مقالات

لمحةٌ عن ذكر أهل البيت (عليهم السلام) في الآية ٧٨ من سورة الحجِّ

بسم الله الرحمن الرحيم

✍️ زكريا بركات


قال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الحج: 78 .

(هُوَ اجْتَبَاكُمْ) : فأهل البيت مُصْطَفَون قد اجتباهم الله واختارهم، كما اصطفى خلفاءه وأنبياءه، فقال: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل عمران: 33 ـ 34 .

(ملَّة أبيكم إبراهيم) : فبيَّنت الآية أنَّ الخطاب موجَّه إلى أناس من ذرية إبراهيم (عليه السلام) . وهذا يعني أنهم مندرجون في (آل إبراهيم) [آل عمران: 33] الذين اصطفاهم الله.

(إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) : فأهل البيت (عليهم السلام) هم الذرية المسلمة التي طلب إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) من الله أن يوجدها فقال: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ…) البقرة: 128 .

(لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) : فأهل البيت (عليهم السلام) ليسوا كسائر الناس، بل هم الواسطة بين الناس وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهم شهداء على الناس، والنبي شهيد على أهل البيت.

وإذْ تبيَّن أنَّ أهل البيت (ع) هم المجتبون المصطفون؛ فإن هذا يعني أنهم هم الذين ذكر الله (تعالى) أنهم ورثوا الكتاب من هذه الأمَّة، فقال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا…) فاطر: 32 . فآية سورة فاطر تتحدث عن أناس اصطفاهم الله من هذه الأمة وأورثهم الكتاب، وقد علمنا أن أهل البيت (عليهم السلام) هم المصطفون من هذه الأمَّة.

وممَّا ذكرنا يتبيَّن خطأ كثير من المفسِّرين الذين تصوَّروا أن المقصود بالمجتبين في هذه الآية هم الأمَّة الإسلامية جمعاء..!

والوجه في خطئهم أنَّه لا يصح القول بأن الأمَّة مجتباة؛ لكثرة من فيها من العُصاة وأهل الأهواء والضلالات المستحقين لدخول النار.

كما إن الأمَّة الإسلامية ليست كلها ولا معظمها من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ولا هو أبٌ لهم.

كما إنه لا وجه لمنح الأمَّة الإسلامية مقام الشهادة على سائر الناس وجعلهم فوقهم بمنزلة.

كما إنه لا وجه للقول بأن الأمَّة جمعاء ورثت الكتاب؛ لأن ميراث الكتاب ليس هو امتلاك أوراق وحبر؛ فهذا لا يختص به المصطفى، بل يمكن أن يناله غير المسلم أيضاً.. فالمقصود هو علم الكتاب، ومن الواضح أن علم الكتاب ليس للأمَّة جمعاء، بل هو مختص بصفوة علماء الأمَّة، وقد دلَّت الآيات (بضمِّها بعضها إلى بعض) أن أهل البيت (ع) هم العلماء بالكتاب.

والحمدُ لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى