نور العترة

مواكب العزاء…

سأعبر في مقالي هذا عن قناعة شخصية تكونت لدي من خلال احتكاكي وسماعي لمختلف الآراء والتوجهات الاجتماعية والدينية السائدة في مناطقنا، والمتقاربة بقدر كبير مع العديد من المناطق القريبة منا.

ومؤدى هذه القناعة هو أن المناسبات التي ترتبط بالمعصومين  ليس مستحسناً أن تعرض فيها أسماء لرموز وشخصيات دينية أو اجتماعية أو حتى جهادية مهما كان مقامها محترماً وعطاؤها مقدراً، بل يجب أن تتمحض الذكرى والمناسبة لصاحبها، وما تمليه سيرته وحياته من تعاليم وعبر وتوجيهات حياتية وجهادية وتربوية واجتماعية، ومع أن هذا رأي شخصي قد يختلف معي آخرون فيه، فإني أحب الإشارة إلى بعض الدواعي التي دفعتني إلى عدم تحبيذ الحديث حول أي شخص آخر في مهرجانات المناسبات المرتبطة بالمعصومين.

  1. ليس مناسباً أن يشارك المعصوم أو يزاحم بأي اسم آخر، مهما كانت مكانة ذلك الرمز وعلميته وموقعيته وجهاده وعطاؤه ونصرته للدين، وهذا ما يدركه العلماء والمراجع الكرام، فمع فضلهم ومكانتهم وعلمهم تراهم أمام مصاب المعصوم يشتركون كما هو حال بقية المؤمنين، في العزاء والتفجّع والألم والثواب بإحيائهم فرح أو مصاب المعصوم، فهم يشعرون الفرق في المقام بينه وبينهم، بل إنهم – كما تشهد به العديد من كلماتهم – لا يحيطون معرفة بالمعصوم مع سعة علمهم واتساع اطلاعهم.
  2. المعصوم جامع للناس بمصابه، وغيره قد لا يكون جامعاً، فالناس في كل مناطق العالم ليس بينهم اتفاق على رمز واحد، ولا على زعامة واحدة، فلربما كان هذا الرمز له مكانة تدعو أتباعه ومحبيه لاستحضاره والتنويه به وبدوره ومكانته وعلمه وعطائه وجهاده، لكن البعض الآخر الذي جاء للمصاب وللتعزية بفاجعة المعصوم قد لا يرى ما يراه أتباع ذلك الرمز، بل قد يرى رمزاً آخر أولى بالحضور والإشادة. هذا الأمر قد يدخل الناس في صراع إما ظاهر متفجر وذلك بالحملات الإعلامية والتعبئة ضد هذا الموكب وذاك، أو صراع يتمظهر بتفريخ العديد من المواكب الصغيرة في القرية الصغيرية، أو حرج نفسي بين الناس الذين يجدون أنفسهم محشورين في خلاف ما جاءوا لأجله، فهم قدموا للعزاء على المعصوم، والجهة المنظمة للعزاء تدفعهم للعزاء على رمز حي من الرموز المحبوبة عندها.

وهذا ما سبب كون بعض المواكب مقصودة من فئة خاصة، بينما يشترك الآخرون في مواكب غيرها، وهل عيب أو حرام أو خطأ أن يذكر هنا هذا الرمز ويذكر الرمز الآخر في مكان آخر؟
كلا ليس حراماً، ولكني أقول: كلما كانت المشتركات الكبرى هي الجو المهيمن على المناسبات العامة، كلما تكاثرت فرص اللقاء والانسجام بين مكونات المجتمع ، وكانت مناسباتنا عامة بحق، وتمكنا من القول العملي إن المشتركات الكبرى أقوى من كل التفاصيل والخطوط الدقيقة.
قد يقول قائل: فلتمارس القصائد حريتها في مدح هذا الرمز أو ذاك، فهنا في هذا الموكب يمدح فلان، وفي الموكب الآخر يذكر رمز آخر، وفي موكب ثالث يشاد برمز مغاير لذينك الرمزين، وهذا كلام سليم، لكنه سيكرس واقعاً كانت أمنيتنا أن تعيننا المناسبات العامة على تجاوزه، فإذا كان بإمكاننا أن نشيد ونمتدح ونذكّر بإمامنا جميعاً، فلماذا نتبعثر ليشيد كل واحد منا بما هو خاص بقناعاته التي لا يشاركه الآخرون فيها، لماذا نترك المشترك الكبير وهو المعصوم، ونتدثر بالخاص الأصغر من المعصوم (وهو العالم أو الرمز الفلاني).
لتكن القصائد كما أرادها منا الإمام الرضا فقد حكي قوله لدعبل الخزاعي، «يا دعبل ارثِ الحسين  فأنت ناصرنا»، حيث كانت توجيهات الرضا  كلها مصوبة باتجاه مصاب كربلاء وما حلّ بالحسين وأهل بيته1.

1. الشيخ محمد الصفار * صحيفة الوسط البحرينية 9 / 1 / 2011م – 11:44 م – العدد 3048 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى