بسم الله الرحمن الرحيم
صحيح أنه يستحب للمرء أن يكون لديه دارٌ وسيعة ٌ يرتاح اليها، ويستضيف إخوانه فيها، ولكن التفاخر بها، على إخواننا وأهلنا وأحبائنا، منهي عنه، فاستحباب سعة المنزل شئ، واتخاذه للتكبر شيء آخر.
البناء للرياء
فتملّك مسكن أو منزل مريح نسبياً أمر طبيعي وحق للجميع, لا ملامة فيه.
أما المبالغة في بناء المساكن والمنازل والتي أصبحت مرضاً شائعاً فأمر لا بدّ من التوقف عنده، ويظهر هذا: في شكل المنازل ومظهرها وموادها وزينتها وداخلها وخارجها وسقفها ومطبخها وباحاتها وملحقاتها.
والعمارة الإسلامية تاريخياً كانت تهتم بالموقع والإطلالة ومطالع الشمس وحركة الريح والزرع والمياه وجملة أمور تسّمى ” بيئية “… وتحرص على الراحة والبساطة.
نرى ذلك واضحاً في البيوت الأندلسية والمغربية والشامية والإيرانية وبعض الحواضر الإسلامية الأخرى.
أما منازل اليوم فكثير منها يكلّف في كمالياته وتزويقاته بقدر كلفة منزل كامل فضلاً عن حب التباهي والتفاخر والغيرة والتنافس في ما لا ينبغي أن يكون في مجتمع المسلمين.
كراهية تشييد الأبنية، بقصد الشهرة والسمعة
من هنا، كانت كراهية تشييد الأبنية، بقصد الشهرة والرياء والسمعة، وفوق الحاجة الفعلية والواقعية، واستحباب الإقتصار على الكفاف واللازم فقط.
إن ما نراه اليوم من حولنا من التجبر والتفاخر وحب المظاهر خطير جدا!
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “ومن بنى بنياناً رياء وسمعة، حمله الله يوم القيامة من الأرض السابعة، وهو نارٌ يشتعل منه، ثم يطوق في عنقه، ويلقى في النار، فلا يحبسه شيء منها دون قعرها، إلا أن يتوب “.
قيل: يا رسول الله كيف يبني رياءً وسمعة؟ فقال: “يبني فضلا ً على ما يكفيه (أي زيادة على ما يكفيه) استطالة به على جيرانه، ومباهاة لإخوانه”.
وعن الصادق (ع): قال:” كل بناء ليس بكفاف، فهو وبال على صاحبه يوم القيامة”.
وعنه (ع) قال: “إن الله عز وجل، وكل مَلََكاً بالبناء، يقول لمن رفع سقفاً فوق ثمانية أذرع: أين تريد يا فاسق”.
ويروى أن أمير المؤمنين(ع) مرَّ بباب رجل قد بناه من حجارة فخمة، بالنسبة لزمانه، فقال: “لمن هذا الباب؟” فقيل: المغرور الفلاني”، ثم مرَّ بباب آخر، قد بناه صاحبُه بنفس تلك الفخامة، فقال: “هذا مغرور آخر”.
وعن الصادق (ع) قال: “من بنى فوق ما يسكنه، كُلف حمله يوم القيامة”.
وليمة المنزل الجديد
ويُستحب لمن بنى مسكناً، أن يصنع وليمة، ويذبح كبشاً سميناً، ويطعم لحمه المساكين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “من بنى مسكناً، فذبح كبشاً سمينا، وأطعم لحمه المساكين، ثم قال: اللهم ادحر عني مردة الجن والإنس والشياطين، وبارك لي في بنائي، أعطي ما سأل”.
استحباب المصلى في المنزل للتعبد وقراءة القرآن
ومما لا شك فيه أنَّ الصلاة في المساجد مستحبٌ مؤكد، وفيه ثواب عظيم… ، لكن يستحب للمرء أن يتخذ في منزله، مكاناً خاصاً للصلاة والقيام، والتهجد والتضرع، والتوجه والعبادة وأن يكون في المنزل مكان قد جعل للعبادة خاصة، وأن تكون مساحته لا هي بالكبيرة ولا هي بالصغيرة.. فعلى الأخوة المؤمنين الكرام، أن يعملوا لذلك، خاصةً مَنْ كانت داره واسعةً، أو كان في صدد إنشاء داره وتعميرها، أو كان هناك مجالٌ لذلك.
رُوى عن الصادق(ع) قوله:” اتخذ مسجداً في بيتك “.
وعنه (ع) قال:” إن البيوت التي يصلَّى فيها بالليل، بتلاوة القرآن، تُضيءُ لأهل السماء، كما تُضئُ نجوم السماء لأهل الأرض”.
ولعلَّ الفائدة المتوخاة من جعل مُصلَّى في البيت لا تخفى على المتأمل، حيث إنه يكون خالياً من الزينة، والملاهي والألوان، وما قد يشغل الإنسان عن عبادته، إضافةً لكونه الأطهر من غيره، من جهات المنزل الأخرى، ويكون فيه ما يحتاجه للصلاة والعبادة، من سجادة ومصحف، وكتاب دعاءٍ، وسبحة، وغيرها من الحاجيات الأخرى.
فقد اتخذ أمير المؤمنين، عليٌ (ع)، غرفة خاصةً في داره، ليست هي بالكبيرة ولا بالصغيرة، فكان إذا أراد أن يصلي، من آخر الليل، أخذ معه صبياً لا يحتشم منه، ثم يذهب إلى ذلك البيت فيصلي.
وعلق الحرب العاملي، رضوان الله عليه، على اصطحاب علي(ع) للصبي، بكراهة أن يخلو الإنسان في بيت وحده، وروي عن الإمام الصادق (ع) :” كان لعلي(ع) بيتٌ ليس شيءٌ إلا فراشٌ وسيفٌ ومصحفٌ، وكان يُصلي فيه “.
ويُلاحَظ، في هذه الرواية، احتفاظُ علي(ع) بالسيف، تماماً كاحتفاظه بالمصحف في مُصلاه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته الطويلة لأبي ذر: “… يا أبا ذر، إنّ الصلاة تَفْضل في السر على العلانية، كفضلِ الفريضة على النافلة، يا أبا ذر، ما يتقربُ العبد الى الله بشئ أفضل من السجود الخفي، يا أبا ذر، أذكر الله ذكراً خاملاً”.
قال أبو ذر: قلتُ:” وما الذكر الخامل “، قال صلى الله عليه وآله وسلم : “الخفي”!
وتابع صلى الله عليه وآله وسلم “… يا أبا ذر، إنَّ ربك يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل يُصبْحُ في أرض قفر، فيؤذِّن ثم يقيم ثم يصلي، فيقول ربك عز وجل للملائكة: أنظروا الى عبدي يصلي، ولا يراه أحدٌ غيري، فينزلُ سبعون ألفَ ملك، يصلون وراءه، ويستغفرون له الى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل يصلي وحده، فسجد، ونام وهو ساجد، فيقول الله تعالى: انظروا الى عبدي، روحه عندي، وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف، ففر أصحابه، وثبت هو، يقاتل حتى قُتل”.
تجنب تصاوير ذوات الأرواح
سواء أكان إنسانًا أم حيوانًا أم طيرًا…
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :” من مثل تمثالا فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ ”.
قال رسول الله صلى الله عليه آله: أتاني جبرئيل وقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت، قال أبوبصير: فقلت: ما تزويق البيوت؟ فقال: تصاوير التماثيل.
وفي رواية عن أميرالمؤمنين عليه السلام بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في ….كسر الصور.
قال أبوعبدالله عليه السلام: ثلاثة معذبون يوم القيامة رجل كذب في رؤياه يكلف أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما، ورجل صور تماثيل يكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ….
النظر إلى الدُّور
ومن جهة أخرى وعلى كل حال، مَنْ قدِّر له أن يسكن بناءً عالياً، كما هو حال أكثرنا اليوم في العمارات العالية والبنايات المرتفعة، فلا ينظرنَّ إلى سكان البيوت التي تحيط به، فإن في ذلك بلاءً عظيماً، وفتنة ً لا تحمد عقباها، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطَّلعَ الرجل في بيت جاره1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله).