن يعجزوا بها عن إلقائها ويتعذر عليهم ما دعوا إليه، فلم يبق بعد ذلك إلا أنه أمر بشرط، ويمكن أن يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الإلقاء على وجه يساوونه فيه، ولا يخيلون فيما ألقوه من السعي والتصرف من غير أن يكون له حقيقة، لأن ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل.
وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به لتظهر حجته ويوجه دلالته وهذا واضح، وقد بين الله تعالى في القرآن ذلك بأوضح ما يكون فقال: ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾ 2 3.
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 23، الصفحة: 4.
- 2. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآيات: 113 – 119، الصفحة: 164.
- 3. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء : 105 ـ 106.