روى الكليني في الكافي عن أحمد بن محمد، رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يكره السواد إلا في ثلاث: الخف، والعمامة، والكساء» (رواه عنه صاحب الوسائل (ج 3 ص 278) حديث (1)، وانظر: «فروع الكافي» للكليني (6 / 449).). وعنه أيضاً في كتاب الزي، مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف، والكساء، والعمامة» (رواه في الكافي (ج 2 ص 205) باب لبس السواد من طبع طهران سنة 1315هـ إلا أن فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره السواد إلا في ثلاث، وتقديم العمامة على الكساء.). وروى الحر العاملي في وسائله، عن الصدوق، عن محمد بن سليمان مرسلاً، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال ـ قلت له: «أصلي في القلنسوة السوداء؟! قال: لا تصل فيها، فإنها لباس أهل النار» (رواه في الوسائل (ج 3 ص 281 باب 20 حديث 3 من أبواب لباس المصلي)، والصدوق في الفقيه (2 / 232): قال: وسئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصل فيها فإنها من لباس أهل النار. وانظر: «وسائل الشيعة» (3 / 281).). وروى أيضاً عن الصدوق في الفقيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام مرسلاً، وفي العلل والخصال، كما في الوسائل عنه «عليه السلام» مسنداً: أنه قال لأصحابه: لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. وروى أيضاً بإسناده كما في الوسائل عن حذيفة بن منصور قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه، فدعى بممطرة، والممطرة ثوب من صوف يلبس في المطر يتوقي به من المطر كما في اللسان (رواه في من لا يحضره الفقيه (ج1 ص251)، ونقله عنه صاحب الوسائل في (ج 3 ص 278) من أبواب لباس المصلي. والرواية الثانية في الوسائل في (ج 3 ص 279 حديث 7 من أبواب لباس المصلي)، ورواه الفقيه في (ج2 ص252) والكافي (ج2 ص205).). بل وردت بعض الأخبار عندهم تبين أن السواد من زي بني العباس أعدائهم: مثل ما روي عن الصدوق في الفقيه مرسلا أنه قال: روي أن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه قباء أسود ومنطقة فيها خنجر. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل ما هذا الزي؟! فقال: زي ولد عمك العباس. فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العباس، فقال: يا عم ويل لولدي من ولدك. فقال: يا رسول الله أفأَجُبُّ نفسي؟! قال صلى الله عليه وآله وسلم: جرى القلم بما فيه. والظاهر: أن المراد بأهل النار في بعض مامر من الأخبار هم المعذبون بها المخلدون فيها يوم القيامة، وهم فرعون ومن حذا حذوه واحتذى مثاله، ونحوه من الفرق الطاغية الباغية من أشباه الخلفاء العباسية وغيرهم من كفرة هذه الأمة المرحومة، والأمم السابقة الذين اتخذوا السواد ملابس لهم (أو في العلل والخصال كما في الوسائل، ورواه في الفقيه (ج 2 ص 252).). ومن ذلك ما روي عن الصدوق في الفقيه، بإسناده عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق عليه السلام أنه قال: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه عليهم السلام: قل للمؤمنين: لا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (رواه الفقيه (ج1 ص252)، وانظر: «وسائل الشيعة» (4 / 384)، و«بحار الأنوار» (2 / 291)، (28 / 48).). وقال في كتاب عيون الأخبار، على ما في الحدائق بعد نقل الخبر بسند آخر عن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نقلا عن المصنف «رضي الله عنه»: أن لباس الأعداء هو السواد، ومطاعم الأعداء: النبيذ، والمسكر، والفقاع، والطين، والجرى من السمك، والمارماهي، والزمير، والطافي، وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب.. إلى أن قال: ومسالك الأعداء مواضع التهمة، ومجالس شرب الخمر، والمجالس التي فيها الملاهي، والمجالس التي تعاب فيها الأئمة عليهم السلام والمؤمنون، ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى ملخصاً (ذكر ذلك في (1 / 26) من عيون الأخبار.). وبعد هذه الأخبار الكثيرة في ذم الأئمة للسواد، وأنه لباس أعداء الشيعة: لماذا يلبس الشيعة السواد ويعظمونه، ويجعلونه لباس الأسياد؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فيرجى ملاحظة الأمور التالية:
أولاً: ذكرنا في الإجابة على السؤال رقم 12: أن المنهي عنه هو اتخاذ الإنسان السواد زياً رسمياً، يعتز ويتباهى به.. كما كان زياً رسمياً لفرعون..
وأما التعامل معه بصورة عادية كما يتعامل مع سائر الألوان، فلا ضير ولا كراهة فيه..
ثانياً: إن الأحاديث الناهية عن لبس السواد، لأنه زي بني العباس، والنهي عن التشبه بهم، تدلُّ على ما قلناه، أي أن لا يكون السواد شعارهم، وزيهم الرسمي الذي يميزون به أنفسهم عما عداهم..
فالنهي إنما هو عن لبس السواد بهذا النحو المظهر للتأييد لهم والكون مع بني العباس، وفي حزبهم.
أما إذا تجرد لبس السواد عن هذه المعاني، فهو كغيره من سائر الألوان، فلا مانع من لبسه إظهاراً للحزن على عزيز، أو على رسول الله « صلى الله عليه وآله »، أو على حبيب لله، أو قريب، فليس في لبسه حزازة في مثل هذا الحال..
ثالثاً: بالنسبة لحديث: لا تلبسوا ملابس أعدائي نقول:
إنه يؤيد ما ذكرناه أيضاً، فإن التشبه بأعداء الله تعالى، والظهور بمظهرهم، والكون في حزبهم مما لا يرضاه الله ورسوله لعباده المؤمنين.
رابعاً: ما ذكره الصدوق «رحمه الله»، من أن لباس الأعداء هو السواد، وطعامهم النبيذ، نقول:
المقصود بالأعداء: بنو العباس، والجبابرة الظالمون، والفسقة العاصون..
خامساً: ليس في النصوص التي ذكرها السائل: أن السواد لباس أعداء الشيعة كما ورد في كلامه، بل فيها: أنه لباس فرعون، وبني العباس الذين ظلموا أهل البيت«عليهم السلام»، فإن كان هذا هو مقصود السائل، فلا بأس..
سادساً: بالنسبة لقول السائل: عن السواد لباس السياد نقول:
إن الأسياد إنما يلبسون العمامة السوداء، وقد ذكر هو نفسه الأحاديث المصرحة بعدم كراهة لبس العمامة السوداء، فكيف إذا كان ذلك إظهاراً للحزن على ما جرى على الحسين «عليه السلام» سبط الرسول «صلى الله عليه وآله» من رزايا وفجائع.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 1.
1. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (43).