الباحث: عمار الخزاعي
عندما آلت أمور الخلافة وقيادة المسلمين إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد مقتل عثمان بن عفان التفَّ حول لوائه جُلُّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين عُرفوا بالتقوى وسلامة العقيدة، وقد تمَّت له البيعة العامة في المدينة المنورة، ولم يكن (عليه السلام) راغباً بالإمرة والحكم أو ساعياً لهما، وإنَّما توافد عليه عامَّة المسلمين بكافة أصنافهم يبايعونه بالخلافة والإمرة، وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) مشهد البيعة فقال: ((فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ))([1]).
ورغم ذلك فأمير المؤمنين (عليه السلام) لم يستجب لهم في بادئ الأمر فأكدوا عليه مراراً، وبعد الإلحاح عليه أوضح لهم سياسته في الحكم مخيِّراً بين حكمه إيَّاهم أو وزارته لهم، وكذلك كشف لهم معطيات واقعهم المعاصر التي تُنذر بكثير من الحوادث الصعبة، وذلك بقوله (عليه السلام): ((دَعُوني وَالْـتَمِسُوا غَيْرِي; فإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ; لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ، وَإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالْـمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ، وَاعْلَمُوا أَنِّي إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً))([2])
ومع هذا فإنَّ المسلمين أصرُّوا عليه بقبول بيعتهم له، وتسلُّمه لمقاليد حكمهم، ولمَّا قام بالأمر وساس الناس بما يُرضي الله تعالى، فساوى بينهم بالعطاء وحكَّم العدل في كلِّ أمورهم، ولم يفضِّل بعضهم على بعض، فكانوا عنده سواسية بكلِّ ألوانهم وأشكالهم وأطيافهم .
وهذه السياسة وإن كانت منصفة للشريحة العظمى من المجتمع إلَّا أنَّها لم تكن مرضية أبداً لأصحاب المصالح والمطامع وطلَّاب الدنيا، فصاروا يتشاورون فيما بينهم في إيجاد وسيلةً يخرجون بها من حكم العدل هذا، وقد وجدوا لهم في قميص عثمان الذي ساهموا في قتله بالأمس وسيلة ومنفذاً للوصول إلى غاياتهم في السلطة والتحكُّم برقاب الناس، فانبرى الزبير وطلحة وعائشة ومعاوية ينادون بالثأر لدم عثمان، وتناسوا أنَّهم ساهموا جميعاً في قتله .
وبعد الإنذار والإعذار قرر محاربة أهل البغي الذين خرجوا عليه، وقد حدثت نتيجة ذلك ثلاث معارك راح ضحيتها آلاف المسلمين، وما يهمنا في هذا المقال هو ضحايا معركة صفّيِن التي راح ضحيتها بسبب تمرُّد معاوية وحزبه ستون ألفاً([3])، وقيل: سبعون ألفاً([4])، وقِيلَ: تِسْعُونَ أَلفًا([5]) من كلا الطرفين، وقد وصف بعضهم حال القتلى فقال: ((فلقد بلغني أنه كان يُدفن في القبر خمسون إنساناً. قال معمر: فلقد رأيتها مدّ البصر، يعني قبورهم))([6]).
وكان من جملة المقتولين في هذه المعركة خمسة وعشرون بدرياً([7])، وثلاث وستون من أصحاب بيعة الرضوان منهم عمَّار بن ياسر (رضوان الله عليه)([8])، وقُتل في هذه المعركة أويس القرني، وهو من التابعين الذين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجنة([9])، وهؤلاء جميعاً كانوا في صفِّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقتلهم أصحاب معاوية بن أبي سفيان، ومن جملة أولئك الصحابة (وفي مقدمتهم البدريون)([10]):
1. ثابت بن عبيد الأنصاري بدري .
2. خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الأنصاري الأوسي بدري .
3. عمَّار بن ياسر بدري
4. أبو الهيثم مالك بن التيهان البلوي بدري .
5. أبو عمرة بشر بن عمرو بن محصن الأنصاري بدري.
6. أبو فضالة الأنصاري بدري .
7. جارية بن زيد
8. حازم بن أبي حازم الأحمسي .
9. زبيد بن عبد الخولاني شهد صفين مع معاوية وكانت معه الراية فلما قتل عمار تحول إلى عسكر علي عليه السلام أخذا بقوله صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية .
10. سعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري .
11. سهيل بن عمرو الأنصاري .
12. صفر بن عمرو بن محصن .
13. عائذ بن سعيد بن زيد بن جندب المحاربي الجسري .
14. عبد الله الأسلمي
15. عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي .
16. عبد الله بن كعب المرادي .
17. عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعي .
18. عبد الرحمن بن حسل الجمحي .
19. عروة بن مالك الأسلمي .
20. الفاكه بن سعد بن جبير الأنصاري الأوسي الخطمي .
21. قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي .
22. محمد بن بديل بن ورقاء الخزاعي .
23. محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي يقال : قتل بصفين .
24. منقذ بن مالك الأسلمي .
25. المهاجر بن خالد بن المخزومي .
26. هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال . كان صاحب الراية .
27. يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحرث التميمي الحنظلي . يقال : إنَّه قتل بصفين .
28. أبو شمر بن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري ثم الأبرهي .
وهذه الثلة المؤمنة قد صدقت بما عاهدت الله تعالى عليه فلازمة رسوله (صلى الله عليه وآله) ودافعت عن الإسلام، ثمَّ تابعت ولاءها مع الوصي فكانت له خير ناصر ومعينة، وختاماً أضع القارئ الكريم أمام سؤال مهم ومحوري، وهو أنَّ هذه الدماء الزكية من كان المسؤول في إراقتها؟ ولمن كانت المصلحة في ذلك؟.
أسأل الله تعالى أن يعيننا وإيَّاكم على اتِّباع الحق وأهله ….
الهوامش:
([1])نهج البلاغة :
([2])نهج البلاغة :
([3])ينظر: تاريخ خليفة بن خياط: 1/196 ، تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي: 10/172.
([4])ينظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3/545، بغية الطلب في تاريخ حلب: 1/311
([5])ينظر: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 2/571
([6])بغية الطلب في تاريخ حلب: 1/312 .
([7])ينظر: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 2/573، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3/542، سير أعلام النبلاء: 2/520.
([8])ينظر: تاريخ خليفة بن خياط: 1/196 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/1138 ، سير أعلام النبلاء: 2/526 ، الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة:2/259
([9])ينظر: بغية الطلب في تاريخ حلب: 1/312.
([10])ينظر: الغدير، العلامة الأميني: 9/362.
المصدر: http://inahj.org