يتميز الصوم من بين سائر العبادات بأنه متقوّم بترك أشياء معينة لمدة معينة كل يوم تبدأ من “طلوع الفجر الصادق” وتنتهي بـ”الغروب الشرعي” الذي يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، فإذا ترك الصائم الأشياء التي سنذكرها مع توافر الشروط العامة والخاصة لوجوب الصوم يقع الصوم صحيحاً ومبرءاً للذمة بنحو لا يجب معه على الإنسان القضاء.
ولا بد من التنبيه هنا إلى أن ارتكاب أحد المفطرات التي سنذكرها بنحو السهو والنسيان لا يُبطلُ الصوم ولا يُوجِبُ الإعادة، فلو أكل الصائم أو شرب نسياناً فإن صومه يبقى صحيحاً، والسبب في ذلك أن بطلان الصوم متوقف على أن يتعمد الإنسان فعل أحد المفطرات، ومع كون الإنسان ناسياً لا يصدق عليه التعمد، إذ لو التفت الناسي وتذكر أنه صائم لما كان فعل ما فعل من أكلٍ أو شربٍ مثلاً.
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن صحة الصوم هو مرتبة غير مرتبة القبول، لأن القبول متوقف على الامتناع لا عن المفطرات المعروفة المبطلة للصوم، بل متوقف إضافة إلى ذلك على الامتناع عن ارتكاب أي ذنبٍ ولو لم يكن مفطراً عند الفقهاء، ولذا ورد في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن قبول الصوم هو المطابق للمواصفات التالية (… من صام نهاره وقام ورداً – قسماً – من يليه، وعفَّ بطنه وفرجه، وكفَّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر…)، وأن قبوله هو الذي ينبغي أن يوافق قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه (وأعنَّا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك حتى لا نصغى بأسماعنا إلى لغو ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور…) – الصحيفة السجادية – الدعاء 44 -.
وأما المفطرات المعروفة فهي التالية:
أولاً وثانياً: الأكل والشرب: المعتادان كالخبز والماء أو غير المعتادين كالحجر والمازوت مثلاً ولو كان المقدار قليلاً جداً فضلاً عما لو كان عادياً متعارفاً، ولو فرضنا أن إنساناً أوصل الماء إلى بطنه عن غير طريق الفم كالأنف مثلاً أو عبر “أكياس المصل” فهذا يعتبر من المفطرات أيضاً.
ثالثاً: الجماع: وهو مفطر في كل الحالات ذكراً كان الموطوء أو أنثى، إنساناً أو حيواناً، قُبُلاً أو دُبُراً، صغيراً أو كبيراً، واطئاً كان الصائم أو موطوءاً، ومفطرية الجماع لا تتوقف على إخراج السائل والإنزال، بل لو دخل مقدار الحشفة كان ذلك كافياً للحكم ببطلان الصوم، ولذا كانت مسألة مداعبة النساء لمساً وتقبيلاً وغير ذلك مكروه في نهار الصوم لمنافاة ذلك للجو المفروض أن يعيشه الصائم الممتنع عن مباهج الحياة الدنيا المباحة أثناء صومه.
رابعاً: إنزال المني بالاستمناء أو بغيره كالملامسة والتقبيل والمداعبة وكل فعل من هذا القبيل يقوم به إنسان رجلاً كان أو امرأة بقصد حصول الإنزال والوصول إلى حالة النشوة، بل لو كان يعلم شخصٌ ما بأنه إذا قارب زوجته مثلاً بملامسة أو مداعبة أو تقبيل يؤدي به إلى إنزال المني فإن هذا يعتبر من الإفطار العمدي فيما لو حصل الإنزال فعلاً، وسبب كون هذا الفعل هو إفطار عمدي لأن الإنسان اختار فعل السبب المؤدي للإنزال اختياراً من دون اضطرار إلى فعل المداعبة الذي أدى إلى حصول حالة الإنزال والجنابة. أما إذا كان الشخص لا يعلم عادة من وضعه بالوصول إلى حالة الإنزال ولكن أنزل صدفة وبشكل قهري لا إرادي فلا شيء عليه ويبقى صومه صحيحاً.
خامساً: تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر: وهذه الحالة لها صور عديدة هي التالية:
– أن يجنب ليلاً ويتعمد البقاء على الجنابة من دون نية الاستيقاظ والاغتسال قبل الفجر، فهذا من نوع الإفطار العمدي الموجب للكفارة.
– أن يجنب ليلاً لكنه ينام بنية الاستيقاظ والاغتسال قبل الفجر، لكنه بقي نائماً حتى ما بعد طلوع الفجر دفعة واحدة فهنا يصح صومه وعليه الاغتسال للصلاة وهذه الصورة هي – النوم الأول – أن يجنب ليلاً ولكنه ينام بنية الاستيقاظ والاغتسال قبل الفجر، لكنه بعد النوم استيقظ أول مرة ولم يغتسل، ثم نام مرة ثانية ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، ففي هذه الصورة يجب عليه البقاء على الإمساك طوال النهار مع قضاء ذلك اليوم ولكن من دون كفارة الإفطار العمدي.
– أن يجنب ليلاً لكنه ينام بنية الاستيقاظ والاغتسال، لكنه بعد النوم استيقظ أول مرة ولم يغتسل، ثم نام مرة ثانية ثم عاد فاستيقظ مرة ثانية ولم يغتسل أيضاً ثم نام ثالثة فلم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر، ففي هذه الحالة يجب عليه الإمساك طوال النهار مع وجوب القضاء ووجوب الكفارة للإفطار العمدي.
– يُلحق بالبقاء على الجنابة متعمداً حتى طلوع الفجر المرأة الحائض أو النفساء إذا طهرتا ليلاً قبل الفجر وتعمدتا عدم الاغتسال أو التيمم بدلاً عنه مع اعتقاد الضرر بالغسل أو ضيق الوقت ويكون حكمهما هو حكم من أفطر عمداً في هذه الحالة فعليهما القضاء والكفارة أيضاً.
سادساً: تعمد الكذب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليه السلام) سواء في أمور الدين أو الدنيا، ولا فرق في الكذب بين أن يكون بالكتابة أو القول أو الإشارة أو الكناية، ومثال ذلك لو قال مثلاً متعمداً الكذب بأن هناك في كتاب الله آية تقول كذا وكذا وهو يعلم أن هذا غير صحيح، أو لو قال “قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كيت وكيت” وهو يعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقل ذلك. وقد ألحق الفقهاء ومنهم الإمام الخامنئي “دام ظله” سائر الأنبياء (عليه السلام) بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذا الحكم وبأن من يكذب عليهم فإن صومهم باطل شرعاً.
سابعاً: رمس الرأس في الماء: فهذا الفعل عبارة عن أن يضع الإنسان رأسه كاملاً تحت الماء سواء مع جسده أو لا، فهذا الفعل مبطل للصوم مع التعمد والالتفات إلى أنه صائم، نعم لو فرضنا أن الإنسان وقف تحت مكان يندفع منه الماء من الأعلى على الرأس بنحو يستوعبه كله دفعة فهذا ليس من الارتماس المفطر.
ثامناً: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق: فهذا من المفطرات أيضاً، ولذا فإن كل من يعمل في المجالات المتضمنة لمثل هذا الغبار أن ينتبهوا إلى صيامهم عبر وضع كمامات للأنف يمكنها من أن تمتص أكثر ذلك الغبار أو تمنعه من الوصول إلى الفم، وقد ألحق الفقهاء ومنهم الإمام الخامنئي “دام ظله” “دخان السجائر” بالغبار الغليظ، مما يعني بمفطرية التدخين للصوم ولكن لا من جهة أنه حرام، إذ أن التدخين عند سماحة القائد ليس حراماً بذاته.
تاسعاً: الحقنة بالمائع سواء في حالة الضرورة الصحية أو غيرها، فإن هذا الفعل مبطل للصوم أيضاً، وإن كان مع وجود الضرورة كالمرض وشبهه لا يعتبر من نوع الإفطار العمدي الموجب للكفارة، بل يوجب القضاء فقط، نعم مع عدم وجود ضرورة للحقنة يجب القضاء وتجب الكفارة للإفطار العمدي، وفي هذا المجال لا بد من إلفات النظر إلى أن “الحقنة الجامدة” المسماة بـ”التحميلة” ليست مفطرة ولو كانت للتداوي لأنها ليست مائعاً.
عاشراً: تعمد القيء لضرورة أو غيرها، فهذا الفعل مبطل للصوم أيضاً والكلام فيه عند حالة الضرورة وعدمها كما ذكرنا عن الاحتقان.
وهذه المفطرات هي المتعارف عليها تقريباً عند فقهاء الإمامية ومنهم الإمام الخامنئي “دام ظله” والإمام الخميني المقدس1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.