نص الشبهة:
يزعم الشيعة: أن علياً كان أحق الناس بالإمامة لثبوت فضله على جميع الصحابة ـ كما يدعون ـ ولكثرة فضائله دونهم، فنقول: هبكم وجدتم لعلي «رضي الله عنه» فضائل معلومة؛ كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسعة العلم والزهد، فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين «رضي الله عنهما»، في مقابل سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر، وغيرهم من المهاجرين والأنصار؟! هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعيه لهما، فلم يبق إلا دعوى النص عليهما، وهذا مالا يعجز عن مثله أحد. ولو استحلت الأموية ـ مثلا ـ أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الشيعة؛ لقوله تعالى: ﴿ … وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ . فسيقولون: المظلوم هو عثمان بن عفان، وقد نصر الله معاوية لتوليه دم عثمان!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: أشار هذا السائل إلى فضائل علي «عليه السلام» بطريقة تشكيكية، توحي بأنه متفضل بإظهار التنازل عن قناعاته بالإعتراف لعلي «عليه السلام» بأن له شيئاً من الفضائل، وكأن وجدان الشيعة لشيء من الفضائل له سيكون عسيراً وشاقاً وصعباً، وغير خال من التجاوز والتعدي عن المألوف والمعروف.
مع أن الكبار الكبار من علماء غير الشيعة يعلمون أنه لم يأت لأحد من الفضائل الصحيحة والمجمع عليها ما جاء لعلي «عليه السلام»، كما قال أحمد بن حنبل 1.
كما أن الشافعي يقول: ما أقول في رجل كتم أعداؤه فضائله حسداً، وكتمها محبوه خوفاً، وخرج ما بين ذين وذين ما طبق الخافقين 2.
ثانياً: إن فضائل الحسنين «عليهما السلام» لا تحتاج إلى إثبات، لأنها هي الأخرى كالنار على المنار، وكالشمس في رائعة النهار، ويكفيهما أنهما ممن نزلت فيهم آية التطهير، وآية المباهلة، وسورة هل أتى، وآية: ﴿ … قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ … ﴾ 3، وغيرها. وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأنهما ريحانتا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأنهما إمامان قاما أو قعدا، وغير ذلك كثير..
ثالثاً: بالنسبة للثلاثة الذين ذكر السائل أنه ليس للحسنين «عليهما السلام» مثل ما لهم من فضائل.. نقول:
ألف: بالنسبة لعبد الله بن عمر نقول: يكفي أن نذكر أن بعضهم أشار على أبيه بإستخلافه، فقال: ويحك، كيف أستخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته؟! 4.
وقد وصفه أمير المؤمنين «عليه السلام» بأنه سيء الخلق صغيراً وكبيراً 5، وبأنه أحمق 6، وبأنه هو وسعد بن أبي وقاص لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل 7، وقد حرمهما «عليه السلام» من الفيء 8..
ويكفي أنه امتنع عن نصرة الحسين «عليه السلام» وبايع يزيد، وبايع رجل الحجاج 9، ولم يبايع علياً «عليه السلام».
وقال علي «عليه السلام»: أما ابن عمر فضعيف، وأما سعد فحسود 10.
ب: وأما بالنسبة لسعد بن أبي وقاص، فإضافة إلى ما ذكرناه آنفاً، نقول:
إنه لما كان والياً على الكوفة أخذ أموالاً من بيت المال ولم يرجعها 11، وعزله عمر عن العراق وقاسمه ماله 12.
ج: أما عبد الرحمان بن عوف، فقد وصفه عمر بن الخطاب: بأنه فرعون هذه الأمة 13، وهو الذي صرف الأمر عن علي «عليه السلام» طمعاً بأن يصل الأمر إليه بعد عثمان 14.
رابعاً: إن الأموية قد جاهرت بالكذب على علي «عليه السلام»، حتى زعموا للناس: أنه «عليه السلام» لا يصلي 15، وحتى وضع معاوية في حقه «عليه السلام» ـ من خلال سمرة بن جندب ـ الحديث الذي يقول: إن قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ 16قد نزل في علي «عليه السلام»..
وأن آية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ 17. قد نزلت في ابن ملجم 18.
إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن عده وحصره.
خامساً: إن معاوية لم يكن ولي الدم بالنسبة لعثمان، فما معنى هذا السعي لإخراج معاوية من دائرة البغي على إمامه بهذه الطريقة؟!
وهل إذا ادعى شخص في الصين أنه ولي دم عثمان يقبل منه، ويصبح له الحق في قتل عشرات الألوف من المسلمين؟!
فكيف إذا علم هذا السائل أن معاوية نفسه قد ساهم في قتل عثمان.. وقد ذكرنا النصوص الدالة على ذلك في إجابتنا على السؤال رقم 107.
وحتى لو كان ولي دم عثمان فعلاً، فهل كان علي «عليه السلام» هو الذي قتل عثمان ليطالبه هو بدمه؟!
وهل كونه ولي دم عثمان يجعل له الحق في الخلافة، ويجعل ذلك نصَّاً عليه فيها؟!
وهل حقق معاوية نصراً على علي «عليه السلام»؟! ولو فرض ذلك، فهل يكون الله تعالى هو الذي نصر معاوية على علي «عليه السلام»؟! أم نصره أولياء الشيطان والبغاة على إمامهم؟!
وهل؟! وهل؟!
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 19.
- 1. راجع: المستدرك للحاكم ج3 ص107 والرياض النضرة ج3 ص165 وينابيع المودة ج1 ص8 و 9 وج2 ص385 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص418 والمناقب للخوارزمي ص34 ومطالب السؤول ص172 والأربعون حديثاً لابن بابويه ص88 والطرائف لابن طاووس ص136 وكشف الغمة ج1 ص166 وبحار الأنوار ج40 ص124 والمراجعات ص254 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص134 عن فرائد السمطين ج1 ص79 وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص122 عن الحاكم، وج5 ص123 عن المناقب للخوارزمي، وج15 ص695 عن ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (ط بيروت) ج3 ص63، وج15 ص697 عن المستدرك، وج21 ص505 وج30 ص42 عن الآلاني الكردي في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) ج2 ص274، وج31 ص554 عن الجزري في «أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب» (ط بيروت) ص19، وج31 ص573 عن الشيخ حسام الدين الحنفي في «آل محمد» (نسخة مكتبة السيد الأشكوري) ص46 وج31 ص580 عن الإستيعاب.
- 2. الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل القمي ص19 وحلية الأبرار ج2 ص136 والأنوار البهية ص71 ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص171 وغاية المرام ج5 ص145 والكنى والألقاب ج2 ص349.
- 3. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
- 4. تاريخ الأمم والملوك ج4 ص227 و 228 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص292 و 293 وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص248 وراجع ص343 وتاريخ الخلفاء ص145 وبحار الأنوار ج28 ص383 وراجع ص384 وج31 ص77 و 78 و 354 و 356 و 385 و 394 وج49 ص279 والغدير ج5 ص360 وراجع ج10 ص39 والشافي في الإمامة ج3 ص197.
وراجع: الإحتجاج ج2 ص320 و (ط دار النعمان) ج2 ص154 والكامل في التاريخ ج3 ص65 ونيل الأوطار ج6 ص164 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص330 و 334 وفتح الباري ج7 ص54 وكنز العمال ج2 ص681 وتقريب المعارف ص349 وقرب الإسناد ص100 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص324 و 325 والإيضاح لابن شاذان ص237 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص922 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص160 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص190. - 5. تاريخ الأمم والملوك ج4 ص428 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص466 والكامل في التاريخ ج3 ص312 وأعيان الشيعة ج1 ص448 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص460 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص206 ـ 207.
- 6. شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص10 والغدير ج10 ص25 وعن جواهر الأخبار ج5 ص71.
- 7. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص63 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص147 وبحار الأنوار ج32 ص244 وج34 ص311.
- 8. إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص139 و (مطبعة النعمان سنة1387) ج1 ص197 وصفين للمنقري ص551 ورجال ابن داود ص48 والتحرير الطاووسي ص74 ونقد الرجال للتفرشي ج2 ص304 وجامع الرواة للأردبيلي ج1 ص353 والدرجات الرفـيعة ص445 وطـرائـف المقـال ج2 ص137 والكنى والألقاب ج1 ص307 ونهج السعادة ج4 ص128.
- 9. شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص242 والعثمانية للجاحظ ص301 والإيضاح لابن شاذان ص73 والتعجب للكراجكي ص152 و 153 والصوارم المهرقة ص96 والقول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ص169 والكنى والألقاب ج1 ص363 وإحقاق الحق (الأصل) ص195.
- 10. الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص52 و (تحقيق الشيري) ج1 ص73 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص27 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص461.
- 11. الأغاني (ط بولاق) ج4 ص178 والكامل في التاريخ ج3 ص82 وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص298 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص311 ومجمع الزوائد ج9 ص154 والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص139 و 140 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص343 وسير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص114.
- 12. راجع: قاموس الرجال ج4 ص414 عن الأغاني، وعن أنساب السمعاني، وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص149 وراجع ص307 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج4 ص477.
- 13. راجع: الإمامة والسياسة ج1 ص24 و (تحقيق الزيني) ج1 ص29 و (تحقيق الشيري) ج1 ص43 وفلك النجاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص127 وحياة الإمام الحسين «عليه السلام» للقرشي ج1 ص309 ودلائل الصدق ج3 ق1 ص117.
- 14. راجع: السقيفة وفدك للجوهري ص89 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص55 وج1 ص196 وكتاب الأربعين للشيرازي ص216 و 217.
- 15. راجع: المعيار والموازنة ص160 والفتوح لابن أعثم ج3 ص196 ووقعة صفين للمنقري ص354 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص36 والكامل في التاريخ ج3 ص313 وتاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص30 والغدير ج9 ص122 وج10 ص290 عن بعضهم، وبحار الأنوار ج33 ص36 والدرجات الرفيعة ص379 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص751.
- 16. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 204، الصفحة: 32.
- 17. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 207، الصفحة: 32.
- 18. راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص73 وكتاب الأربعين للشيرازي ص89 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص262 و 263 والغدير ج11 ص30 وإكليل المنهج للكرباسي ص290 وإحقاق الحق (الأصل) ص196.
- 19. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (81).