مقالات

ما ذا يأكل أشرف المخلوقات؟

الطعام والأكل من الأمور الأساسية في الحياة، لأنَّ استمرار الحياة وسلامتها يتوقفان على ذلك، والله الذي خلق الإنسان خلق معه مواداً غذائية كثيرة لكي يطعمها ويعيش بها سليماً.
وانقسم البشر تجاه الطعام الى قسمين:
منهم من يهتم بملئ معدته من كل ما تاقت له نفسه، أو وقع في يده، أو شاهدته عينه، من غير الأخذ بعين الإعتبار أي قانون أو قاعدة في الأكل والطعام، الأمر الذي يعرِّض جسمه وروحه بل حياته للخطر، فتنعكس آثار الطعام والأكل من النفع الى الضرر.
وبالمقابل هناك مَنْ يبالغ في التدقيق والفحص والتفتيش، فيحذف الكثير من الأطعمة التي خلقها الله تعالى قواماً لجسمه وروحه، يحذفها من قائمة مأكولاته ويقتصر على القليل من النوعيات الغذائية، فيُصاب هو الآخر بالضعف والضُر في جسمه وروحه لأنه يكون قد قصَّر في إمدادهما بما يجب.
الى جانب ذلك كان في العصور الغابرة علماء اليهود والنصارى يضيِّقون على الناس فيحرِّمون عليهم الكثير من الأطعمة بغير دليل أنزله الله تعالى، وإنما لمجرد بسط سيطرتهم المعنوية على العامة ليقودوهم في الحياة حسب ما يشاؤون.
وفي مجتمعاتنا المعاصرة نجد النموذجين المذكورين بشكل واضح، فبين متساهلٍ الى حدِّ الإفراط، فلا يراعي حلالاً وحراماً، أو طيّباً وخبيثاً في طعامه، وبين مضيِّق على نفسه وبيئته فلا يدخل سوقاً ولا مطعماً إلا ويسأل ويفتش ويحقِّق: من أين هذا الطعام؟ ومَن جاء به؟ وكيف طُبخَ؟ و..؟ و..؟
ولكن ديننا الذي يريد لنا الخير والسعادة، ويحثنا على أن نحيا حياةً طيبة، يوجهنا الى الاعتدال في الحياة في اختيار الطعام والأكل، فلا التساهل مقبول، ولا التضييق صحيح.
أولاً: يرفض الدين أن يلتهم الإنسان طعامه من غير تفكير ونظر:﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴾ 1، فلابد أن نفكر فيما نُدخله في الجوف لكي نُقبل على النافع ونتجنَّب الضار.

ثانياً: إذا واجه الإنسان نوعيات مختلفة من الأطعمة وكلها نافعة، وهو لا يستطيع أن يلتهمها جميعاً، فلا بد أن يختار، فما هو المعيار؟ يعطينا القرآن الكريم مقياساً دقيقاً على لسان أصحاب الكهف:﴿ … فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا … ﴾ 2. فالطعام الأنفع والأطهر والأزكى هو المقدَّم.
ثالثاً: يؤكد الدين على أنَّ الغالبية العظمى من الأطعمة والمأكولات محلّلة، والحرام منها قليل جداً:﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ … ﴾ 3.
فاللحوم محلّلة إلا الميتة، أو المذبوح بغير التذكية، أو الخنزير، أو المذبوح قرباناً للأصنام والأوثان، وهناك عدد قليل آخر من المحرّمات بيّنتها السنة الشريفة. فالأصل هو الحل وليس الحرمة.

رابعاً: وبشكل عام يفتح الدين أبواب الطعام الطيّب على مصراعيه أمام المؤمن، ويحثّنا على أن نطعم من كل ما في الأرض من الطعام الطيب:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ 4.
فالمعيار الأساس هو أن يكون الطعام طيّبا لا خبيثاً. والخبيث هو الطعام الضار ضرراً بالغاً كالسموم والمخدرات والمشروبات الكحولية، وأيضاً ما حرّمته الشريعة ربما لضرره أو لأسباب لا نعرفها ويعرفها خالقنا.
وقبل ذلك يخاطبا الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ 5.
خامساً: أما طعام البحر وصيده فيقول عنه القرآن الكريم بصراحه:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ … ﴾ 6، فالأصل في صيد البحر الحل إلا ما ثبت تحريمه بدليل شرعي واضح.

إذن، فانَّ الدين لا يقتصر حديثه معنا على العبادات والمعنويات فحسب، بل يوجهنا الوجهة السليمة النافعة في كل شؤون حياتنا (ومن أبرزها الأكل والطعام) لكي نحيا حياة طيبة، ليس في الآخرة فقط – بل في الحياة الدنيا أيضا، فالمؤمن هو من يستحق أكثر من غيره أن يجرِّب السعادة والرفاه والتقدم وطيب الحياة في سلامةٍ من دينه. فلنبحث عن سبل التقدم والحياة السليمة في آيات الذكر الحكيم، فهي خارطة الطريق التي رسمها الله لأشرف مخلوقاته وهو (الإنسان).

  • 1. القران الكريم: سورة عبس (80)، الآية: 24، الصفحة: 585.
  • 2. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 19، الصفحة: 295.
  • 3. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 145، الصفحة: 147.
  • 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 172، الصفحة: 26.
  • 5. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 168، الصفحة: 25.
  • 6. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 96، الصفحة: 124.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى