قوله تعالى:
﴿ … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ … ﴾ 1
في تفسير فرات عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن جده في حديث طويل إلى أن قال:… قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سميت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار وفطمت أعداؤها عن حبها، وذلك قول الله في كتابه ﴿ … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ … ﴾ 1 بنصر فاطمة (عليها السلام)2.
بيان:
الآية حاكية عن وعد الله لعباده المؤمنين بالنصر والغلبة على أعدائهم سواء كان أهل الروم كما عليه الأكثر، أو سواء كان المسلمون يوم بدر على المشركين كما ذهب إليه بعضهم، وأيا ما كان فالآية تتحدث عن الوعد الإلهي بنصر أوليائه على أعدائه.
والنصر له شؤون كثيرة:
منها: أن يجعل الغلبة للمؤمنين على الكافرين. ومنها: أن تتفرق كلمة الكافرين فيدب فيهم الضعف فتنكسر شوكتهم مما يؤدي إلى غلبة المؤمنين عليهم؟
ومنها: ما يعني انتقام الله من الكافرين إذ يأخذهم بعذابه وعقوبته عندها يصح أن يقال انتصار المؤمنين على الكافرين.
والمتمعن في سياق الآيات سيجد أن النصر المشار إليه مأخوذ بلحاظ أخروي صرف، فالنصر الحقيقي الذي يجب أن يرقبه المؤمنون ويطمعون إليه، هو النصر الأخروي الذي يبلس به المجرمون، إذ أردف تعالى قوله بأن هذا وعد الله ولا يخلف الله وعده، وهذا هو ظاهر الحياة الدنيا، إلا أن الناس بجهلهم خفي عليهم ما هو أعظم، وهو يوم القيامة، وهو يوم النصر الحقيقي، قال تعالى: ﴿ … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ 3.
فالآيات مشيرة إلى أنه يكون الطموح إلى نصر ذلك اليوم، إذ بعد بيان عاقبة الظالمين في الدنيا والمكذبين بآيات الله تنتقل الآيات إلى حال عاقبة هؤلاء يوم القيامة وذلك لقوله: ﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ 4.
فالآيات تحث على أن النصر الحقيقي هو ما كان في ذلك اليوم الذي يدخل الله به الذين عملوا الصالحات في روضات الخلد فرحين بما آتاهم الله من النصر والكرامة ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا … ﴾ 5 وقوله تعالى:﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ … ﴾ 6.
وأما الخاسرون الحقيقيون فهم الذين كفروا وكذبوا بآيات الله فلهم الخزي والخسران ﴿ … وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ 7 وهؤلاء هم الخاسرون حقا ﴿ … وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ … ﴾ 8.
إذن لا يبعد أن يكون المقصود من فرح المؤمنين: فرحهم في ذلك اليوم، الذي يجازي الله به عباده، والنصر الحقيقي سيكون للذين ظلموا في الحياة الدنيا، وأن الله قادر على نصرهم وأعظم النصر هو يوم الحساب ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ 9.
هذا ما يساعد عليه الإطلاق في الآيات المذكورة، وما يخص المؤمنين المشار إليهم هم الذين جاهدوا وصابروا وظلموا من أجل إظهار كلمة الله.
وكانت فاطمة (عليها السلام) المصداق الأمثل لذلك الصبر، والجهاد من أجل إحقاق الخط المحمدي الأصيل المتمثل في علي بن أبي طالب إمامة وخلافة ووصاية.
ولا يبعد أن يكون نصر فاطمة (عليها السلام) كذلك هو قيام القائم عج، إذ في ذلك اليوم العظيم يأخذ (عليه السلام) ثأر فاطمة (عليها السلام) وأهل بيتها وشيعتها، فهل هناك نصر أعظم من ذلك اليوم إذ ﴿ … يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ … ﴾ 1؟ وهو ما أخرجه صاحب تفسير البرهان عن ابن جرير الطبري في مسند فاطمة (عليها السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿ … وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ … ﴾ 1 قال في قبورهم بقيام القائم (عليه السلام)10.
قوله تعالى:
﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ … ﴾ 11
روى الحاكم عن عطاء عن ابن عباس قال: لما أنزل الله ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ … ﴾ 11 دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدكا وذلك لصلة القرابة 12. وأخرج في البرهان عن علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)13. وفي كنز الدقائق أخرجه عن أبي سعيد الخدري وقال: هو المروي عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام)14 15.
- 1. a. b. c. d. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 4 و 5، الصفحة: 404.
- 2. تفسير فرات الكوفي: 322، والبحار 43: 18.
- 3. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآيات: 4 – 7، الصفحة: 404.
- 4. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآيات: 11 – 16، الصفحة: 405.
- 5. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 58، الصفحة: 215.
- 6. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 170، الصفحة: 72.
- 7. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 27، الصفحة: 501.
- 8. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 45، الصفحة: 488.
- 9. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 39، الصفحة: 337.
- 10. البرهان في تفسير القرآن 3: 258.
- 11. a. b. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 38، الصفحة: 408.
- 12. شواهد التنزيل للحاكم النيسابوري 1: 570.
- 13. البرهان في تفسير القرآن 3: 262.
- 14. كنز الدقائق 10: 204 وزارة الإرشاد الإسلامي 1411 ه.
- 15. المصدر: کتاب ما نزل من القرآن في شأن فاطمة(ع)ِ لسماحة السيد محمد علي الحلو.