الإخلاص: هو العمل الخالص من الشوائب كلّها كثيرها وقليلها، فالعبد المُخلص هو من يعمل لقصد التَّقرُّب لله عزّ وجلّ لا لغيره.
فلو تصدّق أحدهم لفقير بقصد الشهرة أو غيرها ولم يكن لله فعمله يذهب أدراج الريح وذلك لخلوه من خلاص القصد لله تعالى وقد تضافرت الآيات والروايات الشريفة عن النّبيّ وأهل البيت عليهم السلام تبيّن هذا الأمر منها قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) فهكذا يوم القيامة يأتي أناس أعمالهم كالجبال من الأعمال الخيرية لكن النتيجة أن تلك الأعمال لا تشفع ولا تنفع لأنّها لم تكن خالصة لوجه الله بل للمدح والرياء والسمعة مثلاً، وهل هنالك خسران أعظم من هذا الخسران فهم لم يعملوا ذلك لله وحده فيقول لهم الخالق خذوا ثوابكم من الذي كنتم تعملون له.
وعندما نسأل رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) عن معنى الإخلاص فإننا سنسمع ما روي عنه في هذا الباب حيث قال (صلى الله عليه واله وسلم): إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً لأنّه لا يُقبل من عباده الأعمال إلا ما كان خالصاً).
(البحار ج74 ص 105 ح1).
وبغض النظر عن كثير العمل وقليله ففي كل عمل ينبغي أن يكون الله هو المَقْصَد والمبتغى وأن يكون القرب منه عزّ وجلّ هو الهدف فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) في معرض تفسير قوله تعالى:}لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا{، قال(عليه السلام): (لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلًا وَلَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّمَا الْإِصَابَةُ خَشْيَةُ اللَّهِ وَالنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ وَالْحَسَنَةُ ثُمَّ قَالَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَل).
(الكافي ج 2ص 16) .
كما أشارتْ الرواية إلى موضوع في غاية الأهمية وهو ترك مدح المادحين لأنّ الأهمّ هو حبّ الله لذلك العمل والإفضال والإنعام عليه وغير ذلك هو زائل.
وهنالك عدد من الروايات الشريفة التي بيّنت سُبُل فعل الخير واتصافه بالإخلاص منها ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) أنّ رجلًا قال يا رسول الله إنّا نعطي أموالنا التماس الذكر فهل لنا من أجر؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) (لا)، قال يا رسول الله إنّا نعطي التماس الأجر والذكر فهل لنا أجر فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) إنّ الله تعالى لا يقبل إلّا من أخلص له ثم تلا رسول الله (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)
فالإنسان المخلص هو من قطع الطمع بالدنيا وتجرّد منها وتعلّق بالآخرة وسعى لها سعيها فالإخلاص من دواعي الاستقامة ولابدّ للمخلص من مخالفة الهوى والانتصار على النفس الأمارة بالسوء ومثل هذا المعنى واضح في كلامه(صلى الله عليه واله وسلم) وهو يبيّن حقيقة الإخلاص قائلاً:(هو أن تقول ربي الله ثم تستقيم كما أمرت، تعمل لله، لا تحب أن تحمد عليه! أي لا تعبد هواك ونفسك، ولا تعبد إلا ربك، وتستقيم في عبادتك كما أمرت).
وهنالك طرائق عديدة تؤدي إلى الإخلاص وتوصل له لعلّ من أهمها هي معرفة الله وإدراك نعمه الكبيرة وفضله العظيم فالمعرفة توصل إلى أعالي مراتب الإخلاص وما سيرة المعصومين (عليهم السلام) إلا خيرُ دليلٍ على هذا القول فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يناجي ربه قائلاً (إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك وإنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك) وهو يشير إلى أن دافع العبادة لم يكن الخوف أو الطمع ولكن إدراك الفضل والعظمة الإلهيّة.
ومن نتائج الإخلاص عزّة المخلص وقوته وثباته أمام كل المخاطر والصعاب باتكاله على الله عزّ وجل وتفويض الأمر له جل جلاله كذلك فالإخلاص ينقّي النفس ويخلصها من الأمراض والشوائب النفسية فيكون صاحبها من المخلَصين وهذا ما أشارت له العديد من الآيات والروايات منها قوله تعالى على لسان إبليس عليه اللعنة قائلاً }لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ (ص 82-83)، فهنا يقف الشيطان عاجزاً بلا حول ولا قوة أمام من نقّى نفسه واستعان بالله تعالى وأخلص له، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال عن المخلص (إِذَا كَانَ مُخْلِصاً لِلَّهِ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى هَوَامَّ الْأَرْضِ وَسِبَاعَهَا وَطَيْرَ السَّمَاء) بل الإخلاص مدعاة للثبات وخير شاهد على هذا الأمر ثبات أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) يوم العاشر من محرم الحرام وكذلك ثبات الأحرار في كل زمان ومكان ومنها زماننا وحاضر فثبات المؤمنون وتضحياتهم لم تكن لتكون إلا لإخلاص نياتهم وتوجههم لله عز وجل.
علي حسين علي