بقلم الباحث: سلام مكي الطائي
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قِلة الكَلَامِ تَستُرُ العُيُوبَ، وَتُقَلّلُ الذُّنُوبَ)[1].
إن قلة الكلام من الصفات والاخلاق الحميدة، وهي تدل على ادب الشخص، ورزانة عقلة، وفيها يكون الفرد محترماً وحافظاً لمكانته في المجتمع عكس الثرثار في حديثه؛ فيصبح منبوذاً بين الناس.
وكذلك أن قلة الكلام تقلل من ذنوب الفرد وتستر عيوبه وهذا يتبين لنا من قول أمير المؤمنين(عليه السَّلَام)؛ لأنه لو كان مكثر من الكلام؛ لعله ينزلق في الحديث عن الآخرين، ويغتابهم بكلامٍ ليس فيه شيء من الصحة مما يستوجب عليه الذنب، لكن لو التزم الصمت وقل حديثه يبعده عن الشيء الذي يكشف عيوبه، يزيد من ذنوبه وهو (كثرة الكلام).
كما روي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (من كثر كلامه كثر خطأه[2](…؛ أي على الانسان المؤمن أن لا يكون مهذارا، ويقلل من كلامه، يصدر من لسانه؛ لأن لو أتى بحديثٍ غير متأًكدٍ منه، ممكن أن تكون عاقبته عليه سيئة، أو يكون له عثرة في حياته؛ فيتعرقل سيره فيها ولا يستطيع الخروج من هذه العثرة التي سببها له لسانه، وهذا ما يتبين لنا من قول أمير المؤمنين(عليه السلام) : (قلة الكلام تستر العوار، وتؤمن العثار)[3].
وكذلك قال (عليه السلام) في النهي عن كثرة الكلام: (الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِه فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِه صِرْتَ فِي وَثَاقِه فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ ووَرِقَكَ…)[4].
وأيضاً أن قلة الكلام تحافظ على النعمة من الزوال؛ لأن لو تكلم الفرد بكلامٍ لا يرضي الله تعالى سيحاسبه (عز وجل) عليه وممكن أن يكون حسابه له بسلب النعمة منه وجلب النقمة إليه، وهذا ما يؤكدونه أهل البيت(عليهم السلام) في أقوالهم، حيث قال الإمام علي :(عليه السلام) (…فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وجَلَبَتْ نِقْمَةً…)[5].
وعلى الإنسان أن لا يتكلم بكلام وهو غير متأكدٍ منه؛ وذلك لأن الله تعالى فرض على كل عضو من أعضاء الإنسان فرائض تشهد عليه يوم القيامة، وهذا ما يبينه لنا ويؤكده أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية (عليه السلام)، إذ أنه قال: (يا بني: لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم؛ فإن الله فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة…)[6]،أي: إن الله تعالى سيعذب اللسان الذي لا ينطق بالحق عذاباً شديداً أكثر من باقي الجوارح في يوم القيامة؛ لأن بسببه حدثت جرائم وانتهكت حرمات ونهبت أموال، وكذلك بسببه يذهب المرء الى التهلكة، وفي هذا الشأن ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إذ أنه قال: (يعذب اللسان بعذابٍ، لا يعذب به شيئاً من الجوارح؛ فيقول: اي رب عذبتني بعذابٍ لم تعذب به شيئاً من الجوارح؛ فيقال له: خرجت منك كلمة؛ فبلغت مشارق الأرض ومغاربها؛ فسفك منها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام، …وعزوتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من الجوارح)[7].
فنفهم من ذلك يجب على المؤمن أن يحسب لكل كلمةٍ يتكلم بها، وأن يكون حذراً ممَّا يقوله وينطق به لسانهِ.
ويجب على الانسان الذي يؤمن بالله وباليوم الآخر أن يبتعد عن الاشياء التي لا تعنيه، وعدم التكلم فيها، وإذا أراد أن يتكلم؛ فأما أن يكون كلامه في الخير و فيما يرضي الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، أو ليصمت ولا يتفوه بأي كلامٍ آخر، كما ورد في قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)[8].
وأن لا يتدخل في أمور الناس، أو يكون فضولياً في الأسئلة عنها، حيث روي عن الإمام علي (عليه السلام) انه مرَّ برجلٍ يتكلم بفضول الكلام؛ فوقف عليه؛ فقال: (يا هذا إنك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك؛ فتكلم بما يعنيك)[9]، أي: إن من لم يلتزم بقلة الكلام؛ فقد يؤدي هذا الامر إلى عدم احترامه من قبل الناس، وهذه الصفات لا ترضي الله عز وجل، ولا هي من خصال الانسان المؤمن؛ فمن أخلاق وصفات الشخص الذي يخشى الله هي: الابتعاد عن كثرة الكلام في الاشياء التي لا تخصه ولا تمد له بصلةٍ ولا تهمه أو تعنيه، كما روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه)[10].
وكذلك من كان يعلم أن كثرة كلامه وقلته من أعماله لا يتدخل ولا يتكلم إلا فيما يعنيه، هذا ما بينه الإمام علي(عليه السلام)، إذ أنه قال: (من علم أن كلامه من عمله، قل كلامه إلاّ فيما يعنيه)[11]؛ لأن إذا تكلم بكلامٍ سيء، ذهبت أعماله الصالحة؛ لذلك يكون قليل الكلام إلا إذا كان الأمر يخصه ويعنيه.
ولكن لا يجب قلة الكلام والصمت في رضاء اللَّه تعالى، و لا في آلائه ونعمائه وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الناس ونشر العلوم في الصالحين، والدعاء والتلاوة والصلاة والاستغفار، وعن ذلك، ما ورد عن الإمام السجاد (عليه السلام) عندما سئل عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟ فقال (عليه السلام): (لكل واحد آفات؛ فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت، قيل: وكيف ذاك يا ابن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لأن اللَّه عز وجل، ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، انما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية اللَّه بالسكوت ولا توقيت النار بالسكوت ولا يجنب سخط اللَّه بالسكوت، انما ذلك كله بالكلام ما كنت لأعدل القمر بالشمس انك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت)[12].
الهوامش:
[1] غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدي التميمي، ح6090، ص223.
[2] النور الساطع في الفقه النافع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج 2، ص582.
[3] غرر الحكم، ح6089، ص223.
[4]النور الساطع في الفقه النافع، ج 2، ص582.
[5] النور الساطع في الفقه النافع، ج 2، ص582.
[6]الوافي، الفيض الكاشاني، ج 26، ص230.
[7] النور الساطع في الفقه النافع، ج 2، ص582.
[8] منتهى المطلب (ط.ق)، العلامة الحلي، ج2، ص811.
[9]النور الساطع في الفقه النافع، ج2، ص852.
[10]الوافي، ج9، ص1651.
[11]مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي، ص306.
[12] النور الساطع في الفقه النافع، ج2، ص853.
المصدر: http://inahj.org