يحدث أن يتردّد المرء أو يتهيب عن القيام بأمرٍ ما أو مزاولته بسبب جهله وقلّة معرفته بطبيعة ذلك الأمر، وعدم يقينه بتحقّق النتائج المطلوبة جرّاء القيام بذلك الفعل، وبالتالي قد يعزف عن سلوكه، وأمّا إذا أراد الإقدام عليه بهذا المستوى من الخوف والحذر والقلق فإنّه قد يخفق، وإذا ما نجح فهو لا يحقّق النتيجة الأفضل عند مزاولته ذلك الفعل؛ بسبب الخوف والخشية والريبة الّتي تعتريه.
وعلى العكس تمامًا من المرء الّذي يتحلّى بوعي ما يريد القيام به، ويتّسم بمعرفة طبيعة السلوك الّذي يريد الإقدام عليه، ويعيش إيمانًا راسخًا بتحقّق النتائج المطلوبة جرّاء القيام بذلك الفعل، فإنّ مستوى الحماس ودرجة الإقدام عليه تكون أكبر وأقوى، وبالتالي سوف ينعدم الاكتراث والخوف من نفسه وتزول الخشية عند المبادرة إليه.
وأحوج ما يحتاجه شبابنا اليوم هو وضوح الصورة للأفعال والسلوكيّات الّتي يمارسونها؛ حتى يتضح لهم صحّتها من خطئها، وبالتالي يمكنهم القيام بها بهدوءٍ واطمئنانٍ وثقةٍ، أو تركها والابتعاد عنها عن قناعةٍ وسكونٍ أيضًا.
الوعي النموذجيّ
وهذا ما تجلّى في عليّ بن الحسين الأكبر (عليهما السلام)، وهو يسير بفتوّةٍ وثقةٍ إلى كربلاء، فالإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى تلك الأرض ومعه أصحابه وأهل بيته، وبجانبه ولده عليٌّ الأكبر (عليه السلام)، فتأخذه غفوةٌ وعندما يفيق يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، فيقول عليٌّ لأبيه: ما الخبر يا أبه؟ فيقول: أرى القوم يسيرون والمنايا تسير معهم، عندها التفت عليٌّ الأكبر (عليه السلام) ذلك الفتى اليافع إلى والده وسأله بكلّ ثقةٍ وإيمانٍ سؤال المقرّر لما انطوى عليه قلبه من نور الإيمان: أبه أولسنا على الحقّ؟ قال: بلى والّذي نفسي بيده، فقال عليٌّ الّذي امتلأ فتوّةً وشجاعةً، واتّصف بأجمل الصفات الّتي امتاز بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خَلقًا وخُلقًا ومَنطقًا: «إذنلا نُبالي أوقَعنا على الموت أو وقع الموت علينا». [الجزري، ابن الاثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1987م: 3/411].
فيا ترى كم هي درجة الوعي واليقين الّتي بلغها هذا الفتى الشجاع المؤمن؟ وما هي الحقيقة والمعرفة الّتي تحلّى بها لينطق بمثل هذا الكلام؟!
المصدر: https://aldaleel-inst.com/