بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من الزيدية ينتقدون إخوانهم الإمامية في مجال انتظار الفرج، ويقولون إن “انتظار الفرج” هو عامل تحبيط للأمَّة، ويتصورون أنَّ هذا العنوان ـ أي انتظار الفرج ـ ممَّا تفرد به الإماميَّة.. والصحيح أنَّ هذا مرويٌّ في مصادر الزيدية أيضاً، وفيما يلي بيان ذلك:
قال إمامُ الزيدية أبو عبد الله العلوي (ت 445 هـ) في كتابه “الجامع الكافي” 8 : 162 بتحقيق عبد الله بن حمود العزي: “وعن أبي جعفر ـ محمد بن علي ـ قال: من حبس نفسه لواعيتنا، وكان مُنتظِراً لقائِمِنا، كان كالمتشحِّط بين سيفه وترسه في سبيل الله”.
وقال المحقِّق في هامش الصفحة نفسها: “روى الإمام الهادي إلى الحق ـ عليه السلام ـ في (الأحكام) 2 / 502 عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: من حبس نفسه لداعينا أهل البيت، أو كان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحِّط بين سيفه وترسه في سبيل الله بِدَمِه”.
ويقول إمام الزيدية القاسم بن إبراهيم في قصيدته الرائية المعروفة متحدِّثاً عن انتظار الفرج على يدي الإمام المهدي صلوات الله عليه:
عسى فرجٌ يأتي به الله عاجلاً
بدولة مهدي يقوم فيظهرُ
تُـقـسَّم أعـشار ويشبع ساغبٌ
ويُنصف مظلوم ويوسع مُقْترُ
ويظهر حكم الله في كل شارق
وينشر معروف ويقمع منكرُ
ويُجلد سكران ويقطع سارق
وتُنفى ظلامات وترجم عُهَّرُ
وينعـش من قد كان في الجور خاملاً
ويسترُ عدلي ويخمل مجبرُ
ويحيا كتاب الله بعد مماته
وذاك بمنِّ الله والله أكبـرُ
والبيت الأول نقله إمامُ الزيدية مجد الدين المؤيدي في آخر مقدمته على كتاب “المجموع المنصوري”.
ومن الجدير بالتنبيه والتنويه: أن “انتظار الفرج” لا يتنافى مع الجهاد في عصر الانتظار، وأكبر دليل على ذلك هو أن الزيدية كما قرأنا آنفاً رووا واعتقدوا بانتظار الفرج، وهم في الوقت نفسه معروفون بالجهاد على مر العصور.. وكذلك الأمر بالنسبة لإخوانهم الإمامية الذين يؤمنون بقُدسية الانتظار؛ فإن تاريخ علمائهم حافل بالجهاد في كل الأصعدة، فالذي جاهد الاستعمار في العراق هم علماء الشيعة بالكلمة والسلاح، وعُرف علماء الشيعة بالصدق والشجاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وفي هذا السبيل قُتل الشهيد محمد باقر الصدر وأخته على أيدي نظام “صدام” البعثي الكافر.. وكانت الثورة الخمينية المباركة ختام المسك؛ حيث شارك فيها علماء الشيعة بالكلمة والحضور الفاعل في الساحات، حتى تكللت جهودهم بالانتصار على “شاه إيران” الذي كان أكبر عميل لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، وتأسيس الجمهورية الإسلامية المباركة، التي دعمت المقاومة في فلسطين ولبنان، وصدَّرت الفكر الثوري المقاوم إلى الإخوان الزيدية في صعدة حتى أشرقت شمس “أنصار الله” بركة جهود السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي استلهم فكره الجهادي والثوري من الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله وأثنى عليهما بكل جميل في خطاباته..
وهذا أكبر دليل على أن عقيدة “انتظار الفرج” عند الزيدية والإمامية لا تتنافى مع الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً.