نص الشبهة:
إذا كان شرط النجاة يوم القيامة هو طاعة الأئمّة المعصومين مقترنة بطاعة الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا لم يأت ذكر طاعة الأئمّة في القرآن كما جاء ذكر طاعة الله وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ (هذه خلاصة للسؤال، وقد استشهد جامع الأسئلة هنا بالآيتين 13 و 68 من سورة النساء.)
الجواب:
إنّ من أركان الإسلام طاعة الله وطاعة الرسول ، والآيات التي ذكرها السائل ليست في مقام بيان كلّ أركان الإيمان ، والشاهد على ذلك آيات أُخرى توجب طاعة أُولي الأمر حيث يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ … ﴾ 1.
فهنا ذكر (إطاعة أُولي الأمر) بعد أن ذكر إطاعة المقامين السابقين.
وفي آية أُخرى يأمر الله تعالى بعدم إفشاء أسرار المسائل الحسّاسة أمام الآخرين ، وإنّما يجب إرجاعها إلى أُولي الأمر حيث قال عزَّ من قائل: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ 2.
فلا يكون خلوّ الآيتين عن ذكر الأئمة دليلاً على عدم وجوب طاعتهم إذا دلّت الأدلّة على وجوب طاعتهم وقد ثبت في محله أنّ المراد بـ (أُوْلِي الاَْمْرِ) هم الأئمة المعصومون فتكون طاعتهم مذكورة في الذكر الحكيم.
أضف إلى ذلك: أنّ الله عزّ وجلّ أمرنا بطاعة الرسول ، والرسول بدوره أمرنا بطاعة الثقلين.
ثم أنّ أهل السنة يرون وجوب إطاعة ولاتهم مع أنّها غير مذكورة في الآيتين، يقول أحمد بن حنبل في إحدى رسائله: «السمع والطاعة للأئمّة ، وأمير المؤمنين ، البرّ والفاجر ، ومن ولّي الخلافة فاجتمع عليه الناس ورضوا به ، ومن غلبهم بالسيف وسمّي أمير المؤمنين ،… ليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم…» 3.
وهناك رسالة لأبي جعفر الطحاوي تُدرَّس اليوم في جامعة المدينة المنوّرة تحت عنوان «بيان السنّة والجماعة» يقول فيها: «ولا نرى الخروج عن أئمّتنا وولاة أُمورنا ، وإن جاروا ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزّ وجلّ فريضة» 4.
وجامع الأسئلة من الانترنت ليس له أدنى اطّلاع بشأن مقام الإمامة بل لم يفهم رأي المدرسة والمذهب الّذي ينتمي إليه ، ولا علم له بما نقلته كتب الحديث عندهم حول هذا الموضوع ; فقد جاء في أحاديث يرويها أهل السنّة أنفسهم: «من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام مات ميتةً جاهليّة» 5.
ومن خلال هذا الحديث نقول: إذا كان واقعاً أنّ الطاعة منحصرة في الله والرسول فقط فما معنى تأكيد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيعة كلّ مسلم لإمام الزمان الذي يعيش فيه ، بل يصل به الأمر إلى تحذير المسلمين من الموت قبل أخذ البيعة لإمام زمانهم ، وإلاّ فإنّ موتهم سيكون بمثابة الموت على الجاهليّة.
وحقيقة الأمر أنّ السائل تصوّر أنّ المراد من الإمام هو أحد الخلفاء الأمويين أو العباسيين الذين صاروا أئمة للضلال والفساد ولذلك عجب من القول بأنّ طاعتهم شرط لدخول الجنة، ولذلك قال: «وإنّما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنّة، لأنّ الرسول مبلغ عن الله ولأنّ طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً، ولما لم يثبت لأحد بعد رسول الله جانب التبليغ عن الله، فالله علّق الفلاح بطاعة رسوله دون أمر الآخرين» 6.
وما ذكره حق في الولاة الذين أمر ابن حنبل والطحاوي بطاعتهم فإنّ طاعتهم ليست شرطاً لدخول الجنة بل ربّما تكون سبباً لدخول النار.
وأمّا «الإمام» المنصوب من قبل الله سبحانه بواسطة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعنده ما عند النبي من العلم وأحكام الله سبحانه وهوأحد الثقلين كما في الحديث المتواتر، وكسفينة نوح الّتي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، فطاعة هكذا إمام، شرط لدخول الجنة، لأنّه مبلغ عن الله سبحانه عن طريق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأنّه عيبة علم الرسول وباب علمه. وهل يلتزم هو بتطبيق هذه القاعدة على أبي بكر وعمر وعثمان فلا تكون طاعتهم واجبة عنده؟!!
وآفة فهم السائل أنّه لم يعرف معنى الإمام لدى الشيعة وما يراد منها في رواياتهم.
ولأجل هذه المكانة العظيمة والمقام الرفيع الذي يحظى به منصب الإمامة عند النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد عمد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة من بعده إلى بيان هذا المقام الذي يتمتّع به الإمام المعصوم ، وكذا الوظائف الموكلة إليه من قِبل الله تعالى.
ولكي لا يحتار الناس في شأن الإمام المنصوص عليه من قِبل الله تعالى ، ولا يلتبس عليهم الأمر فيه ، قام الأئمّة بتفسير الآيات التي تتحدّث عن الإمام وخصائصه.
وحصيلة الكلام: أنّ الآيتين اللّتين أوردهما السائل لم تكونا في مقام بيان جميع ما هو مطلوب من المسلم ومسؤول عنه 7.
- 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
- 2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 83، الصفحة: 91.
- 3. تاريخ المذاهب الإسلاميّة ، لمحمّد أبو زهرة: 2 / 322.
- 4. شرح العقيدة الطحاويّة: 110 ـ 111.
- 5. مسند أحمد: 2 / 96.
- 6. أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق: 54.
- 7. نقلا عن الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته.