نور العترة

قتل ستين نفسا بريئة في ليلة واحدة …

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ النَّيْسَابُورِيِّ ــ وَ كَانَ مُسِنّاً ــ قَالَ‏: كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ 1 الطَّائِيِّ الطُّوسِيِّ مُعَامَلَةٌ فَرَحَلْتُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ قُدُومِي فَاسْتَحْضَرَنِي لِلْوَقْتِ وَ عَلَيَّ ثِيَابُ السَّفَرِ لَمْ أُغَيِّرْهَا وَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهِ رَأَيْتُهُ فِي بَيْتٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ جَلَسْتُ، فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وَ إِبْرِيقٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَنِي فَغَسَلْتُ يَدَيَّ وَ أُحْضِرَتِ الْمَائِدَةُ وَ ذَهَبَ عَنِّي أَنِّي صَائِمٌ وَ أَنِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي.
فَقَالَ لِي حُمَيْدٌ: مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ ؟!
فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَ لَسْتُ بِمَرِيضٍ وَ لَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ‏ الْإِفْطَارَ، وَ لَعَلَّ الْأَمِيرَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ أَوْ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ .
فَقَالَ: مَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ وَ إِنِّي لَصَحِيحُ الْبَدَنِ، ثُمَّ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَ بَكَى .
فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ: مَا يُبْكِيكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ ؟
فَقَالَ: أَنْفَذَ إِلَيَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَقْتَ كَوْنِهِ بِطُوسَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ أَنْ أَجِبْ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةً تَتَّقِدُ وَ سَيْفاً أُحْضِرَ مَسْلُولًا، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَادِمٌ وَاقِفٌ، فَلَمَّا قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ.
فَأَطْرَقَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.
فَلَمْ أَلْبَثْ فِي مَنْزِلِي حَتَّى عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ وَ قَالَ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:‏ إِنَّا لِلَّهِ‏ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَزَمَ عَلَى قَتْلِي وَ إِنَّهُ لَمَّا رَآنِي اسْتَحْيَا مِنِّي، فَعُدْتُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ وَ الْأَهْلِ وَ الْوَلَدِ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.
فَلَمَّا دَخَلْتُ مَنْزِلِي لَمْ أَلْبَثْ أَنْ عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَحَضَرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ عَلَى حَالِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَ الْمَالِ وَ الْأَهْلِ وَ الْوَلَدِ وَ الدِّينِ.
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ هَذَا السَّيْفَ وَ امْتَثِلْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الْخَادِمُ.
قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْخَادِمُ السَّيْفَ وَ نَاوَلَنِيهِ وَ جَاءَ بِي إِلَى بَيْتٍ بَابُهُ مُغْلَقٌ فَفَتَحَهُ، فَإِذَا فِيهِ بِئْرٌ فِي وَسَطِهِ، وَ ثَلَاثَةُ بُيُوتٍ أَبْوَابُهَا مُغْلَقَةٌ، فَفَتَحَ بَابَ بَيْتٍ مِنْهَا فَإِذَا فِيهِ عِشْرُونَ نَفْساً عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَ الذَّوَائِبُ، شُيُوخٌ وَ كُهُولٌ وَ شُبَّانٌ مُقَيَّدُونَ.
فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ وَ كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَوِيَّةً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام.
فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ رَمَى بِأَجْسَادِهِمْ وَ رُءُوسِهِمْ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ.
ثُمَّ فَتَحَ بَابَ بَيْتٍ آخَرَ فَإِذَا فِيهِ أَيْضاً عِشْرُونَ نَفْساً مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام مُقَيَّدُونَ.
فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ وَ يَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ‏.
ثُمَّ فَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ الثَّالِثِ، فَإِذَا فِيهِ مِثْلُهُمْ عِشْرُونَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مُقَيَّدُونَ عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَ الذَّوَائِبُ.
فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْتُلَ هَؤُلَاءِ أَيْضاً، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ فَيَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى تِسْعَ عَشْرَةَ نَفْساً مِنْهُمْ وَ بَقِيَ شَيْخٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ شَعْرٌ، فَقَالَ لِي تَبّاً لَكَ يَا مَشُومُ أَيُّ عُذْرٍ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَدِّنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ قَدْ قَتَلْتَ مِنْ أَوْلَادِهِ سِتِّينَ نَفْساً قَدْ وَلَدَهُمْ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ عليهما السلام؟!

فَارْتَعَشَتْ يَدِي وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي، فَنَظَرَ إِلَيَّ الْخَادِمُ مُغْضَباً وَ زَبَرَنِي، فَأَتَيْتُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ أَيْضاً فَقَتَلْتُهُ وَ رَمَى بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، فَإِذَا كَانَ فِعْلِي هَذَا وَ قَدْ قَتَلْتُ سِتِّينَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَمَا يَنْفَعُنِي صَوْمِي وَ صَلَاتِي وَ أَنَا لَا أَشُكُّ أَنِّي مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ 2.

  • 1. حُمَيد بن قَحطَبة بن شبيب الطائي، أحد الناشطين في الدعوة إلى العباسيين في خراسان و أحد القادة العسكريين الذي لعب دوراً بارزاً في وصول بني العباس إلى السلطة، و لقد قاد برفقة أبو مسلم الخراساني معارك كثيرة كانت نتيجتها الاطاحة بالحكم الاموي، عينه أبو جعفر المنصور واليا على مصر سنة 143 هجرية، ثم عين والياً على خراسان سنة 151 هجرية و بقي واليا على خراسان حتى وفاته سنة 159 هجرية.
  • 2. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار(عليهم السلام)): 48 / 176 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان،  سنة: 1414 هجرية.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى