رَوى إبن حَیُّون المغربي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ 1 بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ أَوْصَى بَعْضَ شِيعَتِهِ فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ شِيعَتِنَا اسْمَعُوا وَ افْهَمُوا وَصَايَانَا وَ عَهْدَنَا إِلَى أَوْلِيَائِنَا: اصْدُقُوا فِي قَوْلِكُمْ، وَ بَرُّوا فِي أَيْمَانِكُمْ لِأَوْلِيَائِكُمْ وَ أَعْدَائِكُمْ، وَ تَوَاسَوْا بِأَمْوَالِكُمْ، وَ تَحَابُّوا بِقُلُوبِكُمْ، وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ، وَ اجْتَمِعُوا عَلَى أَمْرِكُمْ، وَ لَا تُدْخِلُوا غِشّاً وَ لَا خِيَانَةً عَلَى أَحَدٍ، وَ لَا تَشُكُّوا بَعْدَ الْيَقِينِ، وَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدَ الْإِقْدَامِ جُبْناً، وَ لَا يُوَلِّ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَهْلَ مَوَدَّتِهِ قَفَاهُ، وَ لَا تَكُونَنَّ شَهْوَتُكُمْ فِي مَوَدَّةِ غَيْرِكُمْ وَ لَا مَوَدَّتُكُمْ فِيمَا سِوَاكُمْ، وَ لَا عَمَلُكُمْ لِغَيْرِ رَبِّكُمْ، وَ لَا إِيمَانُكُمْ وَ قَصْدُكُمْ لِغَيْرِ نَبِيِّكُمْ، وَ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ”.
ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَ أَوْلِيَاءَ رَسُولِهِ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ إِذَا قَالَ صَدَقَ، وَ إِذَا وَعَدَ وَفَى، وَ إِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّى، وَ إِذَا حُمِّلَ فِي الْحَقِّ احْتَمَلَ، وَ إِذَا سُئِلَ الْوَاجِبُ أَعْطَى، وَ إِذَا أُمِرَ بِالْحَقِّ فَعَلَ.
شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو عِلْمُهُ سَمْعَهُ، شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَمْدَحُ لَنَا مُعَيِّباً وَ لَا يُوَاصِلُ لَنَا مُبْغِضاً وَ لَا يُجَالِسُ لَنَا قَالِياً، إِنْ لَقِيَ مُؤْمِناً أَكْرَمَهُ وَ إِنْ لَقِيَ جَاهِلًا هَجَرَهُ.
شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ، وَ لَا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ، وَ لَا يَسْأَلُ أَحَداً إِلَّا مِنْ إِخْوَانِهِ وَ إِنْ مَاتَ جُوعاً.
شِيعَتُنَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا وَ فَارَقَ أَحِبَّتَهُ فِينَا وَ أَدْنَى الْبُعَدَاءَ فِي حُبِّنَا وَ أَبْعَدَ الْقُرَبَاءَ فِي بُغْضِنَا” .
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ شَهِدَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ؟!
فَقَالَ: “فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ، أُولَئِكَ الْخَفِيضُ عَيْشُهُمْ 2 الْقَرِيرَةُ أَعْيُنُهُمْ، إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَ إِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا، وَ إِنْ خَطَبُوا لَمْ يُزَوَّجُوا، وَ إِنْ وَرَدُوا طَرِيقاً تَنَكَّبُوا، وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً”.
قَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالْمُتَشَيِّعِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؟
فَقَالَ: “التَّمْحِيصُ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ تُفْنِيهِمْ وَ ضَغَائِنَ تُبِيدُهُمْ وَ اخْتِلَافٍ يَقْتُلُهُمُ، أَمَا وَ الَّذِي نَصَرَنَا بِأَيْدِي مَلَائِكَتِهِ لَا يَقْتُلُهُمُ اللَّهُ إِلَّا بِأَيْدِيهِمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالْإِقْرَارِ إِذَا حُدِّثْتُمْ، وَ بِالتَّصْدِيقِ إِذَا رَأَيْتُمْ، وَ تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّهَا تُقْصِيكُمْ3، وَ إِيَّاكُمْ أَنْ يَبْعَثَكُمْ قَبْلَ وَقْتِ الْأَجَلِ فَتُطَلَّ دِمَاؤُكُمْ وَ تَذْهَبَ أَنْفُسُكُمْ وَ يَذُمَّكُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكُمْ وَ تَصِيرُوا عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ، وَ إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ فِعْلًا مَنْ فَارَقَ أَهْلَ الدُّنْيَا مِنْ وَالِدٍ وَ وَلَدٍ، وَ وَالَى وَ وَازَرَ وَ نَاصَحَ وَ كَافَأَ إِخْوَانَهُ فِي اللَّهِ وَ إِنْ كَانَ حَبَشِيّاً أَوْ زِنْجِيّاً، وَ إِنْ كَانَ لَا يُبْعَثُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْوَدُ بَلْ يَرْجِعُونَ كَأَنَّهُمْ الْبَرَدُ قَدْ غُسِلُوا بِمَاءِ الْجِنَانِ وَ أَصَابُوا النَّعِيمَ الْمُقِيمَ وَ جَالَسُوا الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَ رَافَقُوا الْأَنْبِيَاءَ الْمُرْسَلِينَ، وَ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ عَبْدٍ شُرِّدَ وَ طُرِدَ فِي اللَّهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ.
شِيعَتُنَا الْمُنْذِرُونَ فِي الْأَرْضِ، سُرُجٌ وَ عَلَامَاتٌ وَ نُورٌ لِمَنْ طَلَبَ مَا طَلَبُوا وَ قَادَةٌ لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ مِمَّنِ ادَّعَى دَعْوَاهُمْ، سَكَنٌ لِمَنْ أَتَاهُمْ، لُطَفَاءُ بِمَنْ وَالاهُمْ، سُمَحَاءُ أَعِفَّاءُ رُحَمَاءُ فَذَلِكَ صِفَتُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
إِنَّ الرَّجُلَ الْعَالِمَ مِنْ شِيعَتِنَا إِذَا حَفِظَ لِسَانَهُ وَ طَابَ نَفْساً بِطَاعَةِ 4 أَوْلِيَائِهِ، وَ أَضْمَرَ الْمُكَايَدَةَ لِعَدُوِّهِ بِقَلْبِهِ وَ يَغْدُو حِينَ يَغْدُو وَ هُوَ عَارِفٌ بِعُيُوبِهِمْ وَ لَا يُبْدِي مَا فِي نَفْسِهِ لَهُمْ، يَنْظُرُ بِعَيْنِهِ إِلَى أَعْمَالِهِمُ الرَّدِيَّةِ وَ يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ مَسَاوِيَهُمْ وَ يَدْعُو بِلِسَانِهِ عَلَيْهِمْ، مُبْغِضُوهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ وَ مُحِبُّوهُمْ أَعْدَاؤُهُ “.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بَأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي فَمَا ثَوَابُ مَنْ وَصَفْتَ إِذَا كَانَ يُصْبِحُ آمِناً وَ يُمْسِي آمِناً وَ يَبِيتُ مَحْفُوظاً، فَمَا مَنْزِلَتُهُ وَ ثَوَابُهُ 5؟!
فَقَالَ: “تُؤْمَرُ السَّمَاءُ بِإِظْلَالِهِ، وَ الْأَرْضُ بِإِكْرَامِهِ، وَ النُّورُ بِبُرْهَانِهِ”.
قَالَ: فَمَا صِفَتُهُ فِي دُنْيَاهُ؟
قَالَ: “إِنْ سَأَلَ أُعْطِيَ، وَ إِنْ دَعَا أُجِيبَ، وَ إِنْ طَلَبَ أَدْرَكَ، وَ إِنْ نَصَرَ مَظْلُوماً عَزَّ” 6.
- 1. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام) ، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 2. الخفض: الراحة و السكون، يقال هو في خفض من العيش أي في سعة و راحة، و منه عيش خافض و عيش خفيض أي واسع. أنظر: مجمع البحرين: 4 / 202، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، المولود سنة: 979 هجرية بالنجف الأشرف/العراق، و المتوفى سنة: 1087 هجرية بالرماحية، و المدفون بالنجف الأشرف/العراق، الطبعة الثانية سنة: 1365 شمسية، مكتبة المرتضوي، طهران/إيران.
- 3. أى تُبعدكم.
- 4. و في نسخة: بطاعة اللّه و أوليائه.
- 5. و في نسخة زيادة : عند اللّه.
- 6. دعائم الإسلام (و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام): 64 ، لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن احمد بن حَیُّون المغربي، المتوفى سنة: 363 هجرية، الطبعة الثانية سنة: 1427 هجرية، مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) قم/إيران.