الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَا قَالَ النَّاسُ لِشَيْءٍ طُوبَى لَه، إِلَّا وقَدْ خَبَأَ لَه الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ)[1].
إن أغلب الناس ينظرون إلى من أنعم الله عليه من مال وبنين وجاه، فيقولن طوبى لفلان على هذه النعم وهذه الرفاهية ليت لنا مثل ما أوتي فلان، ولكن سرعان ما أن تمضي الأيام والشهور وإذا بهذا الإنسان المحسود بالأمس يصبح عبرة لكل من تمنى مكانه وقد حدث سبحانه وتعالى عن قارون بقوله:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[2].
إن من عميت عيناه ينظر الى ظاهر الحياة الدنيا، أما أهل العلم والمعرفة لهم نظرة عميقة كأنهم يرون المستقبل ومثل هؤلاء قليل جداً، أما عامة الناس فإنهم يريدون زينة الحياة الدنيا وإن كانت هذه الزينة فانية، قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[3]، أي لا يتفكرون ما بعد الحياة الدنيا لذا ظل سعيهم فيها.
وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) حال الدنيا واجتماع الناس عليها بحكمة قال فيها: (فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وجُوعُهَا طَوِيلٌ)[4].
وقد عمَّر قبل قارون أقوام حتى طال بهم العمر ولكنهم ماتوا كذلك بعد قارون وفرعون كم من الجبابرة والمتكبرين الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا هل لهم من أثر وهل بقى منهم شيء يذكر غير العضة.
فمن مواعظه (صلوات الله وسلامه عليه) لابن مسعود قال له: (يا ابن مسعود: ما ينفع من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[5]، يبنون الدور ويشيدون القصور ويزخرفون المساجد، ليست همتهم إلا الدنيا عاكفون عليها معتمدون فيها، آلهتهم بطونهم، قال الله تعالى: { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }[6]. وقال الله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } إلى قوله: { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }[7]، وما هو إلا منافق، جعل دينه هواه وإلهه بطنه، كل ما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه، قال الله تعالى: { وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ }[8] .
يا ابن مسعود: محاريبهم نساؤهم وشرفهم الدراهم والدنانير، وهمتهم بطونهم، أولئك هم شر الأشرار، الفتنة منهم وإليهم تعود.
يا ابن مسعود: اقرأ قول الله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ }[9]، يا ابن مسعود: أجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع…)[10].
وختاما: نسأل الله حسن العاقبة وأن يوفقنا لعمل الخير، ويجعلنا من الذين يطلبون الآخرة بعمل الدنيا إنه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] – نهج البلاغة، حكمة 277.
[2] – سورة القصص: 79 – 82.
[3] – سورة الروم: 7.
[4] – نهج البلاغة: خطبة 201.
[5] – سورة الروم: 7.
[6] – سورة الشعراء: 129 – 131.
[7] – سورة الجاثية: 23.
[8] – سورة الرعد: 26.
[9] – سورة الشعراء: 205 – 207.
[10] – مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص449.
المصدر: http://inahj.org