بالقدر الذي تنفرج فيه أساريرك أيام الحج بالقرب من الله سبحانه، ومشاهدتك للطائفين والساعين وهم يتقربون إليه بالابتهال والدعاء، والمضي في طريق الوصول إليه حتى في المستحبات، فانه ينتابك العجب العجاب من ابتعاد قسم لا بأس به من الحجاج عن الإنسان ونسيانه بل واضطهاده وإيذائه.
كنت اقترب أحياناً من الحجر الأسود فأفرح بالتسارع الذي يبديه المسلمون للوصول إلى الحجر ومصافحته وتقبيله، لكني كنت أصاب بالأسى حين أرى امرأة أو شيخاً أو شابة تضيق أنفاسها تحت السواعد المفتولة، التي تريد الوصول إلى الحجر الأسود للسلام، ويضيع بمسمع ومرأى منها ذلك الإنسان الذي فضله الله وكرمه وأعلى مكانه وقدره.
فهل يكره المسلم المسلم؟ وهل يود له الموت؟ وهل يعجبه إيذاؤه؟ كلا وألف كلا، ولكنها الثقافة التي عشناها فألفتها أذهاننا وقبلتها أرواحنا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من سلوكنا.
ثقافة إهمال الإنسان والتنكر لقيمته وكرامته ومكانته التي رسخت في كل التشريعات والتعاليم الإلهية – التي كرمته وأعلت قدره – ثقافة مريضة تحتاج المزيد من الجهد والصياغة كي نعالج هذا السلوك الموتور بيننا نحن البشر المتدينين (وللأسف الشديد) وبين من يشاركنا البشرية بل ويشاركنا الدين.
تلك الصورة التي نقلتها في تقبل الحجر تجدها حاضرة في الطواف، وماثلة في رمي الجمار، وواضحة في استدارات تغير اتجاه السعي الذي تحركت فيه هاجر سبعة أشواط بين جبليه – الصفا والمروة – كل ذلك كان سعيا منها لتنقذ حياة إنسان كان صراخه يشتد، وروحه توشك أن تغادره طمعا في القليل من الماء.
كما أن الذين لقوا حتفهم وهم يطوفون حول البيت في اليوم العاشر، ما كان ذلك فقط بسبب التزاحم كما أظن، بل بسبب تعاملنا مع بعضنا حين التزاحم، واعتقد أن الكثير من الحجيج يشاركني هذا الرأي.
قلت لأحد الحجاج من جنسية عربية ونحن في السعي بين الصفا والمروة بعد أن بدأ التزاحم يكتم الأنفاس على جبل الصفا إن بإمكانك أن تأتي بالسعي في وقت آخر وأنت مرتاح الأعصاب بدل أن تسعى بهذا التوتر الشديد الذي ألحظه عليك في تعاملك مع بقية الحجيج، قلت له هذا الكلام وأنا أحاول التبسم معه في حديث أخوي وودي كي لا تنعكس عليّ بعض تصرفاته، فأجابني أود الإسراع كي انتهي من واجباتي واخلص.
عدم انعكاس الحالة الدينية وأداء الواجبات التي بيننا وبين الله على العلاقة مع الإنسان، نلحظه جليا في أسرنا وعوائلنا ومجتمعنا حين نرى بعض التصرفات المضرة والمخزية من المتدينين تجاه أسرهم وعوائلهم وزملائهم في العمل والتجارة والحياة.
هذا الانفصال متكرس ومتجدر، ويكاد المراقب يلحظه ويشهد انعكاساته في نواحي شتى من الحياة وفي تفاصيل لا تفوت من يشعر أن دينه وتقواه ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتعامله مع الناس.
ربما نحن بحاجة إلى زمن مديد، أو إلى ثقافة بديلة، أو إلى قراءة أخرى لعباداتنا وأورادنا بحيث تصبح عباداتنا هي جسر الامن والمحبة والكرامة للإنسان1.
1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار و المقالة منشورة في صحيفة الوسط البحرينية 22 / 11 / 2010م – 3:45 ص – العدد 2999.