يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجماعة كانوا يضحكون: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.
ولا شك أن هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو نوع من التحذير القوي والمخيف لأولئك الذين كانوا يضحكون ويلهون، وهذا التحذير ناتج عن سهو انغماس الإنسان في أمور اللهو والعبث واللغو وصرف العمر والسنين في امثال هذه المسائل التي لا قيمة لها في الميزان الإلهي وفي رصيد العمل الصالح سوف تجعل مثل هذا الشخص يندم ندماً عظيماً يوم القيامة على ما فرط فيه في حق نفسه عندما يعاين الحقيقة ويرى أن ميزان أعماله لا يكفي لدخول الجنة التي وعدها الله لعباده، ولذا نجد أن الكافر يوم القيامة يتمنى لو كان أي شيء غير الإنسان كما في قوله تعالى: ﴿ … وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ 1، حيث ورد في تفسير الآية أن الكافر آنذاك يتمنى لو كان حيواناً في الدنيا حتى لا يتعذب بسبب انحرافه عن الصراط المستقيم في النار وبئس القرار، وبسبب إطاعته للنفس الأمّارة بالسوء التي ساقته إلى الانغماس في اللذة والشهوة التي أبعدته عن طريق الهدى والإيمان.
ولكن السؤال هو: ما هو الذي يعلمه رسول الله ويجهله الناس، بحيث لو علموه أيضاً لضحكوا قليلاً وبكو اكثيراً؟
لا شك أن الجواب هو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ما هو عقاب المذنبين والخاطئين والمقترفين للذنوب والمنغمسين في شهوات الدنيا وملذاتها، وقد علم ذلك لا بقلبه فقط، بل بالرؤية المباشرة عندما عاين كيف يتعذب الناس في رحلة المعراج إلى السماء وأشفق صلى الله عليه وآله وسلم على أولئك الناس الذين باعوا أنفسهم للشيطان فأنساهم ذكر الله وجعلهم أهلاً لعذاب الله الذي لا تتحمله السموات ولا الأرضون، فكيف بالإنسان وهو المخلوق الهش الضعيف الذي لا يقوى جسمه على أن يتحمل حرارة حديدة محمية بالنار؟
فما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصناف وأنواع وألوان العذاب في الآخرة للكافرين والمنافقين والخاطئين من أمته الإسلامية أيضاً، وما يعلمه من درجة كل مذنب في الآخرة وفق حجم ذنوبه ونوعيتها هو الذي دعاه إلى تحذير وترهيب أولئك الذين كانوا يضحكون بدلاً من أن يستغلوا وقتهم في الإعداد ولملاقاة الله يوم القيامة بالعبادة والابتهال والتضرع إلى الله، وصرف عمرهم ووقتهم فيما ينفعهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
وقد تحدث القرآن الكريم كثيراً عن جهنم والنار فقال: ﴿ … كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ … ﴾ 2 حيث ورد في تفسير هذه الآية أن جلد الإنسان يتألم بلهيب النار إلى أن يصل إلى وقت يتآخى فيه معها فلا يعود يشعر بالألم، فعندها يبدّل الله جلده ويغيره ليعود إلى الإحساس بالألم من لهيب النار من جديد وهكذا، أو كما في الآية الأخرى التي يطلب فيها أهل النار من خزنة جهنم من الملائكة بأن يخفف الله عنهم يوماً واحداً على الأقل من العذاب، فيأتيهم الجواب كالصاعقة المدوية بأنه لا تخفيف للعذاب لأنكم أضعتم فرصتكم في الحياة الدنيا عندما غفلتم عن الله وانصرفتم إلى التمتع بالمحرمات التي أبعدتكم عن رحمة الله وغفرانه وجعلتكم مستحقين لعذابه وغضبه.
ولا أتصور أن أحداً من الناس ومن المسلمين بالخصوص يريد أن يكون من أهل النار، بل الكل يطمع أن يكون من أهل الجنة، وهو ليس بالثمن الباهظ جداً عندما يعرف الإنسان ان الدنيا زائلة وأنه عندما يخرج منها لا يأخذ معه من حطامها شيئاً سوى عمله الذي هو قرينه ومن خلاله يتحدد مصيره في الآخرة، إما في الجنة حيث يعيش النعيم الأبدي، أو في النار حيث العذاب الأبدي، وقد قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ 3.
وختاماً نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يعلم ولو بعض القليل مما علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي تكون مسيرتنا في هذه الحياة الدنيا من التي يحبها الله سبحانه وتكون سبباً لنيل مغفرته والدخول في رحمته الواسعة. 4
- 1. القران الكريم: سورة النبإ (78)، الآية: 40، الصفحة: 583.
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 56، الصفحة: 87.
- 3. القران الكريم: سورة الزلزلة (99)، الآية: 7 و 8، الصفحة: 599.
- 4. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد.