نظرة على الفصل
نحاول من خلال هذا الفصل أن نجيب على سؤال كبير مهم يطرح نفسه بين يدي البحث ، و هو : لماذا غابت أسماء ( الخلفاء الإثني عشر ) التفصيليّة في ( صحاح ) ( مدرسة الصَّحابة ) ، لنجد الإجابة تكمن في سببين رئيسين ، أحدهما : ما جرى من أحداث رافقت رحيل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إلى الرفيق الأعلى ، فقد تمخض عن تلك الأحداث إبعاد أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) عن منصب الإمامة الذي خصَّ به من قبل الله و رسوله ، و بالتالي البدء في محو أحاديث الإمامة و الخلافة في الإسلام ، التي نصَّت على موقع ( الخلفاء الإثني عشر ) ، و منزلتهم القيادية ، من خلال مجموعة من الممارسات التي كانت تصبّ في منع تدوين مثل هذه الأحاديث .
السبب الثاني : يكمن في مواجهة ( الخلفاء الإثني عشر ) لكلّ ألوان القهر ، و الظلم ، و الطغيان ، و عدم مهادنتهم للحكومات الظالمة الجائرة ، مما حدى بهم لأن يدفعوا الثمن نفيساً و غالياً ، حيث تكللت حياتهم بالشهادة في سبيل الله سبحانه .
إنَّ هذه الحكومات رأت في منهج ( الخلفاء الإثني عشر ) خطراً كبيراً يهدد وجودهم . . فعمدوا إلى استئصال كلّ ما يمتّ إلى ذكرهم بصلة ، و خصوصاً لدى من يسير في ركب هذه الحكومات من أهل الحديث .
كتمان أسماء الخلفاء الإثني عشر في ( صحاح ) مدرسة الصَّحابة
وفقاً للمقتضيات التأريخية الثابتة نجد أنَّ من الطبيعي و المنطقي جداً غياب أسماء هؤلاء ( الخلفاء الاثني عشر ) في (صحاح) ( مدرسة الصَّحابة ) ، و مصادرهم المعتبرة ، بعد أن فُرض عليها التسالم عليه فرضاً ، و تبنَّت صحته بصورة إجماليَّة على عمومه دون خوض في التطبيقات و التفاصيل قسراً ، لأنَّ قوة حضور هذا الحديث بين المجاميع الحديثية البارزة ، و سعة انتشاره ، حالت دون الإمساك به من قبل المانعين ، و جعلته يفلت من مسارات الكتمان التي مُني بها العشرات من الأحاديث الشريفة في تلك الظروف العصيبة ، و بهذا فقد تعزَّز موقعه في ( الصحاح ) ، و المصادر المعتبرة الأخرى لدى ( مدرسة الصَّحابة ) .
إنَّ المسألة بالنسبة إلى أسماء ( الخلفاء الإثني عشر ) قد إختلفت شيئاً ما مع ورود الحديث الإجمالي في ( الصحاح ) بشأنهم ، لأنَّ ذلك الحديث العام عندما يثبت على نحوه العام فإنَّه مما يقبل التأويل ، و التحوير ، و الأخذ ، و الرد ، و أما بالنسبة إلى ذكر الأسماء فهي مسألة مصيرية حساسة ، تعيِّن الواقع الذي ينبغي أن يُسار عليه ، و يُصار إليه ، و تشخِّص محاور الخلافة في كل زمن بالعنوان التفصيلي الواسع ، الأمر الذي لا يمكن اجتنابه ، أو تلافيه ، أو تأويله ، أو تحويره .
فالاسم من أبرز علامات التشخيص ، و لهو من أهم الدلالات على توضيح المسميات و تشخيصها في منتهى الوضوح ، و من خلاله يتم تمييز الأشياء ، و فرزها ، و عدم اختلاط بعضها بالبعض الآخر .
على أنّ انتشار حديث ( الخلفاء الإثني عشر ) بهذا الحجم في مصادر ( مدرسة الصَّحابة ) على نحو الخصوص ، كان خاضعاً للإرادة الإلهية ، و مورداً للمشيئة الربّانيّة ، و مصبّاً للرحمة الإلهية ، إذ أنَّ اللطف الإلهي كان يحفّ بهذا الحديث ، و يحفظه من الحذف و الإستئصال ، ليكون حجَّةً على العباد ، و شاهداً على تمام النعمة ، و إكمال الدين ، و المبالغة في البيان .
فلا توجد أيّة مصلحة لهم في نقل الحديث ، بل توجد دواعٍ عديدة لإقصائه عن هذه المصادر ، و إبعاده عنها ، لأنَّه يعدّ إدانةً سافرة لأصل البناء الذي ساروا عليه ، و انتهجوا نهجه ، و هو يؤدّي بصورة حتميّة إلى انهيار بناء ( مدرسة الصَّحابة ) من الأساس .
قال ( رضي الدين بن طاوس ) في ( ربيع الشيعة ) :
( و إذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت أحاديث النص على عدد الأئمة الإثني عشر ( عَلَيهمُ السَّلامُ ) كما نقلته الشيعة الإماميَّة ، ولم تنكر ما تضمَّنه الخبر ، فهو أدلّ دليل على أنَّ الله تعالى سخَّرهم لروايته ، إقامةً لحجّته ، و اعلاء لكلمته ، و ما هذا الأمر إلاّ كالخارق للعادة ، و الخارج عن الأمور المعتادة ، لا يقدر عليه إلاّ الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ، و يقلّب القلب ، و يسهّل العسير ، و هو على كلّ شيء قدير ) 1 .
و قال الشيخ ( جعفر كاشف الغطاء ) حول هذه الروايات :
( و لعمري ، إنَّ هذه الأخبار إن لم تكن من المتواترة على كثرتها ، و كثرة رواتها ، و كثرة الكتب التي نقلت فيها ، لم يكن متواتر أصلاً .
ثمَّ إن لم تكن متواترة فهي من المحفوفة بالقرائن ، و إنَّما حفَّت بلطف الله ، و كان مقتضى الحال إخفاؤها ، لإخلالها بدينهم المؤسس في السقيفة ، و مخالفتها لهوى الأمراء ، فظهورها مع أنَّ المقام يقتضي إخفاءها قرينة على أنَّ الجاحد لا يمكنه إنكارها ، كما أنكر كثيراً من أضرابها ) 2 .
و قال ( محمد طاهر القمّي الشيرازي ) : ( و لا يخفى أنَّ هذه الرواية رواها العامّة في صحاحهم بعدّة طرق ، و عدّوها من الصحاح ، تسخيراً من الله سبحانه مع بغضهم و عداوتهم للإماميّة الإثني عشريّة ) 3 .
و يمكن تلخيص أهم دواعي كتمان أحاديث الخلافة بأمرين أساسيين :
أولاً : أحداث السقيفة بعد رحيل رسول الله
ثانياً : السياسات الظالمة المنحرفة التي تقلَّدت الحكم الإسلامي
و قد تنوعت أساليب دفع ( الخلفاء الإثني عشر ) عن مواقعهم التي رتبهم الله فيها ، و إقصائهم عن أداء دورهم الريادي في قيادة المجتمع الإسلامي في ذات الطريق الذي سار عليه رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، وبالتالي طمس كلّ المعالم ، و الآثار ، و المرويات ، التي يمكن أن تشير إليهم من قريب أو بعيد ، و من أهم هذه الأساليب :
1 ـ كتمان الأحاديث التي وردت بشأن تنصيبهم خلفاء ، و أوصياء ، من قبل النبي الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و إخفاء أكثر ما يمكن إخفاؤه من مآثرهم ، و فضائلهم و ممارساتهم الرسالية ، التي تحاكي ممارسات صاحب الرسالة المقدسة ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) .
2 ـ تحريف الأخبار و الآثار التي أكَّدت على وجوب طاعتهم ، و إتباع أمرهم ، و انتحال عشرات التأويلات ، و التبريرات المتعسفة ، في سبيل إقصاء تطبيقها عليهم ( عَليهِمُ السَّلامُ ) .
3 ـ إختلاق أكبر حجم من المرويات المفتعلة في حقِّ غيرهم ، و إضفاء صفات القداسة ، و الجلال ، على رموز وضعت عمداً في قبالهم .
4 ـ إختلاق ثقافة واسعة تعاكس الثقافة التي سنَّها ( الخلفاء الإثنا عشر ) ، و ساروا عليها في مواجهة سلطات الجور ، و حكومات الضلال ، و ذلك عن طريق الأصوات الإعلامية المأجورة ، التي إنتحلت الأحاديث الجمَّة القائلة بوجوب طاعة الساطان ، برّاً كان أو فاجراً ، و قد حُشدت الكتب الحديثية بمثل هذا النوع من المفتعلات .
5 ـ محاولة إستمالة ( الخلفاء الإثني عشر ) عن طريق الإغراء ، و عرض المواقع ، و المناصب الرسمية عليهم دون جدوى .
6 ـ المواجهة المعلنة مع ( الخلفاء الإثني عشر ) بعد اليأس من إستمالتهم ، و كسب رأيهم ، عن طريق محاربتهم ، و تصفيتهم جسدياً ، و تعريضهم لأنواع التنكيل ، و التشريد ، و التقتيل ، و هكذا فعلوا بأصحابهم ، و أتباعهم ، و كلَّ من ينتمي إلى مدرستهم المعطاء .
و من خلال فهمنا لهذا الأمر سوف نقف على الحقيقة التي تفسِّر لنا السبب في عدم وصول أسماء ( الخلفاء الإثني عشر ) بالتفصيل في ( صحاح ) ( مدرسة الصَّحابة ) ، و اكتفاء هذه المصادر بذكر الخصائص العامة لهم و حسب ، الأمر الذي لم يكن بالإمكان كتمانه ، أو تحريفه عمّا هو عليه ، لقوة شياع هذا الحديث ، و حضوره بين المجاميع الروائية الشهيرة ، و للإرادة الالهيَّة المتعلقة بهذا الأمر الحساس .
على أنَّنا ذكرنا سابقاً عند إيراد الهياكل اللفظية للحديث مجموعة من الروايات التي ذكرت أسماء ( الخلفاء الإثني عشر ) بالتفصيل في بعض مصادر ( مدرسة الصَّحابة ) ، الأمر الذي يجعلنا مطمئنين تماماً لصحة المنهج الذي سرنا عليه ، و الذي تخفظنا من خلاله عن أن نميل مع أيَّة خلفية مسبقة ، أو عصبية مذمومة ، أو تحيّز غير مشروع ، على الرغم من أنَّه كان يكفينا ما ورد متواتراً عن طرق أجلاّء المسلمين من مصادر مدرسة ( الخلفاء الإثني عشر ) بهذا الشأن ، حيث إنَّ قصر النظر على ما ورد في كتب ( مدرسة الصَّحابة ) فقط في مجال الإستدلال ، و انتزاع المبادئ الإعتقادية ، و المرتكزات الفكرية من خصوص كتبهم الحديثية ، أمر لا يقرُّه ذو عقل مطلقاً .
فنحن لسنا مرغمين على إثبات عقائدنا ، و مبادئنا ، على ضوء سلسلة روائية خاصة ، تنتهي إلى واحدٍ من ( الصحاح ) أو كتب ( مدرسة الصَّحابة ) الأخرى ، و من ثمَّ إهمال كلّ ما يرد في المصادر الأخرى ، و عدم النظر فيه ، و اعتباره تراثا ميِّتاً ، و غير قابل للعطاء ، إذ كما يفترض أن تكون هذه ( الصحاح ) مشتملة على بعض الحقائق بين طيّاتها وفقاً لموازين الرواية و الحديث ، فكذلك نفترض أن تكون الكتب الروائية لمدرسة ( الخلفاء الإثني عشر ) مشتملة على حقائق بين طيّاتها أيضاً ، و المعروف أنَّ الميزان في ذلك هو موافقة الحديث الصحيح لتعاليم الكتاب الكريم ، و عدم معارضته إيّاه ، و انتهاء أسانيد الأحاديث إلى الثقات المعتبرين ، فكلّ ما حمل هذه المواصفات فهو مقبول ، و كلّ ما خالف ذلك فهو مرفوض ، سواء أكان ذلك وارداً في كتب مدرسة ( الخلفاء الإثني عشر ) ، أو ( مدرسة الصَّحابة ) ، من دون أدنى فرق .
إنَّ من الغريب حقاً أن ترى شخصاً يسمح لنفسه في أن يسير وفق منهج معيَّن على أساس ضوابط و مرتكزات خاصَّة ، في الوقت الذي لا يدع فيه فرصة للطرف المقابل في أن يمارس منهجه الإستدلالي على ضوء مبانيه ، و وفق مرتكزاته الخاصَّة ، أو على ضوء تلك الضوابط و الأسس ذاتها على أقلّ تقدير .
فمن الجائز في وجهة نظر ( مدرسة الصَّحابة ) السائدة الأخذ بما رواه ( البخاري ) ، و ( مسلم ) ، و ( الترمذي ) ، و ( النسائي ) ، و ( ابن ماجة ) ، و ( أحمد ) . . و غيرهم ، و ليس من حقّ أتباع مدرسة ( الخلفاء الإثني عشر ) الأخذ بما رواه ( الكليني ) ، و ( الصدوق ) ، و ( الطوسي ) ، و ( المفيد ) . . وغير هؤلاء من أئمة المسلمين الكبار ، و الموثوقين في أعلى درجات الوثاقة في أمر الفقيا و الحديث ، كما أنَّ من المفترض لديهم أن يؤمن الآخرون بكل ما ورد في طرقهم الخاصة ، و أن ينقادوا له و يتعبدوا به ، و يعدّون الخارج عن ذلك خارجاً عن الدين و تعاليم شريعة سيد المرسلين ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) !!
بينما لا يرون أنَّ من الواجب عليهم الإيمان و الإذعان لما رواه الآخرون بأي شكل كان ، و ليس في ذلك خروج لهم عن الدين ، فالدين هو ما يريدونه ، و يكتبونه بطريقتهم الخاصَّة ، لا ما يعتقد به ، و يكتبه الآخرون !
فما نؤكد عليه هنا هو أننا توخينا من إخراج حديث ( الخلفاء الاثني عشر ) في مصادر ( مدرسة الصَّحابة ) ، و إثبات صحته سندياً لديهم ، و من ثم تخريج الأحاديث التي وردت من طرقهم و هي تذكر الأسماء بالتفصيل ، إنَّ الذي توخيناه لا يعدّ أن يكون إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم ، و تكريساً للحجَّة ، و توطيداً للدليل و البرهان ، ليتضح الحق ، و يسفر الصبح لذي عينين .
و على أيَّة حال فلنرجع إلى إستعراض بعض الشواهد لما أثبتناه في العنوانين السابقين الذين يعود إليهما سبب كتمان أحاديث الخلافة النبوية ، فمن جانب نرى أنَّ الأحداث التي وقعت بعد رحيل رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) إلى الرفيق الأعلى جعلت البعض ممن أغوته الرئاسة ، و طمع في تسنُّم منصب قيادة المسلمين ، يساهم في إبعاد الحقِّ عن أهله ، و يقصي ( الخلفاء الإثني عشر ) و على رأسهم عليَّ بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) عن دائرة المنافسة ، و من جانب آخر نرى أنَّ ثمرة هذا الإقصاء تمخضت عن ولادة سياسات ظالمة منحرفة ، في فترة متأخرة عن الفترة الأولى ، كان من مصلحتها إبعاد ( الخلفاء الإثني عشر ) عن مواقعهم أيضاً لدواعٍ متداخلة ، لأنَّ منهج ( الخلفاء الإثني عشر ) يعلن المواجهة الصارمة ضدَّ هذه السياسات الجائرة ، الأمر الذي دعى هذه الحكومات إلى محاربة مدرسة ( الخلفاء الإثني عشر ) ، و السعي الحثيث نحو إطفاء نور علومهم ، و إخماد جذوة معارفهم الجمَّة .
و سنتعرض إلى ذكر هذين الأمرين الأساسيين بشيء من الإجمال ضمن العنوانيين المذكورين .
أولاً : أحداث السقيفة بعد رحيل رسول الله
وفقاً للمنهج العلمي الذي آثرنا على أنفسنا أن لا نحيد عنه من أول البحث نجد أن من الطبيعي أن تقترن مسألة كتمان أحاديث الرسول الخاتَم ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بمسألة المنع من تدوين الأحاديث المروية عنه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، إذ إنَّ المنع من تدوين حديث صاحب الرسالة ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يعد من أبرز مظاهر الإخفاء و الكتمان ، و أن حُفَّ بالكثير من الأعذار و المنتحلات .
و بهذا فأن الجذور الأولية لمسألة كتمان أحاديث الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) تعود من حيث النشوء إلى حيث العهد الأخير من حياة خاتم الأنبياء ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، فقد طلعت على المسلمين آنذاك محاولات تجنح إلى محاربة كل ظاهرة تسعى لتثبيت و تدوين ما قاله رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، بذريعة أنَّ السنَّة النبوية لا يصحّ أن تدون ، لئلا تختلط أقوال الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بأقوال الكتاب العزيز .
و يرى كل منصف هشاشة ما تحمله هذه الحجّة الواهية من ضعف و اضطراب ، و لا يكاد يخفى أنَّ هناك دوافع و خلفيات أكبر من هذا المعنى المطروح بكثير ، تلك الدوافع هي التي جعلت روّاد هذا المبدأ يسيرون بدأب و جدّ ، في سبيل مواجهة تدوين الحديث ، و يتصدون بعزم كبير لكلّ من يحاول أن يخترق هذا المخطط المرسوم ، و يقف دون تحقق الطموح المعقود عليه .
و للأسف الشديد نرى أنَّ ما حصل هو عين هذه الغاية ، فقد رأينا ضياع الكثير من الأحاديث المصيريَّة الحساسة ، و خصوصاً ما يتعلق منها بمسألة خلافة الأمَّة الإسلامية بعد رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، بسبب اجتهاد البعض في مواقف لا يمكن للتأريخ أن يغتفرها مطلقاً ، مهما أحيطت بألوان التأويل ، و أنحاء الإنتحال و التبرير .
إن التأريخ سجَّل لنا موقفاً مصيرياً ، و حدثاً كبيراً ، يصعب علينا إهماله ، و تجاوز ما خلّفه من آثار سلبية على حياة المسلمين ، كما أنَّ هناك كلمات أُطلقت على صاحب الرسالة المقدسة ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) حينما أشرف على الرحيل من هذه الدنيا ، مما ترتجف إليد عندما تحاول أن تثبتها ، و يرتعش اللسان عندما يحاول أن ينطق بها ، إلا أننا لا نجد بُداً من ذكرها هنا ، حفظاً للحقائق التأريخية من التلف و الضياع ، و تحقيقا لما توخينا الوصول إليه ، من خلال تتبع الحقائق ، و استقصاء المظاهر ، التي حفت بالرسالة الإسلامية ، فيما يتعلق بموضوعنا ، لكي يسفر الصبح لذي عينين .
إنَّ الموقف المؤلم الذي سجله التأريخ لنا بمرارة يتمثل بمنع ( عمر بن الخطاب ) رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) من كتابة وصيته الأخيرة للأمة الإسلامية ، حيث قال ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على ما في ( الصحاح ) ، و منهم ( البخاري ) ـ و اللفظ له ـ
ـ ( ائتوني بكتاب ، أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده .
قال عمر : أن النبي ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) غلبه الوجع ! و عندنا كتاب الله حسبنا .
فاختلفوا ، و كثر اللغط ، قال ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) :
ـ قوموا عنّي ، و لا ينبغي عندي التنازع .
فخرج ( ابن عباس ) يقول :
ـ إنَّ الرزية كلَّ الرزية ، ما حال بين رسول الله و بين كتابه ) 4 .
و في رواية أخرى أنَّ ( عمر بن الخطاب ) كان يتحدث عن هذه الواقعة بالقول :
( كنّا عند النبي ، و بيننا و بين النساء حجاب ، فقال رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) :
ـ إغسلوني بسبع قِرب ، و اتوني بصحيفة و دواة ؛ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده .
فقالت النسوة : [ و في رواية : فقالت زينب بنت جحش و صواحبها ] 5
ـ ائتوا رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) بحاجته .
فقال عمر : فقلتُ :
ـ اسكتن ، فإنَّكنَّ صواحبة ، إذا مرض عصرتُنَّ أعينَكنَّ ، و إن صحَّ أخذتُنَّ بعنقه .
فقال رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) :
ـ هذا خير منكم ) 6 .
بل يظهر من بعض الروايات أنَّ الأمر كان مدبَّراً قبل ذلك ، و لذا نرى أنَّ ( عبد الله بن عمرو بن العاص ) يقول :
ـ ( كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) أريد حفظه ، فنهتني قريش ، و قالوا :
ـ تكتبُ كلَّ شيء سمعته من رسول الله ، و رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) بشرٌ ، يتكلم في الغضب و الرضا؟!
فأمسكتُ عن الكتاب ، فذكرتُ ذلك لرسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ، فأومأ بإصبعه إلى فيه ، و قال :
ـ أكتُب! فو الذي نفسي بيده ، ما خرج منه إلاّ حق ) 7 .
و فيه أيضاً أنَّه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قال له :
ـ ( نعم ، فإنّي لا أقول فيهما إلاّ حقّاً ) 8 .
و روي ( الذهبي ) بهذا الصدد :
( إنَّ أبا بكر جمع أحاديث النبي ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) في كتاب ، فبلغ عددها خمسمائة حديث ، ثم دعا بنار فأحرقها ) .
و بما أنَّ هذا الحدث يُعدُّ في غاية الخطورة و الأهمية ، فلابدَّ أن يستند إلى فلسفة محكمة ، و حجة بالغة ، إلاّ أنّا نرى أنَّ التبرير المذكور لهذا التصرّف كان أوهى من بيت العنكبوت ، و العذر أقبح من الذنب ، و لنقرأ الرواية التي تضمَّنت هذا التبرير :
( روى القاسم بن محمد من أئمة الزيدية ، عن الحاكم ، بسنده عن عائشة ، قالت :
ـ جمع أبي الحديث عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) فكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلة . . فلما أصبح قال :
ـ أي بنيَّة ، هلم الأحاديث التي عندك .
فجئتُه بها ، فدعا بنار فحرقها ! فقلت :
ـ لم حرقتها ؟! قال :
ـ خشيتُ أن أموت و هي عندي ، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ، و وثقتُ به ، ولم يكن كما حدَّثني ، فأكون قد نقلتُ ذلك ) 9 !!
و جاء في ( تذكرة الحفاظ ) بصدد المنع عن أصل رواية الحديث عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) فضلاً عن تدوينه :
( إنَّ الصدِّيق ـ يعني أبا بكر ـ جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال :
ـ إنَّكم تحدِّثون عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) أحاديث تختلفون فيها ، و الناس بعدكم أشدُّ إختلافاً ، فلا تحدِّثوا عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا و بينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله ، و حرّموا حرامه ) 10 .
و أمّا ( عمر بن الخطاب ) فقد منع وفد الصحابة الذين أرسلهم إلى الكوفة عن رواية الحديث عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) :
( قال قرظة بن كعب : بعثَنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة ، و شيَّعنا إلى موضع قرب المدينة يقال له ( صرار ) ، و قال :
ـ أتدرون لم شيَّعتُكم ، أو مشيتُ معكم ؟ قلنا :
ـ نعم ، لحقِّ صحبة رسول الله ، أو لحقِّ أصحاب رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ، و لحقِّ الأنصار ، قال عمر :
ـ لكنّي مشيتُ معكم لحديث أردتُ أن أحدِّثكم به ، فأردتُ أن تحفظوه لممشاي معكم ، إنَّكم تقدمون على قوم ، أو تأتون قوماً ، تهتزُّ ألسنتُهم بالقرآن إهتزاز النخل ، أو : للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل ، أو : لهم دويٌّ بالقرآن كدويّ النحل ، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم ، و قالوا :
ـ أصحاب محمد ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ، أو : فيأتونكم ، فيسألونكم عن الحديث ، فأقلّوا الروايةَ عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ، و أنا شريككم .
أو : فلا تصدُّوهم بالحديث عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ) 11 .
و قد حذا ( عمر بن الخطاب ) حذو ( أبي بكر بن أب قحافة ) في مسألة الإحراق ، لذا يقول في ( تقييد العلم ) :
( قال القاسم بن محمد بن أبي بكر : إنَّ عمر بن الخطاب بلغه أنَّه قد ظهر في أيدي الناس كتب ، فاستنكرها ، و كرهها ، و قال : أيُّها الناس ، إنَّه قد بلغني أنَّه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبَّها إلى الله أعدلها و أقومها ، فلا يبقينَّ أحد عنده كتاباً إلاّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي .
قال : فظنّوا أنَّه يريد أن ينظر فيها ، و يقومها على أمرٍ لا يكون فيه إختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار .
ثم قال :
ـ أمنية كأمنية أهل الكتاب ) 12 .
و من أساليب الإبادة التي تعرَّضت إليها أحاديث رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بعد هذه المرحلة أسلوب الدفن للكتب الحديثية ، و الغسل ، و المحو لها ، و لذا يقول ( إبراهيم بن هاشم ) على ما في ( تقييد العلم ) :
( دفنّا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر و قوصرة ) 13 .
و قد استنكر الإمام ( أحمد بن حنبل ) هذا العمل ، و قال :
( لا أعلم لدفن الكتب معنى ) 14 .
و كذلك حمل ( ابن الجوزي ) على هذا العمل أيضاً في ( تلبيس إبليس ) قائلاً :
( قد كان جماعة منهم شاغلوا بكتابة العلم ، ثم لبس عليهم إبليس و قال :
و كان من سياسة ( عمر ) أنَّه منع كبار الصحابة من رواية الأحاديث النبوية ، فقد روي أنَّه منع ( ابن مسعود ) و ( أبي مسعود ) ، فقد جاء في ( تأريخ دمشق ) لـ ( ابن عساكر ) :
ـ بعث ( عمر ) إلى أبي مسعود ، و ابن مسعود ، فقال :
ما هذا الحديث الذي تكثرونه عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) 15 ما المقصود إلاّ العمل .
و دفنوا كتبهم . . .
و هذا فعل قبيح محظور ، و جهل بالمقصود بالكتب . .
و اعلم أنَّ الصحابة ضبطت ألفاظ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) . . فإذا كانت الصحابة قد روت السنَّة ، و تلقتها التابعون ، و سافر المحدِّثون ، و قطعوا شرق الأرض و غربها ، لتحصيل كلمة من هنا ، و كلمة من ههنا ، و صحَّحوا ما صحَّ ، و زيَّفوا ما لم يصح ، و جرحوا الرواة ، و عدلوا ، و هذبوا السنن ، و صنفوا .
ثمَّ يأتي مَن يغسل ذلك ، فيضيع التعب ، و لا يُعرف حكم الله في حادثة !؟
فما عوندت الشريعة بمثل هذا !
أفترى ، إذا غُسلت الكتب ، و دُفنت ، على من يصمد في الفتاوى و الحوادث ) 16 .
و في ( الكامل ) لـ ( ابن عدي ) :
( بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود ، و إلى أبي الدرداء ، و إلى أبي مسعود الأنصاري ، فقال :
ـ ما هذا الحديث الذي تكثرونه عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) .
فحبسهم بالمدينة ، حتى أستشهد ) 17 .
و روي أيضا أنه كان يحبس بعض الصحابة لروايتهم الحديث النبوي 18 .
و سار ( عثمان بن عفان ) على نفس الخطى المريبة التي سار عليها ( أبو بكر بن أبي قحافة ) و ( عمر بن الخطاب ) من قبله ، ولم يسمح بالرواية إلاّ لما أُقرَّ من قبله رسميّاً ، ضمن سياسة المنع السابقة ، و في حدودها المرضيَّة .
روى بهذا الشأن عن ( محمود بن لبيد ) أنَّه قال :
( سمعت عثمان على المنبر يقول :
ـ لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِِ و سلم ) لم يسمع به في عهد أبي بكر ، و لا عهد عمر ) 19 .
و على أيَّة حال فقد اتخذ الحكّام و الولاة فيما بعد ذلك عين سياسة المنع هذه ، و اقتفوا نفس الأثر ، و لذا يقول الشيخ ( محمد أبو زهرة ) :
( و قد تتابع الخلفاء على سنَّة عمر . . فلم يشأ أحدهم أن يدوِّن السنن ، و لا أن يأمر الناس بذلك ، حتى جاء عمر بن عبد العزيز ) .
و روى ( الخطيب ) ما يعزِّز هذا المعنى عن ( رجاء بن حيوة ) أنَّه قال :
( كان معاوية ينهى عن الحديث ، يقول :
ـ لا تحدِّثوا عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) ) 20 .
و جاء في ( تأريخ دمشق ) :
( كان معاوية يقول على منبر دمشق :
ـ إيّاكم و الأحاديث عن رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) إلاّ حديثاً ذُكر على عهد عمر ) 21 .
و قد عدّ العلاّمة ( مرتضى العسكري ) عشرة موارد فى أمثلة الكتمان لدى مدرسة ( الشيخين ) بصدد عدم السماح لأحاديث الخلافة لعلي ( عَليهِ السَّلامُ ) و أولاده الطاهرين ( عَليهِ السَّلامُ ) بأن تأخذ مواقعها من كتب الحديث ، و الحدّ من إنتشارها قدر الإمكان .
و الموارد التي ذكرها هي :
1ـ حذف بعض الحديث من سنة رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و تبديل المحذوف بكلمة مبهمة .
2 ـ حذف تمام الخبر من سيرة الصحابة ، مع عدم الإرشاد إلى الحذف .
3 ـ تأويل معنى الحديث من سنة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) .
4 ـ حذف بعض أقوال الصحابة ، مع عدم الإشارة إليه .
5 ـ حذف تمام الرواية من سنة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، مع عدم الإشارة إليه .
6 ـ النهي عن كتابة سنة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) .
7 ـ تضعيف الروايات ، و رواة سنَّة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و الكتب التي تنتقص السلطان .
8 ـ إحراق الكتب و المكتبات .
9 ـ حذف بعض الخبر من سيرة الصحابة ، و تحريفه .
10 ـ وضع الروايات المختلفة بدلاً من روايات سنَّة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) الصحيحة ، و سيرة الصحابة الصحيحة .
و يذكر العلاّمة ( العسكري ) نماذج واضحة لكل واحدٍ من هذه العناوين ، بما يشكّل حجَّة بالغة ، و دليلاً قاطعاً على أنَّ هناك جهود جبّارة قد بُذلت في سبيل تشويه ذهنيَّة المسلمين ، و رسم صورة غائمة لـ ( الخلفاء الإثني عشر ) في معتقداتهم ، و عدم السماح لأحاديثهم بالتحرك و الإنتشار 22 .
فمن موارد حذف بعض الحديث من سنة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) و تبديلها بكلمة مبهمة ما فعله ( الطبري ) ، و ( ابن كثير ) بخبر دعوة بني هاشم في تفسير الآية :
﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ 23 .
حيث حذف قول رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) :
( و وصيي و خليفتي فيكم ) ، و أبدلاه بقولهما : و كذا و كذا ) 24 .
و من أمثلة تأويل معنى الحديث من سنة الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ما فعله ( الطبراني ) في ( مجمع الزوائد ) :
( عن سلمان ، قال : قلت :
ـ يا رسول الله ، إنَّ لكلّ نبي وصياً ، فمن وصيك؟
فسكت عنّي ، فلما كان بعد أن رآني ، فقال :
ـ يا سلمان!
فأسرعت إليه ، و قلت :
ـ لبيك ! قال :
ـ تعلم من وصي موسى ؟ قلت :
ـ نعم ، يوشع بن نون ، قال :
ـ لم ؟ قلت :
ـ لأنَّه كان أعلمهم يومئذ ، قال :
ـ فإن وصيي و موضع سرِّي ، و خير من أترك بعدي ، و ينجز عدتي ، و يقضي ديني ، علي بن أبي طالب ) .
فقال ( الهيثمي ) بعد إيراد هذا الخبر في ( مجمع الزوائد ) :
( رواه الطبري و قال : وصيي ، أنَّه أوصاه بأهله لا بالخلافة ) 25 .
فمن الواضح أنَّ سياق الحديث من حيث إستعراض وصي موسى ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و أنَّه إنَّما كان وصياً لكونه أعلم الناس من بعده ، و من ثمَّ ذكر خصوصيات وصفات الوصي في هذه الأمَّة بالتفصيل ، فكلّ هذه القرائن تؤكّد على أنَّ المقصود هو الوصية بالخلافة ، و الأمر في منتهى الوضوح ، و لكن بما أنَّه لم يكن هناك بدّ من قبول الخبر و روايته ، فلابدَّ إذن من اللجوء إلى تحريفه عن واقعه و معناه الحقيقين إرضاءاً للرغبات ، و تقرباً لسلاطين الجور و الضلال ، و تمويهاً للحقائق الناصعة ، و الأحاديث الثابتة .
و من أمثلة حذف بعض من أقوال الصحابة مع عدم الإشارة إلى الحذف ما فعله ( ابن عبد البر ) في ترجمة قصيدة الصحابي الإنصاري ( النعمان بن عجلان ) في ( الإستيعاب ) ، حيث حذف منها بيتين قالهما في وصية الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بحقِّ علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و هما :
فذاك بعـون الله يدعـو إلـى الهــدى *** وينهى عن الفحشاء و البغي و النكر
وصي النبي المصطفى و ابن عمه *** و قـاتل فرسـان الضـــلالة و الكفـر
و من مظاهر الكتمان أيضا ما روي في ( مسند أحمد ) من أنَّه قال :
( جاء رجل فوقع في علي ، و في عمار ، عند عائشة ، فقالت :
ـ أمّا علي ، فلستُ قائلة لك فيه شيئاً ، و أمّا عمّار فإنِّي سمعتُ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) يقول فيه :
ـ لا يخيَّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما ) 26 .
و من الغريب أن يجد المتتبع أنَّ ( عائشة ) بنفسها تقرّ في حديث آخر بعد واقعة ( الجمل ) أنَّ رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) قد قبض و إلى جواره علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، خلافاً لما ادعته في أحاديثها السابقة التي نفت فيها الوصية لعلي ( عَليهِ السَّلامُ ) .
فقد روى ( ابن عساكر ) ما يلي :
( إنَّ إمرأة سألت عائشة ، فقالت :
ـ يا أمَّ المؤمنين ! أخبرينا عن علي ، قالت :
ـ أيّ شيء تسألن ، عن رجل وضع يده من رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) موضعاً فسالت نفسه في يده ، فمسح بها وجهه ، و اختلفوا في دفنه ، فقال : أنَّ أحبَّ البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيه ، قالت :
ـ فلم خرجتِ عليه ؟ قالت :
ـ أمرٌ قُضي ، لوددت أن أفديه بما في الأرض ) 27 .
و في حديث آخر أنَّها قالت :
( قال رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و سلم ) و هو في بيتها لما حضره الموت :
ـ ادعوا لي حبيبي . .
فدعوا علياً فأتاه ، فلمّا رآه أفرد الثوب الذي كان عليه ، ثمَّ أدخله فيه ، فلم يزل يحتضنه ، حتى قبض عليه ) 27 .
و أمّا ( معاوية بن أبي سفيان ) فقد مارس سياسة الكتمان إلى أقصى حدٍّ ممكن ، و مارس مختلف أساليب البطش والتنكيل من جانب ، و الحثّ و الإغراء من جانب آخر ، في سبيل إنجاح هذه السياسة غير المشروعة ، فقد جاء في ( شرح نهج البلاغة ) لـ ( ابن أبي الحديد المعتزلي ) :
( قال أبو عثمان الجاحظ : إنَّ معاوية أمر الناس بالعراق و الشام و غيرهما بسبّ علي ، و البراءة منه .
و خطب بذلك على منابر الإسلام ، و صار ذلك سنَّة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأزاله .
و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ : أنَّ معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة :
اللهمَّ إنَّ أبا تراب ألحد في دينك ، و صدَّ عن سبيلك ، فألعنه لعناً وبيلاً ، و عذبه عذاباً أليماً ، و كتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز ) 28 .
و جاء في تأريخ ( الطبري ) و ( ابن الأثير ) :
( استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى و أربعين ، فلمّا أمَّره عليها ، دعاه ، و قال له :
ـ قد أردتُ إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها إعتمادا على بصرك ، و لست تاركاً أيصاءك بخصلة ، لا تترك شتم عليٍّ و ذمِّه ، و الترحّم على عثمان و الإستغفار له ، و العيب لأصحاب علي ، و الإقصاء لهم ، و الإطراء لشيعة عثمان ، و الإدناء لهم .
فقال له المغيرة :
ـ قد جربت و جربت ، و عملت قبلك لغيرك ، فلم يذممني ، و ستبلو فتحمد أو تذم .
فقال :
ـ بل نحمد إن شاء الله ) 29 .
و نقل ( ابن أبي الحديد ) عن ( المدائني ) أنَّه قال :
( كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة :
ـ أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب و أهل بيته ) 30 .
و فيه أيضاً :
( كتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق :
ـ ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة ، و كتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه ، و أهل ولايته ، و الذين يروون فضائله و مناقبه ، فأدنوا مجالسهم ، و قرِّبوهم و أكرموهم ، و اكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم ، و اسمه و إسم أبيه ، و عشيرته .
ففعلوا ذلك ، حتى أكثروا في فضائل عثمان و مناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات ، و الكساء ، و الحباء ، و القطايع ، و يفضيه في العرب منهم و الموالي ، فكثر ذلك كلّ مصر ، و تنافسوا في المنازل و الدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه ، و قرَّبه ، و شفعه ، فلبثوا بذلك حيناً ، ثم كتب إلى عمّاله :
ـ إنَّ الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر ، و في كل وجه و ناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ، و الخلفاء الأولين ، و لا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ و ائتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحبّ إليّ ، و أقرّ إلى عيني ، و أدحض لحجة أبي تراب و شيعته ، و أشد عليهم من مناقب عثمان ، و فضله .
فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، و جرى الناس في رواية الكتاتيب ، فعلَّموا صبيانهم ، و غلمانهم ، من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه ، و تعلَّموه كما يتعلمون القرآن ، و حتى علَّموه بناتهم ، و نساءهم ، و خدمهم ، و حشمهم ، فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله . . فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة ، و بهتان منتشر ، و مضى على ذلك الفقهاء ، و القضاة ، و الولاة ) 31 .
و روى ( ابن أبي الحديد ) عن ( أبي جعفر الإسكافي ) أنَّه قال :
( إنَّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، و قوماً من التابعين ، على رواية أخبار قبيحة في علي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، تقتضي الطعن فيه ، و البراءة منه ، و جعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ) 32 .
و روى ( الطبري ) عن ( المغيرة بن شعبة ) :
( إنَّه أقام سبع سنين و أشهراً في الكوفة ، لا يدع شتم علي و الوقوع فيه ، و العيب لقتلة عثمان و اللعن لهم ، و الدعاء لعثمان بالرحمة ، و الإستغفار له ، و التزكية لأصحابه ، غير أنَّ المغيرة كان يداري ، فيشتد مرة ويلين أخرى ) .
و روى ( الطبري ) أيضاً :
( إنَّ المغيرة بن شعبة قال لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كان المغيرة يومذاك أميراً على الكوفة من قبل معاوية :
ـ إيّاك أن يبلغني عنك أنَّك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، و أيّاك أن يبلغني عنك أنَّك تذكر شيئاً من فضل علي علانية ، فإنَّك لست بذاكر من فضل علي شيئاً أجهله ، بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر ، و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به ، و تذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيَّة ، فإن كنت ذاكراً فضله ، فاذكره بينك و بين أصحابك ، و في منازلكم سراً ، و أمّا علانية في المسجد ، فإنَّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، و لا يعذرنا فيه ) 33 .
ثانياً : السياسات الظالمة المنحرفة التي تقلَّدت الحكم الإسلامي
إنَّ هناك حقيقة ساطعة تطالعنا بادئ ذي بدئ عند محاولة الإجابة على السؤال المطروح ضمن هذا الفصل : لماذا غابت أسماء ( الخلفاء الإثني عشر ) في ( صحاح ) ( مدرسة الصَّحابة ) . . تلك الحقيقة تحسم لنا الأمر ، و تنطلق نحو الجذور ، لتضع النقاط على الحروف ، و تزيل ما يمكن أن يعتري الموضوع من غموض و إبهام .
تتمثل تلك الحقيقة بأنَّ ( الخلفاء الإثني عشر ) بأجمعهم قد ناهضوا الحكومات الجائرة ، و أمراء الضلال ، و وقفو بتحدٍّ و شموخ في وجوههم ، على مستوى التنظير و الممارسة معاً .
فمن الناحية النظرية نرى أن هناك ثروة كبيرة من الأحاديث التي خلفها لنا ( الخلفاء الإثنا عشر ) تندِّد بكل حكم يخرج عن حدود التشريع الإلهي ، أو ينصب العداء له ، و يعلن المنازلة معه ، و تبيّن تفاصيل هذه المواجهة ، و معالمها ، و حدودها ، و شرائطها .
كما أن نرى في نفس الوقت أن السلوك الإجتماعي لهؤلاء ( الخلفاء الإثني عشر ) كان يجسد هذا الأمر في منتهى الوضوح ، و يبرز هذه الأهداف في غاية الدقة ، و كان لعظيم العطاء و ألوان التضحيات التي مر بها هؤلاء الخلفاء في سبيل إعلاء كلمة الله ، و إقامة شرائعه ، و دحض حكومات الضلال ، و الجور ، و الطغيان ، ببذل الغالي و النفيس الأثر الكبير في إرساء دعائم الدين ، و بقاء جذوته متألقة و متجددة ، على مر الأزمنة و العصور .
بينما نلاحظ في المقابل أنَّ أساس بناء ( مدرسة الصَّحابة ) يقوم على مداهنة الحكّام و السلاطين ، و السمع و الطاعة لكلّ إمام ، برّاً كان أو فاجراً ، و قد حشدت ( الصحاح ) و كتب الحديث المتبرة الأخرى بألوان الروايات التي تصبّ في هذا الإتجاه ، و تحاول تكريسه في ذهنية المسلمين ، و هو مما لا شكَّ فيه من صنيعة نفس هؤلاء الحكّام الجائرين الظلمة ، الذين استطاعوا من خلال أمو آلهم و قدرتهم و سطوتهم من شراء الضمائر الرخيصة ، لتشويه شريعة الإسلام ، و طلائها بهذا الغثاء الباهت .
و لنأخذ بعض النماذج من هذه الوايات المفتعلة ، و المعاكسة في اتجاهها لسيرة ( الخلفاء الإثني عشر ) التي تقوم على أساس القرآن و تعاليمه الغرّاء ، و السنَّة النبويَّة القطعيَّة الصدور ، فمن هذه النماذج :
رُويَ عن رسول اللّه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) في ( صحيح مسلم ) :
( إنَّ خليلي أوصاني أن أسمعَ و أطيعَ و إن كان عبداً حبشياً مجدَّعَ الأطراف ) 34 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) في ( مسند أحمد ) :
( اسمع و أطع و لو لحبشي كأنَّ رأسَه زبيبة ) 35 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) :
( اعبدوا اللّهَ و لا تشركوا به شيئاً ، و أطيعوا مَن ولاه اللّهُ أمرَكم ، و لا تُنازِعوا الأمرَ أهلَه ، و إنْ كانَ عبداً أسودَ ) 36 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) :
( لا تسبُّوا السلطانَ فإنَّه ظلُّ اللّهِ في أرضه ) 37 !!
إلى غير ذلك من الأحاديثِ المشابهة 38 .
و قد جاءَ في بعض ألفاظ حديث ( سُنَّة الخلفاء الراشدين ) ما نصه :
( فإنّما المؤمن كالجمل الأنف ، حيثما انقيد انقاد ) 39 .
فهذه الروايةُ الأخيرة تجعلُ المؤمنَ الذي يُراد له أن يكونَ مستخلفاً على هذهِ الأرض ، و وارثاً لها ، كالجمل الذلول ، الذي لا يملكُ من أمرِه شيئاً ، و لا يجدُ دونَ الانصياع و الانقياد بُدّاً !!
و في اعتقادنا أنَّ هذا مؤشرٌ آخر يؤيدُ ما ذكرناه من احتمال الوضع في بعض فصول الحديثِ على أقل تقدير ، إذ أنَّ من الاستحالة بمكانٍ أنْ يتفوَّه رسولُ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) بهذا اللون من الأحاديث ، التي تأمرُ بالسمعِ و الطاعةِ لكلِّ حاكمٍ و أمير ؛ لأنَّ في ذلك هدماً واضحاً لدعائمِ الدين ، و خلافاً صريحاً لجميع أُسسه و مبادئه ، و تقويضاً من رأس لمرتكزاته و أركانه ، فكيفَ يمكنُ أنْ توضعَ مقاليدُ الحكم طوعاً بيد المتجبرينَ الذين كافحت الأديانُ و الرسالاتُ السماوية في سبيلِ استئصالهم ، و قلع وجودهم من الجذور ؟
و ما معنى إقامة العدل ، و الحكم به ، الذي أمرت الشريعةُ به بشكلٍ صريح ، و حذَّرت من مخالفته ؟
و ما هي فائدةُ الأمرِ بالمعروف و النهي عن المنكر ؟ و ما معنى كلمةِ الحق عندَ سلطانٍ جائر ؟ و ما المغزى من حرمة معونة الظالمين و لو بشقِّ كلمة ؟
جاءَ في ( الجامع الصحيح ) عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) أنَّه قالَ :
( مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعفُ الإيمان ) 40 .
و جاءَ في ( التاج الجامع للأصول ) :
( عن طارق بن شهاب رضي اللّه عنه ، أنَّ رجلاً سأل النبي صَلّى اللهُ عَليهِ و سلم ، و قد وَضَع رجله في الغرز : أي الجهاد أفضل؟ قالَ : كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر ) 41 .
و جاءَ في ( كنز العمال ) :
( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطانٍ جائر ) 42 .
و مما يثيرُ فيكَ العجب أنَّ نفسَ هؤلاءِ الذين يروون أحاديثَ السمعِ و الطاعة للبرِّ و الفاجر ، يروونَ أيضاً عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) ما يناقضُ هذا الأمرَ تماماً ، و يعقِّبُ شرّاحُ الحديث بعد ذلك بقولهم ( و اللّه تعالى أعلم ) ، و لا يكلِّفونَ أنفسَهم برفعِ هذا التهافت ، الذي أصبح مثاراً للجدال ، و بلاءً على الأجيال .
فلننظر إلى مجموعةٍ من هذهِ الأحاديث ، لنرى أنَّها رُويت في نفس المصادر و الكتب السابقة ، و نقفَ على التناقض الفاضح الذي وقعت فيه هذهِ الروايات .
فقد جاءَ في ( التاج الجامع للأُصول ) عن صحيحي ( النسائي ) و ( الترمذي ) :
( و عن كعب بن عجزة رضيَ اللّهُ عنه قالَ : خرجَ علينا رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ و سلم و نحنُ تسعةٌ ، فقالَ : إنَّه سيكونُ بعدي أُمراءُ مَن صدَّقهم بكذبهم ، و أعانَهم على ظُلمهم ، فليسَ منّي و لستُ منه ، و ليسَ بواردٍ عليَّ الحوض ، و مَن لم يصدِّقهم ، ولم يُعنهم على ظلمهم فهوَ منّي و أنا منه ، و هو واردٌ عليَّ الحوضَ ، رواهما النسائي و الترمذي . و اللّه تعالى أعلى و أعلم ) 43 .
و جاءَ في كلٍّ من ( صحيح البخاري ) و ( صحيح مسلم ) و ( سنن ابن ماجة ) و ( سنن الترمذي ) عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آلِهِ و سَلَّمَ ) أنَّه قالَ :
( على المرء المسلم السمعُ و الطاعةُ فيما أحبَّ و كره ، إلاّ أنْ يؤمرَ بمعصيةٍ فلا سَمع و لا طاعة ) 44 .
و في ( سنن ابن ماجة ) :
( و عن عبد اللّهِ بنِ مسعود عن النبي صَلّى اللهُ عَليهِ و سلم قالَ : سَيلي أُمورَكم بعدي رجالٌ يُطفئونَ السُنَّة ، و يعملونَ بالبدعة ، و يؤخرونَ الصلاةَ عن مواقيتها ، فقلتُ : يا رسولَ اللّهِ إنْ أدركتُهم كيفَ أفعل ؟ قالَ : تسألني يابنَ أُمِّ عبدٍ كيفَ تفعل ؟ لا طاعةَ لمن عصى اللّه ) 45 .
و غير ذلك مما زخرت به كتب الحديث لدى ( مدرسة الصَّحابة ) 46 .
و بعد هذه الجولة المختصرة سوف نستعرض بعض النماذج لهذا الدور الخطير الذي جعل من هؤلاء ( الخلفاء الإثني عشر ) ندّاً للسياسات الظالمة ، بما أملى على التأريخ الذي دوَّنته زبانيتهم حجب أسمائهم عن ( صحاح ) و مصادر ( مدرسة الصَّحابة ) .
فخذ إليك مواقف أول ( الخلفاء الإثني عشر ) و سيدهم علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) الذي قاتل على التأويل ، كما كان يقاتل رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) على التنزيل ، و قضى حياته جهاداً ، و تضحية ، في سبيل إعلاء كلمة الحق ، و الإبقاء على موازين التشريع و قيمه و أسسه ثابتة راسخة ، إلى أن قُتل في هذا السبيل ، و هو يلهج بذكر الله في محراب صلاته .
و لنستمع إلى بعض نظرياته العملاقة في مجال مواجهة الظالمين ، و الجائرين ، و كل من يحاول أن يحكم غير تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، حيث يقول :
( اللهم إنَّك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ، و لا التماس شئ من فضول الحطام ، و لكن لنردَّ المعالم من دينك ، و نظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، و تقام المعطلة من حدودك ) 47 .
و ورد عن ( ابن عباس ) أنَّه قال :
( دخلتُ على أمير المؤمنين ( عَليهِ السَّلامُ ) بذي قار و هو يخصف نعله ، فقال لي :
ـ ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت :
ـ لا قيمة لها ! فقال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ واللهِ لهيَ أحبُّ إليّ من أمرتكم ، إلاّ أن أقيم حقاً ، أو أدفع باطلاً ) 48 .
و قال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( هيهات أن يغلبني هواي ، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، و لعل بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمع له في القرص ، و لا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً و حولي بطون غرثى ، و أكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
و حسبُك داءً أن تبيت ببطنةٍ وحولك أكبادٌ تحنُ إلى القِدِّ!
أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، و لا أشاركهم في مكارة الدهر ، أو أكون أسوة لهم في حبشوبة العيش ) 49 .
و يبيِّن ( عَليهِ السَّلامُ ) خصائص الحاكم الشرعي بالقول :
( أيُّها الناس ! إنَّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه ، و أعلمهم بأمر الله فيه ) 50 .
و في نفس هذا المعنى يقول ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( لا يقيم أمر الله سبحانه إلاّ مَن لا يصانع ، و لا يضارع ، و لا يتبع المطامع ) 51 .
و يقول ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( و إنَّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ، ضلَّ وضُلَّ به ، فأمات سنَّة مأخوذة ، و أحيا بدعة متروكة ) 52 .
و يعلنها أبو الحسن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) حرباً ضدَّ حكومات الجور و الضلال ، من خلال المبدأ الذي صدع به قائلاً :
( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) 53 .
و فيما ذكره الإمام الحسن بن علي المجتبى ثاني ( الخلفاء الإثني عشر ) ( عَليهِ السَّلامُ ) حول ( معاوية بن أبي سفيان ) و سياسته الجائرة ، و حول استحقاقه الخلافة أنَّه قال :
( و كذب معاوية ، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله ، و على لسان رسول الله ، فأقسمُ بالله لو أنَّ الناس بايعوني ، و أطاعوني ، و نصروني ، لأعطتهم السماء قطرها ، و الأرض بركتها ، و لما طمعت فيها يا معاوية ، و قد قال رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) :
ـ ما ولَّت أمَّة أمرها رجلاً قط ، و فيهم من هو أعلم منه ، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً ، حتى يرجعوا إلى ملَّة عبدة العجل .
و قد ترك بنو إسرائيل هارون ، و اعتكفوا على العجل ، و هم يعلمون أنَّ هارون خليفة موسى .
و قد تركت الأمَّة علياً ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و قد سمعوا رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) يقول لعلي ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة ، فلا نبي بعدي .
و قد هرب رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) من قومه ، و هو يدعوهم إلى الله ، حتى فرَّ إلى الغار ، و لو وجد أعوانا ما هرب منهم ، و لو وجدتُ أنا أعوانا ما بايعتُك يا معاوية ، و قد جعل الله هارون في سعة ، حين استضعفوه ، و كادوا يقتلونه ، لما لم يجد أعواناً ، و كذلك أنا و أبي في سعة من الله حين تركتنا الأمَّة ، و بايعت غيرنا ، ولم نجد أعواناً ، و إنَّما هي السنَّن و الأمثال ، يتبع بعضها بعضاً ، أيُّها الناس ، إنَّكم لو التمستم فيما بين المشرق و المغرب رجلاً لم تجدوا رجلاً من ولد نبي غيري ، و غير أخي ) 54 .
و يكفي لخط أهل البيت ( عَلَيهمُ السَّلامُ ) فخراً ، و اعتزازاً ، و ذبّاً عن الإسلام ، و مبادئه ، ما قدَّمه الإمام الحسين بن علي الشهيد ( عَليهِ السَّلامُ ) من تضحيات ، و بطولات ، في واقعة ( كربلاء ) ، و كفى بهذا الحدث العظيم تجسيداً للنهج الذي أشرنا إليه ، من مقارعة الطواغيت و الظلمة ، و عدم قبول حكمهم ، فقد إنطلق الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) من خلال مواقفه ، و تضحياته في ( الطف ) ، من موقع الأمر بالمعروف ، و النهى عن المنكر ، و وجد أنَّ من الازم عليه أن يريق دمه في سبيل الله ( جَلَّ وَعَلا ) ، و يقدِّم لأجل ذلك أبناءه و أهل بيته و خيرة أصحابه ، ليلقِّن الأجيال دروس الجهاد و البليغة ، و عبر الذبِّ عن حريم الإسلام بكلّ غالٍ و نفيس ، و مواجهة الطغاة و الظالمين ، بكلّ ما تحمله المواجهة من مواقف و تضحيات .
و تضيق بنا الصفحات فيما لو أردنا أن نسطر ما خطه السبط الشهيد ( عَليهِ السَّلامُ ) من ممارسات عمليَّة في سبيل إدامة هذا النهج و إعلائه ، و لكننا لا نجد وسعاً في ذكر بعض ما نقل عنه ، من مآثر هذا الشأن ، تعزيزاً لما نقول .
جاء في رسالة بعثها الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) إلى أخيه ( محمد بن الحنفية ) موضِّحاً دوافع ثورته ، و أهداف خروجه :
( لم أخرج أشراً ، و لا بطراً ، و لا مفسداً ، و لا ظالماً ، و إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة محمد رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، أريد أن آمر بالمعروف ، و أنهى عن المنكر ، و أسير سيرة جدي و أبي ) 55 .
و بعد بيان رفضه لبيعة ( يزيد بن معاوية ) يقول ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( و يزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرَّمة ، معلن بالفسق ، و مثلي لا يبايع مثله ) 56 .
و يعرِّف الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) الأمَّة على المواصفات التي ينبغي أن تتوفر الحاكم الشرعي ، من خلال رسالة له إلى أهل ( الكوفة ) يقول فيها :
( فلعمري ، ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله ) 57 .
و كتب ( عَليهِ السَّلامُ ) إلى زعماء البصرة قائلاً :
( إنّي أدعوكم إلى كتاب الله ، و إلى سنَّة نبيه ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، فإنَّ السنَّة قد أُميتت ، و البدعة قد أُحيت ، فإن تجيبوا دعوتي ، و تطيعوا أمري ، أهدكم إلى سبيل الرشاد ) 58 .
و عندما فرغ ( عَليهِ السَّلامُ ) من وداع جده رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) عند الخروج من المدينة ، ناجى الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) ربَّه بالقول :
( اللهمَّ هذا قبر نبيك محمد ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، و أنا إبن بنت نبيك ، و قد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهمَّ إنِّي أحب المعروف ، و أنكر المنكر ، و أنا أسألك يا ذا الجلال و الإكرام ، بحقِّ القبر و من فيه ، إلاّ ما إخترت لي ما هو لك رضىً ) 59 .
و خطب الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) بأصحابه قبل الوصول إلى ( كربلاء ) قائلاً :
( إنَّه قد نزل ما ترون من الأمر ، و إنَّ الدنيا قد تنكَّرت ، و تغيَّرت ، و أدبر معروفها ، و استمرت ، حتى لم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، و إلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل .
ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، و إلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً و إني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برماً ) 60 .
و بعد واقعة ( كربلاء ) و مقتل الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) وقف الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عَليهِ السَّلامُ ) أمام حشود أهل المدينة قائلاً :
( والله ، ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، أنَّه رجل ينكح أمهات الأولاد ، و البنات ، و الأخوات ، و يشرب الخمر ، و يدع الصلاة ) 61 .
و جاء في ( رسالة الحقوق ) للإمام زين العابدين ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( و أمّا حقُّ سائسك بالملك : فأن تطيعه و لا تعصيه ، إلاّ فيما يسخط الله عزَّ و جلَّ ، فإنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
و أمّا حق رعيتك بالسلطان : فأن تعلم أنَّهم صاروا رعيتك ، لضعفهم و قوتك ، فيجب أن تعدل فيهم ، و تكون لهم كالوالد الرحيم ، و تغفر لهم جهلهم ، و لا تعاجلهم بالعقوبة ، و تشكر الله عزَّ و جلَّ على ما آتاك من القوة عليهم ) 62 .
و في نفس الإتجاه السابق نجد أن أقوال و ممارسات الإمام محمد بن علي الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) تشخص معالم الحكم الإسلامي الصحيح ، و الشروط و المواصفات التي ينبغي توفرها في الحاكم الإسلامي الرائد ، فقد سئل الإمام محمد الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) عن أعمال حكام الجور ، فقال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( لا ، و لا مدة قلم ) 63 .
و روي عن ( أبي بكر الحضرمي ) أنَّه قال :
( لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك و صار ببابه ، قال هشام لأصحابه :
ـ إذا سكتُّ من توبيخ محمد بن علي ، فلتوبخوه .
ثم أمر أن يؤذن له ، فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده : السلام عليكم ، و أشار بيده ، فعمَّهم جميعاً بالسلام ، ثمَّ جلس ، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام بالخلافة ، و جلوسه بغير إذن ، فقال :
ـ يا محمد بن علي ، لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ، و دعا إلى نفسه ، و زعم أنَّه الإمام سفهاً ، و قلة علم .
و جعل يوبخه .
فلما سكت هشام ، أقبل القوم عليه رجلاً بعد رجل يوبخه ، فلمّا سكت القوم نهض الإمام ( عَليهِ السَّلامُ ) قائماً ثم قال :
ـ أيها الناس أين تذهبون ؟ و أين يراد بكم ؟ بنا هدى الله أولكم ، و بنا يختم آخركم ، فان يكن لكم ملك معجل ، فانَّ لنا ملكا مؤجلاً ، و ليس من بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، و يقول الله عزَّ و جلَّ : ﴿ … وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 64 .
فأمر به هشام إلى الحبس ، فلمّا صار في الحبس تكلم ، فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه و حسن عليه ، فجاء صاحب الحبس إلى هشام ، و أخبره بخبره ، فأمر به فحمل على البريد ، هو و أصحابه ليردوا إلى المدينة ) 65 .
و ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) أنَّه قال :
( من عذر ظالماً بظلمه سلَّط الله عليه من يظلمه ، فإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته ) 66 .
و ورد عنه ( عَليهِ السَّلامُ ) أيضاً أنَّه قال :
( العامل بالظلم ، و المعين له ، و الراضي به ، شركاء ثلاثتهم ) 67 .
و أراد الخليفة العباسي ( أبو جعفر المنصور ) أن يستميل الإمام الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) إلى جانبه ، فكتب إليه :
ـ ( لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ ليس لنا ما نخافك من أجله ، و لا عندك من أمرٍ الآخرة ما نرجوك له ، و لا أنت في نعمة فنهنّيك ، و لا تراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك ، فكتب إليه المنصور :
ـ تصحبنا لتنصحنا ، فأجابه الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ من أراد الدنيا لا ينصحك ، و من أراد الآخرة لا يصحبك ) 68 .
و قال ( عَليهِ السَّلامُ ) بصدد حكام الجور أنَّه قال لأحد أصحابه المسمي ( عذافر ) :
( يا عذافر ، نبئت أنَّك تعامل أبا أيوب و الربيع ، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة ) .
و قال ( عَليهِ السَّلامُ ) في نفس الموضوع :
( لا تعنهم على بناء مسجد ) .
و من مواقف الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عَليهِ السَّلامُ ) في هذا المجال أنه كان أحد أصحابه الذي يسمى ( صفوان الجمال ) يكري جماله إلى الخليفة العباسي ( هارون الرشيد ) ، فروى لنا أنَّ الإمام ( عَليهِ السَّلامُ ) قال له ذات مرة :
ـ ( يا صفوان ! كلّ شيء منك حسن جميل ، ما خلا شيئاً واحداً ، فقلت :
ـ جعلت فداك أي شيء ؟ قال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ أي هارون الرشيد ـ قلتُ :
ـ والله ما أكريته أشراً ، و لا بطراً ، و لا لصيد ، و لا للهو ، و لكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ و لا أتولاه بنفسي ، و لكن أنصب إليه غلماني ، فقال الإمام ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ يا صفوان أيقع كراؤك عليهم ؟ قلتُ :
ـ نعم جعلت فداك ! فقال الإمام ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ أتحبُّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك ؟ قلتُ :
ـ نعم ، فقال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ فمن أحبَّ بقاءهم فهو منهم ، و من كان منهم ورد النار .
قال ( صفوان ) : فذهبت و بعت جمالي عن آخرها ، فبلغ ذلك إلى ( هارون ) فدعاني ، فقال لي :
ـ يا صفوان ! بلغني أنَّك بعت جمالك ؟ فقلت :
ـ نعم ، فقال :
ـ لم ؟ قلت :
ـ أنا شيخ كبير ، و إنَّ الغلمان لا يفون بالأعمال ، فقال ( هارون ) :
ـ هيهات ، إنِّي لأعلم من أشار عليك بهذا ، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر ، فقلت :
ـ مالي و لموسى بن جعفر ! فقال ( هارون ) :
ـ دع هذا عنك ، فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك ) 69 .
و روي عنه ( عَليهِ السَّلامُ ) أنَّه قال لواحد من أصحابه يسمى ( زياد بن أبي سلمة ) :
ـ ( يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان ؟ قال قلت :
ـ أجل ، قال لي :
ـ ولم ؟ قلت :
ـ أنا رجل لي مروَّة ، و علي عيال ، و ليس وراء ظهري شيء ، فقال ( عَليهِ السَّلامُ ) لي :
ـ يا زياد لأن أسقط من حالق فاتقطع قطعة أحبّ إليّ من أن أتولى لأحدٍ منهم عملاً ، أو أطأ بساط أحدهم ، إلاّ لماذا ؟! قلت :
ـ لا أدري جعلت فداك ، فقال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ إلا لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه .
يا زياد ! إنَّ أهون ما يصنع الله بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق ) 70 .
و تحدث الإمام علي بن موسى الرضا ( عَليهِ السَّلامُ ) عن مواصفات الإمام و شرائط الإمامة بالقول :
( إنَّ الإمامة حظي بها إبراهيم الخليل ( عَليهِ السَّلامُ ) بعد النبوة ، و الخلافة مرتبة ثانية ، و فضيلة شرَّفه الله بها ، و أشاد بها ذكره ، فقال جلَّ و عزَّ :
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا … ﴾ 71 .
قال الخليل سروراً بها :
﴿ … قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ 71 .
فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم ، إلى يوم القيامة ، و صارت في الصفوة .
إنَّ الإمام زمام الدين ، ونظام المسلمين ، و صلاح الدنيا ، و عزّ المؤمنين .
الإمام أسُّ الإسلام النامي ، و فرعه السامي .
بالإمام تمام الصلاة ، و الزكاة ، و الصيام ، و الحج ، و الجهاد ، و توفير الفيء ، و الصدقات ، و إمضاء الحدود و الأحكام ، و منع الثغور و الأطراف .
الإمام يحلل حلال الله ، و يحرّم حرامه ، و يقيم حدود الله ، و يذبّ عن دين الله ، و يدعو إلى سبيل الله ، بالحكمة ، و الموعظة الحسنة ، و الحجَّة البالغة .
الإمام الأمين الرفيق ، و الوالد الشفيق ، و كالأم البرَّة بالولد الصغير ، و مفزع العباد .
الإمام أمين الله في أرضه و خلقه ، و حجَّته على عباده ، و خليفته في بلاده ، و الداعي إلى الله ، و الذابّ عن حريم الله .
الإمام مطهَّر من الذنوب ، مبرَّأ من العيوب ، مخصوص بالعلم ، موسوم بالحلم ، نظام الدين ، و عزّ المسلمين ، و غيظ المنافقين ، و بوار الكافرين .
نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالأمر ، عالم بالسياسة ، مستحق للرئاسة ، مفترض الطاعة ، قائم بأمر الله ، ناصح لعباد الله ) 72 .
و قد سأل ( سليمان الجعفري ) الإمام علي بن موسى الرضا ( عَليهِ السَّلامُ ) عن أعمال السلطان فأجابه بالقول :
( يا سليمان ! الدخول في أعمالهم ، و العون لهم ، و السعي في حوائجهم ، عديل الكفر ) 73 .
و قال الإمام محمد بن علي الجواد ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( العامل بالظلم ، و المعين عليه ، و الراضي به شركاء ) 74 .
و قال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( يوم العدل على الظالم أشدُّ من يوم الجور على المظلوم ) 75 .
و هكذا نقرأ نفس الأسلوب و عين المضامين السابقة في أحاديث و ممارسات الإمام محمد بن علي الجواد ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و الإمام علي بن محمد الهادي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و الإمام الحسن بن علي العسكري ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و أمّا الخليفة محمد بن الحسن المهدي ( عَليهِ السَّلامُ ) ، فسيرتُه في إقامة القسط و العدل ، و استئصال الظلم و الجور ، لهي من أوضح الواضحات ، و أجلى المسلَّمات .
و مضافاً إلى كلّ ذلك ، فقد مارس ( الخلفاء الإثني عشر ) أسلوباً عمليّاً في مواجهة الطواغيت ، يتمثل بإسناد و تأييد الثورات الشعبية المخلصة ، التي تفصح عن التحدّي الجماهيري بين الحين و الآخر ، و تحاول من خلال الجهاد المسلّح من أن تطيح بحكومات الجور و الضلال ، و تقيم حكم الله و شريعته المقدسة بدلاً من ذلك .
إنّ ( الخلفاء الإثني عشر ) ، و من موقع مسؤوليتهم في الدين و المجتمع ، لا بدَّ أن يقولوا كلمتهم بالنسبة إلى هذه الثورات المسلَّحة ، و يبيِّنوا رأيهم فيها ، لكي تتشخص الرؤية لدى المسلمين ، و يعرفوا حقيقة الموقف الذي يتبناه هؤلاء الخلفاء ، اتجاه الجبابرة و السلاطين .
و من غير الخفي أنَّه ليس من الضروري أن يقع التطابق الكامل في رؤية خلفاء الرسول ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) مع الناهضين بهذه الثورات البطولية ، و أن يتم التوافق في جميع الطموحات و الأهداف ، لأنَّ هذا مما يختلف باختلاف دوافع الثورة و وسائلها وغايتها ، و لكنَّ المهم هو أن يقع التوافق على مستوى رفض كلّ ما لم يحكم باسم الإسلام ، و مبادئه ، و تشريعاته ، و يكون التأييد الصادر عنهم ( عَليهِ السَّلامُ ) عند إطلاقه تأييداً لهذا الخطّ العام ، و النهج العريض ، الذي تلتقي فيه الرؤى عند هذا الهدف الإسلامي الكبير .
و من النماذج التأريخية التي تطلّ علينا في هذا المجال تأييد الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) لثورة ( زيد بن علي ) الذي خرج ضد الحكم الأموي ، إذ نراه ( عَليهِ السَّلامُ ) يقول :
( و لا تقولوا خرج زيد ، فإنَّ زيداً كان عالماً ، و كان صدوقاً ، ولم يدعكم إلى نفسه ، إنَّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و لو ظهر لوفى بما دعاكم إليه ) 76 .
و في الحقيقة إنَّ في قول الإمام الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) هذا تأييد للدوفع التي دعت إلى قيامها من الأساس ، و إقرارا لمشروعيتها الدينية ، بإعتبار أنَّها إكتسبت هذه الشرعية من خلال كونها وسيلة لتسليم الحكم إلى أهله المستحقين له واقعياً ، و هم أهل البيت ( عَليهمُ السَّلامُ ) ، و ليست دعوة تقوم على أساس السيطرة الفردية ، و الطموحات الشخصية .
و يعزّز لنا الإمام الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) هذه الحقيقة أيضاً بالقول لـ ( فضيل ) :
ـ ( يا فضيل شهدتَ مع عمي قتال إهل الشام ؟ فقال فضيل :
ـ نعم! قال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ فكم قتلتَ منهم ! قال فضيل :
ـ ستة . قال ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ فلعلَّك شاكٌّ في دمائهم ؟ قال :
ـ لو كنتُ شاكّا ما قتلتهم ، قال : فسمعته و هو يقول ( عَليهِ السَّلامُ ) :
ـ أشركني ، أشركني الله في تلك الدماء ، مضى والله زيد عمي و أصحابه شهداء ، مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب ( عَليهِ السَّلامُ ) و أصحابه ) 77 .
و هكذا كان موقف الإمام علي بن موسى الرضا ( عَليهِ السَّلامُ ) من هذه الثورة ، فقد سجل لنا التأريخ عنه هذه الكلمات في غضون الحديث عن ( زيد ) و ثورته :
( إنَّه كان من علماء آل محمد ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) ، غضب لله عزَّ و جلَّ ، فجاهد أعداءه ، حتى قُتل في سبيله ، و لقد حدثني أبي موسى بن جعفر ( عَليهِ السَّلامُ ) أنَّه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي ( عَليهِ السَّلامُ ) يقول :
رحم الله عمي زيداً ، إنَّه دعا إلى الرضا من آل محمد ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و لو ظفر لوفى بما دعا إليه ، إنَّه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ( عَليهِ السَّلامُ ) ) 78 .
و مضى أنَّ ( زيداً ) كان يدعو إلى الرضا من آل محمد ( عَليهِ السَّلامُ ) ، و أنَّه كان ينوي تسليم الأمر و الحكم بعد نجاح الثورة إلى خيرة آل محمد و أفضلهم ، و كان إذ ذاك يعتقد بأنَّ أخاه محمداً الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) هو إمام عصره ، و أنَّه هو الشخص المتأهل لحمل هذا العبء ، و القيام بالمسؤولية المترتبة عليه ، و بناءاً على هذا التصور الذي كان يحمله ( زيد ) اتجاه أخيه الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) ، نراه يستشيره في أمر الخروج ، ليجد أنَّ الإمام الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) يخبره بما رواه عن جده رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آله و سلم ) بخصوص مدة ملك بني أمية ، و ما يعلمه من أنَّ أخاه سوف يُقتل و يُصلب إن هو فعل ذلك ، أمّا هو ( عَليهِ السَّلامُ ) فقد آثر أن يتجه في مسارٍ آخر يحفظ فيه تعاليم الإسلام و حدوده ، من خلال عطائه الفكري الجبّار الذي خلَّفه بين يدي المسلمين ، على أن لا يحرم أخاه الثائر التأييد ، و المساندة ، و الإجلال ، و لنقرأ لـ ( المسعودي ) في ( مروج الذهب ) النصَّ الذي يقول :
( و قد كان زيد بن علي على شاور أخاه أبا جعفر الباقر بن علي بن الحسين بن علي ، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة ، إذ كانوا أهل غدرٍ و مكر ، و قال له :
ـ و بها قُتل جدك علي ، و بها طُعن عمُّك الحسن ، و بها قُتل أبوك الحسين ، و فيها و في أعمالها شُتمنا أهل البيت .
و أخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان ، و ما يتعقبهم من الدولة العباسية ، فأبى إلاّ ما عزم عليه من المطالبة بالحق ، فقال له :
ـ إنِّي أخاف عليك يا أخي أن تكون غداً المصلوب بكناسة الكوفة .
و ودعه أبو جعفر ، و أعلمه أنَّهما لا يلتقيان ) 79 .
و نرى أنَّ ( أبا الفرج الإصفهاني ) يثبِّت لنا في ( مقاتل الطالبين ) حقيقة إجلال الإمام محمد الباقر ( عَليهِ السَّلامُ ) لأخيه ( زيد ) ، و حبه و إحترامه إيّاه ، عندما يقول على لسان أحد أصحاب الإمام الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) :
( رأيت محمد بن علي يمسك لزيد بن علي بالركاب ـ أي ركاب الفرس ـ و يسوي ثيابه على السرج ) 80 .
و من المواقف الأخرى التي ساند فيها ( الخلفاء الإثني عشر ) الثورات المخلصة ضد الطواغيت ، موقف الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عَليهِ السَّلامُ ) من ثورة الحسين بن علي بن الحسن ، الذي أستشهد في ( فخ ) بالقرب من مكة ، عندما سار نحوها في عهد الخليفة العباس الهادي ، بعد أن أعلن ثورته في المدينة المنورة .
فنرى أن الإمام الكاظم ( عَليهِ السَّلامُ ) كان يقول له عندما رآه عازماً على الخروج :
( إنَّك مقتول ، فأحدَّ الضراب ، فإنَّ القوم فسّاق ، يظهرون إيماناً ، و يضمرون نفاقاً و شركاً ، فإنّا لله و إنّا إليه راجعون ، و عند الله أحسبكم من عصبة ) 81 .
و في الوقت الذي سمع فيه الإمام موسى الكاظم ( عَليهِ السَّلامُ ) بمقتل الحسين ( صاحب فخ ) نعاه بالقول :
( إنّا لله و إنّا إليه راجعون ، مضى واللهِ مسلماً ، صالحاً ، صوّاماً ، قوّاماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ) 82 .
ناهيك في كل هذا و ذاك ما تعرض له نفس هؤلاء ( الخلفاء الاثني عشر ) طيلة حياتهم الكريمة ( عَليهِ السَّلامُ ) من ألوان القسر ، و المتابعة ، و السجن ، و التشريد ، على أيدي حكّام الضلال ، فان هذا مما تضيق به الكتب فيما لو أردنا التعرّض له بتفصيل .
و على أيَّة حال فما دام الأمر كذلك فلابدَّ لمن تقلد كرسي الحكم بالغلبة و الإكراه من أن يطمس كلَّ أثرٍ يمتُّ إلى هذا المنهج بصلةٍ ، و يقطع علاقة الأمَّة بجميع السبل التي تفتح أمامهم أبواب هذه الثقافة ، و لا يمكن أن يتمَّ ذلك إلاّ عن طريق سلخ صفة الشرعية عن هؤلاء ( الخلفاء الإثني عشر ) بمختلف الأساليب 83 .
•1. التستري الشهيد ، نور الله ، الصوارم المخرقة ، تصحيح : جلال الدين المحدّث : 93 .
•2. جعفر كاشف الغطاء ، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء : 1 / 8 .
•3. الأربعين لمحمد طاهر القمّي الشيرازي : 35 .
•4. البخاري ، صحيح البخاري : 1 ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم : 37 ، و ج : 4 ، كتاب : الجهاد ، باب : هل يستشفع إلى أهل الذمَّة : 31 ، و ج : 4 ، كتاب : الجزية ، باب : إخراج اليهود من جزيرة العرب : 66 ، و ج : 5 ، كتاب : المغازي ، باب : مرض النبي : 137 ، و ج : 7 ، كتاب : المرضى ، باب : قول المريض : ( قوموا عنّي ) : 9 ، و ج : 8 ، كتاب : الإعتصام ، باب : كراهية الخلاف : 161 .
و انظر : إرشاد الساري : 1 ، كتابة العلم : 364 ، و فتح الباري : 1 ، كتابة العلم : 208 ، و عمدة القاري : 2 ، كتابة العلم : 169 .
و كذلك روي في صحيح مسلم بشرح النووي : 11 / 89 ـ 95 ، و الملل و النحل للشهرستاني : 1 / 20 ، و مسند أحمد بن حنبل : 1 / 222 و 293 و 324 و 355 ، و المصنَّف لعبد الرزاق : 5 / 438 و 439 ، وطبقات ابن سعد : 2 / 244 ، و تأريخ الطبري : 2 / 193 .
•5. إمتاع الاسماع : 546 .
•6. ابن سعد ، طبقات ابن سعد : 2 / 243 ـ 244 ، باب : الكتاب الذي أراد رسول الله ( صَلّى اللهُ عليهِ و آلِهِ و سَلَّمَ ) أن يكتبه لأمته ، و نهاية الإرب : 18 / 357 ، و كنز العمال : 7 ، ح : 18771 : 243 ، عن ابن سعد .
•7. ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد : 2 / 192 .
•8. ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد : 2 / 215 .
•9. الإعتصام بحبل الله المتين : 1 / 30 .
•10. الذهبي ، تذكرة الحفاظ : 1 ، ترجمة أبي بكر : ( 2 ـ 3 ) ، و الأنوار الكاشفة : 53 .
•11. ابن سعد ، الطبقات الكبرى : 6 / 7 ، و الدارمي ، سنن الدارمي : 1 ، ح : 279 و 280 : 97 ، و ابن ماجة في سنن ابن ماجة : 1 ، باب التوقّي في الحديث ، ح : 28 : 12 ، و الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 1 ، كتاب : العلم / 102 ، و الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث : 92 ، والذهبي في تذكرة الحفاظ : 1 / 7 ، و الهندي في كنز العمال : 2 ، رقم : 4017 : 284 ـ 285 ، و ابن عبد البر في جامع بيان العلم : 2 : 147 .
•12. إبراهيم بن هاشم ، تقييد العلم : 52 . و انظر : طبقات ابن سعد : 5 / 188 .
•13. إبراهيم بن هاشم ، تقييد العلم : 62ـ63 .
•14. إبراهيم بن هاشم ، تقييد العلم : 63 .
•15. ابن عساكر ، تأريخ دمشق : 39 : 108 ، و مختصر تأريخ دمشق : 14 : 63 .
•16. ابن الجوزي ، تلبيس إبليس : 396ـ398 .
•17. ابن عدي ، الكامل : 1 : 18 .
•18. انظر : المستدرك على الصحيحين للحاكم : 1 / 11 ، و مجمع الزوائد : 1 / 149 ، و تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 7 ، و مختصر تأريخ دمشق : 17 / 101 .
•19. ابن سعد ، الطبقات الكبرى : 2 / 336 .
•20. الخطيب ، الفقيه و المتفقه : 1 / 7 .
•21. ابن عساكر ، تأريخ دمشق لابن عساكر : 3 : 160 .
•22. للتوسع يمكن مراجعة البحث المذكور في معالم المدرستين للعلاّمة مرتضى العسكري : 1 / 402 ـ 483 .
•23. القران الكريم : سورة الشعراء ( 26 ) ، الآية : 214 ، الصفحة : 376 .
•24. العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين : 1 / 404 .
•25. الهيثمي ، مجمع الزوائد : 9 / 113 ـ 114 ، و انظر : معالم المدرستين : 1 / 411 ـ 414 .
•26. ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل : 6 / 113 .
•27. a. b. ابن عساكر ، ترجمة الإمام علي ( عَليهِ السَّلامُ ) : 3 / 15 .
•28. المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، شرح الخطبة : ( 57 ) : 1 / 56 .
•29. الطبري ، أبو جرير ، تأريخ الطبري : 6 / 108 ، و ابن الأثير ، تأريخ ابن الأثير : 3 / 202 ، حوادث سنة : إحدى و خمسين .
•30. المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، شرح الخطبة : ( 57 ) : 3 / 15 ـ 16 .
•31. المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة : 3 / 15 ـ 16 .
•32. المعتزلي ، ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة : 1 / 358 .
•33. العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين : 1 / 362 ، عن تأريخ الطبري .
•34. مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي : 12 / 225 .
•35. ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل : 3 / 171 .
•36. الطبراني ، المعجم الكبير ، تحقيق ، حمدي عبد المجيد السلفي : 18 ، رقم : 621 : 248 ، و كنز العمال : 5 ، ح : 14396 : 790 .
•37. المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال ، كنز العمال : 6 ، ، ح : 14868 : 66 .
•38. فقد رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) في ( صحيح البخاري ) : ( مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنَّه ليس أحدٌ يفارق الجماعةَ شبراً فيموت ، إلا ماتَ ميتة جاهلية ) : البخاري ، صحيح البخاري : 8 ، كتاب الأحكام ، باب : السمع و الطاعة للإمام ، ح : 2 : 105 .
و رُويَ في ( صحيح مسلم ) عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) أنَّه قالَ 🙁 يكونُ بعدي أئمةٌ لا يهتدونَ بهداي ، و لا يستنونَ بسُنتَّي ، و سيقومُ فيهم رجالٌ ، قلوبهُم قلوبُ الشياطين في جثمانِ إنس ، قال الراوي : كيف أصنعُ يا رسولَ اللّه إنْ أدركتُ ذلك ؟ قالَ : تَسمعُ و تطيعُ للأمير ، و انْ ضرب ظهرك ، و أخذ مالك ، فاسمع و أطع ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي : 12 / 238 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( فإنَّ من طاعة اللّهِ أن تطيعوني ، و من طاعتي أن تطيعوا أُمراءَكم ، و إن صلّوا قعوداً صلّوا قعوداً ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 5 ، ح : 14374 : 782 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( اسمعوا و أطيعوا فإنّما عليهم ما حُمِّلوا و عليكم ما حُمِّلتُم ) : مسلم ، صحيح مسلم بشرح النووي : 12 / 226 ، و كنز العمال للهندي : 6 ، ح : 4796 : 49 .
و رُويَ عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( صلّوا خلفَ كلِّ بَرٍّ و فاجر ، و صلّوا على كلِّ بَرٍّ و فاجر ، و جاهدوا مَعَ كلِّ بَرٍّ و فاجر ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال ، كنز العمال : 6 / 54 ، ح : 14815 .
•39. ابن حنبل ، أحمد ، مسند أحمد بن حنبل : 4 ، ح : 16692 : 126 .
•40. ابن مسلم ، الجامع الصحيح : 1 / 50 ، و كنز العمال للهندي : 3 ، ح : 5524 : 66 .
•41. ابن مسلم ، الجامع الصحيح : 1 / 50 ، و كنز العمال للهندي : 3 ، ح : 5524 : 66 .
•42. المتقي الهندي ، علاء الدين ، كنز العمال : 3 ، ح : 5511 : 64 .
•43. منصور علي ناصف ، التاج الجامع للأصول : 3 : 53 ، باب : الإخلاص للأمير .
•44. البخاري ، صحيح البخاري : 8 ، كتاب الأحكام ، باب : السمع و الطاعة للإمام : 105 ـ 106 ، ح : 3 . و صحيح مسلم بشرح النووي : 12 / 326 . و سنن ابن ماجة : 2 ، باب : الجهاد : 956 ، ح : 2864 . و سنن الترمذي : 4 ، ح : 1707 : 182 .
•45. ابن ماجة ، سنن ابن ماجة : 2 ، ح : 2865 : 956 .
و انظر : كنز العمال : 5 ، ح : 14413 : 797 : 6 ، ح : 14889 : 70 ، و ح : 14907 : 76 .
•46. ففي ( كنز العمال ) عنه ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) أنَّه قالَ : ( لا ينبغي لنفس مؤمنةٍ ترى مَن يعصي اللّهَ ، فلا تنكر عليه ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 3 ، ح : 5614 : 85 .
وفيه عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) 🙁 لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 6 ، ح : 14872 : 67 ، و انظر : مسند أحمد : 1 ، ح : 1098 : 131 .
و فيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( سيصيبُ أُمتي في آخر الزمان بلاءٌ شديدٌ من سلطانهم ، لا ينجو فيهم إلا رجلٌ عرف دينَ اللّهِ بلسانه ، ويده ، وقلبه ، فذلكَ الذي سبقت له السوابق ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 3 ، ح : 8450 : 682 .
و فيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( يا أبا هريرة : لا تدخلنَّ على أميرٍ و إن غُلبتَ على ذلك ، فلا تجاوز سنتي ، و لا تخافنَّ سيفَه و سوطَه ، أنْ تأمره بتقوى اللّهِ و طاعته ، يا أبا هريرة ! إنْ كنتَ وزيرَ أمير ، أو مشيرَ أمير ، أو داخلاً على أمير ، فلا تخالفنَّ سُنَّتي و لا سيرتي ؛ فإنَّ مَن خالفَ سنتي و سيرتي ، جيءَ به يومَ القيامة تأخذُه النار من كلِّ مكان ، ثمَّ يصيرُ إلى النار ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 3 ، ح : 8473 : 689 .
و فيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) : ( إحذروا على دينكم ثلاثةً : … و رجلٌ آتاه اللّهُ سلطاناً ، فقالَ : مَن أطاعني فقد أطاعَ اللّه ، و مَن عصاني فقد عصى اللّه ، و قد كذبَ ، و لا يكون لمخلوق خشية دونَ الخالق ) : علاء الدين الهندي ، كنز العمال : 5 ، ح : 14399 : 792 .
و في ( الدر المنثور ) عن رسولِ اللّهِ ( صَلّى اللهُ عَليهِ و آله و سلم ) انَّه قالَ : ( إنَّ رحى الإسلام ستدورُ ، فحيثُما دارَ القرآنُ فدوروا به ، يوشك السلطانُ و القرآنُ أن يقتتلا ويتفرَّقا ، إنَّه سيكون عليكم ملوك ، يحكمون لكم بحكم ، و لهم بغيره ، فإن أطعتموهم أضلّوكم ، و إن عصيتموهم قتلوكم ، قالَوا : يا رسولَ اللّه ، فكيف بنا إن أدركنا ذلك ؟ قالَ : تكونوا كأصحاب عيسى عَليهِ السلامُ نُشروا بالمناشير ، و رُفعوا على الخشب ، موت في طاعة خير من حياة في معصية ) : جلال الدين السيوطي ، الدر المنثور : 2 / 301 .
•47. نهج البلاغة / الكلام 131 .
•48. نهج البلاغة / الخطبة : 33 .
•49. نهج البلاغة / الرسائل : 45 .
•50. نهج البلاغة / الخطبة : 173 .
•51. نهج البلاغة / الخطبة : 110 .
•52. نهج البلاغة / الكلام : 164 .
•53. نهج البلاغة / الخطبة : 165 .
•54. الكاشاني ، محمد بن المحسن ، معادن الحكمة : 2 / 24 .
•55. المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار : 44 / 329 ، و مقتل الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) للخوارزمي : 1 / 88 .
•56. المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار : 44 / 325 ، و مقتل الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) لابن طاووس : 11 .
•57. المفيد ، محمد بن النعمان ، الإرشاد : 2 / 39 .
•58. المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار : 44 / 340 ، و مقتل الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) لعبد الرزاق المقرم : 141 و 142 .
•59. المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار : 44 / 328 ، و الوثائق الرسمية لثورة الإمام الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) لـ ( عبد الكريم القزويني ) : 45 .
•60. ابن شهراشوب ، المناقب : 4 / 68 ، و بحار الأنوار للمجلسي : 44 / 191 ، عنه ، و ابن طاووس في مقتل الحسين ( عَليهِ السَّلامُ ) : 32 ـ 33 .
•61. الذهبي ، شمس الدين ، تأريخ الإسلام : 2 / 356 .
•62. رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين السجاد ( عَليهِ السَّلامُ ) .
•63. الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 17 / 179 .
•64. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 128 ، الصفحة : 165 .
•65. ابن شهراشوب ، المناقب : 4 / 189 ، و سيرة النبي و أهل بيته ( عَليهِمُ السَّلامُ ) ، مؤسسة البلاغ : 2 / 280 ـ 281 ، عنه ، و رويت هذه الحادثة بألفاظ متفاوتة ، في بحار الأنوار للمجلسي : 46 ، باب : خروجه ( عَليهِ السَّلامُ ) إلى الشام ، و دلائل الإمامة للطبري ، و تفسير علي بن إبراهيم ، و غيرها .
•66. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 2 / 334 .
•67. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 2 / 333 .
•68. الأربلي ، كشف الغمة : 2 / 420 ، و بحار الأنوار للمجلسي : 47 / 184 عنه ، والإمام الصادق ( عَليهِ السَّلامُ ) لـ ( محمد أبو زهرة ) : 139 .
•69. الطوسي ، أبو جعفر ، اختيار معرفة الرجال المعروف بـ ( رجال الكشي ) ، ترجمة رقم 828 : 441 ، و المجلسي في بحار الأنوار : 75 / 376 عنه ، و معجم رجال الحديث لأبي القاسم الخوئي : 9 / 122 .
•70. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 5 / 109 ـ 110 .
•71. a. b. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 .
•72. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 1 / 202 ، و سيرة رسول الله و أهل بيته ، مؤسسة البلاغ : 2 / 436 ـ 437 .
•73. الحر العاملي ، وسائل الشيعة : 6 / 138 .
•74. الصدوق ، أبو جعفر ، الخصال : 1 ، باب الثلاثة ، رواية : 72 : 107 ، و الوسائل للحر العاملي : 16 / 140 ، و الفصول المهمة لابن الصبّاغ المالكي : 274 .
•75. المالكي ، ابن الصباغ ، الفصول المهمة ، ذكر أبي جعفر الجواد .
•76. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 8 ، رواية : 381 : 264 ، و وسائل الشيعة للحر العاملي : 15 / 50 ، عنه .
•77. الصدوق ، أبو جعفر ، الأمالي : 286 ، و بحار الأنوار للمجلسي : 46 / 171 ، عنه ، و مجلة المنطلق ، العدد : 54 / 36 ، عام 1409 هـ ، و عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق : 1 / 228 .
•78. الصدوق ، أبو جعفر ، عيون أخبار الرضا ( عَليهِ السَّلامُ ) : 1 / 225 ، وسائل الشيعة للحر العاملي : 15 / 54 ، عنه .
•79. المسعودي ، مروج الذهب : 3 / 206 .
•80. الأصفهاني ، أبو الفرج ، مقاتل الطالبيين : 129 .
•81. الكليني ، محمد بن يعقوب ، الكافي : 1 / 366 ، و بحار الأنوار للمجلسي : 48 / 160 ، عنه .
•82. المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار : 48 / 165 ، عن مقاتل الطالبيين .
•83. كتاب الخلفاء الإثنا عشر الدكتور شيخ جعفر الباقري الفصل الرابع .
العلامة الدكتور الشيخ جعفر الباقري
المصدر : مركز الاشعاع الاسلامي