نص الشبهة:
فإن قيل فما الوجه فيما روي عنه عليه الصلاة والسلام من انه قال كنت إذا حدثني احد عن رسول الله صلى الله عليه وآله بحديث استحلفته بالله أنه سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله فإن حلف صدقته وإلا فلا. وحدثني أبو بكر وصدقني، أو ليس هذا الخبر مما طعن به النظام وقال لا يخلو المحدث عنده من ان يكون ثقة أو متهما. فإن كان ثقة فما معنى الاستحلاف؟ وان كان متهما فكيف يتحقق قول المتهم بيمينه؟ وإذا جاز ان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بالباطل جاز ان يحلف على ذلك بالباطل؟.
الجواب:
قلنا هذا خبر ضعيف مدفوع مطعون على اسناده، لان عثمان بن المغيرة رواه عن علي بن ربيعة الوالبي عن اسماء بن الحكم الفزاري. قال سمعت عليا عليه السلام يقول كذا وكذا واسماء بن الحكم هذا مجهول عند أهل الرواية لا يعرفونه ولا روي عنه شئ من الأحاديث غير هذا الخبر الواحد.
وقد روي أيضا من طريق سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقري عن اخيه عن جده ابي سعيد رواه هشام بن عمار والزبير بن بكار عن سعد بن سعيد بن ابي سعيد عن أخيه عبدالله بن سعيد عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال الزبير عن سعد بن سعيد أنه ما أرى أخبث منه. وقال أبو عبدالرحمن الشيباني : عبدالله بن سعيد بن ابي سعيد المقري متروك الحديث. وقال يحيى بن معين انه ضعيف.
ورووه من طريق أبي المغيرة المخزومي عن ابن نافع عن سليمان بن يزيد عن المقري وابو مغيرة المخزومي مجهول لا يعرفه أكثر أهل الحديث.
ورووه من طريق عطا بن مسلم عن عمارة عن محرز عن ابي هريرة عن أمير المؤمنين عليه السلام قالوا : محرز لم يسمع من أمير المؤمنين (ع) بل لم يره، وعمارة وهو عمارة بن حريز وهو ابن هرون العبدي، قيل أنه متروك الحديث.
ومما ينبئ عن ضعف هذا الحديث واختلاله ان من المعروف الظاهر أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يرو عن احد قط حرفا غير النبي صلى الله عليه وآله. وأكثر ما يدعى عليه من ذلك هذا الخبر الذي نحن في الكلام عليه.
وقوله ما حدثني احد عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا استحلفته، يقتضي ظاهره أنه قد سمع اخبارا عنه (ع) من جماعة من الصحابة. والمعلوم خلاف ذلك.
واما تعجب النظام من الاستحلاف ففي غير موضعه، لانا نعلم ان في عرض اليمين تهيبا لمن عرضت عليه وتذكيرا بالله تعالى وتخويفا من عقابه، سواء كان من تعرض والاقدام عليها يزيدنا في الثقة بصيرة، وربما قوى ذلك حال الظنين لبعد الاقدام على اليمين الفاجرة، ولهذا نجد كثيرا من الجاحدين للحقوق متى عرضت عليهم اليمين امتنعوا منها وأقروا بها بعد الجحود واللجاج.
ولهذا استظهر في الشريعة باليمين على المدعى عليه، وفي القاذف زوجته بالتلفظ باللعان.
ولو أن ملحدا أراد الطعن على الشريعة واستعمل من الشبهة ما استعمله النظام، فقال اي معنى لليمين في الدعاوى، والمستحلف ان كان ثقة فلا معنى لأحلافه، وان كان ظنينا متهما فهو بأن يقدم على اليمين أولى. وكذلك في القاذف زوجته لما كان له جواب إلا ما اجبنا به النظام، وقد ذكرناه.
وقد حكي عن الزبير بن بكار في هذا الخبر تأويل قريب وهو انه قال : كان أبو بكر وعمر إذا جاءهما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يعرفانه لا يقبلاه حتى يأتي مع الذي ذكره آخر، فيقوما مقام الشاهدين. قال فأقام أمير المؤمنين عليه السلام اليمين مع دعوى المحدث مقام الشاهد مع اليمين في الحقوق، كما أقاما الرواية في طلب شاهدين عليهما مقام باقي الحقوق.
فان قيل أو ليس هذا الحديث إذا سلمتوه وأخذتم في تأويله يقتضي ان أمير المؤمنين عليه السلام ما كان يعلم الشئ الذي يخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وانه كان يستفيده إلا من المخبر، ولولا ذلك لما كان لاستحلافه معنى؟ وهذا يوجب انه (ع) كان غير محيط بعلم الشريعة على ما يذهبون إليه؟.
قلنا: قد بينا الجواب عن هذه الشبهة في كتابنا الملقب بالشافي في الإمامة، وذكرنا انه (ع) وان كان عالما بصحة ما اخبره به المخبر، وأنه من الشرع، فقد يجوز ان يكون المخبر له به ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وآله، وإن كان من شرعه، ويكون كاذبا في ادعائه السماع، فكان يستحلفه لهذه العلة. وقلنا أيضا لا يمتنع ان يكون ذلك انما كان منه (ع) في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وفي تلك الاحوال لم يكن محيطا بجميع الأحكام، بل كان يستفيدها حالا بعد حال.
فان قيل: كيف خص أبا بكر في هذا الباب بما لم يخص به غيره؟
قلنا: يحتمل ان يكون أبو بكر حدثه بما علم أنه سمعه من الرسول وحضر تلقيه له من جهته صلى الله عليه وآله، فلم يحتج إلى استحلافه لهذا الوجه 1.
- 1. تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد مرتضى علم الهدى، دار الأضواء : 203 ـ 206.