بمناسبة ذكرى ميلاد الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي بن الحسن العسكري عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام ــ والتي أزف أحر تبريكاتها لكم ــ استرسلت أقرأ بعض ما ورد من نصوص وروايات أراحت نفسي، وأشعلت جذوة الأمل في روحي، ووسط كل الألم والحزن كانت البسمة تشق طريقها في أعماقي، وإن أخفتها الظروف عن قسمات وجهي.
كنت أقرأ الروايات وأتأملها في مشهد يكاد يبعدني عن معادلات الأرض وأحداثها القائمة هنا وهناك، فيأنس فكري وتستمتع نفسي، وتتمنى لو حضرت ساعة ظهوره المبارك لترى القسط والعدل وقد تفشيا بين الناس، وملئت بهما الأرض.
في الكفة الأخرى كانت صور الفضائيات التي لا تغيب عن البال تتوافد على مخيلتي فأستحضر مجاعة الملايين في إفريقيا وفي الصومال المقبلة على كارثة إنسانية، وأستحضر صورة الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم والذين سلبوا بيوتهم أمام عدسات الإعلام والمصورين وبمشهد العالم كله. وكنت استحضر شعب ليبيا الأبي الذي تسيل دماؤه غزيرة في مختلف مدنه وقراه كأفظع شاهد على جرائم الإنسان وبطشه، ثم أرد طرفي لألتجئ إلى العدل المطلق فأقول رحماك ربي إلى متى؟
لقد ضاقت الأرض بأهلها، وضاق الناس ذرعاً من ظلم من عليها وجورهم، حتى أصبحت قيمة العدل حلماً لا يصدق الإنسان أنها ستتمثل في يوم من الأيام أمام عينيه، وسيراها متحركة ومحركة للحياة من حوله، وستصمد أمام الظلم والتعسف الذي بلغ ذروته وخساسته ولا يكاد يترك حجراً ولا مدراً إلا آذاه وأمعن في العبث به.
كنت بين الفينة والأخرى أعود لنفسي مستحضراً قول الله سبحانه ﴿ … إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ 1. الصبح قريب، والعدل لا محالة سيعمر الأرض، والظلم إلى زوال وإن طالت أيامه.
العدل آتٍ لا محالة لأن سنن الكون تخدمه وتستحثه وتراه المنسجم معها دون بديل، والظلم زائل وإن طال الزمن لأن نظام الكون لا يقبل الجور والتعدي وإن أخذ جولته وامتداده وأثر أثره إلى حين، وما يهمني في مناسبة ميلاد النور (عجل الله فرجه الشريف) هو أن أؤكد أمرين اثنين:
الأول: هو أن نسعى لبسط العدل في كل المساحات المتاحة بين أيدينا، وفي كل الزوايا – وإن صغرت – التي تتأثر بتصرفاتنا، ولنبدأ ببيوتنا وزوجاتنا وأولادنا ثم نتدرج إلى جيراننا وأصدقائنا وندحرج العدل كطريقة تقوم عليها حياتنا، حتى في المناطق والأماكن التي لا تصلها فضائيات العالم.
فكم امرأة وكم طفل وكم خادم أو خادمة عندنا نذيقهم بتصرفاتنا الويل والعذاب والظلم في أبشع صوره ومظاهره، وهم لا يستطيعون الإعلان عن مظلوميتهم ولا يتمكنون من الرد عن أنفسهم أمام طغياننا وجبروتنا وعنفنا.
التخاصم مع الظلم يبدأ من أعماق أنفسنا وضد تصرفاتنا نحن في المساحات التي لنا الأمر والنهي والسيطرة عليها، قبل أن تبدأ مع أي شيء آخر أبعد منا.
الثاني: هو أن نرفض الظلم ولا نقبل به بيننا، وهنا أعود مرةً أخرى إلى الدوائر الضيقة والبسيطة والتي يمكننا التعامل معها دون ثمن باهظ، وأستحضر قصة لأحد المعارف وقد كان قاسياً على زوجته إلى حد الضرب الذي يدمي جسدها، والسب الذي ينال من كرامتها ومن مكانة أهلها، وكل جيرانه يعلمون ذلك لكن أحداً منهم لم يقل له يوماً اتق الله في أهلك وعيالك. حتى إخوانه كانوا يتركونه في هياجه وهو يهشم تلك المسكينة بالضرب المبرح وهم يسمعون أنينها واستغاثتها ولا يحركون ساكناً.
إن رفض الظلم في الأمور الصغيرة يعني محاصرته وزحف العدل ليحل مكانه، وقد حثنا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وهو يوصي ولديه بقوله: «كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً».
فلنبدأ من أصغر نقطة وسننتهي إلى خير، فالأمل يتجدد والصبح قريب، وكل عام وأنتم بألف خير2.
- 1. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 81، الصفحة: 230.
- 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار حفظه الله_ صحيفة الوسط البحرينية 18 / 7 / 2011م، العدد 3236.