وأمّا فيما يتعلق بالموضوع الثالث الذي أريد معالجته في هذا الفصل؛ فهو أنّ القرآن الكريم يتحدّث عن ليلة القدر وعن هبوط الملائكة والروح فيها، وقد جاء ذكر (الروح) في القرآن في عدّة مناسبات من مثل مناسبة (ليلة القدر)، وسؤال اليهود ومشركي مكّة، وعند الحديث عن ا لنبي آدم والنبي عيسى بن مريم عليهم السلام، ويوم القيامة.
وفي أحد هذه المواضع يقول القرآن الكريم عن (الروح): «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ اُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الاسراء/85).
وهنا أودّ التذكير بأنه ليس من الصحيح مطلقاً تفسير (الروح) بما هو شائع عندنا من أنّها تعني النفس؛ أي ذلك الكائن اللطيف الموجود في أجسامنا. فالروح في هذه الآية وغيرها من الآيات تعني “روح القدس” التي كانت تنـزل على الأنبياء عليهم السلام. وبغض النظر عن البحوث الفلسفيّة الطويلة التي وردت بشأن تفسير هذه الكلمة، نقول إنّ (روح القدس) هي التي كان من المقرّر أن يسأل عنها اليهود ليعرفوا هل أنّ نبوّة الرسول حقّة أم لا؟
والآية الأخرى التي ذكرت فيها كلمة (الروح) تلك التي نزلت في خلق آدم عليه السلام والتي يقول فيها تعالى: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر/29).
فهذه الآية تدلّ على أنّ الروح التي نفخت في آدم لم تكن تلك الروح التي نريد منها النفس، وإنّما هي نوع من النبوّة التي جعلت الملائكة يسجدون لآدم. وإلاّ فإنّ الإنسان ليس بأفضل من الملائكة إلاّ بالإيمان؛ والإيمان لا يتأتى إلاّ بالنبوّة. ولذلك فإنّ الروح التي هبطت على آدم وربط الله سبحانه وتعالى بينها وبين سجود الملائكة لم تكن إلاّ روح القدس التي هي النبوّة.
وهكذا عندما يتحدّث القرآن الكريم عن النبي عيسى قائلاً: «فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا» (التحريم/12) إذ المعلوم أنّ عيسى لم يكن يمتلك الروح الموجودة في جسده، كما أنّ هذه الروح لم تكن روح الله تبارك وتعالى. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ جميع أرواحنا لابدّ ان تتشابه مع تلك الروح.
وفي آية أخرى يقول القـرآن الكريـم: «وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (البقرة/253) فمن الملاحظ أن الله عز وجل يقـول في الآية السابقـة «رُوحنَا»، وفي هذه الآية يقول: «رُوح القُدس» ومن هنا نستنتج انّ المراد من كلمة «رُوحنَا» هو «رُوح القُدُس» أيضاً. وهذه الآيات كلّها تدلّ على أنّ معنى الروح هو (روح القدس) التي هي الواسطة بين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى؛ بين النبيّ وبين الخالق، والمتمثّلة في جبرائيل عليه السلام.
والمهمّ في سورة القدر المباركة أنّ الله عز وجل يشير فيها إلى الملائكة التي هي كما جاء في بعض الروايات مخلوقات مرتبطة بالإشراف على الظواهر الطبيعية كالمطر والرياح والسحاب… ونحن نعلم أن (روح القدس) كان يهبط على الأنبياء عليهم السلام لغرض النبوّة كما يقول تعالى: «وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» (البقرة/253) و «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ» (الحجر/29).
السيد محمد تقي المدرسي