الحج من أكثر العبادات في الإسلام الذي يتجلى فيه بوضوح كبير مفهوم الأمة، وتحديدا مفهوم الأمة الواحدة والأمة الجامعة، والحج كذلك هو الفريضة العبادية السنوية التي تذكر المسلمين كافة بمفهوم الأمة، والأمة الواحدة والجامعة.
وهذه الحقيقة المشرقة هي من أعظم المقاصد العليا والعامة لفريضة الحج، والتي ينبغي التمسك بها، والالتفات إليها، والحرص الشديد عليها، وذلك لأهميتها الفائقة، وقيمتها الكبيرة، ولما تمثله من حاجة وضرورة، لها منزلة الحاجة والضرورة الفعلية والملحة، نظرا لحال العرب والمسلمين الراهن، الذي يشهد تمزقا حادا، وانقساما خطيرا، تغيب فيه وتتلاشى فكرة الأمة الواحدة والجامعة.
ومن تجليات مفهوم الأمة في الحج، أن الحج هو المناسبة الدينية والعبادية الوحيدة والفريدة في الإسلام، التي يتمثل فيها المسلمون كافة في مكان واحد، بكل تنوعاتهم وتعددياتهم العرقية والقومية، اللغوية واللسانية، المذهبية والاجتهادية، وبكل دولهم ومجتمعاتهم على امتداد الجغرافيا السكانية والطبيعية للعالم الإسلامي، وفي أي مكان آخر للمسلمين فيه وجود قل عددهم أو كثر على امتداد ومساحة العالم، بكل قاراته ومدراته، مصداقا لقوله تعالى:﴿ … يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ 1 من أي مكان يكون فيه سبيل، حتى لو كان بعيدا.
ومن تجليات مفهوم الأمة في الحج، أن الحج هو المناسبة الدينية والعبادية الوحيدة والفريدة كذلك في الإسلام، التي يتقيد فيها المسلمون بلباس واحد موحد، لا يتغير ولا يتبدل في شكله ولونه، وفي طريقة لبسه، وفيه ما فيه من البساطة بما يوحي بالزهد والتواضع والتخفف، وبشكل يظهر فيه المسلمون على صورة واحدة ناظرا ومنظورا إليهم، وكأنهم أمة واحدة متحدة كأنهم بنيان مرصوص، في منظر خلاق وبديع ومؤثر له جمالية الصورة، وجمالية المعنى، من ناحية اللون، ومن ناحية البساطة، ومن ناحية الشكل، ومن ناحية الحركة.
وبهذا اللباس البسيط والموحد يشعر المسلمون في الحج، بأن لا طبقية بينهم ولا عنصرية، ولا تفاضل ولا تمايز، ولا تعالي بينهم ولا كبرياء، وإنما هم سواسية كأسنان المشط، لا فرق بينهم ولا كرامة إلا بالتقوى.
ومن تجليات مفهوم الأمة في الحج كذلك، أن في الحج يستشعر المسلمون صفاء وعمق توحيد الله، ويعيشون عملا وسلوكا في أجواء التوحيد وفضائه، ويتخذون من التوحيد وجهة لهم في جميع أعمالهم ومناسكهم، خاشعين خاضعين عابدين لله وحده لا شريك له، متذكرين أنهم في بيته وحرمه وفي ضيافته، منصرفين ومنشغلين بذكره وعبادته، وبهذا التوحيد تتوحد الأمة، وتظهر في صورة الأمة الواحدة والجامعة، مصداقا لقوله تعالى:﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ 2
ومن تجليات مفهوم الأمة في الحج، أن في الحج لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فلا مجال في الحج ولا مكان للبحث والانشغال بالمتع واللذائد الجسدية والشهوانية، ولا مجال في الحج ولا مكان إلى المعاصي والأعمال المحرمة، كما لا مجال في الحج ولا مكان للجدال والخصومات بأنواعها كافة، وبهذا الوضع تتوفر وتتهيأ الأجواء الفكرية والاجتماعية المناسبة والسليمة للعلاقات بين المسلمين في الحج، لتسود بينهم أجواء المحبة والصفح والعفو، وأجواء التعارف والتراحم والتسامح، ويتحقق بينهم الشعور بمفهوم الأمة الواحدة والجامعة3.
- 1. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 27، الصفحة: 335.
- 2. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 92، الصفحة: 330.
- 3. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة اليوم، الأحد20 سبتمبر 2015م، العدد 15437.