تنقسم الذنوب و المعاصي إلى قسمين:
- ذنوب كبيرة تُعرف بـ الكبائر.
- ذنوب صغيرة تُعرف بـ الصغائر أو اللمم 1.
القران و كبائر الذنوب
هذه التسمية جاءت في القرآن الكريم فقد جاء ذكر ” كبائر ” في الآيات التالية:
1. قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ 2.
2. و قال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ 3.
3. و قال سبحانه و تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴾ 4.
تقسيم الذنوب إلى كبيرة و صغيرة
إن تقسيم الذنوب إلى كبائر و غير كبائر تقسيم قرآني، ذلك لأن القرآن الكريم عندما صرح بوجود الكبائر أو الكبائر من الآثام فقد أقر بشكل ضمني أن هناك ذنوباً كبيرة و أخرى صغيرة، و هذا التقسيم واضح في الآيات التي ذكرناها مضافاً إلى قوله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ 5.
ما هو المعيار في تقسيم الذنوب ؟
إن تقسيم الذنوب إلى كبيرة و أخرى صغيرة إنما يكون حسب إعتبارات سوف نُشير إليها ، حيث أنه لا فرق بين الذنوب و المعاصي من حيث كونها معصية لله فلا فرق بين أقسامها من جهة أصل العصيان و المخالفة فالصغيرة منها ــ حسب بعض الاعتبارات ــ هي أيضاً عظيمة و إن صغرت بإعتبارات أخرى ، ففي وصايا النبي المصطفى صلى الله عليه و آله لأبي ذر : “يَا أَبَا ذَرٍّ، لَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ وَ لَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ” 6.
و رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ في حرمة الاستمناء : “… هُوَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، قَدْ قَالَ الْقَائِلُ بَعْضُ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ، و الذُّنُوبُ كُلُّهَا عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّهَا مَعَاصِيَ، و أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مِنَ الْعِبَادِ الْعِصْيَانَ …” 7.
و رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و آله أنهُ قَالَ : “أَلَا لَا تُحَقِّرُنَّ شَيْئاً وَ إِنْ صَغُرَ فِي أَعْيُنِكُمْ، فَإِنَّهُ لَا صَغِيرَةَ بِصَغِيرَةٍ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَ لَا كَبِيرَةَ بِكَبِيرَةٍ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ.
أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ حَتَّى عَنْ مَسِّ أَحَدِكُمْ ثَوْبَ أَخِيهِ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ” 8.
اختلاف الفقهاء في معنى الكبيرة
قال العلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله : و مهما يكن، فإن الكتاب العزيز لم يضع حدا فاصلا بين الكبيرة و الصغيرة، و لذا اختلف الفقهاء في معنى الكبيرة، فذهب جماعة الى أن كل ما جاء في القرآن مقرونا بذكر الوعيد فهو كبيرة، و ما عداه صغيرة .. و خير الأقوال قول من قال: ان الذنوب جميعا في نفسها كبائر، كما قال من نفى الصغائر من الأساس، و انما تقسم الذنوب الى كبائر و صغائر بمقارنة بعضها الى بعض.
مثلا: النظر الى الأجنبية بريبة ذنب كبير في نفسه، صغير بالنسبة الى القبلة، و القبلة صغيرة بالنسبة الى الجنس. و كذا الأكل على مائدة عليها خمر كبير في نفسه، صغير بالقياس الى شرب الخمر.
و تجدر الإشارة الى ان لذات الفاعل و سوابقه و ظروفه و دوافعه تأثيرا بالغاً في جعل الذنب كبيرا أو صغيرا على حد تعبير الفقهاء، و جناية أو جنحة على حد تعبير المشرعين الجدد .. فعلينا قبل أن نضفي على الذنب صفة الشدة أو الضعف أن ننظر الى الفاعل، هل فعل ما فعل لعدم فطنته و ضعف ارادته، كما لو لبّس عليه غاو أثيم، أو فعله لحاجة ماسة، أو لأنه مولع بالإساءة الى الناس، كما هو شأن الكثيرين .. و قد تواتر عن الرسول صلى الله عليه و آله انه قال: “انما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى .. لا صغيرة مع إصرار، و لا كبيرة مع استغفار” 9.
الكبائر درجات
و لا بُدَّ لنا هنا من القول بأن الكبائر و كذلك الصغائر ليست كلها في مستوى واحد أو درجة واحدة فيما بينها ، فمن الكبائر ما هو أعظم من غيرها كالشرك بالله و قتل النفس و الزنا.
- 1. المقصود باللمم هو الذنوب التي تصدر من الإنسان تارةً، و قد يتكرر صدورها لكنها ليست من عادته، ثم يستغفر منها.
- و اللمم هو ما يقابل الفواحش من الذنوب، و إن صح تقسيم الذنوب إلى كبائر و صغائر فالمقصود باللمم الصغائر دون الكبائر.
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 31، الصفحة: 83.
- 3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 37، الصفحة: 487.
- 4. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآية: 32، الصفحة: 527.
- 5. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 49، الصفحة: 299.
- 6. أمالي الطوسي: 528، لمحمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة: 460 هجرية، الطبعة الأولى سنة: 1414 هجرية، دار الثقافة قم/إيران.
- 7. وسائل الشيعة: 28 / 364، باب أن من استمنى فعليه التعزير، حديث: 34978، للشيخ محمد بن الحسن بن علي، المعروف بالحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا (عليه السَّلام) و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم/إيران.
- 8. نفس المصدر: 5 / 111 .
- 9. تفسير الكاشف: 2 / 307 .