الإمام الباقر (عليه السلام) هو الخامس من سلسلة الأنوار الربانية المنبعثة من نور النبي الأعظم “محمد” “صلى الله عليه وآله”، وهو ابن زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد ولد في الأول من شهر رجب من سنة سبع وخمسين للهجرة، وكان عمره يوم استشهد جده الحسين (عليه السلام) في كربلاء أربع سنوات، حيث ذاق هو ووالده طعم الأسر المر على يد جلاوزة بني أمية.
عاش الإمام الباقر (عليه السلام) كل حياته في ظل الخلافة الأموية وعاصر من خلفائها كلاً من الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك وقد توفي في عهد هذا الأخير عن عمر سبع وخمسين سنة، كان فيها إماماً مدة ثمان عشرة سنة بعد وفاة أبيه الإمام السجاد (عليه السلام).
وجاء في سبب تسميته بـ “الباقر” لأنه كان يبقر العلم بقراً أي شقه شقاً وأظهره إظهاراً، وللباقر معنى آخر وهو التوسع في العلم والتبحر فيه، وكان نقش خاتمه ﴿ … الْعِزَّةَ لِلَّهِ … ﴾ 1.
والإمام الباقر (عليه السلام) هو الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبد الله الأنصاري بأن الله سيطيل في عمرك حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له محمد يبقر العلم بقراً فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، وقد حصل ذلك فعلاً، وقبل جابر قدمي الإمام الباقر (عليه السلام) وقال ” لنفسك الفداء يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إقبل سلام أبيك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ عليك السلام، قال: فدمعت عينا الإمام الباقر (عليه السلام) ثم قال “يا جابر على أبي رسول الله السلام ما دامت السموات والأرض وعليك يا جابر بما بلّغت السلام”.
ومن أهم إنجازات الإمام الباقر (عليه السلام) تأسيسه للمدرسة الفقهية الشيعية بسبب ضعف الحكم الأموي نتيجة كثرة الثورات ضده مما سمح للإمام (عليه السلام) أن ينشر علوم الإسلام، وأن يؤثر في العديد من الرواة الذين اعتقدوا بإمامته كآل أعين ومن أبرزهم زرارة بن أعين الذي نقل عنه أحاديث كثيرة ونقل بعدها عن ابنه الإمام الصادق (عليه السلام).
ومن مآثره المهمة أيضاً إشارته إلى الخليفة الأموي بنقش الدنانير والدراهم الإسلامية عندما هدد والي الروم بنقش العملة وفيها تهكم على النبي (صلى الله عليه وآله) وشتم له، وكان الخليفة آنذاك عبد الملك بن مروان وقال: (أحسبني أشأم مولود وُلد في الإسلام لأني جنيت على رسول الله (صلى الله عليه وآله))، واستشار أصحابه في الحل الذي يقف في مواجهة تهديد ملك الروم، فأشاروا عليه بأن يرسل بطلب الإمام الباقر (عليه السلام) من المدينة لاقتراح الحلول المناسبة لرد ذلك الاعتداء الصارخ لو حصل ضد الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله)، وعندما وصل الإمام وعرضوا عليه المشكلة قال: (لا يعظم هذا عليك، فإنه ليس بشيء من جهتين: إحداهما: أن الله عزوجل لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأخرى: وجود الحيلة فيه). فقال عبد الملك وما هي؟ قال الإمام (عليه السلام): (تدعو في هذه الساعة بصنّاع، فيضربون بين يديك سككاً للدراهم والدنانير، وتجعل النقش عليها صورة التوحيد وذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدهما في وجه الدينار والآخر في الوجه الثاني، وتجعل مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يُضرب فيه، والسنة التي يضرب فيها تلك الدراهم والدنانير)، وطلب إليه أن يأمر بأن يتعامل المسلمون بهذه الدنانير والدراهم الجديدة، لأن هاتين العملتين كانتا حتى ذلك العهد من صنع الروم في بلادهم، ولم يكن المسلمون قد عرفوا صناعة العملة الفضية والذهبية بعد، وفعل عبد الملك ما طلبه منه الإمام (عليه السلام)، وعندئذ رد الخليفة رسول ملك الروم مع الرسالة له يقول فيها: (إن الله عز وجل مانعك مما أردت أن تفعله، وقد تقدمت إلى عمالي في أقطار البلاد بكذا وكذا وإبطال السكك والرموز الرومية)، وهكذا أبطل الإمام (عليه السلام) مؤامرة ملك الروم بنقش العملة وفيها شتم للنبي (صلى الله عليه وآله).
وقد اتفق علماء الإسلام على أن الإمام الباقر (عليه السلام) هو المجدد للإسلام للقرن الثاني الهجري نظراً للحركة العلمية الواسعة التي حدثت في عصره فتقاطر عليه العلماء من كل بلاد الإسلام لأخذ معالم الدين عنه نظراً لشيوع شهرته في معظم أرجاء العالم الإسلامي آنذاك.
ومن أهم أصحابه الذين رووا عنه زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وجابر الجعفي وبريد بن معاوية العجلي وأبو حمزة الثمالي، وهؤلاء الذين حدثوا عن الإمام (عليه السلام) أكثر ما ورد عنه وإن كان هناك غيرهم ولكن لم يكونوا في مرتبة هؤلاء مثل “أبي بصير” الذي روى أكثر عن الإمام الصادق (عليه السلام).
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) الكثير من النصوص في غير موارد الأحكام الشرعية، مثل الأدعية والنصائح والإرشادات للأمة الإسلامية عامة ولأتباعه خاصة ونختار منها ما يلي:
(لا تطلبن أن تكون رأساً فتكون ذنباً).
(تعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم “الليالي”).
(الأرزاق موصوفة مقسومة، ولله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك قوله “واسألوا الله من فضله” ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض).
(من رضى القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله أجره).
(اللهم هون عليّ هول المطلع، ووسع علي ضيق المضجع، وارزقني خير ما قبل الموت، وخير ما بعد الموت).
فسلام على الباقر يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً2.
- 1. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 65، الصفحة: 216.
- 2. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.