مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق – بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم – كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى، ولقد كانت أخلاقه قبساً من نور خلق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم أخلاقه، حتى شب عن الطوق، واكتملت رجولته، حيث كان يتولاه بالمواعظ والآداب العظيمة، فتنامت أخلاقه شموخاً، وسجاياه علواً ورفعةً، وظلت فضائله وأخلاقه ومكارمه حية متألقة في روحه حتى فارق الدنيا.
فهو ابن عم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من لبَّى دعوته واعتنق دينه، وصلّى معه، وهو أفضل هذه الأمة مناقب – بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم – وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا أنهدت صولة الكافرين.
والحديث عن علي بن أبي طالب عليه السلام طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه، وحسبنا أن نشير هنا إلى بعض خصائصه وأخلاقه، لكي تكون مناراً ينير لنا درب القرب إلى الله تعالى والمعراج إليه، ونحيا حياة علي بن أبي طالب عليه السلام ونموت مماته.
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصف علياً عليه السلام:
إنَّ خير ما نبدأ به حديثنا عن أمير المؤمنين عليه السلام هو قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصفه له، حيث قال: «من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته وإلى شيث في حكمته وإلى إدريس في نباهته ومهابته وإلى نوح في شكره لربه وعبادته وإلى إبراهيم في وفائه وخلته وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته وإلى عيسى في حب كل مؤمن ومعاشرته فلينظر إلى علي بن أبي طالب». (بحار الأنوار للمجلسي: ج17، ص419 ب5 ح49).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله وإلى إبراهيم في سخائه وإلى سليمان في بهجته وإلى داود في حكمته فلينظر إلى علي بن أبي طالب». (بحار الأنوار للمجلسي:ج39، ص35ب73ح2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:«… لَوْلَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لَا تَمُرُّ بِمَلأٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ…».(الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص57).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري». (المناقب لابن شهر اشوب: ج3 ص60).
هذا بعض ما ذكر في وصف الأمير عليه السلام وهو ولي الله الأعظم والإمام الأكبر لبني البشر. وهذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دليل على أن ما قيل وما كتب وما سيقال ويكتب عن علي عليه السلام ليس إلا بمقدار جناح بعوضة أمام ذروة ربانية شامخة تجتمع فيه خلاصة المقامات الإلهية التي يعطيها الله لخاصة أوليائه. فعظمة علي عليه السلام لا يعرفها أهل الأرض ولا أهل السماء, وقد ورد وصفه في الرواية: «كبير في الأرض جليل في السماء عظيم عند الله سبحانه وتعالى». إنَّ عظمة علي عليه السلام يعرفها فقط المليك المقتدر.
إيمانه الوثيق بالله تعالى وإخلاصه:
الصفة البارزة التي تميّز بها الإمام عليه السلام أنّه كان من أعظم المسلمين إيماناً بالله تعالى، ومن أكثرهم معرفة به، وهو القائل: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا… ». (مناقب آل أبي طالب لابن شهر اشوب: ج1، ص317). وقد ورد في مناجاته لله تعالى قوله عليه السلام: «إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك، ولا طمعا في ثوابك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك». (بحار الأنوار للمجلسي: ج٤١، ص14).
وهذا هو منتهى الإيمان، فقد كانت عبادته لله تعالى عبادة المنيبين والعارفين الأحرار لا عبادة التجار ولا عبادة العبيد، فقد وهب حياته لله تعالى، وجاهد في سبيله كأعظم ما يكون الجهاد، وكانت جميع أعماله خالصة لوجه الله تعالى لا يشوبها أيّة شائبة من أغراض الدنيا ومتعها التي يؤول أمرها إلى التراب، وحدّثنا المؤرّخون عنه حينما صرع عمرو بن عبد ودّ العامري فارس العرب، فإنّه لم يجهز عليه لأنّه قد سبّه وأغلظ في شتمه، فغضب من ذلك، ولمّا سكن غضبه أجهز عليه، وقد سئل عن السبب في تأخيره لقتله، فأجاب: «إنّي ما أحببت قتله انتقاماً لسبّه لي فيفوت منّي الأجر والثّواب، فلمّا سكن غضبي أجهزت عليه في سبيل الله تعالى»، وهكذا كانت جميع أعماله وصنوف جهاده خالصة لوجه الله تعالى، لم يبتغ فيها إلاّ رضا الله تعالى.
إنابته عليه السلام لله تعالى:
كان الإمام عليه السلام من أعظم المنيبين لله تعالى، ومن أكثرهم خوفاً منه، وقد حدّث أبو الدرداء عن شدّة إنابته لله تعالى قال: شاهدت علي بن أبي طالب بسويحات بني النجار وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه وقد استتر ببعيلات النخل فافتقدته وبَعُدَ عليّ مكانه فقلت: لَحِق بمنزله، فإذا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: «إلهي كم من موبقة حلمتَ عن مقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمتَ عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا راج غير رضوانك»، فشغلني الصوت واقتفيت الأثر فإذا هو علي بن أبي طالب بعينه، فاستترت لأسمع كلامه وأخملت الحركة فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء والتضرع والبكاء والبث والشكوى، فكان مما ناجى به الله عز وجل أن قال: «اللهم إني أفكر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي، ثم قال: آه إن قرأتُ في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها فتقول: خذوه، فياله من مأخوذ لا تُنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء، ثم قال: آه من نار تُنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزّاعة للشوى، آه من غمرة في ملهبات لظى»، ثم أمعن (أي زاد) في البكاء فلم أسمع له حساً ولا حركةً، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرك وزوّيته فلم ينزوِ، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة: «يا أبا الدرداء ما كان من شأنه وقصته؟» فأخبرتها الخبر، فقالت: «هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى»، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إليّ وأنا أبكي فقال: «ما بكاؤك يا أبا الدرداء؟»
فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.
فقال: «يا أبا الدرداء! فكيف لو رأيتني وقد دُعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاظ، وأوقفت بين يدي الجبار، وقد أسلمني الأحبّاء ورحمني أهل الدنيا لكنتَ أشدّ رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية»، قال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (تنبيه الخواطر لابن ورام: ج2، ص156).
لقد كان قلب أمير المؤمنين عليه السلام وفكره متعلقاً بالله تعالى في جميع فترات حياته، وسعى لكلّ ما يقرّبه إليه زلفى، وممّا قاله ضرار لمعاوية في وصفه للإمام: ولو رأيته في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم (السليم: من لدغته الحيّة) ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: «يا دنيا، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثاً (أي طلّقتك طلاقاً بائناً) لا رجعة لي عليك»، ثمّ يقول: «آه آه لبعد السّفر، وقلّة الزّاد، وخشونة الطّريق», وتأثّر معاوية وقال: حسبك يا ضرار، كذلك والله كان عليّ. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص15، الأمالي للشيخ الصدوق: ص٣٧١).
إنّ هذه الإنابة تُبهر العقول، إنّها إنابة العارفين بالله تعالى الذين ملئت نفوسهم إيماناً وخشية وإخلاصاً لله تعالى.
عبادته عليه السلام:
روى المؤرّخون صوراً مذهلة عن عبادة الإمام لله تعالى، فقد رووا أنّه حينما كان في أشدّ الأهوال وأعنفها في صفّين كان يقيم الصلاة في وسط المعركة وسهام الأعداء تأخذه يميناً وشمالاً، وهو غير حافل بها لأن مشاعره وعواطفه قد تعلّقت بالله تعالى.
قال الامام محمد الباقر عليه السلام: «دخلت على أبي عليّ بن الحسين فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من الصلاة، قال أبو جعفر: فلم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحالة وهو يبكي فبكيت رحمة له، فالتفت إليّ فقال: أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً، ثمّ تركها من يده تضجّراً، وقال: من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب». (الإرشاد للشيخ المفيد: ص٢٧١، بحار الأنوار للمجلسي: ج37، ص17، وسائل الشيعة للحر العاملي: ج1، ص68).
العصمة من الذنوب:
وظاهرة أخرى من نزعات الإمام عليه السلام وذاتياته العصمة من كلّ إثم ورجس، فلم يقترف – بإجماع المؤرّخين- أي ذنب أو خطيئة، ولم يشذّ عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هديه وسلوكه، قال عليه السلام :«والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جِلب شعيرة ما فعلت».(نهج البلاغة خطب الامام علي عليه السلام: ج2، ص218)، وقال عليه السلام : «والله لأن أبيت على حسك السّعدان (الحسك: الشوك، السعدان: نبت له شوك ترعاه الإبل) مسهّداً، أو أُجرّ في الأغلال مصفّداً، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام». (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3، ص80).
نكران الذات:
لقد آثر أمير المؤمنين عليه السلام الآخرين بالطيبات واللذائذ فتنكر لذاته وقدّم غيره على نفسه، وقد وصف الإمام الباقر عليه السلام هذه الخصلة عند أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: «كان علي بن أبي طالب عليه السلام ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير، والزيت والخل». (بحار الأنوار للمجلسي: ج40، ص337).
وينقل لنا التاريخ نماذج كثيرة في هذا الشأن منها:
1- قال عليه السلام: «وإنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطّريق، إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشّبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ
أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش». (نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج3، ص73).
2- أتى الإمام عليه السلام سوق البزّازين ليشتري ثوباً له فوقف على تاجر فعرفه، فأراد مسامحته ليتقرّب إليه، فانصرف عنه ولم يشتر منه، ووقف على غلام لم يعرفه فاشترى منه ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين، فقال لقنبر: «خذ الّذي بثلاثة دراهم»,
فقال له قنبر: أنت أولى به، إنّك تصعد المنبر وتخطب الناس، فردّ عليه السلام وقال له: «أنت شابّ، ولك شرة الشّباب، وأنا أستحي من ربّي أن أتفضّل عليك». (الغارات لابراهيم الثقفي: ج١: ص١٠٦).
حرصه عليه السلام على أموال الناس:
لقد كان عليه السلام حريصاً على أموال المسلمين دقيقاً في صرفها ولم يستأثر منها بشيء لنفسه ويذكر المؤرخون حوادث رائعة في هذا المجال منها:
1ـ روى هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على عليّ بن ابي طالب عليه السلام بالخورنق، وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يتنعم، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال: «والله ما أرزؤكم من مالكم شيئاً، وإنّها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي: أو قال: من المدينة». (حلية الأبرار للبحراني: ج2، ص246).
2 ـ وقال الإمام علي عليه السلام:« دخلت بلادكم بأسمالي هذه، ورحلي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين». (بحار الأنوار للمجلسي: ج40، ص325 ب98 ح7).
3ـ ذكر الرواة أنّ الإمام في أيام خلافته لم يكن عنده قيمة ثلاثة دراهم ليشتري بها إزاراً أو ما يحتاج إليه، ثمّ يدخل بيت المال فيقسّم كلّ ما فيه على الناس، ثمّ يصلّي فيه، ويقول: «الحمد لله الّذي أخرجني منه كما دخلته». (بحار الأنوار للمجلسي: ج40، ص321).
زهده عليه السلام:
من ذاتيات إمام المتّقين، ومن أبرز عناصره الزهد التامّ في الدنيا، والرفض الكامل لجميع مباهجها وزينتها فكان أزهد الناس، وقد تحدّث الإمام عليه السلام عن زهده وإعراضه عن الدنيا بقوله: «فو الله ما كنزت من دنياكم تِبراً، ولا ادّخرت من غنائمها وَفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طِمراً، ولا حُزت من أرضها شِبراً، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة».
لقد زهد الإمام عليه السلام في الدنيا في جميع فترات حياته خصوصاً لمّا تولّى السلطة العامّة للمسلمين، فقد تجرّد تجرّداً تامّاً من جميع رغباتها وعاش عيشة البؤساء والفقراء، فلم يبنِ له داراً، ولم يلبس من أطايب الثياب وإنّما كان يلبس لباس الفقراء، ويأكل أكلهم، مواساةً لهم وهكذا انصرف عن الدنيا، وملاذها ومنافعها، فعن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: «ولقد ولي علي عليه السلام خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء». (بحار الأنوار للمجلسي: ج40 ص339).
ومن أمثلة زهده ما رواه صالح بن الأسود قال: رأيت عليّاً قد ركب حماراً وأدلى رجليه إلى موضع واحد، وهو يقول: «أنا الّذي أهنت الدّنيا». (تاريخ دمشق لأبن عساكر: ج3، ص236، جواهر المطالب لابن محمد الدمشقي الشافعي: ص٢٧٦).
أجل والله يا رائد العدل لقد أهنت الدنيا، واحتقرت جميع مباهجها وزينتها، فقد أتتك الدنيا وتقلّدت أسمى مركز فيها، فلم تحفل بها، ولم تعر لسلطتها أي بال، فسلام الله عليك يا إمام المتّقين.
صور مذهلة من زهده عليه السلام:
وذكر المؤرّخون والرواة صوراً رائعة ومذهلة من زهد الإمام عليه السلام كان منها ما يأتي:
١ ـ لباسه عليه السلام:
لم يعتن الإمام عليه السلام بلباسه، وإنّما كان يلبس أخشن الثياب، وليس عنده من الثياب غير الثوب الذي عليه… كل ذلك إعراضاً منه عن زهرة الحياة الدنيا وزهده بها ومواساة منه للفقراء … وهذه بعض البوادر التي حكيت عنه:
أ ـ منها: انه خرج إلى الناس وعليه إزار مرقوع فعوتب في لبسه فقال عليه السلام: «يخشع القلب بلبسه ويقتدي به المؤمن إذا رآه». (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لمحمد بن طلحة الشافعي: ص184).
ب ـ روى أبو إسحاق السبيعي، قال: كنت على عنق أبي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يخطب، وهو يتروّح بكمّه، فقلت: يا أبه، أمير المؤمنين يجد الحرّ؟ فقال: لا يجد حرّاً ولا برداً، ولكنّه غسل قميصه وهو رطب، ولا له غيره فهو يتروّح به. (الغارات لابراهيم الثقفي الكوفي: ج1، ص99).
ج ـ روى عليّ بن الأقمر قال: رأيت عليّاً وهو يبيع سيفاً له في السوق ويقول: «من يشتري منّي هذا السّيف، فوالّذي فلق الحبّة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته». (ذخائر العقبى لأحمد الطبري: ص 18).
هذه بعض البوادر من زهده في لباسه وكم نحن اليوم بحاجة إلى الاقتداء بسيرته ونبذ مظاهر الإسراف المتفشية في مجتمعاتنا.
٢ ـ طعامه عليه السلام:
وامتنع الإمام عليه السلام من تناول ألوان الأطعمة، واقتصر على ما يسدّ الرمق من الأطعمة البسيطة كالخبز والملح، وربّما تعدّاه إلى اللبن أو الخلّ، وكان في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربط الحجر على بطنه من الجوع. (بحار الأنوار للمجلسي: ج16، ص227). وكان قليل التناول للحم، وقد قال: «لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان». (ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص452).
ويروي لنا سويد بن غفلة صورة من زهده عليه السلام حيث يقول: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر فوجدته جالساً بين يديه صحفة فيها لبن حازر(اللبن الحامض جداً) أجد ريحه من شدّة حموضته وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه وهو يكسّر بيده أحياناً فإذا غلبه كسّره بركبته فطرحه فيه، فقال: «ادن فأصب من طعامنا هذا»، فقلت: إنّي صائم فقال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من منعه الصوم عن طعام يشتهيه كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من رابها»، قال: فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه: ويحكِ يا فضّة ألا تتّقين الله في هذا الشيخ ألا تنخلون له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة؟
فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً، قال عليه السلام: «ما قلت لها؟», فأخبرته، فقال: «بأبي أنت وأمّي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه الله عزّ وجل (يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). (كشف الغمة للأربلي: ص24 والمناقب لابن شهر اشوب: ص71).
ومن المؤكّد أنّ الإمام عليه السلام لم ينل من أطائب الطعام حتى وافاه الأجل المحتوم، فقد أفطر في آخر يوم من حياته في شهر رمضان على خبز وجريش ملح، وأمر برفع اللبن الذي قدّمته له بنته الزكية أمّ كلثوم (منتهى الآمال للقمي: ج1، ص334)، وهو في نفس الوقت كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه: وددت أنّي كنت يتيماً. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص29).
شجاعته عليه السلام:
من مظاهر شخصيّة الإمام عليه السلام شجاعته النادرة التي صارت مضرب الأمثال وأنشودة الأبطال في كلّ زمان ومكان، فهو بطل الإسلام دون منازع، لا يعرف المسلمون سيفاً كسيف عليّ عليه السلام في إطاحته لرؤوس المشركين وأعلام الملحدين، ومواقفه المشرّفة في واقعة بدر وأحد والأحزاب وغيرها تدلّل بوضوح على أنّ الإسلام قام بجهوده وجهاده، ولولا جهاده وقوّة بأسه وصلابة موقفه لما قام الإسلام ولقضت عليه قريش في أوّل بزوغ نوره، وقد شاعت في جميع الأوساط شجاعته، وراح الناس يتحدّثون عنها بإعجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ أفرس النّاس عليّ بن أبي طالب عليه السلام». (رسائل الجاحظ لابن بحر البصري: ج2، ص222).
فقد وهب الله تعالى للإمام عليه السلام قوّة جسدية هائلة، وقوّة نفسية مذهلة، استطاع بهما أن يلحق العار والهزيمة بالذين يريدون إخماد نور الإسلام، ومن قوّته أنّه إذا أمسك بذراع رجل كأنّما أمسك نفسه، ولم يستطع أن يتنفّس. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص٢٧٦). وكان في صباه يصارع كبار إخوته وصغارهم وكبار بني عمّه وصغارهم فيصرعهم. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص٢٧٥، المناقب لابن شهر اشوب: ج1، ص٤٣٩)، وهو الذي قلع باب خيبر وجعلها جسراً على الخندق فعبر عليها الجيش الإسلامي، ثمّ رماها مسافة أذهلت العسكر وصارت أحدوثة الناس في جميع مراحل تاريخهم، وهي من الأسباب التي دعت أن يذهب فريق من محبّي الإمام عليه السلام إلى القول بإلوهيّته.
يقول ابن أبي الحديد: وأمّا الشجاعة فإنّه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرّ قطّ، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلاّ قتله، ولا ضرب ضربة قطّ فاحتاجت الأولى إلى الثانية.
وجملة الأمر أنّه احتلّ الصدارة في شجعان العالم، وأنّ شجاعته النادرة كانت في نصرة الإسلام، ونصرة المظلومين، والمعذّبين في الأرض.
حلمه عليه السلام:
كان الإمام عليه السلام من أحلم الناس، ومن أكثرهم كظماً لغيظه، فلم يثأر من أي أحد اعتدى عليه أو أساء إليه، وإنّما كان يقابلهم بالصفح والإحسان كشأن أخيه وابن عمّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قابل المعتدين عليه بالصفح، على هذا المنهج سار وصيّه وباب مدينة علمه، فقابل أعداءه وخصومه بالإحسان والصفح الجميل.
شذرات من حلمه عليه السلام:
وهذه لمحات من بوادر حلمه تنمّ عن نفسه العظيمة التي خلقها الله لتكون مشكاة نور لعباده تهديهم للتي هي أقوم، وهي كما يلي:
١- دعا الإمام عليه السلام غلاماً له فلم يجبه، ثمّ دعاه مرّة ثانية وثالثة فلم يجبه، فقام إليه وقال له:
«ما حملك على ترك إجابتي؟». فردّ عليه الغلام: كسلت عن إجابتك، وأمنت عقوبتك.. فامتلأ قلب الإمام سروراً، وقال عليه السلام: «الحمد لله الّذي جعلني ممّن يأمنه خلقه، إمض فأنت حرّ لوجه الله تعالى». (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص48، الأمالي للسيد المرتضى: ج2، ص162).
٢- قَصَده أبو هريرة، وكان معروفاً بانحرافه عنه، ومتجاهراً ببغضه، فسأله حاجة فقضاها له، فعاتبه بعض أصحابه على ذلك فقال عليه السلام: «إنّي لأستحي أن يغلب جهله حلمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي». (المناقب لابن شهر آشوب: ج6، ص٣٨٠).
3- كان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد اللئيم عليّ بن أبي طالب، وكان الإمام عليّ عليه السلام يقول: «ما زال الزّبير رجلاً منّا أهل البيت حتّى شبّ عبد الله»، فلمّا ظفر به يوم الجمل صفح عنه، وقال له: «اذهب فلا أرينّك», ولم يزد على ذلك.
٤- وكان من عظيم حلمه أنّه ظفر بعائشة بعد فشلها في حرب الجمل، ومعها مروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وغيرهما من الحاقدين عليه، الذين أشعلوا نار الحرب، وأعلنوا التمرّد والعصيان المسلّح على حكومته، فعفا عنهم جميعاً، وسرّح عائشة سراحاً جميلاً، وجهّزها جهازاً حسناً، فبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمَّمَهنّ بالعمائم، وقلّدهنّ بالسيوف، فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يُذكَر به وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي، فلما وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها: إنما نحن نسوة.
وهكذا كانت سيرته الصفح والإحسان ليقلع نزعات الحقد والشرّ من نفوسهم.
5- وحاربه أهل البصرة وضربُوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف وشتموه ولعنوه، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادى مناديه في أقطار العسكر: ألاَ لا يُتبَع مُولٍ، ولا يُجهزُ على جريح، ولا يُقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيز إلى عسكر الإمام فهو آمن، ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، ولكنه أبى ألا الصفح والعفو وسار بذلك على سنّةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة، فإنه عفا والأحقاد لم تبرد والإساءة لم تُنسَ.
يقول ابن أبي الحديد عن حلم الإمام: أمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن مذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر حجّة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان من أعدى الناس، وأشدّهم بغضاً له، فصفح عنه.
مقابلة الإساءة بالإحسان:
ومن عظيم حلمه وصفحه عليه السلام أنّ معاوية لمّا زحف لحرب الإمام واستولى على الماء اعتبر ذلك أوّل الظفر، فلمّا جاء الإمام مع جيشه وجد حوض الفرات قد احتلّته جيوش معاوية، فطلب منهم أن يسمحوا لجيشه بالتزوّد من الماء، فقالوا له: لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأً كما مات ابن عفّان، فلمّا رأى ذلك أمر جيشه باحتلال الفرات، فاحتلّته قوّاته وملكوا الماء، وسار أصحاب معاوية في البيداء لا ماء لهم، فقال أصحاب الإمام له: إمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة واحدة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك في الحرب، فقال عليه السلام: «لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم، أفسحوا لهم عن الشّريعة ففي حدّ السّيف ما يغني عن ذلك». (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص٢٤).
تواضعه عليه السلام:
من أخلاق الإمام عليه السلام التواضع، ولكن لا للأغنياء والمتكبّرين، وإنّما للفقراء والمستضعفين، فكان يخفض لهم جناح البرّ والمودّة، وقد ضارع بذلك أخاه وابن عمّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان للمؤمنين أباً وللفقراء أخاً.. ونعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه عليه السلام.
شذرات من تواضعه عليه السلام:
١- وفد عليه رجل مع ابنه فرحّب بهما وأجلسهما في صدر المجلس، ثمّ أمر لهما بطعام، وبعد الفراغ منه بادر الإمام فأخذ الإبريق ليغسل يد الأب ففزع الرجل، وقال: كيف يراني الله وأنت تصبّ الماء على يدي؟ فأجابه الإمام عليه السلام برفق ولطف: «إنّ الله يراني أخاك الّذي لا يتميّز منك، ولا يتفضّل عنك، ويزيدني بذلك منزلة في الجنّة».
أيّ روح ملائكية هذه الروح؟ وأيّ سموّ في الذات هذا السموّ؟
وانصاع الرجل إلى كلام الإمام عليه السلام ، فصبّ الماء على يده، ولمّا فرغ ناول الإبريق إلى ولده محمّد بن الحنفية، وقال له: «يا بنيّ، لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت الماء على يده، ولكنّ الله يأبى أن يسوّي بين إبن وأبيه». وقام محمّد فغسل يد الولد. (المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص٣٧٣).
٢ – اجتاز الإمام عليه السلام في رجوعه من صفّين على دهّاقين الأنبار فقابلوه بمزيد من التعظيم والتكريم، وصنعوا له كما يصنعون للملوك والأمراء، فأنكر الإمام عليهم ذلك وقال لهم: «والله ما ينتفع بهذا امراؤكم، وإنّكم لتشقّون به على أنفسكم، وتشقّون به على آخرتكم. وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وما أربح الرّاحة معها الأمان من النّار». (المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص٣٧٢).
3- عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال: ألكم حاجة؟ فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك، فقال لهم: انصرفوا فإنّ مشي الماشي مع الراكب مفسدة للرّاكب ومذلّة للماشي. قال: وركب مرّة أخرى فمشوا خلفه، فقال: انصرفوا فإنّ خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة». (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص55).
4- وعن الامام الصادق عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز.
5- وروي أنّه اشترى تمراً بالكوفة، فحمله في طرف ردائه، فتبادر الناس إلى حمله وقالوا: يا أمير المؤمنين نحن نحمله، فقال عليه السلام: « ربّ العيال أحقّ بحمله». (المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص٣72).
حقّا إنّ هذه الأخلاق أخلاق الأنبياء العظام وأوصيائهم، وقد مثّلها بسيرته وسلوكه سيّد الأوصياء وإمام المتّقين والأخيار.
عيادته عليه السلام للمرضى:
من معالي أخلاق الإمام علي عليه السلام عيادته للمرضى، وكان يحفّز أصحابه على ذلك، ويحثّهم على هذه الظاهرة، فقد كان يقول لهم: «إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ستا: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات…. الخبر». (الأمالي للشيخ الطوسي: ج2، ص248).
وكان عليه السلام إذا علم أنّ أحداً من أصحابه مريض بادر لعيادته، فقد عاد شخصاً من أصحابه، ولمّا استقرّ به المجلس قال له: «جعل الله ما كان من شكواك حطّاً لسيّئاتك، فإنّ المرض لا أجر فيه، ولكنّه يحطّ السّيّئات، ويحتّها حتّ الأوراق. وإنّما الأجر في القول باللّسان، والعمل بالأيدي والأقدام». (شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج5، ص264).
كراهته عليه السلام للمدح:
كان الإمام عليه السلام يسأم المدح والإطراء، وكان يقول لمن أطراه: «أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك»، وإذا أطرى عليه رجل قال: «اللهمّ إنّك أعلم بي منه وأنا أعلم منه بنفسي، فاغفر لي ما لا يعلم». (الأمالي للسيد المرتضى: ج1، ص198).
إجابته عليه السلام لدعوة من دعاه لتناول الطعام:
ومن معالي أخلاق الإمام عليه السلام أنّه إذا دعي لتناول الطعام أجاب إلى ذلك خصوصاً إذا دعاه فقير، وينقل لنا التأريخ أن رجلاً دعا عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى الطعام، فقال عليه السلام: «نأتيك على ألَّا تتكلَّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عنا ما عندك». وكان عليه السلام يقول: «شرّ الإخوان من تكلَّف له». (عيون الأخبار للشيخ الصدوق: ج3، ص255).
وهذا من محاسن الآداب، ومن أروع صور الشرف، وسموّ الذات.
سخاؤه عليه السلام:
كان الإمام عليه السلام من أندى الناس كفّاً، ومن أكثرهم برّاً وإحساناً إلى المحتاجين، وكان لا يرى للمال قيمة سوى أن يردّ به جوع جائع أو يكسو به عريان، وكان يؤثر الفقراء على نفسه ولو كانت به خصاصة وهذه شذرات من برّ الإمام عليه السلام وجوده على الفقراء، لم يبغ بما قدّمه لهم من إحسان إلاّ وجه الله تعالى والدار الآخرة:
1- من بوادر جوده أنّه لمّا قسّم بيت مال البصرة على جيشه لحق كلّ واحد منهم خمسمائة درهم، وأخذ هو مثل ذلك، فجاءه شخص لم يحضر الواقعة فقال له: كنت شاهداً معك بقلبي، وإن غاب عنك جسمي، فأعطني من الفيء شيئاً, فدفع إليه ما أخذه لنفسه، ورجع ولم يصب من الفيء شيئاً. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص205).
2 ـ كان الإمام عليه السلام يملك أربعة دراهم تصدّق بواحد ليلاً، وبالثاني نهاراً، وبثالث سرّاً وبالرابع علانية، فنزلت فيه الآية الكريمة: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. (كشف الغمّة للأربلي: ص50).
3- كان رجل مؤمن فقير في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساكناً في دار ضيّقة وبجوارها حديقة لشخص موسر وفيها نخل يتساقط تمرها على دار الفقير، فيبادر من حرصه إلى أخذ التمر من أفواه الأطفال، وشكا الفقير ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبادر إلى صاحب الحديقة وطلب منه أن يبيعها عليه، ويأخذ مكانها بستاناً في الفردوس الأعلى، فأبى وقال: لا أبيعك عاجلاً بآجل، فانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم متأثّراً فرأى الإمام، فأخبره بالأمر، فتوجّه الإمام صوب ذلك الرجل وطلب منه أن يبيعه بستانه، فقال له: أبيعك بحائطك الحسن، فرضي الإمام، وباعه عليه، وسارع الإمام إلى الرجل الفقير فوهب له تلك البستان. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص37).
هذه بعض البوادر من سخائه وجوده على الضعفاء والفقراء، يقول الشعبي: كان عليّ أسخى الناس، كان على الخُلُق الذي يحبّه الله وهو السخاء والجود، ما قال «لا» لسائل قطّ.
(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1، ص22).
وقد أجمع المؤرّخون والمترجمون له أنّه لم يكن يبغي فيما أنفقه أي غرض من أغراض الدنيا كالجاه والسمعة وذيوع الاسم، فإنّ ذلك لم يفكّر به، وإنّما كان يبغي وجه الله تعالى، وما يقرّبه إليه زلفى.
الرأفة بالفقراء:
من الصفات البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام الرأفة الكاملة بالفقراء، فكان لهم أباً، وعليهم عطوفاً، وقد واساهم في مكاره الدهر وجشوبة العيش وخشونة اللباس، وهو القائل أيام خلافته: «…أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ».
(نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح: ص418).
لقد كان أبو الحسن عليه السلام ملاذاً للفقراء وصديقاً حميماً للبؤساء، وقد تبنّى قضاياهم في جميع مراحل حياته خصوصاً في أيام خلافته.
إنّ من أوّليات المبادئ التي آمن بها واعتنقها هي القضاء على البؤس والحرمان، وتوزيع خيرات الله تعالى على عباده، فلا يختصّ بها فريق دون فريق، ولا قوم دون آخرين، وكانت مواساته للفقراء ومساواتهم للأغنياء من الأسباب الهامّة في بغض البعض له، واندفاعهم إلى مناجزته، ووضعهم العراقيل والسدود أمام مخطّطاته الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض.
ومن مظاهر مواساته للفقراء في آلامهم ومكارههم، أنّه نظر إلى إمرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل وترك علي صبياناً يتامى وليس عندي شيء فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس فانصرف وبات ليلته قلقاً، فلما أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام فقال بعضهم: اعطني أحمله عنك، فقال: «من يحمل وزري عني يوم القيامة»، فأتى وقرع الباب فقالت من هذا؟ قال: «أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي فان معي شيئا للصبيان» فقالت: رضى الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب ، فدخل وقال: «اني أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا»، فقالت أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتى أفرغ من الخبز، فعمدت إلى الدقيق فعجنته وعمد علي إلى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: «يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما مر في أمرك»، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله سجر التنور، فبادر لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: «ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى»، فرأته امرأة تعرفه فقالت ويحك هذا أمير المؤمنين، قال فبادرت المرأة وهي تقول واحياي منك يا أمير المؤمنين فقال: «بل واحياي منك يا أمة الله فيما قصرت في امرك». (المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص٣٨٢).
عدله وأمانته عليه السلام:
من الصفات التي تميّز بها أمير المؤمنين عليه السلام إقامة العدل، وإيثاره على كلّ شيء، خصوصاً في أيام خلافته، فقد تجرّد عن جميع المحسوبيات، وآثر رضا الله تعالى ومصلحة الأمة على كلّ شيء، فهو بحقّ صوت العدالة الإنسانية، ورائد نهضتها الإصلاحية في جميع الأحقاب والآباد.
وروى المؤرّخون صوراً رائعة من عدله تبهر العقول، وكان من ضروب عدله ما يأتي:
١- وفد عقيل بن أبي طالب على أخيه الإمام علي عليه السلام في الكوفة، فرحّب به الإمام عليه السلام وقال لولده الإمام الحسن عليه السلام: «اكسُ عمّك»، فكساه قميصاً ورداء من ملكه، ولمّا حضر العشاء قدّم له خبزاً وملحاً، فأنكر عقيل ذلك وقال: ليس ما أرى؟ (لقد أراد عقيل أن تقدّم له مائدة شهيّة حافلة بألوان الطعام، فأجابه الإمام عليه السلام بلطف وهدوء): «أو ليس هذا من نعمة الله؟ فله الحمد كثيراً».
فقال عقيل للإمام: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك.
قال عليه السلام: «كم دينك يا أبا يزيد؟».
قال: مائة ألف درهم.
قال عليه السلام: «والله ما هي عندي، ولا أملكها، ولكن اصبر حتّى يخرج عطاي(عطائي) فأواسيكه، ولولا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه».
فقال عقيل: بيت المال بيدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك؟ وما عسى أن يكون؟ ولو أعطيتنيه كلّه.
(فطرح الإمام عليه السلام أمامه حكم الإسلام قائلاً): «وما أنا وأنت فيه (أي في العطاء من بيت المال) إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين».
وكانا يتكلمان فوق قصر الأمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي عليه السلام: «إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصّناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه». (وتوهّم عقيل أنّها من أموال الدولة، فقال للإمام): ما في هذه الصناديق؟ قال عليه السلام: «فيها أموال التّجار». (فأنكر عقيل، وراح يقول بألم ومرارة): أتأمرني أن أكسر صناديق قوم توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟ (فردّ عليه الإمام قائلاً): «أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم، وقد توكّلوا على الله، وأقفلوا عليها، وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة، فإنّ فيها تجّاراً مياسير، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله».
(والتاع عقيل، وراح يقول بألم): أَوَ سارقاً جئت؟ (فأجابه رائد العدالة الإسلامية قائلاً): «تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً».
(ولم يجد عقيل منفذاً يسلك فيه، فقد سدّ عليه الإمام عليه السلام جميع النوافذ، وصيّره أمام العدل الصارم، الذي لا يستجيب لأي عاطفة، ولا ينصاع إلاّ إلى الحقّ، وراح عقيل يقول بحرارة اليأس): أتأذن لي أن أخرج إلى معاوية؟ فقال عليه السلام له: «أذنت لك».
قال: فأعنّي على سفري. (فأمر الإمام ولده الزكي الإمام الحسن عليه السلام بإعطائه أربعمائة درهم نفقة له)، فخرج عقيل وهو يقول:
سيغنيني الذي أغناك عنّي *** ويقضي ديننا ربّ قريب
(المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص٣٧6 )
لقد تجرّد الإمام عليه السلام من جميع المحسوبيات فلم يقم لها أي وزن وأخلص للحقّ والعدل كأعظم ما يكون الإخلاص، فالقريب والبعيد سواء في ميزانه… لقد احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة، فلم يؤثر بشيء منها نفسه وأهل بيته، وحمّل نفسه رهقا وشدّة.
٢- ومن صنوف عدله الباهر أنّه نزل ضيفٌ عند الإمام الحسن عليه السلام ، فاستقرض رطلاً من العسل من قنبر خازن بيت المال، فلمّا قام الإمام بتقسيم العسل على المسلمين وجد زقّاً منها ناقصاً، فسأل قنبر عن ذلك، فأخبره بالأمر، فاستدعى ولده الإمام الحسن وقال له: «ما حملك على أن تأخذ منه قبل القسمة؟».
فأجابه الإمام الحسن عليه السلام وقال: «أليس لنا فيه حقّ، فإذا أخذناه رددناه إليه». فقال الإمام لولده الزكي عليه السلام بلطف: «فداك أبوك، وإن كان لك فيه حقّ، فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم». ثمّ دفع إلى قنبر درهماً، وقال له: «اشتر به أجود عسل تقدر عليه، فاشترى قنبر العسل، ووضعه الإمام في الزقّ وشدّه». (المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص375).
٣- جيء له بمال من أصفهان فقسّمه أسباعاً على أهل الكوفة، ووجد فيها رغيفاً فكسره سبعة كسر، وقسّمه على أهل الأسباع. (بحار الأنوار للمجلسي: ج41، ص١١٨).
هذا هو العدل الذي جعله الإمام عليه السلام أساساً لدولته ليسير عليها حكّام المسلمين من بعده إلاّ أنّهم شذّوا وابتعدوا عن سيرته، وناقضوه، فأنفقوا أموال المسلمين على شهواتهم وملذّاتهم، وأسرفوا في ذلك إلى حدّ بعيد.
سعة علومه عليه السلام:
أجمع الرواة على اختلاف ميولهم وأهوائهم على أنّ الإمام عليه السلام أوسع المسلمين علماً، وأكثرهم فقهاً، وأنّه لا يماثله أحد من الصحابة وغيرهم في قدراته العلمية، فقد غذّاه سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم بملكاته ومواهبه، فهو باب مدينة علمه، وقد تحدّث الإمام عليه السلام عن سعة علومه:
١- عن الأصبغ بن نباتة، قال: لما جلس علي عليه السلام في الخلافة وبايعه الناس، خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لابساً بردة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتعلاً نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، متقلداً سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد المنبر، فجلس عليه متمكناً، ثم شبك بين أصابعه، فوضعها أسفل بطنه، ثم قال: «يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زقاً زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية في كتاب الله عز وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية : ﴿يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾».
ثم قال عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن أية آية، في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم».
فقال إليه رجل يقال له ذعلب، وكان ذرب اللسان، بليغاً في الخطب، شجاع القلب، فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة، لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه. فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك؟ فقال: «ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره».
قال: فكيف رأيته؟ صفه لنا. قال: «ويلك! لم تره العيون بمشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، ويلك يا ذعلب، إن ربي لا يوصف بالعبد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بقيام ( قيام: انتصاب) ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج». فخر ذعلب مغشياً عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها. (الأمالي للشيخ الصدوق: ص422).
2- قال عليه السلام: «لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت». وأعربت هذه الكلمات عن طاقاته العلمية، وما منحه الله تعالى من الفضل والعلم، الأمر الذي جعله في قمّة العلم.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض صفاته وعناصره النفسية، ومن المؤكّد أنّه لا يضارعه أحد فيما وهبه الله تعالى من الكمالات ومعالي الآداب والأخلاق.
المصدر: شذرات من حياة أمير المؤمنين عليه السلام. اصدار قسم الشؤون الدينية- شعبة التبليغ الديني- العتبة العلوية المقدسة.