الدكتورة نهله الغروي النائيني
والسيدة رضية رجب (جامعة تربية المدرس)
الخلاصة
لم تكن المطالعة والدراسة في فضائل ومناقب الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذا عهد جديد، بل أن أكثر ما كتب في هذا الصدد كان مأخوذا من المصادر المدوّنة من قبل أتباع أهل البيت عليهم السلام، فكان القاريء أو السامع لها يظن أن فيها شيئا من المبالغة، ولكن، وبسبب عدم الغور في مصادر إخواننا أتباع مدرسة الخلفاء، وخاصة الصحاح والمسانيد المعتبرة لديهم، ودراستها، أو عدم الدّقة في دراستها وتبويبها، بقيت هذه الأحاديث مدفونة في صدور هذه الكتب ومحجوبة عن أشعة الحقّ، لذلك ارتأينا أن نستخرج المروية منها والمدوّنة في كتاب مسند الإمام أحمد بن حنبل، الذي يُعدّ من المجموعة الحديثية المعتبرة لدي إخواننا أهل السنّة، لتكون الشاهد الناطق لصفات وفضائل ذلك الإمام الهمام،… فما قمنا به هو إلقاء الضوء على تلك الأحاديث الشاملة المتضمّنة لصفات ومناقب الإمام عليه السلام، وما تميّز وانفرد به عليه السلام من حيث: إيمانه، تقواه الإلهي الخالص، شجاعته، قضاؤه، صحبته وملازمته للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم..
تقديم وتعريف
على أكثر من أُفق تُشرف شخصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وتتمدّد عبر التاريخ منذ أربعة عشر قرنا لتصبح أكثر تألُّقا وأكثر سطوعا كلّما تقدّم الزمن، وكأنّ التاريخ يرفض أن يضمرها بغباره، وهذا هو دَيدنه وسننه مع كل الموجودات، حيث يتراكم غبار السنوات لتندثر تحته كل ما كان ينبض بالحياة، إلاّ علي بن أبي طالب الذي شقَّ بعظمة شخصيته هذه السنة التاريخية رغم كثرة ما أريد به من سوء في حياته وبعد قرون من شهادته، وما فَعلَتْه أيادي الشرّ في ذريته من قتل وتشريد ومحاولة لطمس ذكره، فإذا بالّلعن الّذي شُنَّ على المنابر استبدل بعد هذه القرون الطويلة بمحبة وإعجاب شديدين من لدن رجالٍ من هذه الإنسانية لم ينتموا حتى إلى دينه ناهيك عن مذهبه، وكأن إشعاع هذه الشخصية لا تُحجب بسُحُبٍ، وهي كالشمس الساطعة التي تمنح الحياة والنور والصحة، وتتوهّج على الدوام إلى آخر الدهر.
عبر هذا الوهج حاولنا أن نغور في عمق التاريخ وننتقي لقطات من السيرة العلوية التي واكبت السيرة النبوية، لتضيف القليل القليل إلى الكمّ الذي قيل وكُتب عنه عليه السلام، واخترنا روايات من كتب أخواننا أهل السنة أتباع مدرسة الخلفاء كتاب مسند احمد بن حنبل من المجموعة الحديثية المعتبرة لنشاهد فضائله ومناقبه ومنزلته عند اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله، وجعلناها ضمن تصنيف موضوعي، مع إضافة بعض التعليقات المناسبة، نقلنا الاحاديث، نصاً، من مسند احمد بن حنبل بدون اي تصرف، حفظاً للامانة، ومن اللّه التوفيق…
١- علي بن أبي طالب عليه السلام أول مؤمن في الإسلام
«أجَعَلتُم سِقايَةَ الْحآجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ واليوم الآخِرِ..»(١٩ التوبة).
يمكننا، وكل منصف، معرفة عمقِ ايمان الامام علي عليه السلام وتوحيده الخالص للّه ، ونفوره من المشركين، يمكننا ذلك من خلال الاطلاع علي الاحاديث التالية:
حدثني عبداللّه حدثني أبي ثنى أسباط بن محمد ثنى نعيم بن حكيم المدائني عن ابن مريم عن علي (رض) قال: «انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : إجلس، وصعد على منكبَّي [١]، فذهبت لأنهض به فرأى منّي ضعفا(!!) فنزل وجلس لي نبي اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إصعد على منكبَّي، قال: فصعدت على منكبيه، قال: فنهض بي، قال: فإنه يُخيّل إلى أنّي لو شئت لنلتُ أفق السماء حتى صعدت على البيت (الكعبة) وعليه تمثال صِفر أوىنُحاس فجعلت أزاوله (أعمل على إزالته) عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنتُ منه (تمكنت من ازاحته) قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : إقذف به (إرمه أسفلاً)، فقذفت به فتكسَّر كما تتكسّر القوارير (الأواني الزجاجية)، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم (أسرعنا في الجري) نستبق (يسبق بعضنا بعضا) حتى توارينا (اختفينا) بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس» [٢] .
حدثني عبد اللّه حدثني اُبي ثنى وكيع ثنى سفيان عن حبيب عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي قال: «قال لي علي: أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته [٣] ولا قبرا مشرقا إلاّ سوّيته (جعلته في مستوى الأرض)» [٤] .
حدثني عبد اللّه حدثني نصربن علي ثنى عبداللّه بن داود عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن علي (رض) قال: «كان علي الكعبة أصنام، فذهبت لأحمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليها فلم أستطع، فحملني فجعلت أقطعها ولوشئت لنلت السماء» [٥] .
حدثني عبداللّه حدثني أبوداود المباركي سليمان بن محمد ثنى أبوشهاب عن شعبه عن الحكم عن ابي الموّرع عن علي قال: «كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فقال:”من يأتي المدينة فلا يدع قبرا إلاّ سوّاه، ولا صورة إلاّ طلّخها، ولا وثني إلاّ كسّره. قال: فقام رجل فقال: أنا، ثم هاب أهل المدينة (خافهم) فجلس، قال علي (رض): فانطلقت ثم جئت فقلت، يارسول اللّه لم أدع بالمدينة (لم أترك فيها) قبرا إلاّ سوّيته ولا صورة إلاّ طلختها ولا وثني إلاّ كسّرته”» [٦] .
حدثني عبد اللّه حدثني اُبي ثنى يزيد أنبأنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني، قال: سمعت عليا (رض) يقول: «أنا أول رجل صلى مع رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم » [٧] .
حدثني عبداللّه ، ثنى…عن…(بعد ضحك الامام علي عليه السلام تعجّبا لقول أبيه) ثم قال عليه السلام : الّلهم لا أعترف أنّ عبدا لك من هذه الأمة عبدَك قبلي غير نبيّك (قالها٣ مرات)، لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا» [٨] .
* نقد، تحليل واستنتاج
١- من الجملة (فرأى منّي ضعفا) يتبادر إلى الذهن أن الدعوة كانت في بدايتها وأنه عليه السلام كان حدثا صغير السن، ورغم ذلك لم يكن أحدٌ غيره مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هدم الأصنام وتطهير البيت منها.
٢- معاناته ومكابدته عليه السلام في زعزعة الأصنام وقلعها وهي مصنوعة من المعدن الصلب الثقيل من قبيل النحاس والصفر، دليل آخر على حداثة سنّه وصغر عمره.
٣- فرارهما وتواريهما صلى الله عليه وآله وسلم وعليه السلام بالبيوت خشية ايذاء الناس، يدلّ على أن الدعوة لازالت في مرحلتها السرية، والإمام لازال حدثا صغير السن، ومع ذلك فهو أوّل من آمن باللّه وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأطاع أوامره ولازمه في جميع الاوقات والحالات.
٤- يتبادر إلى الذهن، من جملة (فإنه يخيّل إلى أني لو شئت لنلت أفق السماء) أنه عليه السلام أحسّ وشعَرَ بكل وجوده بالسمو والرفعة المعنوية وهو يكسّر الأصنام ويلقيها أرضا، ويدرك معنوية القرب له تعالى وهو موحّده ومطيع لأوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
أولاً وأخيرا، أنه عليه السلام قد عمل بما عمل به أبيه النبي ابراهيم عليه السلام في تحطيم الاصنام وتكسيرها وتطهير الأرض من رجسها.
٢- خشيةُ الإمام علي عليه السلام من اللّه فقط
لم يخْشَ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أحدا سوى اللّه تعالى، وما أخذته في أعماله إلى اللّه لومة لائم، والتاريخ أمضى شاهد على ذلك،..لنرى ما جاء في الحديث التالي:
حدثني عبداللّه حدثني شيبان أبومحمد ثنى حماد يعني إبن سلمة أنبأنا حجاج بن وطاة عن الحكم بن عتيبة عن أبي محمد الهذلي عن علي بن أبي طالب (رض): «ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً من الأنصار أن يسوّي كل قبر وأن يلطّخ كلَّ صنم؛ فقال (الرجل): يارسول اللّه إنّي أكره أن أدخل بيوت قومي، قال عليه السلام : فأرسلني، فلما جئت قال صلى الله عليه وآله وسلم : ياعلي لاتكونن فتانا ولا مختالاً ولاتاجرا إلاّ تاجر خير، فإن اولئك مسوّفون في العمل» [٩] .
٣- شرف الإنفراد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينله إلاّ علي عليه السلام
إن الإمام علي عليه السلام ولمكانته ورفيع مقامه، كان الوحيد الذي متى ما شاء لقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن له والأحاديث التالية أصدق شاهد على ذلك:
حدثني عبداللّه ثنى اٌبي ثنى ابي أبوسعيد ثنى عبد الواحد بن زياد الثقفي ثنى عمارة بن القعقاع عن الحارث بن يزيد العكلي عن أبي زرعة عن عبداللّه بن نجي قال: قال علي: «كانت لي ساعة من السَّحَر أدخل فيها على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن كان قائما يصلي سبّح لي فكان ذاك إذنُه، وإن لم يكن يصلي أذنَ لي» [١٠].
حدثني عبداللّه حدثني أبو كريب محمد بن العلاء حدثني ابن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال علي (رض): «كنت آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأستأذن، فإن كان في صلاة سبّح لي، وإن كان في غير صلاة أذن لي» [١١] .
حدثني عبداللّه ، حدثني أُبي ثنى يحيى بن آدم ثنى ابن المبارك عن يحيى عن عبيداللّه بن زحرعن علي بن زيد بن القاسم عن أبي أمامه عن علي (رض) قال: «كنت إذا استأذنت على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، ان كان في صلاة سبّح وإن كان غير ذلك أذن» [١٢].
حدثني عبد اللّه حدثني ابوكريب محمد بن العلاء.. عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال علي (رض): «كنت آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأستأذن، فإن كان في صلاة سبّح، وإن كان في غير صلاة أذن لي»[١٣] .
حدثني عبداللّه ثنى أُبي ثنى علي بن اسحاق أنبأنا علي بن اسحاق أنبأنا عبداللّه أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبيداللّه بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة: «أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخبره أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فكنت إذا وجدته يصلي سبّح فدخلت، وإذا لم يكن يصلي أذن» [١٤] .
حدثني عبد اللّه حدثني أُبي ثنى عبدالرزاق أخبرنا سفيان عن جابر بن عبداللّه بن نجي عن علي (رض) قال: «كنت آتي رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كل غداة، فإذا تنحنَحَ دخلت وإذا سكت لم أدخل» [١٥] .
حدثني عبداللّه ثنى أُبي حدثني محمد بن جعفر ثنى شعبه عن جابر قال: سمعت عبداللّه بن نجي يحدّث عن علي (رض) قال: كانت لي ساعة من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من الليل ينفعني اللّه عزوجل بما شاء أن ينفعني بها..» [١٦] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى أبوبكر بن عياش ثنى مغيرة بن مقسم ثنى الحارث العكلي عن عبيداللّه بن نجي قال: قال علي (رض): «كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مدخلان بالليل والنهار، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح، فأتيته…[١٧] .
«وهل الشمس يحجبها الغربال؟»
* نقد، تحليل، واستنتاج
من خلال استقرائنا للاحاديث الآنفة الذكر، نفهم:
١- إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخصص لأحد غيره عليه السلام في حياته مثل ذلك الوقت السحر الذي هو وقت الوصل والمناجاة مع المحبوب الخالق لينهل منه ما يقوّيه على السبح في النهار “إنّ لك في النهار سبحا طويلا” مع اولئك الذين قال اللّه تعالى عنهم “لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن اللّه ألّف بينهم” لإصلاحهم ولهدايتهم،..فنرى أنه صلى الله عليه وآله وسلم يخصص ساعة من ذلك الوقت الغالي ، الثمين للإنفراد بوصيّه وعضيده وخليله وحامل رايته في الدارين وأبى ولَدَيه، الإمام علي عليه السلام ليزقّه العلم اللّدنّي ويودعه أسراره ويناجيه ويستقوي بعضهم ببعض، وربما يخفّف بعضهم عن بعض،.. فيا ترى ما كانت تحمل وتضمّ تلك الخلوات في طياتها؟! تحمل الانس؟ تخفف الهموم؟ الاستقواء ببعض؟ ايداع الأسرار؟ أم…؟ أم…؟… فالحقّ لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى جدّه، الآمرُ بها!!
٢- لماذا في السحر؟ ولماذا مع علي عليه السلام لا مع غيره؟!!
حسب تصوّري: لينفردا بعيدا عن عيون الحاسدين التي يمكنها تحمّل دخول الشوك إليها ولا تحمّل رؤية هذين الشريفين الكريمين الخليلين الطاهرين معا، وليكون هو تعالى ثالثهم، لا، بل أوّلهم، كالمعلم الذي يُشرف على تلميذيْه المخلصَيْن المخلَصَيْن من عباده،..
أما من خلال قراءة الجزء الأخير من الحديث (الذي لم نذكره) يذكر مرة وينعدم ذكره اُخرى، بالرغم من النقل عن نفس الراوي، فهو بلا أدنى شك أو ترديد، موضوع، وما وضعه إلاّ للتقليل من شأن الحديث وأهميته، والحطّ منه، والنيل منه،.. فهل يُعقل أن يدخل جرو بيت النبوة والعصمة والطهارة، ولا يشعر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الامام عليه السلام ويختبئ هذا الحيوان تحت سرير خاص للوليد (الحسن عليه السلام )؟؟ وكيف يركن ويسكن الحيوان بدون أدنى حركة وصوت بحيث لا يعلم به من في البيت؟؟ وهل يعقل عاقل أن البيت الذي طهّر اللّه أهله وأذهب عنهم الرجس يسكن فيه جرو؟!! أين وجدانكم وذمّتكم يا من نقلتم الحديث، ويامن كتبتموه وتناقلتموه وصدّقتموه؟!!
في نهاية الحديث (١٢٥١) يذكر أن ناقله غير موثق ولايُصدّق به، وما جاء في هذا الحديث نفس مضمون ما جاء فيما سبقه من الأحاديث!!
٤ – قضاء علي عليه السلام أو علي عليه السلام والقضاء
رغم أن الاحاديث خير ناطق وأبين قائل، الاّ إنّنا أحببنا أن نضيف إلى بيانها، وهو: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلمه بعظمة وخطورة وأهمية مسؤولية القضاء، أناطها بالإمام علي عليه السلام ، رغم أنه عليه السلام في ريعان شبابه المرحلة التي يكون فيها الإنسان عرَضا لتقاذف أمواج أهوائه النفسية وتأثّره بمختلف الرياح والأعاصير، إلاّ من ثبت اللّه قلبه على اليقين ولم يزغه، وثبت قدمه ولم يزلّها وكان ذلك الإمام علي عليه السلام ، وقد اختاره اللّه تعالى على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وما ينطق عن الهوى ليكون قاضيا في حكومته صلى الله عليه وآله وسلم الإلهية، وليحكم بما أنزل اللّه جلّ وعلا وبما أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكل صلابة ويقين ورباطة جأش، لايخاف في اللّه لومة لائم،.. لنطلّع على ماجاء في هذا الصدد:
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى يحيى من الاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي (رض) قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن، قال: قلت تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لي بالقضاء؟! قال صلى الله عليه وآله وسلم : إن اللّه سيهدي لسانك ويثبت قلبك، قال عليه السلام : فما شككت في قضاء بين اثنين بعد» [١٨] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى يحيى بن آدم ثنى اسرائيل عن ابي اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي (رض) قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقلت: يارسول اللّه ، إنك تبعثني إلى قوم هم أسنّ مني لأقضي بينهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : إذهب، فإن اللّه تعالى سيثبت لسانك ويهدي قلبك» [١٩].
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى عفان ثنى محمد بن جعفر ثنى شعبه عن عمروبن مرة قال: سمعت أبا البختري الطائي قال: أخبرني مَنْ سمع عليا (رض) يقول: «لمّا بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقلت: تبعثني وأنا رجل حديث السن وليس لي علم بكثير من القضاء؟! قال عليه السلام : فضرب صدري رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إذهب فإن اللّه عزوجلّ سيثبّت لسانك ويهدي قلبك، قال: فما أعياني قضاء بين إثنين» [٢٠] .
حدثني عبداللّه ثنى أُبي ثنى اسود بن عامر ثنى شريك عن سماك عن حنش عن علي (رض) قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، قال: فقلت يارسول اللّه تبعثني إلى قوم أسنّ منّي وأنا حديث لا أبصر القضاء (لا علم لي بالقضاء)(!)، قال: فوضع يده على صدري وقال: اللهم ثبّت لسانه، وأهد قلبه، ياعلي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء، قال: فما اختلف عليّ قضاء بعد، أو ما أشكل عليّ قضاء بعد» [٢١].
حدثني عبداللّه حدثني محرز بن عون بن أبي عون ثنى شريك عن سماك عن حنش عن علي (رض) قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قاضيا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا جاءك الخصمان فلا تقضي على أحدهما حتى تسمع من الاخر، فإنه يبيّن لك القضاء». [٢٢]
حدثني عبداللّه حدثني أبوالربيع الزهراني وثنى علي بن حكيم الأودي وحدثني محمد بن جعفر الوركني وثنى زكريا بن يحيى زحمويه وحدثني عبداللّه بن عامر بن زرارة الحضرمي وحدثني داود بن عمرو الضبي قالوا: ثنى شريك عن سماك عن حنش عن علي (رض) قال: «بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت: تبعثني إلى قوم وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء، فوضع يده على صدري فقال: ثبّتك اللّه وسدّدك، إذا جائك الخصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع من الآخر، فإنه أجدر أن يبيّن لك القضاء. فقال عليه السلام : فما زلت قاضيا» وهذا لفظ حديث داود بن عمرو الضبي وبعضهم أتمّ كلاما من بعض. [٢٣]
حدثني عبداللّه ثنى محمد بن سليمان لوين وثنى محمد بن جابر عن جابر عن سمان بن حنش عن علي بن أبي طالب (رض) قال: «بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاضيا إلى اليمن…» فذكر الحديث، قال صلى الله عليه وآله وسلم : «إن اللّه مثبّت قلبك وهادٍ فؤادك، فذكر الحديث. قال لوين: وثنى شريك عن سمان بن حنش عن علي (رض) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل معناه» [٢٤] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى يحيى بن آدم ثنى اسرائيل عن ابي اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي (رض) قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقلت: إنك تبعثني إلى قوم هم أسنّ مني لأقضي بينهم!! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذهب، فإن اللّه سيهدي قلبك ويثبت لسانك» [٢٥].
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى بهز وعفان المعنى، قالا: ثنى حماد بن سلمة أخبرنا سمان بن حنش بن المعتمر: «أن عليا (رض) كان باليمن فاحتفروا زبية للأسد، فجاء حتى وقع فيها رجل وتعلق بآخر وتعلق الآخر بالآخر حتى صاروا أربعة، فجرحهم الأسد فيها، فمنهم من مات فيها ومنهم من أخرج فمات، قال: فتنازعوا في ذلك حتى أخذوا السلاح، قال: فأتاهم علي (رض) فقال: ويلكم! تقتتلون مئتي انسان في شأن أربعة أناسي؟، تعالوا أقضي بقضاء، فإن رضيتم به، وإلاّ فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: فقضي للأول ربع ديّة وللثاني ثلث دية، وللثالث نصف دية، وللرابع الدية كامله. قال: فرضى بعضهم وكره بعضهم، وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا، قال: فارتفعوا إلى النبي (رفعوا القضية ونقلوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) قال بهز: قال حماد: أحسبه قال: كان متكئاً فاحتبى – قال صلى الله عليه وآله وسلم سأقضي بينكم بقضاء، قال: فأخبر أن عليا (رض) قضى بكذا وكذا، قال: فأمضى قضاءه». قال عفان: سأقضي بينكم. (توضيح: عفان يُكذّب بهزا وحمادا، ومراده عفان من هذه الجملة: انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل قضاء الإمام علي عليه السلام وسيقضي هو صلى الله عليه وآله وسلم ). [٢٦]
حدثني عبد اللّه حدثني أبي ثنى ابوسعيد ثنى اسرائيل ثنى سمان عن حنش عن علي (رض) قال: «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فانتهينا (وصلنا) إلى قوم بنوا زبية للأسد (حفرة لصيد الاسود والسباع)، فبيناهم كذلك يتدافعون، اذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق رجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة (تعلق أحدهم بالآخر استنقاذا من السقوط في الزبية)، فجرحهم الأسد، فانتدب رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحاتهم كلّهم، فقاموا أولياء الاول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم علي (رض) علي تفيئة ذلك، فقال: تريدون أن تتقاتلوا ورسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم حي؟ إنّي أقضي بينكم قضاءً إن رضيتم فهوالقضاء (الفصل) وإلاّ حجز بعضكم عن بعض (ابتعدتم عن بعض وامتنعتم عن القتال) حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون هوالذي يقضي بينكم، فمن عدا ذلك (فمن تعدّي وتجاوز) فلاحقّ له إجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر (الزبية) ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة، فللأول الربع لأنه هلك من فوقه (أي: أنه كان سببا لمن مات بعد جرّه معه) وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، فأبوا أن يرضوا (رفضوا قضاءه)، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهوعند مقام ابراهيم عليه السلام ، فقصّوا عليه القصّة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أنا أقضي بينكم وأحتبي [٢٧] ، فقال رجل من القوم: إن عليا قضي بيننا فقصّوا عليه القصّة فأجازه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم (أيّده وكفّ عن التكرار). [٢٨]
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى بهز ثنى حماد أنبأنا سمان عن حنش أن عليا (رض) قال: “وللرابع الدية كاملة” [٢٩] .
* توضيح :
الف) الشخص الأول الذي سقط في الزبية هو الذي تسبب في موت الثاني الذي جرّه معه إلى البئر وتسبب في هلاكه، والثاني هكذا،.. إلاّ أن الرابع والأخير الذي سقط ومات كان الثالث جرّه وسبّب هلاكه، إلاّ أنه الرابع لم يتسبب في هلاك أحد، لذلك استحق الدية كاملة.
ب) الحبوة: ما يحتبي به، أي: يشتمل به من ثوب أوعمامة.
وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده علي صدر الإمام علي عليه السلام ، إنّها اليد الالهية: «…ولكن اللّه رمى: يد اللّه على يدك» أي: منحه التفقُّه والتقوى واليقين الإلهي الذي مركزه القلب، واللسان هو المعبّر عنه، وهو الذي يتفوّه بكلمة الفصل.
حدثني عبد اللّه حدثني أُبي ثنى حسين بن محمد ثنى شعبة عن سلمة والمجالد عن الشعبي أنهما سمعاه يحدّث: «أن عليا (رض) حين رجم المرأة من أهل الكوفة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلد بكتاب اللّه ، وأرجمها بسنّة نبي اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ». [٣٠]
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى محمد بن جعفر ثنى شعبة عن سلمة بن كهيل الشعبي “أن عليا (رض) جلدَ شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلدها بكتاب اللّه وأرجمها بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ” [٣١] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى هشيم وأبو ابراهيم المعقب عن هشيم أنبأنا حصين عن الشعبي قال: «أُتي علي بمولاة لسعيد بن قيس محصنة قد فجرت، قال: فضربها مئة ثم رجمها ثم قال: جلدتها بكتاب اللّه ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم » [٣٢] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرنا مجالد عن عامر قال: «حملت شراحة وكان زوجها غائبا، فانطلق بها مولاها إلى علي (رض)، فقال لها عليٌ : لعل زوجك جاءك أو لعل أحدا استكرهك على نفسك، قالت: لا، وأقرّت بالزنا، فجلدها علي (رض) يوم الخميس أنا شاهده ورجمها يوم الجمعة وأنا شاهده فأمر بها فحفر لها إلى السرة ثم قال: إن الرجم سنّة من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت نزلت آية الرجم فهلك من كان يقرؤها،..» [٣٣].
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى محمد بن جعفر ثنى سعيد عن قتادة عن الشعبي: «إن شراحة الهمدانية أتت عليا (رض) فقالت: إني زنيت، فقال: لعلك.. لعلك رأيتِ في منامك، لعلك استُكرهتِ، فكلّ تقول: لا، فجلدها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة. وقال: جلدتها بكتاب اللّه ورجمتها بسنّة نبي اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ». [٣٤]
* شرح :
لقد بذل الامام علي عليه السلام جُلّ جهده وتمام سعيه للوصول إلى اليقين في قضائه، وذلك لإصدار الحكم، وهو مطمئن، وليس فيه شائبة شك أو ترديد، لنرى كيف أصدر حكمه في امرأة اعترفت على نفسها:
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى بهز بن حماد بن سلمة أنبأنا سلمة بن كهيل عن الشعبي: «أنّ عليا (رض) قال لشراحة: لعلّكِ استُكرهت، لعل زوجك أتاك، لعلّكِ، لعلَّكِ، قالت: لا، قال: فلما وضعت مافي بطنها جلدها ثم رجمها، فقيل له جلدتها ثم رجمتها؟! قال: جلدتها بكتاب اللّه ، ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم » [٣٥] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى عفان ثنى حماد عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان الجني: «إنّ عمر بن الخطاب (رض) أتي بامرأة زنت فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي عليه السلام فقال: ماهذه ؟ قالوا: زنت، فأمر عمر برجمها، فانتزعها (أخذها بالقوة) عليٌ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر (رض) فقال: ماردّكم؟ قالوا: ردّنا علي (رض)، قال: مافعل هذا علي إلاّ لشيء قد علمه، فأرسل إلى علي فجاء وهو شبه المغضب، فقال: مالك رددت هؤلاء؟ قال عليه السلام : أما سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل» (يعني: ثلاثة لا يشملهم حكم القصاص والحدّ) » [٣٦] .
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى ابوسعيد ثنى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان: “أن عليا (رض) قال لعمر: يا أمير المؤمنين، أما سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل (؟!)». [٣٧]
* توضيح وتذكير :
أن القضاء هو أساس الحكومة الإسلامية، وإذا اختلّ أو فسد، فسدت أنظمة الدولة تبعا لذلك، ولذلك نرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أودعه عليه السلام مسؤولية ذلك، وما عمله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك إلاّ دليل لإثبات أهليته وولايته وخلافته عليه السلام على الامة، بل أن أساس ذلك هو عدله ودقّة قضائه عليه السلام.
* نقد، تحليل، واستنتاج
الف ) الملفت للانتباه، والجدير بالذكر، أن تأكيده عليه السلام في الاحاديث المارّة الذكر، على الالتزام بكتاب اللّه وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، حسب اعتقادي هو جوابه لمن قال له عليه السلام : إن كنت عملت بسنّة رسول اللّه (رض) وسنّة الخلفاء الراشدين ولّيناك علينا،!!.. لذلك نراه عليه السلام في كل مقام مناسب يؤكد التزامه وتمسّكه بكتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكأنه عليه السلام يريد أن يقول: أن لا أحد يلتزم بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم غيري،.. فصدقت يا أبا الحسن، وأنت الفاروق الصدّيق المصدّق.
ب) نستنتج من قضائه عليه السلام انه حريص، ومنذ شبابه، وهذه جبّلته، على حقن الدماء ووحدة المجتمع والامة،، ذاك في حادثة الزبية ، أما في قضية الرجم، فالإمام علي عليه السلام حاول في وضعه التبريرات أمام المرأة علّه يجعل سبيلاً وثغرة للخلاص مما هي فيه، ليس لطمس الحقيقة، بل لحفظ العفة والحياء في المجتمع الإسلامي، وعدم إماطة لثام الستر والعفّة والحياء الذي هو خلُق الإسلام،..
أما قوله: أما سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول:…، وتذكيره، يبيّن أنه عليه السلام الوحيد الذي يحفظ ويقرّ بكل ما قال به رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ولا ينسى منه أدنى شيء،…
٥- الامام أمير المؤمنين عليه السلام كان يحمل كتاب اللّه وقوانينه معا
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى يحيى بن آدم ثنى شريك عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: «رأيت عليا (رض) على المنبر يخطب وعليه سيف حليته حديد، فسمعته يقول: واللّه ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلاّ كتاب اللّه تعالى وهذه الصحيفة أعطانيها رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فيها فرائض الصدقة، قال: لصحيفة معلّقة في سيفه». [٣٨]
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى هاشم بن القاسم ثنى شريك عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: «شهدت عليا (رض) وهو يقول على المنبر: واللّه ماعندنا كتاب نقرؤه عليكم إلاّ كتاب اللّه تعالى وهذه الصحيفة معلقة بسيفي أخذتها من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فيها فرائض الصدقة معلّقة بسيف له حليته حديد، أو قال: بكراته حديد، أي حلقته». [٣٩]
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى عبد الرحمن عن سفيان عن الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن علي (رض) قال: «ماعندنا شيء إلاّ كتاب اللّه تعالى وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : المدينة حرام ما بين عاثر إلى ثور (حدودها)، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لايقبل منه عدل ولا صرف، وقال: ذمّة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قوماً بغير اذن مواليه (من رشّح وولى نفسه خليفه دون اذن ولاته ) فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل [٤٠].
حدثني عبدالله حدثني أُبي ثنى محمد بن جعفر ثنى شعبة، سمعت القاسم بن أبي برزة يحدّث عن ابي الطفيل قال: سُئل عليّ (رض): هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيءٍ؟ فقال : ما خصّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشي ء لم يعمّ الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا؛ قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الارض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً [٤١].
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى بهز ثنى همام أنبأنا قتادة عن أبي حسان: «أن عليا (رض) كان يأمر بالأمر فيؤتى فيقال: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق اللّه ورسوله [٤٢]، قال: فقال له الاشتر: إن هذا الذي تقول قد تفشغ [٤٣] فيه الناس، أفشيء عهده إليك رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ؟ [٤٤] .
قال علي (رض): ماعهد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم شيئا خاصا دون الناس إلاّ شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب (غلاف) سيفي، قال: فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، قال: فإذا فيها: من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، قال: وإذا فيها: إن ابراهيم عليه السلام حرّم مكة وإنّي أحرم المدينة حرام ما بين حريتها وحماها كله لا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلاّ لمن أشار بها، ولا تقطع منها شجرة إلاّ أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال، قال: وإذا فيها: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم [٤٥] ، وهم يدٌ على من سواهم، ألا لا يُقتل مؤمن بكافر ولا ذوعهد في عهده» [٤٦].
حدثني عبداللّه حدثني أبي ثنى محمد بن جعفر ثنى شعبه عن سليمان عن ابراهيم القيمي عن الحارث عن سويد، قال: قيل لعلي (رض): «إن رسولكم كان يخصّكم بشيء دون الناس عامة؟ قال: ما خصّنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بشيء لم يخص به الناس إلاّ بشيء في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل، وفيها: أن المدينة حرم بين ثور إلى عاثر، من أحدث فيها أو آوى محدثا فإن عليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل، وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفَر مسلما فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، لايقبل منه يوم القيامة صرف ولاعدل، ومن تولّى مولى بغير إذنهم فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل». [٤٧]
* توضيح :
١- أنّ سؤال الناس: هل خصّكم…، يدلّ علي علمهم، علم اليقين، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خصّ أهل بيته بأشياء.
أما الذين يشمهلم اللعن، فهو إشارة إلى ما سيفعله بنو أمية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وبأهلها، يعني واقعة الحرة ومقتل أهل المدينة علي يد جيش يزيد بن معاوية.
حدثني عبداللّه حدثني أُبي ثنى محمد بن جعفر ثنى شعبة قال: سمعت القاسم بن أبي بزة يحدّث عن الطفيل، قال: سُئل علي (رض): هل خصّكم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بشيء؟ فقال: ما خصّنا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بشيء لم يعمّ به الناس كافّة إلاّ ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة فيها مكتوب: لعن اللّه من ذبح لغير اللّه ، لعن اللّه من سرق منار الأرض، ولعن اللّه من لعن والده، ولعن اللّه من آوى محدثا». [٤٨]
* تحليل، نقد، واستنتاج
من خلال تأمّلنا في السؤال الذي يُسئل به الإمام علي عليه السلام : هل خصّكم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بشيء؟ والجواب لم يكن نفياً قاطعا، بل مستثنىا، وكذلك نرى أن شاع بين الناس ما خُصّ به الإمام،.. ولو جمعنا اجابات الإمام علي عليه السلام نراه يؤكد على:
١ – حفظ حرمة المدينة، حرمة أهلها المسلمين، وحرمة العهد الذي بينهم (عهد الأخوة الإسلامية)… ومن أحدث في المدينة أو آوى محدثا فعليه اللعنة، وفيه إشارة صريحة واضحة إلى ما سيحدثه بنو أمية، وقد أحدثه يزيد بن معاوية وكانت واقعة الحرة المفجعة. وفي هذا الحديث يتجلّى بوضوح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أودع أمين سره ووصيه ما سيحدث في المستقبل وهو مما كان يودعه عند اختلائه صلى الله عليه وآله وسلم به عليه السلام في الاوقات المخصصة وتناجيهما معا،.. وأنباء أن من يستبيح المدينة يستبيح أهل بيت نبيّها صلى الله عليه وآله وسلم .
٢ – فرائض الصدقة: وهي حقوق المسلمين الواجب على الولي ومن يتصدى الأمور حفظها وأدائها إلى أهلها ومن يستحقها بشكل يحفظ كرامة وشخصية الفرد المسلم.
٣ – العقل، فكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر، والذي سمّى الإمام عليه السلام هذه الأحكام: «فهمٌ يؤتيه اللّه عزّوجل رجلاً في القرآن أو ما في الصحيفة» وهذه الأحكام تخصّ القاضي والولي العادل الذي بيده أمور المسلمين، ولعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم استيعاب الناس لها، فخصّها عليا عليه السلام .أما لو يسأل سائل: لماذا خصّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا (رض) بهذه الصحيفة، ما عسى أن يكون الجواب؟
الجواب واضح وصريح لمن فتح اللّه بصيرته، ولم يقفل قلبه بسوء نيّته وعمله،.. وهو :
الف) إنّ هذه الأمور لا يمكن لأحد حفظها وأداءها إلاّ من كان وليا ووصيا، ومن سمت وعلت روحه حتى صار إلهيّا، وهو الإمام المعصوم.
ب) أنها (الصحيفة) عُلقَت بالسيف وزُيّنَ السيف بها كما يُزيّن المجاهد به السيف ، وأي مجاهد، المجاهد الذي دافع بسيفه عن الإسلام ونبي الإسلام، فهو اليوم يدافع عنها، لتبقى الصحيفة أبدا في يد معصوم، لأنها الصحيفة المبيّن فيها أهم الأحكام التي هي دعائم صرح الإسلام الخالد.
وما هذه الصحيفة، وحملها من قبَل الإمام عليه السلام مع سيفه إلاّ شاهدا على:
١) إنه المعتمد الوحيد والمخلص الأوحد لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم .
٢) إنه الخليفة والإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
٣) شاهد صدق لمظلومية الإمام عليه السلام .
٤) تحديا لمن منع كتابة الحديث وجمعه، بُغية طمس الحق وإخفائه، لذلك شهرها الإمام عليه السلام بتعليقها بقراب سيفه.
٥) أهميتها كأهمية السيف في الجهاد وإقامة العدل.
وأخيرا نذكر حديثا في هذا الصدد دعما لما قلنا :
حدثني محمد بن الحسن عن صفوان عن ابن مسكان عن حجر عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عمّا يتحدث الناس انه دُفعت إلى أمِّ سلمة صحيفة مختومة، قال: إن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لما قُبض ورث علي عليه السلام سلاحه وما هنالك ثم صار إلى الحسن والحسين، فلّما خشيا أن يُفتّشا استودعا أم سلمة، ثم قبضا بعد ذلك، فصار إلى ابنه علي بن الحسين ثم انتهى إليك أوصار إليك، قال: نعم». [٤٩]
—————————————————————————–
[١] . منكبي: المكان الذي يجتمع فيه الكتف مع رأس العضد . معجم لغات الفقهاء، د.محمد رواس قلعة چي ص ٤٦٥.
[٢] . احمد بن حنبل، مسند،ج١، ص ١٣٦، ح ٦٤٥ .
[٣] . طمس: استأصل أثره، محاه . المنجد/٤٧١.
[٤] . مسند احمد حنبل ، ج١، ص١٥٤، ح ٧٤٣ .
[٥] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٤، ح ١٣٠٤ .
[٦] . مسند احمد بن حنبل، ج١، صص٢٢٣ ٢٢٤، ح١١٧٤ .
[٧] . نفس المصدر، ج١، ص٢٢٥، ح ١١٩٥ .
[٨] . نفس المصدر، ج١، ص ١٦٠، ح ٧٧٨ .
[٩] . نفس المصدر، ج١، ص٢٢٤، ح ١١٨٠ .
[١٠] . نفس المصدر، ج١، ص١٢٤، ح ٥٧١.
[١١] . نفس المصدر، ج١، ص ١٢٨، ح ٥٩٩ .
[١٢] . نفس المصدر، ج١، ص١٥٦، ح ٧٦٩ .
[١٣] . نفس المصدر، ج١، ص١٦٤، ح ٨١١.
[١٤] . نفس المصدر، ج١، ص١٨١، ح ٩٠١ .
[١٥] . نفس المصدر، ج١، ص١٧٢، ح ٨٤٧ .
[١٦] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٣، ح ١٢٩٢ .
[١٧] . نفس المصدر، ج١، ح ٦٠٩ .
[١٨] . نفس المصدر، ج١، ص١٣٥، ح ٦٣٧ .
[١٩] . نفس المصدر، ج١، ص١٤١، ح ٦٦٨ .
[٢٠] . نفس المصدر، ج١، ص٢١٩، ح١١٤٩.
[٢١] . نفس المصدر، ج١، ص١٧٨، ح ٨٨٤.
[٢٢] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤١، ح ١٢٨٣.
[٢٣] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤١، ح ١٢٨٤
[٢٤] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤١، ح ١٢٨٥.
[٢٥] . نفس المصدر ج١،ص٢٥٢، ح ١٣٤٤.
[٢٦] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٦، ح ١٣١٢.
[٢٧] . أحتبى: الحبوة: مايحتبى به: أي يشتمل به من ثوب أوعمامة . المنجد/١١٥.
[٢٨] . نفس المصدر، ج١، صص١٢٤١٢٥، ح٥٧٤.
[٢٩] . نفس المصدر، ج١، ص١٢٥، ح ٥٧٥.
[٣٠] . نفس المصدر، ج١، ص١٥١، ح ٧١٨.
[٣١] . نفس المصدر، ج١، ص١٧٢، ح ٨٤١.
[٣٢] . نفس المصدر، ج١، ص١٨٧، ح ٩٤٥ .
[٣٣] . نفس المصدر، ج١، ح ١٢١٤ .
[٣٤] . نفس المصدر، ج١، ص٢٢٤، ح١١٨٩.
[٣٥] . نفس المصدر ج١، ح ١١٩٤ .
[٣٦] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٩، ح١٣٣٠.
[٣٧] . نفس المصدر، ج١، ص٢٥٥، ح١٣٦٤.
[٣٨] . نفس المصدر ج١، ص١٩٠، ح٩٦٥.
[٣٩] . نفس المصدر، ج١، ص١٦١، ح٧٨٤.
[٤٠] . أخفَر: الخفارة: الذمّة والعهد. خفر العهد: نقضه. أخفر مسلما: نقض الذمة. معجم لغة الفقهاء د.محمد رواس قلعه چي ود.حامد صادق قنيبي . نفس المصدر، ج١،ص ٢٠٣، ح١٠٤٠.
[٤١] . نفس المصدر، ج١، ص١٩٠، ح٩٥٧ .
[٤٢] . عند ما كان يأمرهم الامام عليه السلام ، وهم يعملون به، ويقولون فعلنا كذا وكذا، يقول: صدق اللّه ورسوله، يعني: اني أعلم به، ونبئت به من اللّه ورسوله.
[٤٣] . فشَغَ: اتّسعَ وانتشر، انتشر حتى غطي العين.
[٤٤] . هل أنبأك به رسول الله (ص) من قبل .
[٤٥] . القوي يحمي الضعيف .
[٤٦] . نفس المصدر، ج١، ص١٩١، ح٩٦٢.
[٤٧] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٤، ح١٣٠٠.
[٤٨] . نفس المصدر، ج١، ص٢٤٥، ح١٣٠٩.
[٤٩] . الشيخ ابوجعفر القمي بصائر الدرجات، ج٤/١٧٧.
يتبع …..
المصدر: http://arabic.balaghah.net