هل تعرف الله؟
ما هي طرق معرفة اللَّه عزّ وجلّ؟
كيف نهتدي إلى اللَّه؟ (بالعقل)
كيف نهتدي إلى اللّه؟ (بالنفس)
طريقة المعرفة
إن النفوس البشرية، تستطيع أن تتعرف على الأمور من حولها، وتستطيع التمييز بين الأشياء، فما هو مادي يقع تحت سلطان الحواس تميزه بما يلائمه من الحواس، فالمرئي بالبصر، والمسموع بالأذن، والملموس بحاسة اللمس وكذا الروائح والأطعمة.
وبالتالي، نحن لا نستطيع أن نميز المنظر البديع للطبيعة الخلابة بحاسة السمع، ولا نستطيع أن نميز صوت البلبل من نعيق الغراب بالبصر، وكذا الشم والذوق وغير ذلك.
فإن كل معلوم له ما يميزه من الحواس.
لكن ما الذي يميز بين هذه الحواس؟
الجواب: إنه العقل الذي وهبه اللَّه لنا، وفضلنا به على سائر الحيوانات، فنحن مثلاً لا نضع أيدينا في النار ولا نشرب السم، ولا نقتل أنفسنا بالسكين مثلاً، لأن لدينا عقلاً ينهانا عن القيام بمثل هذه الأفعال لأنها تؤدي إلى هلاكنا.
وهكذا فإن العقل قوة، يمكن للإنسان أن يدرك بها الأشياء ويتفحصها ويميِّز بينها، فإن كانت الحواس غير قادرة على الوصول بنفسها إلى معرفة اللَّه… فهل يستطيع العقل معرفة اللَّه عزّ وجلّ؟.
العقل يهدي إلى اللَّه
قال تعالى: ﴿أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾1.
لو رأيت بيتاً بديع البنيان، جميل التصميم، رائع المنظر، هل تشك أن له بانياً ومصمماً أبدع هذا البناء الجميل الراقي.
ولنفرض أنك رأيت دخاناً يتصاعد من مكان ما، أو شممت رائحة احتراق شيء، هل تشك لحظة أن ناراً مشتعلة تصدر عنها تلك الرائحة ويطلع منها ذلك الدخان؟
ولو كنت تسير على شاطىء البحر، ورأيت آثار أقدام حفرت على رمال الشاطىء، فبان شكلها متتابعة، هل تشك لحظة أن هناك شخصاً كان يسير على هذه الرمال، خاطاً عليها آثار أقدامه معلناً أنه مر من هنا؟.
والآن تعالى معي لننظر فيما حولنا…
هذه السماء المزينة ليلاً بقمرها ونجومها المتلألئة في لجة الليل… كواكب، ونجوم، تسبح في الفضاء، منذ ملايين بل مليارات السنين، معلقة كأنها قناديل تتخذ لها مسارات لا تحيد عنها، محسوبة بدقة، ولو اختل حساب سـيرها في السـرعة أو المسـار، لاصطـدمت ببعضهـا وتلاشت.. من الذي قام بحساب هذه المسافات، وتنظيم المسارات وتقدير السرعات؟..
هل تشك أنت، أن هناك قوة هائلة عظيمة ومدبرة، دقيقة التدبير وحكيمة، هي التي نظمت، وحسبت، وأجرت هذه الأمور بدقه عالية وقدرة فائقة.
وانظر إلى المطر، وعلاقته بالأرض واحيائها، وانبات نباتها، لتزهر وتثمر وليأكل من ثمرها الخلق… هل تصدق لو قال لك شخص أنه يشك أن هناك من أوجدها وسخرها لنا!..
فمن الذي ربط بينها؟..
الإنسان يفلح ويبذر، مستخدماً الآلات، أو الحيوانات، وروث الحيوانات يسمد الأرض، والمطر يروي البذور المطمورة في الأرض، فتنبت، ثم تزهر، لتأتي الريح أو الحشرات، فتنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى، لينعقد الثمر ثم ليصبح فاكهة لذيذة… من الذي نظم هذه العلائق بين الفلاح والأرض، والمطر والزهر، والحشرات هل تشك أنه اللَّه؟ ﴿أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
العقل يحكم بوجود مدبر قدير حكيم وعالم وخالق رحيم… فطر عقولنا على معارف لا تقبل الشك، نهتدي بها إلى الإيمان باللَّه، فنحن لم نر اللَّه بأعيننا، ولكن رأيناه بعقولنا، من خلال تصفح آيات الأفاق والتي تشهد بكل وجودها على أن اللَّه خالقها: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ..﴾.
النفس تهتدي إلى اللَّه
قبل الكلام نكمل الآية السابقة.. ﴿وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾2 ولكن كيف تعرف الأنفس ربها؟.. اللَّه عزّ وجلّ لم يتركنا حيارى في البحث، بل دلنا في كتابه الكريم القرآن على الطريقة فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾3.
ألا ترى معي أخي.. إننا نحن معاشر الناس في وجودنا نحتاج إلى الهواء لنتنفس، ولو انعدم الهواء لاختنقنا ومتنا… ونحتاج إلى طعام لنتقوت وإلا لجعنا ومتنا، وحتى في تركيبنا نحتاج إلى عينين لنبصر، وإلى أذنين لنسمع، وإلى يدين لنبني ونعمل ونزرع والخ… ونحتاج إلى رجلين لنسير والخ.
فنحن بحالة حاجة إلى كل ذلك.. والذي يحركنا ويدفعنا إلى تحريك اليدين للعمل، والرجلين للسعي وغير ذلك، إنما هو الحاجة… لأننا ضعفاء..
نجوع.. ونعطش.. ونعرى يلفحنا البرد أو تكوينا حرارة الشمس.. فحاجتنا وافتقارنا يدفعنا إلى السعي والعمل لسد هذه الحاجات، واشباع الغرائز.. فنسعى للطعام لنأكل، وللماء لنشرب، وللباس لنتقي البرد أو الحر…
ولكن أيضاً نحن في أرواحنا كما في أجسادنا مفتقرون محتاجون… إلى العلم، إلى القوة والقدرة، إلى العزة والرفعة، إلى الحنان والعطف، نحب ونحتاج إلى الحب والجمال.
فحتى لو شبعت بطوننا من الطعام، يبقى هناك جوع آخر، ينادي فينا وأنا من يشبعني؟..
من يؤمنني من الخوف في جوف الليل؟..
من يؤنس وحدتي؟..
من يكون معي في غربتي؟..
ليأتي الجواب من داخل النفس ومن أعماقها، لا تبحث عن ما يسد هذه الحاجة عند من هم مثلك، في الفقر والحاجة، هم مثلك بائسون…
هم مثلك محتاجون… هم مثلك جائعون… فأنت وأنا ونحن وكلنا.. كل الناس، كل المخلوقات، حتى أكبر المخلوقات، فقراء محتاجون.. نحن غارقون في فقرنا واحتياجنا، نحن عين الفقر والاحتياج.. نحتاج إلى غني لا حد لغناه، يسد حاجاتنا التي لا تنتهي.. ويجبر فقرنا الذي لا حد له..
نحن فقراء إلى كل شيء نحتاج إلى من عنده كل شيء وهو غني عن كل شيء… فمن هو يا ترى؟
يأتيك جوابك من عمق وجدانك، وصميم قلبك، إنه اللَّه الغني المطلق الذي لا حد لغناه ولا حد لكرمه.
واصغ معي لدعاء الإمام السجاد عليه السلام: (تمدحت بالغناء عن خلقك وأنت أهل الغنى عنهم، ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك، فمن حاول سد خلته من عندك ورام صرف الفقر عن نفسه بك، فقد طلب حاجته في مظانها، وأتى طلبته من وجهها، ومن توجه بحاجته إلى أحد من خلقك، أو جعله سبب نجحها دونك، فقد تعرض للحرمان، واستحق من عندك فوت الإحسان)4.
ويقول الإمام الخميني قدس سره في وصيته لنجله السيد أحمد رحمه اللَّه: “… ولو تمكنت من مخاطبة سلاسل الموجودات المحتاجة بذاتها خطاباً عقلياً وسألتها، أيتها الموجودات الفقيرة من يستطيع تأمين احتياجاتكم فإنها سترد جميعاً بلسان الفطرة: إننا محتاجون إلى من ليس محتاجاً بوجوده مثلنا إلى الوجود والذي هو كمال الوجود”.
إلى أن يقول: “وارتبط بالغني المطلق حتى تستغني عن سواه، واطلب التوفيق منه حتى يجذبك من نفسك ومن جميع ما سواه، ويأذن لك بالدخول والتشرف بالحضور في ساحته المقدسة”5.
فانظر أيها الأخ الكريم إلى نفسك واسألها، هل أنت محتاجة فقيرة أم لا؟!. فستجيبك بنعم… فقل لها تعالي نتعرف ونلجأ إلى غني الأغنياء أكرم الكرماء اللَّه عزّ وجلّ ففي معرفته الغنى كل الغنى…
الخلاصة
إن النفوس البشرية تستطيع أن تتعرف على الأمور من حولها: وتستطيع التمييز بين الأشياء. والعقل الذي وهبه اللَّه إلينا قوة يمكن للإنسان أن يدرك بها الأشياء، فإذا كانت حواس الإنسان غير قادرة بنفسها للوصول إلى اللَّه، فإن العقل يستطيع ذلك من خلال تصفحه لآيات الآفاق.
العي الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي على صلابتها.
فلّما رأى السلطان المذكور تلك الألفة التامة والمودّة الخالصة بين عالمي عصره، نزل من ظهر دابته بين الجمع، وسجد للَّه تعالى، وعفر وجهه في التراب، شكراً على هذه النعمة العظيمة.
وحكايات سائر ما وقع أيضاً بينهما من المصادقة والمصافاة وتأييدهما الدين المبين بخالص النيّات كثيرة، فأكرم بهما عالمين صفيّين ومخلصين رضيّين.
*بداية الطريق, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- إبراهيم: 10.
2- فصلت: 35.
3- فاطر: 51.
4- الصحيفة السجادية.
5- موعد اللقاء ــ تجليات رحمانية، ص45 ـ 55.