مع اقتراب أيام الحج فكرت أن أكتب مقالة حول هذه الفريضة العبادية التي يأتي إليها الناس من كل فج عميق، وخطرت على ذهني موضوعات شتى تتصل بهذه المناسبة العظيمة، وبقيت حائراً بعض الوقت في اختيار موضوع من بين هذه الموضوعات، وأخذت فرصتي من التأمل والتفكير إلى أن وقفت على حديث للإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فوجدت فيه ضالتي وبغيتي، وما كنت أبحث وأفتش عنه.
وجدته حديثاً رائعاً وشاملاً ومذهلاً، يشرح حكمة الحج وفلسفته ومقاصده في مناسكه وشعائره متتبعاً لها واحدة تلو الثانية، مبتدئا بما قبل الذهاب إلى الحج بالتحضير والاستعداد، وخاتماً بما بعد الحج بالاستقامة والوفاء على العهد الذي عاهد به الإنسان ربه في الحج.
ووجدته أيضاً حديثاً بحاجة لأن يتعرف عليه كل إنسان في أيام الحج، ومن يتعرف عليه سوف يجد فيه حديثاً شافياً يجعل الإنسان يحج حج العارفين، ويكون بصيراً ومتبصراً بكل مناسك الحج وشعائره.
وعندما وقفت على هذا الحديث، قلت مع نفسي إن أفضل ما يمكن أن أكتبه عن الحج هو التعريف بهذا الحديث، وأظن أن من سيقرؤه سيصل إلى مثل هذه النتيجة أيضاً.
وإليكم نص الحديث الذي يرى عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (إذا أردت الحج فجرد قلبك لله تعالى من كل شاغل، وحجاب كل حاجب، وفوض أمورك كلها إلى خالقك، وتوكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلم لقضائه وحكمه وقدره، ودع الدنيا والراحة والخلق، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوتك وشبابك ومالك، مخافة أن يصيروا لك عدواً ووبالاً، فإن من ادعى رضا الله واعتمد على شيء، صيره عليه عدواً ووبالاً، ليعلم أنه ليس له قوة ولا حيلة ولا لأحد إلا بعصمة الله وتوفيقه.
واستعد استعداد من لا يرجو الرجوع، وأحسن الصحبة، وراع أوقات فرائض الله وسنن نبيه (ص)، وما يجب عليك من الأدب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وإيثار الزاد على دوام الأوقات.
ثم اغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع. وأحرم من كل شيء يمنعك عن ذكر الله ويحجبك عن طاعته.
ولب بمعنى إجابة صافية زاكية لله عز وجل في دعوتك له، متمسكاً بعروته الوثقى.
وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت.
وهرول هرولة من هواك، وتبرياً من جميع حولك وقوتك.
فاخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك إلى منى، ولا تتمن ما لا يحل لك ولا تستحقه.
وتقرب إلى الله ذا ثقة بمزدلفة.
واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى الجبل، واذبح حنجرتي الهوى والطمع عند الذبيحة، وارم الشهوات والخساسة والدناءة والذميمة عند رمي الجمرات، واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق رأسك، وادخل في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخولك الحرم، وزر البيت متحققاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه، واستلم الحجر رضاً بقسمته وخضوعاً لعزته، وودع ما سواه بطواف الوداع، وصف روحك وسرك للقاء الله يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء، وكن ذا مروة من الله تقيا أوصافك عند المروة، واستقم على شروط حجك هذا ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع ربك وأوجبته إلى يوم القيامة) 1.
1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس11 نوفمبر 2010م، العدد 16147.